هل وصلت إلى مكان كنت ترغب فيه منذ مدة، لتكتشف أنه ليس بالمكان الذي كنت تتخيله؟ وبدأت السعي نحو مكان جديد.
هل حققت يوماً هدفاً كنت تسعى وراءه منذ زمن، لتُفاجأ أنك لم تشعر بلذة الوصول، أو لم تستمتع بفرحة الإنجاز؟
إذا اختبرت أياً من الموقفين السابقين خلال حياتك المهنية، أو مررت بمواقف مجاورة لهما، فأنت من ضحايا القمم الكاذبة.
القمم الكاذبة معروفة لدى متسلقي الجبال، فهي تشير إلى جزء من الجبل يبدو من بعيد أنه القمة الأعلى، لكن عندما يصل المتسلق إليه، يكتشف أن القمة الحقيقية تقع على مسافة أبعد وأعلى مما كان يظن. تحدث هذه الظاهرة بسبب الوهم البصري الذي ينشأ من التضاريس المعقدة للجبال والتفاوت في الارتفاع، ومن الصعب أحياناً تحديد القمة الحقيقية للجبل من مسافة بعيدة بسبب الانحدارات والتلال الفرعية التي تعترض الرؤية.
هذه الظاهرة يمكن أن تكون محبطة لك كما هي محبطة ومنهكة للمتسلقين، لأنها تتطلب مجهوداً إضافياً لتجاوز القمة الكاذبة والوصول إلى القمة الحقيقية. وقد تصيبك بالوهن وخيبة الأمل، لأنك كنت تتوقع الكثير وترسم لنفسك صورة ذهنية للمكان الذي ستصل إليه، فتقع في الفراغ بين ما رسمته لنفسك، وما أحسست به عند وصولك.
للأمر جانب آخر، فجزء من خيبات القمم يأتي من فهم خاطئ لفرحة الإنجاز، يعتقد الكثير منا أن تحقيق الأهداف سيجلب لنا السعادة، ولكن الواقع يقول غير ذلك، فغالباً ما تكون فرحة الوصول إلى الهدف مؤقتة وأقل مما كنا نتوقع.
ربما علينا التفكير فيما يمكن فعله لتفادي القمم الكاذبة في حياتنا المهنية:
أستميح القارئ العزيز عذراً، أنني لن أطرق باب النصائح الشائعة، التي نُشرت طويلاً تحت شمس الاستهلاك الحامية، كوجوب التخطيط السليم، والمثابرة، والتعامل مع التحديات، والمرونة في مواجهة المتغيرات، وغيرها.
أعتقد أن العبرة في إدراكك العميق لما تريد إنجازه. نسبة كبيرة من المهنيين والمحترفين اليوم لديهم أهداف يسعون إليها، وهذا شيء جيد، ولكنه غير كافٍ، صحيح أنك إذا لم تمتلك أهدافاً فأنت تعمل لتحقيق أهداف الآخرين، ولكن لا يكفي أن تضع أهدافك بشكل سطحي، أو دون بذل الجهد الكافي لتتعرف على نفسك وما تريده فعلاً. وجميع ما يُشترط في الأهداف الجيدة لن يساعدك هنا، فأن تكون منطقية وقابلة للقياس ولها مستهدفات وغير ذلك لن يفيد إذا لم تكن مقتنعاً أن هدفك يمسك في الجوهر، وأنه ليس نتاج موضة سائدة، أو فرصة مؤقتة، أو جهداً مرتجلاً لسد فراغ مهني. وقد وضع معهد بيركلي للصحة العامة 9 خطوات تساعدك على تحديد ما تريده حقاً في الحياة عموماً، وحياتك المهنية خصوصاً.
يتطلب الأمر أيضاً اقتناعك بحتمية تقسيم الإنجاز؛ أي أن جزءاً من إنجازك سيكون مركوناً على جانبي الطريق الذي تسلكه لتحقيق أهدافك؛ أي عليك أن تستمتع بالرحلة وليس فقط بالوصول كما صاغ هذه الفكرة المفكر والفيلسوف رالف والدو إمرسون، وهذا من شأنه أن يخفف عنك خيبة الأمل إذا ما وصلت إلى قمة كاذبة.
لا يمكن أن نغفل هنا النزعة إلى المثالية، وأتمنى ألّا تُفاجأ كما فوجئتُ عندما وجدت في أحد كتب علم النفس المهمة للمؤلفة شتيفاي شتال، أن بعض المواقف والتحديات التي عشناها في طفولتنا، يمكن أن تُحدث في الكبر اضطرابات تتمثل في السعي الحثيث إلى الكمال، وبذل جهود كبيرة وعمل مبالغ فيه. وإذا عرفنا أن الحياة عموماً هي سلسلة من المشكلات بعضها غير قابل للحل كما نرغب فيه، فإن هذا سيدخل فيضاً من السلام إلى قلوبنا، وربما يسطّح القمم الكاذبة ما إن نصل إليها.
في جغرافيا عالم الأعمال، لا وجود لخريطة وتضاريس ثابتة، فليس هناك قمة إيفرست مهنية، ولا قائمة بسلاسل الجبال الشاهقة. الخريطة المهنية هي مجموعة من السلاسل والقمم المتحركة باستمرار، ومن الحكمة وحسن التدبير أن تتسلق بعضها، وتترك بعضها، وتلتف حول بعضها الآخر.