ليس عليك أن تكون رئيساً تنفيذياً لتكون قائداً ملهماً

7 دقائق
كيف تكون قائداً ملهماً

يعتبر خلق رؤية موحدة لمؤسسة ما مهارة أساسية للقادة. وقد تبدو رؤية بسيطة وشجاعة وملهمة وفاتنة تقريباً، حيث تجمع الموظفين معاً من مختلف أقسام الشركة حول هدف واحد، وتشكّل حلقة وصل لتطوير استراتيجيات تحقق مستقبلاً أفضل. ولكن من المؤسف أنّ بلورة الرؤية أصبحت مرتبطة بشكل أكبر بالقيادة العليا في شركة ما مقارنة بالمدراء في باقي أقسام المؤسسة. كم مرة سمعت شيئاً مثل: "يضع القادة توجهاً طموحاً، بينما يحرص المدراء ببساطة على أداء العمليات اليومية حسبما هو مخطط له"؟ فكيف تكون قائداً ملهماً في شركتك؟

ثلاث فرص لتكون قائداً ملهماً

إنك تمتلك عدداً من الفرص لاكتساب خبرة عملية في صياغة الرؤية حتى إذا كنت مديراً (أو قائداً طموحاً). في بحثنا في كتيب القيادة في هارفارد بزنس ريفيو (HBR Leader’s Handbook)، قمنا بتحديد ثلاث فرص يمكنك تعلمها لوضع الرؤية حتى لو لم تكن رئيساً تنفيذياً: الإسهام في تكوين رؤية كبار القادة، وتجسيد رؤية الشركة لفريقك، وتطوير رؤية لفريق أمامي يمكن تعميمها على المستويات العليا في الشركة. يمكن لجميع هذه الفرص أن تحفز نموك المهني، ما يؤدي إلى تحمل المزيد من المسؤوليات مع مرور الوقت. سنمعن النظر في هذه الفرص قبل اختيار النصيحة العملية حول كيفية تحقيق القدر الأكبر من الاستفادة منها.

مساعدة الرؤساء التنفيذيين في صياغة رؤية الشركة

تتطلب صياغة الرؤية عنصراً معيناً يتمثل في استشراف المستقبل. ولكن كبار القادة الجيدين يعلمون أنهم يفتقرون إلى بيانات مهمة، حيث أنهم معزولون إلى حد كبير عن تجارب الزبائن والحقائق التشغيلية وآمال الموظفين الذين يعملون لديهم وأحلامهم. ومن شأن الاستفادة من الرؤى الثاقبة والخبرات، التي يمتلكها الآخرون الذين سيؤثر عليهم العمل، أن تساعد كبار المسؤولين التنفيذيين على الوصول إلى ذلك الإحساس من الترابط. ويضيف الكثيرون منهم صبغة مؤسسية على تجميع هذه الأنواع من الأفكار. شاهد مثلاً جلسة حشد الأفكار (idea jam) التي أقامها سام بالميزانو في شركة آي بي إم عام 2003 وأشرك فيها آلاف الموظفين وغيرهم من أصحاب المصلحة، أو عملية غلوبال سيرفس جام (Global Service Jam) التي استخدمها العديد من قادة المدن على مدار السنوات القليلة الماضية لإشراك مواطنيهم في تحديد الفرص لإجراء تحسينات مجتمعية طموحة.  ارفع يدك لإبداء وجهة نظرك الخاصة في هذا النوع من حل المشكلات بصورة جماعية، ولن تبدأ بتطوير قدراتك على صعيد وضع الرؤية فحسب، ولكنك ستتعلم أيضاً من الآخرين الذين يقومون بحل بعض المشكلات المشابهة لما تتعامل معها.

اقرأ أيضاً: كيف تكون قائداً مُلهِماً للآخرين؟

ويعتبر البنك الدولي مثالاً تاريخياً تقليدياً حول طرح رؤى تتجاوز كبار المسؤولين التنفيذيين. ففي عام 1995، عندما أدرك رئيس البنك جيمس وولفنسون أنّ ثمة حاجة لإعادة ابتكار المؤسسة بعيداً عن دورها السابق في إعادة الإعمار بعد الحرب العالمية الثانية، تخيّل منذ البداية اتجاهاً جديداً ذي طابع خيري أكثر، من شأنه أن يحد من الفقر بصفة عامة. وقد عقد العديد من جلسات العمل لبلورة هذه الفكرة المبهمة مع العملاء وأعضاء الحكومة وكثيرين غيرهم من التنفيذيين المبتدئين والموظفين في أقسام البنك كافة. وخلال هذه العملية، قام فريق أوسع من الأطراف المعنية بصياغة تدريجية لرؤية أشمل للمؤسسة "لتحقيق حلم يتمثل في عالم خال من الفقر"، وتحقق ذلك على وجه خاص من خلال زيادة المهنية بالنسبة للمؤسسة وزيادة التعلم وبناء المعرفة ووضع معيار أعلى لجذب المواهب وتنميتها. واستفادت هذه النسخة النهائية الملهمة والأكثر واقعية للبنك من مدخلات الكثير من المساهمين من غير الرؤساء التنفيذيين.

تجسيد رؤية الشركة لجعلها مناسبة لفريقك

إذا كنت قائداً على أي مستوى داخل المؤسسة فمن الأرجح أن يتم استدعاؤك للعمل مع فريقك لتجسيد تلك الرؤية لوحدتكم أو وظيفتكم الخاصة، حتى إذا لم تتوفر لديك فرصة في المساعدة على بلورة "النسخ الأولية" من رؤية الشركة.  ويعتبر ذلك بحد ذاته صياغة للرؤية، ولو أنه على نطاق أصغر.

في البنك الدولي مثلاً، أجرى دينيس ويتل، رئيس فريق استراتيجي صغير، عصفاً ذهنياً مع زملائه حول كيفية تجسيد مفهوم الشركة العام لـ "عالم خال من الفقر" كشيء ملموس وعملي بالنسبة لفريقه.  وقد تبلورت لديهم فكرة أنّ الاستراتيجيات الجديدة للحد من الفقر يمكن أن تأتي من أي مكان في العالم، وليس فقط من الخبراء داخل البنك.  وأدت هذه الفكرة إلى إيجاد سلسلة من "أسواق التنمية" التي تمكن آلاف الأشخاص من مختلف أنحاء العالم من عرض أفكار ابتكارية جديدة للتنمية الاقتصادية والمنافسة للحصول على التمويل.

اقرأ أيضاً: لست بحاجة إلى الكاريزما لتكون قائداً مُلهِماً للآخرين

تخيّل أنك تقود فريق عمليات لوجستية في شركة أمازون التي تمتلك رؤية تقول "أن نكون الشركة الأكثر تركيزاً على الزبون في أرجاء المعمورة، مكان يمكن أن يأتي الناس إليه ليجدوا ويكتشفوا كل شيء يمكن أن يرغبوا بشرائه". يمكنك تعميم تلك الرؤية إلى أدنى المستويات في وحدتك من خلال تخيّل أنّ دقة الإنجاز وسرعة توصيل المنتج تفي برغبات الزبائن بشأن "إيجاد أي شيء يرغبون بشرائه". كما أنك إذا كنت تتولى قيادة فريق عمليات محلي في شركة ليفت (Lyft) التي تمتلك رؤية تقول "إعادة ابتكار المدن بشكل يتمحور حول الأشخاص، وليس السيارات"، فقد تقوم بصياغة رؤية لفريقك تدور حول الخدمة لسد الفجوات الموجودة في المواصلات في مدينتك.

هذا النوع من صياغة الرؤى على نطاق أصغر يستفيد من نفس المنظور الشامل الذي سيرغب عدد أكبر من كبار القادة أنفسهم باتباعه. خذ بعض الوقت لاستعارة أفكار من أقسام الشركة الأخرى التي لديها مصلحة في طموحات وحدتك على مستوى الأداء حتى إذا كنت تقوم ببساطة بـ "ترجمة" رؤية من الجزء العلوي من المؤسسة، وتأكد بالطبع من توافق "الترجمة" الخاصة بك مع كبار القادة الذين يوجهون الرؤية العامة للشركة.

تحفيز رؤيتك الخاصة

أحياناً لا تبدأ رؤية شركة جديدة مع رئيس تنفيذي، إنما تتبلور من رؤى يستخدمها قادة أقل مرتبة لدفع عجلة الابتكار وإحداث التغيير في وحداتهم الخاصة. عندما أطلقت شبكة بي بي إس الأميريكية (PBS) قناة جديدة ناجحة للأطفال (PBS Kids 24/7)، أتت النسخة الأولية لهذه القناة من ليزلي روتنبرغ التي تشغل منصب النائب الأول لرئيس قسم الإعلام الموجّه للأطفال في الشبكة. أقنعت روتنبرغ الرئيسة التنفيذية المتشككة باولا كيرجر أنّ مثل هذا العرض كان ينسجم مع الرؤية التعليمية العامة للشبكة، ويمكن تطويره بأقل التكاليف لتلبية احتياجات الجمهور الحقيقية التي لم يتم النظر فيها آنذاك.

ويعتبر التحول في منظمة يونايتد واي (United Way) في بدايات الألفية الثانية مثالاً آخر على طرح الرؤية من المستويات الدنيا إلى المستويات العليا. فبعد عشر سنوات شوهتها فضيحة وطنية على مستوى القيادة وانخفض معها اهتمام المتبرعين، بدأت المنظمة الخيرية الاتحادية بالانتعاش بفضل العديد من الابتكارات المحلية التي طرحت فيما بعد رؤية جديدة للمنظمة بأكملها. وتتمثل هذه الرؤية في انتقال المنظمة من مجرد كيان مؤسسي لجمع التبرعات (يُقاس بكمية الأموال التي يجمعها) إلى شبكة ذات طابع استراتيجي أعمق ومكرسة لإحداث أثر مجتمعي يُقاس بمجموعة أكثر تنظيماً من المؤشرات المحلية للرفاه الإنساني. شكلت رؤية الأثر المجتمعي التي اعتمدها المجلس الوطني في نهاية المطاف خلاصة التجارب مع كثير من رؤى الخدمات الإنسانية والاستراتيجيات في مدن مختلفة ومتوسطة الحجم من مختلف أنحاء الدولة. جرى تعزيز هذه الرؤى وصقلها وإضفاء الطابع المؤسسي عليها (في هيئة مجموعة جديدة من "معايير التميز" لتحقيق أثر على مستوى الصحة والتعليم والدخل بالنسبة للمجتمعات الكبيرة) على مدار سنوات عديدة. ولاقت العملية استحساناً بسبب اعتمادها على الابتكار والمعرفة المحلية بدلاً من التكليف من المستويات العليا إلى المستويات الدنيا.

قد لا تكون مؤسستك جاهزة أو متفهمة لتطوير رؤية من المستويات الدنيا إلى العليا. لكن الحاجة الماسة للابتكار المستمر في البيئة التشغيلية في زمننا الحالي يمكن أن يمنحك الفرصة لتعزيز أفكار جديدة من تجاربك المحلية الخاصة قد تتيح إمكانية للنمو الشامل وإعادة الابتكار في شركتك. عندما قام دومينيك بارتون بزيارة مجموعة واسعة من الشركاء المبتدئين حول العالم كمدير إداري لشركة ماكنزي في عام 2009، أدرك أنّ الرؤية لماكنزي جديدة لن تكون موجودة في مكتب الشركة، بل في التلاحم لنسج أنجح التجارب من مجموعة المبتكرين في مجال ريادة الأعمال الذين كانوا يقومون بالفعل بتحويل طريقة خدمة الشركة لعملائها. ومضى الكثير من هؤلاء الشركاء الذين ساهموا بأفكارهم في ذلك الجهد إلى أن أصبحوا قادة أكثر تقدماً في السنوات التالية.

إشراك نفسك في صياغة الرؤية

كيف يمكنك أن تتهيأ للحظات مشابهة من بلورة الرؤية، وتقوي "ميزة الرؤية" في حقيبتك للقيادة؟ ستكون جميع الأوضاع مختلفة، لكن فيما يلي بعض الإرشادات لتحسين فرصك في المشاركة والقيام ببعض التطوير على صعيد الرؤية.

  1. أولاً، افهم معنى الرؤية وأهميتها. لا تخلط "الرؤية" (صورة ملهمة عن النجاح المستقبلي) مع "الرسالة" (سبب وجود مؤسسة ما) أو "القيم" (المبادئ والمعتقدات الأخلاقية التي تختار المؤسسة العمل من خلالها) أو الاستراتيجية (القرارات حول مكان المنافسة وطريقتها التي تخرج الرؤية إلى النور). تقوم المؤسسات بإعادة تجديد رؤيتها على نحو أكبر من رسالتها، كطريقة لتحفيز نفسها للوصول إلى مستويات جديدة من حيث الأداء.
  2. راقب مختلف الفرص للمساهمة فيها. ساهم في العمل المتعلق بالرؤية والذي يقوم به قادة آخرون. قم بتجسيد رؤية الشركة المتفق عليها بالفعل لأدنى المستويات في الوحدة التي تقوم بقيادتها، أو ركز عمل فريقك على الرؤية المحلية أو الإقليمية. قم بتحفيز التغيير الإبداعي للمؤسسة بناء على بعض الابتكار الأمامي الذي تشترك فيه. ابحث عن فرص خارج شركتك. وقم بصياغة رؤية أو بلورتها في مؤسستك القائمة على توجه معين، أو رابطة الحي، أو مؤسسة مجتمعية أخرى تتطوع فيها. يمكنك التعلم من مختلف الفرص، حتى الفرص الأصغر حجماً.
  3. إذا وجدت فرص لبلورة رؤية، لا تقم باتخاذ القرارات لوحدك. تماماً كما يمكن لأحد كبار القادة الانتفاع من إشراكك في رؤية شركة مهمة وإسهامك فيها، قم بمشاركة العملية مع آخرين يعملون معك في أي مرحلة من مراحل صياغة رؤيتكم الخاصة. وسيؤدي ذلك إلى صقل مهارات التعاون لديكم أيضاً.
  4. تعلّم من خلال مراقبة عملية بلورة رؤية أخرى أو دراستها. يمكنك تعلم الكثير من خلال مراقبة ما يفعله الآخرون عن كثب، حتى إذا لم تشترك على نحو فعال في عملية بلورة رؤية ما. تحدث مع قادة آخرين حول الرؤى التي قاموا ببلورتها، وافهم كيف خرجت هذه الرؤى بالشكل الذي هي عليه الآن والسبب وراء ذلك. قم بدراسة رؤى الشركات الموثقة في الصحافة الاقتصادية، أو تعلم من الشركاء أو العملاء حول رؤى يمتلكونها لمؤسساتهم. كما تلاحظ وتفهم من الرؤى التنظيمية للشركات أو الأقسام أو الفرق الأخرى، يجدر بك فهم ما سينجح منها، وهو ما يمكن أن تضيفه إلى الفرصة التالية في مؤسستك.

سيُنظر إلى بلورة رؤية لمؤسسة ما دائماً على أنها إحدى الإمكانيات الأساسية للقادة البارزين، نظراً لأنها تتيح المجال للاستراتيجية والأداء العالي. تجنب إساءة فهم تلك الحقيقة الثابتة على أنها رؤية، وبالتالي فهي فوق رتبتك دائماً. تتطلب بلورة الرؤية الممارسة كأي قدرات قيادية أخرى، وليس ثمة طريقة أفضل للحصول على تلك الممارسة، على أي مستوى، من بلورة صياغتك من خلال فرص صغيرة أو مفاجئة لتقديم مساهمة تعود عليك بالنفع لتعلم كيف تكون قائداً ملهماً. التعلم بالممارسة هو منحة لأي شخص في المخطط التنظيمي يمتلك الشجاعة ليحلم ويرفع صوته عالياً.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي