إليكم هذه التجربة للإجابة عن سؤال: كيف تنجح في خوض النقاشات الصعبة في العمل بطريقة صحيحة؟ "أنت في قاعة الاجتماعات، ويسيطر عليك توتر حاد، وبدأت الأصوات تعلو بما فيها صوتك". يخوض الجميع نقاشات صعبة في مكان العمل، سواء كان ذلك مع الزملاء أو المدراء أو العملاء، وسببها اختلاف الآراء أو حساسية موضوع النقاش، والأهم من ذلك هو توتر الأشخاص المنخرطين فيه. لا شك أن كل واحد منا مر بهذه التجربة. وبعد معظم هذه النقاشات، عادةً ما نحس بالارتياح لمجرد أن النقاش انتهى، وتقول في نفسك "لا أريد أن أشارك في هذا النقاش مرةً أخرى". لكن من المهم جداً أن تتابع القضية بعد انتهاء النقاش، كيف يمكنك فعل ذلك؟ ما الذي عليك بالتحديد القيام به وقوله لتجعل الأمر أقل إرباكاً مع الآخرين وتتجاوز الأمر، ولكي تحرص في الوقت نفسه على إحراز التقدم في بعض النقاط التي نوقشت؟
اقرأ أيضاً: هل يمكن استخدام البريد الإلكتروني للنقاشات الحساسة؟
ركز عملي خلال السنوات العشر الماضية على مساعدة القادة في تعزيز الفهم المشترك فيما بينهم والتعاون بفعالية عبر الأقسام المختلفة. إذ كُتب الكثير عن النقاشات الصعبة، لكن لم يكن هنالك تركيزٌ كافٍ على ما يجب فعله بعد الانتهاء من أحد هذه النقاشات. وتعلمت خلال عملي مع المدراء التنفيذيين في قطاع التقنية والمؤسسات غير الحكومية والمؤسسات الأكاديمية والحكومية، أن امتلاك المقدرة على متابعة الأمر وترميم العلاقات عند النقاشات الصعبة لا يقل أهمية عن مهارة إدارة النقاشات.
كيف تنجح في خوض النقاشات الصعبة في العمل بطريقة صحيحة؟
فيما يلي بعض الخطوات الأساسية التي تساعد على ترميم العلاقات في بيئة العمل بعد الخوض في نقاش صعب، مع ضمان إحراز التقدم في القضايا التي نوقشت:
لا تنكر أن النقاش حصل
نريد أحياناً "نسيان" أو إنكار أننا خضنا حواراً صعباً مع أحد الزملاء في العمل. لكن هذه استراتيجية خاطئة، لأنها تسلب قدرتك على التأثير، وتُبقي زميلك أيضاً حائراً حول كيفية التعامل مع الموقف أيضاً. ونصيحتي هي: أولاً، بادر بمتابعة الموقف، ثانياً، لا تُنكر أن النقاش كان صعباً، ثالثاً، ركز على الجوانب الإيجابية. هناك جانب إيجابي كبير في تقدير أنكم كنتم قادرين على الاجتماع وتناول قضية حساسة والنقاش حولها، بل حتى النقاش بينكما بحد ذاته هو أمر إيجابي. ولذلك توجه بالشكر لزميلك لأنه خصّص جزءاً من وقته للمشاركة معك في ذلك النقاش.
ومثال عن موقف مشابه، أروي حالة مدير المبيعات كامل. لقد كان هذا الرجل نجماً في الشركة التي عمل فيها سابقاً، لكن في عرضه التقديمي الأول لتوضيح استراتيجية مبيعاته للإدارة العليا في الشركة الجديدة التي انتقل للعمل معها، وجد أن أفكاره لاقت الرفض دون أي اعتبار لها. وقيل له إن أسلوبه جديد تماماً وغير منسجم مع الطريقة المتبعة في التواصل ضمن الشركة، ولذلك خرج من ذلك الاجتماع محبطاً. إذ لم يتم اعتماد استراتيجيته لزيادة المبيعات في منطقته.
اقرأ أيضاً: هذا ما عليك قوله عندما يحتدم النقاش
لكنني نصحت كامل بأخذ زمام المبادرة في هذا الموقف وكتابة رسالة شكر بالبريد الإلكتروني للإدارة العليا تدل على أنه شخص مبادر ومستعد للتوصل إلى تفاهم معهم حول هذا الأمر. حيث أقر كامل في تلك الرسالة أن النقاش كان تحدياً له، ثم انتقل إلى تسليط الضوء على الجانب الإيجابي، وهو فرصة مناقشة بعض القضايا المهمة التي أتيحت له الفرصة للحديث عنها.
ابحث عن طريقة للمضي قدماً في القضية
يجب أن تبادر في إظهار مرونتك عبر اهتمامك بالتوصل للحلول، وأنك لا تريد الانسحاب من النقاش. حتى لو لم تتمكن من الاتفاق إلا على عدد قليل من الخطوات خلال نقاش صعب، ولا تُهمل إرسال الملخص الذي يحوي أهم ما طرأ في النقاش عبر البريد الإلكتروني، تركّز فيه على النتائج التي يريدها الطرفان. تكمن أهمية هذا الأمر في أن التواصل الواضح حول الخطوات التالية كفيل بدفع الأمور قدماً. كما أن التوثيق المكتوب يساعد في تتبع أي اختلافات تطرأ على وجهات النظر أو تذكّر بعض المسائل أو فهمها، فضلاً عن ضمان الدقة. أضف إليها أيضاً أننا دوماً نكتشف معلومات جديدة، وهذه المعلومات تبرز في نقطة خلافية أعاقت التقدم أو سببت الخلاف في المقام الأول. وعليه، فإن هذه الخطوة تمهد لإحراز التقدم والخروج من دائرة الخلاف وبناء فهم مشترك حول القضية قيد المناقشة.
وفي حالة كامل نصحته بمتابعة الأمر عبر تلخيص الخطوات التي يرغب في تطبيقها، من إجراء بحث حول الأساليب التي حققت نجاحاً في مناطق أخرى، والتحدث عنها مع الزملاء في قسم التسويق، ثم تجربة المستخدم، وتطوير المنتجات. كما عبّر كامل عن رغبته في معرفة ملاحظاتهم ومن ثم وضع استراتيجية منسجمة مع قيم الشركة الجديدة. وحين اجتمع في المرة التالية مع الإدارة العليا، رحبوا به بحرارة وسرور، وشعر بأن الفرصة مواتية لطرح آرائه الجديدة، واتفقوا في نهاية المطاف على استراتيجية للمبيعات في المنطقة المسؤول عنها.
ركز على بناء علاقة طويلة المدى
من المهم التركيز على أن كل عملية تواصل تعني حديث اثنين من البشر معاً. لو كان تواصلك الوحيد مع شخص ما عبر نقاش خلافي، ربما سيبدأ هذا الشخص بتجنب التواصل معك، أو ترتبط بذهنه فكرة أنك مجرد شخص يصعب النقاش معه. بدلاً من ذلك، يجب أن تولي اهتماماً خاصاً ببناء علاقات تتجاوز النقاشات الصعبة. فهذه الخطوة توازن بين النتيجة التي تطمح إلى تحقيقها حول قضية الخلاف، وعلاقة العمل التي تودّ الحفاظ عليها على المدى الطويل.
وأنصح هنا بممارسة ما يدعى "النقاش المرتكز على بناء التحالف"، حيث ينحّي الزميلان الماضي جانباً ليركزوا على كيفية التشكيل الإيجابي للعلاقة الحاكمة في العمل بينهما خلال المستقبل. ويشمل هذا طرح أسئلة من قبيل: كيف يبدو النجاح في هذه الشراكة؟ ما النتائج المهمة لكل واحد منا؟ ما القيود التي على كلّ منا إدراكها؟ ما الذي يهم أحدنا ولا يهم الآخر؟ حيث التعامل مع مثل هذه الأسئلة يُعطي كل واحد من الأطراف الفرصة ليكون واضحاً بخصوص كيف يفضل كل طرف التعاون لتحقيق التقدم.
وهناك أيضاً بعض الأنشطة الخاصة ببناء فرق العمل، مثل الخروج معاً لتناول طعام عشاء بعد العمل، أو مجرد السير قليلاً في مكان عام، أو قضاء بعض الوقت سوية في فعالية كبيرة خارج الشركة، كل هذه أمور تساعدنا على تذكر العلاقة الإنسانية التي تربط بيننا. كما يفيد أن نذكّر الآخرين بأننا جميعاً نعمل من أجل هدف مشترك هو تطوير المؤسسة وتحقيق رسالتها. فلا بد من التركيز على "نحن" في النقاشات، باستخدام عبارات من قبيل "نحن جزء من فريق واحد" أو "نحن جميعاً نريد النجاح لهذه المبادرة". وكما يقول خبير القيادة ستانلي ماكريستال: "لا يكفي أن تكون عظيماً وحدك، بل يجب أن تكون عظيماً مع الآخرين".
اقرأ أيضاً: نقاش: الجوانب السلبية للاعتذار في العمل
وخلاصة الإجابة عن سؤال: كيف تنجح في خوض النقاشات الصعبة في العمل بطريقة صحيحة؟ إن الاهتمام ببناء العلاقات الإيجابية وترميمها بعد خوض نقاشات محتدة ليس بالأمر السهل، ولكنه مهارة يمكن تطويرها وستجد سهولة في ممارستها مع الوقت. وهي مهارة كفيلة بجعلك معروفاً بأنك شخص مبادر في التعاون وحل المشكلات، وهي مهارات رئيسية لكل قائد.
اقرأ أيضاً: العدو الخفي للنقاشات والمحادثات البناءة