كيف تنجز أكثر في وقت أقل أمام شاشة الحاسوب؟

6 دقائق

"لا يوجد سبب واحد يجعل الناس يرغبون باقتناء حاسوب لاستخدامه في المنزل".

هذا ما بدا لـ كين أولسين – مؤسس شركة ديجيتال إكويبمينت ورئيسها – عام 1977 حين فكر في الدور الذي يمكن للحواسيب أن تقوم به في حياة الناس. وقد التمس البعض العذر لصاحب القول – على الرغم من كونه أحد رواد صناعة الحاسوب في العالم – بأنّ حواسيب تلك الأيام كانت كبيرة الحجم لدرجة قد تجعلها تشغل حيز غرفة أو أكثر، إضافة إلى اقتصار استعمالها على مجال معالجة الخوارزميات والعمليات الحسابية المعقدة.

أما اليوم، فلا نكاد نتخيل منزلاً يخلو من حاسوب أو أكثر، سواء كان محمولاً أو ثابتاً في مكانه، لوحياً كان أو كفيّاً أو سوى ذلك. فقد تسللت الحاجة إلى الحوسبة إلى جميع نشاطات حياتنا، وصار يصعب علينا إتمام أي عمل من دون الاستعانة بها بشكل أو بآخر. وزاد من وتيرة هذا الأمر ربط الحواسيب ببعضها عبر شبكة الإنترنت، ما ضاعف من قيمتها وأضاف قوة إلى قوتها، مع تضاؤل حجمها بمرور الزمن.

على سبيل المثال: إذا استوقفك أحد لبرهة وطلب منك سرد ما تستخدم حاسوبك لأجله، فلن يُعييك التفكير كثيراً لتذكر أنك – على الأقل – تستخدمه لمتابعة الأخبار المحلية والعالمية، وللتسوق وشراء الأغراض على اختلاف أنواعها وللتواصل مع الأقرباء والأصحاب حول العالم وللتعلم المستمر والدراسة الأكاديمية، فضلاً عن إنجاز الأعمال التجارية بكل ما يتخللها من عرض وتسويق ومفاوضة وبيع وخدمات لا حصر لها. وهي أمور كنا نمارسها جميعاً خارج إطار الحاسوب: مع التلفاز والمذياع وفي المتاجر والأسواق وباستخدام الهاتف وخدمات البريد الورقي وعلى مقاعد الدراسة في المدارس والجامعات، وصولاً إلى مكاتب العمل وصالات العرض وقاعات الاجتماعات.

لقد ابتلع الحاسوب المتصل بالإنترنت معظم ما كنا نقوم به، وفسح أمامنا بشاشته الصغيرة عالماً لا متناهياً من الفرص والأفكار، وساعدنا على تمديد وجودنا المادي – بكل أبعاده – إلى أماكن لم نكن نحلم بزيارتها أو التواصل مع قاطنيها. لكن هل يعني ذلك أنه قد صار لزاماً علينا الجلوس في منازلنا ومكاتبنا ساعات طويلة متواصلة، مكبلين بغير قيود إلى ذلك الجهاز السحري الصغير بحجة إنجاز ما علينا من أعمال وواجبات؟

لا أحسبك – عزيزي القاريء – تخالفني الرأي في أنّ الجلوس الطويل ليس مقصوداً بحد ذاته، وأنه ليس في مصلحة أحد فينا الاستمرار على هذا المنوال، خاصة إذا علمت أنّ ضرر هذا الأمر قد تفاقم في عصرنا حتى صار البعض يقارن أثر الجلوس الطويل بالتدخين الذي يقتل الملايين سنوياً حول العالم. وبناء على ذلك، فإنّ ما سنعرضه الآن من أساليب لزيادة فاعلية الأداء مع الحاسوب يهدف إلى تمكيننا من رصد مزيد من الوقت والاستراحات في ثنايا يومنا وتخصيصها لممارسة بعض أنواع الرياضة مثل اليوغا المكتبية الخفيفة، أو تمارين اللياقة المنزلية البسيطة، كي نستمتع بصحتنا وسلامة أجسادنا لأطول فترة ممكنة.

الأسلوب الأول: إعداد قوالب جاهزة للرسائل التي تكتبها أو الأعمال التي تمارسها بصورة متكررة

لا يخلو عمل من التكرار والإعادة في جانب من جوانبه مهما خالطه الإبداع والابتكار والتجديد، وبإمكان أي فرد أن يتأمل قليلاً في المهمات التي يمارسها على مدار اليوم والأسبوع ليكتشف قدراً لا بأس به من الأعمال التي ينجزها باستمرار ويحتاج فيها إلى تكرار نص معين بشكل كلي أو جزئي، على سبيل المثال:

  • التعريف بنفسك وبشركتك وبالخدمة التي عادة ما تسوقها لزبائنك المحتملين أو الشراكة التجارية التي تعرضها على المؤسسات التي يصلح أن يكون بينك وبينها تبادل منافع.
  • عنوانك البريدي في العمل، وتعليمات الوصول إلى مكتبك وأماكن وقوف السيارات، مع خريطة واضحة للمكان من خرائط جوجل.
  • المعلومات المصرفية الخاصة بالشركة وكيفية عمل الحوالات المصرفية لها من طرف الزبائن.
  • التقرير الشهري الذي تقدمه لمديرك حول ما تم إنجازه خلال الشهر في المجالات المختلفة.
  • عدد من المراجع القيمة والروابط الهامة في مجال اعتاد الناس على الرجوع إليك فيه.

مثلاً، أنا أسافر سنوياً إلى اسطنبول للسياحة والاستجمام، وكثيراً ما أتفاجأ بأحد أصحابي يخبرني عبر تطبيق واتساب بأنه هناك مع عائلته وإذا ما كان بوسعي نصحه بمطعم متميز لتناول الغداء فيه، أو معلم تاريخي قمت بزيارته، أو مكان جميل ليقضي الأطفال فيه وقتهم. وقد كنت سابقاً أقضي نصف ساعة إلى ساعة في كل مرة لجمع المعلومات واستدعاء الأفكار وتذكر المواقع الجغرافية وإرسالها. ثم قررت ذات يوم أن أجمع كل ما بحوزتي بشكل منظم لمرة واحدة، ما يسهّل الرد على أي سؤال مماثل في المستقبل خلال 5 دقائق لا أكثر.

أما خلال عملي الاستشاري، فأقدم لجمهوري النصائح المتعلقة بتحسين السيرة الذاتية وبناء صفحات احترافية على منصة لينكد إن. وقد لاحظت أنني أكرر معظم نصائحي معظم الوقت، فما كان مني إلا أن جمعتها في مستند واحد وصرت أرجع إليه في كل مرة أقدم خدمة من هذا القبيل، وأعيد نسخها كما هي ثم أقوم بإدخال بعض التعديلات بحسب كل حالة، ما قلص الوقت الذي أصرفه في هذا المجهود إلى النصف!

وما تجدر الإشارة إليه أنّ جوجل قد أتاحت في خدمة بريدها الإلكتروني "جيميل" (Gmail) أن يقوم صاحب الحساب بالاحتفاظ بنسخة من الرسائل المتكررة الاستخدام عبر ميزة "الرسائل الجاهزة" (Canned Email Responses) بهدف الاستغناء عن الحاجة إلى كتابتها من الصفر في كل مرة، ما يسهم في توفير الوقت وتقليل الأخطاء إلى حد كبير.

الأسلوب الثاني: إتقان المفاتيح المختصرة (shortcuts) في البرامج التي تستخدمها معظم الوقت

هل خطر ببالك أن تحسب الوقت الذي تخسره بسبب اعتمادك الزائد على الماوس بدلاً من استخدام المفاتيح المختصرة؟ لا يبدو لك الأمر بهذا القدر من الأهمية، كما أنّ تعلّم عدد كبير من المفاتيح المختصرة يبدو مملاً بعض الشيء ولا يليق إلا بالفتية الصغار محترفي الحواسيب الذين يظهرون في الأفلام وهم يخترقون الشبكات الإلكترونية بأصابعهم التي تتراقص فوق لوحة المفاتيح بسرعة خيالية وكأنهم يحيكون ثياباً من الهواء.

إذا كان هذا رأيك، فأنصحك بالتريث بعض الشيء. فقد قام أحدهم فعلاً بعمل حسبة بسيطة تفيد بأنّ تجاهلك لاستخدام المفاتيح المختصرة معظم الوقت سيكلفك 64 ساعة في السنة، أي ما يعادل ثمانية أيام عمل، وهذا ليس بالقدر الضئيل. ليس هذا فحسب، بل إنّ عدداً من الدراسات المرتبطة بالممارسات الصحية في بيئة العمل أشارت بشكل واضح إلى أنّ مستخدمي الماوس بكثرة هم أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بالإجهاد في مواضع مختلفة من اليد والكتف نتيجة الضغط المتكرر على أوتار اليد وعضلاتها.

وبالطبع، لست مضطراً لتعلّم جميع المفاتيح المختصرة في جميع البرامج، لكن تخصيص وقت لانتخاب أكثرها استخداماً في البرامج التي تعتمد عليها سيعطيك دفعة كبيرة في إنتاجيتك ويوفر عليك وقتاً ثمينًا قد تكون في أشد الحاجة إليه. على سبيل المثال، أنا أستعمل حاسوباً عليه نظام ويندوز، وأقضي معظم وقتي بين برامج الأوفيس ومتصفح جوجل كروم. لذا فقد قمت بتدوين المفاتيح المختصرة التي تعبّر عن استخدامي لهذه البرامج على ورقة ووضعتها بجانبي، وما هي إلا أيام معدودة حتى صارت تلك التراكيب أمراً معتاداً لا أتكلفه وتسهل أدائي لما أقوم به في ذات الوقت.

أما أولئك الذين يفضلون التعلم مع البرامج المساعدة، فقد يستهويهم هذا البرنامج الذي يعمل مع برامج الأوفيس ويقترح على المستخدم المفاتيح المختصرة المناسبة كلما استخدم الماوس، ويشجعه حين يتقن أحدها، بل ويمكّنه من ابتكار المفاتيح المختصرة السهلة للوظائف التي يداوم عليها إذا كانت التركيبة التقليدية طويلة ومزعجة.

الأسلوب الثالث: تنصيب ملحقات المتصفح البرمجية التي تخدم أهم الوظائف التي تقوم بها

على الرغم من الوقت الكبير الذي نقضيه في التعامل يومياً مع الإنترنت، سواء في العمل أو في حياتنا الخاصة، إلا أنه قليلة هي المرات التي يخطر ببال أحدنا أن يفكر في خصائص البرنامج الذي اعتاد النقر عليه ليفتح له نافذة للولوج إلى أعماق تلك الشبكة. ومن حسن حظنا أنّ برامج تصفح الإنترنت بلغت في أيامنا هذه درجة من التطور بشكل تتجاوز من خلاله مهام التصفح البسيطة إلى تقديم سلسلة متكاملة من الأدوات التي تدعم إنتاجية المستخدم أياً كان المجال الذي يعمل فيه.

فإذا أخذنا متصفح جوجل كروم على سبيل المثال، وهو الذي يتربع على عرش المتصفحات الخاصة بالحواسيب منذ سنين، سنجد أمامنا العشرات من الملحقات البرمجية المجانية التي لا يتطلب تنصيبها على شريط المتصفح سوى بضع ثوان.

فإن كنت مثلي تعشق القراءة والكتابة والتواصل بأكثر من لغة، إذاً، سيثلج صدرك "قاموس جوجل" الذي يشرح أي كلمة إنجليزية تعترضك بمجرد النقر المزدوج عليها ويلفظها لك إن شئت. أما "مترجم جوجل" فلن يتأخر عن فتح نافذة شرح قرب أي كلمة غير إنجليزية لا تدرك معناها. وحين تقرر كتابة نص باللغة الإنجليزية على عجل سيكون "غرامارلي" (Grammarly) إلى جانبك راصداً أخطاءك اللغوية والأسلوبية مع اقتراحاته الجاهزة ليجعل ما تكتبه بأحسن حال قبل أن ترسله لأي شخص آخر.

وإذا كنت من أولئك الذين يستهويهم فتح عشرين موقعاً أو أكثر في وقت واحد ولا يسعفك الوقت لقضاء حاجتك منها جميعاً خلال جلسة واحدة، فعليك بـ "وان تاب" (OneTab) الذي يسمح لك بالاحتفاظ السريع بكل صفحاتك في قائمة قريبة سهلة المنال ترجع إليها متى شئت. أما إذا احتجت لأن تشرح لزميلك في العمل أو زبائنك عن كيفية الاستفادة من خدمات موقع إلكتروني بعينه، فلن يتطلب الأمر منك سوى بضع نقرات مع "سكرين كاستيفاي" (ScreenCastify) لتسجل لهم بالصوت والصورة ما ينبغي عليهم فعله، مع إمكانية إظهار صورتك في أي موضع تختاره من الشاشة لتضيف إلى شروحاتك نكهة إنسانية تفاعلية.

ومع انتهائنا من استعراض هذه الأساليب الثلاثة، يجدر التنبيه إلى أنّ تحقيق الاستفادة القصوى منها يبدأ بتحليل المهام التي نؤديها والتأمل فيها بشيء من التفصيل، كأن نكتب أو نلاحظ كل ما نقوم به لفترة من الزمن، ثم نستنتج مواضع التطوير والتحسين.

والآن، أرجو أن أكون قد نجحت في إدراج بنود جديدة على أجندة أعمالك الخاصة لتزيد من فاعليتك في العمل وتقلل من ساعات جلوسك أمام شاشة الحاسوب. أما أنا، فقد حان وقت ذهابي لممارسة بعض الرياضة النافعة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي