تحظى بعض مجالات العمل بالقدْر نفسه من الاهتمام شأنها شأن المشاريع الجديدة، بينما تجذب جوانب قليلة من عملية إنشاء المشاريع الجديدة هذا القدْر من الاهتمام مثل خطة العمل. ويتولى عدد لا يحصى من الكتب والمقالات في الصحافة تحليل هذا الموضوع. وبدأ عدد غير قليل من المسابقات السنوية الخاصة بخطط الأعمال بالظهور في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وبشكل متزايد في بلدان أخرى. في حين تكرّس الكليات الجامعية وكليات الدراسات العليا على حد سواء دورات تدريبية كاملة لهذا الموضوع. وفي الواقع، فإن تلك الضجة المحيطة بخطط العمل، ستدفعك للاعتقاد أنّ الأشياء الوحيدة التي تقف بين رائد أعمال محتمل وتحقيقه نجاحاً مذهلاً هي الرسوم البيانية البراقة ذات الألوان الخمسة، ومجموعة من جداول البيانات ذات المظهر الدقيق، وعشر سنوات من التوقعات المالية الشهرية.
ولكن هذا غير صحيح على الإطلاق. فحسب تجربتي مع المئات من الشركات الناشئة الريادية، لم تحصل خطط الأعمال على أعلى من 2 على مقياس يتدرّج من 1 إلى 10، كمؤشر على نجاح مشروع جديد. بل على العكس، في بعض الأحيان، كلما كانت الخطة مصممة بشكل أكثر إحكاماً، زادت احتمالية فشل المشروع، بسبب عدم وجود كلمة ملطّفة فيها.
إذاً ما هو الخطأ الذي يرتكبه غالبية المدراء في خطط العمل؟ الجواب بسيط نسبياً. وهو إنّ معظم هذه الخطط تهدر الكثير من الصفحات على الأرقام، ولا تكرّس سوى القليل جداً منها للمعلومات التي تهم المستثمرين الأذكياء حقاً. إذ يعلم كل مستثمر محنّك إنّ التوقعات المالية لشركة جديدة - خاصةً التوقعات المفصّلة والشهرية، التي تمتد لأكثر من عام - هي فعل من أفعال الخيال. إذ يواجه المشروع الريادي منذ انطلاقه عدداً كبيراً للغاية من الأمور المجهولة بما لا يمكّنه من التنبؤ بالإيرادات، فما بالك بالأرباح. وعلاوة على ذلك، فإنّ عدداً قليلاً من رواد الأعمال، إن وُجدوا من الأساس، قادرون على توقع مقدار رأس المال والوقت اللازمَين لتحقيق أهدافهم بشكل صحيح. وعادةً ما يكونون متفائلين بشكل كبير، ويَحشون توقعاتهم. ويعرف المستثمرون تأثير هذا الحشو، وبالتالي يستبعدون الأرقام الموجودة في خطط العمل. وتخلق هذه المناورات حلقة مفرغة من عدم الدقة التي لا تفيد أحداً.
ربما قد يُساء فهمي من تلك العبارات إذ إنني لا أقلل من شأن الأرقام، بل أدرك أن خطط العمل لابد أن تتضمن بعض الأرقام. ولكن ينبغي أن تظهر هذه الأرقام بشكل أساسي ضمن نموذج أعمال يوضح أنّ الفريق الريادي قد فكّر في الدوافع الرئيسة لنجاح المشروع أو فشله. فمثلاً، يمكن أن يكون هذا الدافع، في قطاع التصنيع، هو العائد على عملية الإنتاج، وفي مجال نشر المجلات، يمكن أن يكون هو معدل التجديد المتوقع، أو أن يكون هذا الدافع هو أثر استخدام قنوات التوزيع المختلفة، في قطاع البرمجيات. وينبغي أن يتناول النموذج أيضاً مسألة نقطة التعادل، أي في أيّ مستوى من المبيعات تبدأ الشركة في جني الأرباح؟ والأهم من ذلك، متى يصبح التدفق النقدي إيجابياً؟ وبلا شك، تستحق هذه الأسئلة بضع صفحات في أي خطة أعمال، في الأوراق الأخيرة.
لابد أنك تسأل الآن، إذاً ما الذي تتضمنه الصفحات الأولى من خطة العمل؟ وما هي المعلومات التي تحتويها خطة العمل لتصبح جيدة؟
إنْ كنت ترغب في التحدث بلغة المستثمرين - وحينها كن متأكداً أيضاً أنك طرحتَ على نفسك الأسئلة الصحيحة قبل البدء في الرحلة الأكثر صعوبة في حياة رائد الأعمال - أوصِيك بوضع خطة عملك وفقاً للإطار الذي سيرد لاحقاً. ولكن لن أخدعك وأقول إن هذا الإطار سيضمن نوع الصيغة "الرابحة" مثلما تروّج لها بعض الكتب الإرشادية والبرامج الحاسوبية الحالية الموجّهة لرواد الأعمال. كما أنك لن تجده معقداً وكأنه دليل لجراحة المخ وإنما يقيّم هذا الإطار، بشكل منهجي، العوامل الأربعة المترابطة ذات الأهمية البالغة لكل مشروع جديد، وهي:
الأشخاص. وهُم الرجال والنساء الذين يبدأون المشروع ويديرونه، وكذلك الأطراف الخارجية التي تقدم خدمات أساسية أو موارد مهمة له، مثل المحامين والمحاسبين والموردين.
الفرصة. وهي ملف تعريفي عن الشركة نفسها، يوضح ما الذي ستبيعه ولمن، وما إذا كانت الشركة ستنمو، ومدى سرعة نموها، وما هي الجوانب الاقتصادية لها، ومن الذي وما الذي يعترض طريقها صوب النجاح.
السياق. وهو الصورة الشاملة، التي تشمل البيئة التنظيمية، وأسعار الفائدة، والاتجاهات الديموغرافية، والتضخم، وما شابه ذلك. وهي بصورة أساسية، العوامل التي تتغيّر حتماً ولكن لا يمكن أن يتحكم بها رائد الأعمال.
المخاطر والمكاسب. وتتمثل في تقييم كل ما يمكن أن يمضي على نحو خاطئ وعلى نحو صحيح، ومناقشة كيفية استجابة الفريق الريادي لكل منهما.
هل تعتبر خطط العمل مهمة لرواد الأعمال فحسب؟
يتحدث هذا المقال، بصفة أساسية، عن خطط العمل في سياق مألوف باعتبارها وسيلة لرواد الأعمال. غير أنه، في كثير من الأحيان، تؤسس داخل إطار الشركات الراسخة. فهل تتطلب هذه المشاريع الجديدة خطط عمل؟ وإذا كان الأمر كذلك، هل ينبغي أن تكون خطط عملها مختلفة عن خطط رواد الأعمال مجتمعة؟
الإجابة عن السؤال الأول تتمثل في الإيجاب المؤكد، والإجابة عن السؤال الثاني هي النفي المؤكد بالقدر نفسه. إذ يجب أن تجتاز جميع المشاريع الجديدة – سواء كانت تتلقى التمويل من أصحاب رأس المال الاستثماري أو من المساهمين، كما هو الحال في الشركات الريادية داخل المؤسسات – المحكات الأساسية نفسها. ففي نهاية المطاف، لا يفرّق السوق بين المنتجات أو الخدمات بناءً على هوية الشخص الذي يضخ الأموال في هذه الشركات من خلف الكواليس.
وحقيقة الأمر هي أن المشاريع القائمة داخل المؤسسات تتطلب القدر نفسه من التحليل الذي تتطلبه مشاريع ريادة الأعمال، لكنها نادراً ما تخضع لهذا التحليل. بدلاً من ذلك، يجري اقتراحها في شكل طلبات الميزانية الرأسمالية. تخضع هذه المستندات المقنّعة لتمحيص مالي وعملية بناء توافق في الآراء مفصلين، مع شق المشروع طريقه عبر التسلسل القيادي، الذي أطلق عليه نموذج "القنبلة النيوترونية" في حوكمة المشروع. لكن في تاريخ هذه المقترحات، لم يحدث طرح خطة عمل لم تبشر بعائدات تتجاوز معدلات العقبات المؤسسية. إذ إن هذه الأرقام لم تتضاعف بشكل هائل في التقارير المالية للمؤسسة إلا بعد إطلاق الشركة الجديدة.
ويمكن تفادي هذه المشكلة بدرجة كبيرة إذا اتبعت المشاريع الريادية داخل الشركات المبادئ التوجيهية الواردة في هذا المقال. على سبيل المثال، ينبغي أن تبدأ خطة العمل لمثل هذه المشاريع بالسير الذاتية لجميع الأشخاص المعنيين. وما الذي قام به الفريق في الماضي الذي من شأنه أن يوحي بنجاحه في المستقبل وما إلى ذلك؟ فضلاً عن ذلك، ينبغي أن يخضع المنتج أو الخدمة التي يطرحها المشروع الجديد للتحليل الكامل من حيث الفرص المتاحة والسياق العام. ويفرض الخوض في هذه العملية نوعاً من النظام الذي يحدد نقاط الضعف ومواطن القوة في مرحلة مبكرة ويساعد المدراء في التعامل مع كلتيهما.
ومما يساعد كثيراً في ذلك أيضاً أن يستمر هذا النظام بعد انطلاق المشروع الداخلي. فعندما أصحاب رأس المال الاستثماري في شركات جديدة، فإنهم يرصدون أداءها كمسألة طبيعية. لكن في الشركات الكبرى، فإن عملية تمحيص المشروع الجديد غالباً ما تكون غير متسقة. ينبغي – ومن الضروري – ألا يكون الحال كذلك. إذ تساعد خطة العمل المدراء في طرح أسئلة على مثل، كيف يسير أداء المشروع الجديد قياساً إلى التوقعات؟ وما القرارات التي اتخذها الفريق استجابة للمعلومات الجديدة؟ وهل جعلت التغيرات في السياق العام التمويل الإضافي ضرورياً؟ وكيف كان بوسع الفريق التنبؤ بهذه التغيرات؟ من شأن هذه الأسئلة ليس أن تدفع فحسب المشروع إلى الاستمرار في العمل بسلاسة، بل أيضاً أن تساعد المؤسسة في التعلم من أخطائها وانتصاراتها.
ويفترض هذا الإطار أنّ الشركات الكبرى لها خصائص يسهل تحديدها ولكن يصعب تجميعها. إذ إنّ لديها فريقاً إدارياً ذا خبرة وحيوية من القمة إلى القاعدة. ويتمتع أعضاء هذا الفريق بالمهارات والخبرات ذات الصلة المباشرة بالفرصة التي يسعون إلى اغتنامها. ومن الناحية المثالية، سيكونون قد عملوا بنجاح معاً في الماضي. أما بالنسبة للفرصة فلها نموذج أعمال جذاب ومستدام، إذ من الممكن خلق ميزة تنافسية والدفاع عنها. وتوجد العديد من الخيارات لتوسيع حجم العمل ونطاقه، وهذه الخيارات تنفرد بها المؤسسة وفريقها. ويمكن استخلاص القيمة من الشركة بعدة طرق، إما من خلال مناسبة حصاد إيجابية - كالبيع - أو عن طريق خفض الحجم أو التصفية. والسياق مناسب فيما يتعلق بكل من البيئة التنظيمية والبيئة الاقتصادية الكلية. وبالنسبة للمخاطر فهي مفهومة، وقد درس الفريق سبل التخفيف من أثر الأحداث المعقدة. وباختصار، ما لم يكن الواقع مرتّباً للغاية، لا تتدبّر الشركات الكبرى أمر الأجزاء الأربعة للإطار بشكل كامل.
1-الأشخاص
عندما أتلقى خطة عمل، أول ما ألتفت لقراءته هو قسم السيرة الذاتية. ليس لأنّ الأشخاص هم الجزء الأكثر أهمية في الأبعاد الأربعة، ولكن لأنه من دون الفريق المناسب، فلا أهمية لأي من الأبعاد الأخرى.
وحينما أشرع في قراءة السيرة الذاتية لفريق المشروع، يخطر ببالي على الفور عدد من الأسئلة (راجع الفقرة الجانبية "من هم هؤلاء الأشخاص على أي حال؟")، وجميع هذه الأسئلة تتصّل بالقضايا الثلاث نفسها بشأن أعضاء فريق المشروع، وهي: ماذا يعرفون؟ ومَن يعرفون؟ إلى أي مدى هم معروفون؟
ما يعرفونه ومَن يعرفونه هما مسألتان تتعلقان بالرؤية والخبرة. ما مدى معرفة أعضاء الفريق بالجهات الفاعلة في الصناعة والديناميات؟ لذلك ليس من المستغرب أنّ المستثمرين يقدّرون المدراء ذوي الخبرة. وفي هذا الشأن، ينبغي أن تصف خطة العمل بصراحة معرفة كل عضو في الفريق بنوع المنتج أو الخدمة التي يقدمها المشروع الجديد، وعمليات الإنتاج، والسوق، سواء المنافسين أو العملاء. كما أن هذه الجزئية توضح ما إذا كان أعضاء الفريق قد عملوا معاً من قبل، والمقصود هنا هو العمل فعلاً، وليس مجرد معرفة أو زمالة، كما هو الحال عند السكن معاً في الكلية.
ويُقدّر المستثمرون أيضاً الفريق الذي يكون معروفاً، إذ لا يفضل الكثيرون التعامل مع الشركات الناشئة، باعتبارها شركات لا يمكن التنبؤ بها. ولكن بيدَ أنّ هذا الأمر يتغير عندما يدير الشركة الجديدة أشخاص معروفون جيداً من قبل الموردين والعملاء والموظفين. إذ يمكن أن يكون مشروعهم جديداً لكنهم ليسو كذلك. ويخفف ذلك من حدة عنصر المفاجأة للعمل في شركة ناشئة إلى حد ما.
من هم هؤلاء الأشخاص على أي حال؟
في التالي، أربعة عشر سؤال عن الأشخاص، التي ينبغي لأي خطة عمل الإجابة عنها:
- في أي مكان يعيش المؤسسون؟
- أين تلقوا تعليمهم؟
- أين يعملون؟ ولصالح من؟
- ما هو إنجازهم المهني والشخصي في الماضي؟
- كيف هي سمعتهم في مجتمع الأعمال؟
- ما هي خبراتهم ذات الصلة المباشرة بالفرصة التي يسعون إليها؟
- ما المهارات والقدرات والمعرفة التي يمتلكونها؟
- ما مدى واقعية فرصتهم في تحقيق النجاح للمشروع، وتجاوز المحن التي سيواجهونها؟
- من الذين يحتاجونه ليكون في فريقهم؟
- هل هم على استعداد لتوظيف موظفين ذي كفاءة عالية؟
- كيف ستكون استجابتهم للمحن التي سيتعرضون لها؟
- هل لديهم الاستعداد والهمة تجاه الخيارات الصعبة المحتومة التي سيتعيّن عليهم اتخاذها؟
- ما مدى التزامهم تجاه المشروع؟
- ما هي دوافعهم؟
ربما تتساءل لماذا ينبغي أن يحظى الجزء الخاص بالأشخاص في خطة العمل بعناية خاصة. والإجابة لأنه ببساطة، الجزء الذي يركز المستثمرون الأكثر ذكاءً انتباههم عليه. حيث تتلقى شركة رأس المال المغامر (أو ما تسمى بشركات رأس المال الجريء) المهنية حوالي 2,000 خطة عمل سنوياً. وتمتلئ هذه الخطط بالطبع بأفكار مثيرة للمنتجات والخدمات الجديدة التي من شأنها تغيير العالم وجني مليارات في هذه العملية، أو هكذا يقولون. ولكنّ الحقيقة هي أنّ معظم أصحاب رأس المال المغامر يعتقدون أنّ الأفكار موجودة بكثرة، وإن الأهم هو مهارات التنفيذ. وكما قال آرثر روك، أسطورة رأس المال المغامر المرتبط بتأسيس شركات مثل شركات "آبل" و"إنتل" و"تيليدين": "أنا أستثمر في الأشخاص، وليس في الأفكار". كما قال أيضاً: "إنْ استطعت العثور على أشخاص جيّدين، حتى إن وجدوا أنفسهم مخطئين، سيغيّرون استراتيجيتهم على الفور، لذلك فما جدوى التركيز على فهم المنتج الذي يتحدثون عنه في المقام الأول؟"
وينبغي لكتّاب خطة العمل وضع هذا التذكير في الاعتبار أثناء صياغة عرضهم: تحدّث عن الأشخاص بإسهاب. فإنْ لم يكن ثمة شيء يُعتمد عليه بشأن خبرتهم وقدراتهم على البدء، فينبغي للفريق الريادي حينها إعادة التفكير مجدداً في إطلاق المشروع.
2-الفرصة
عندما يأتي الدور إلى الفرصة نفسها، ينبغي أن تبدأ خطة العمل الجيدة بالتركيز على سؤالين هما: هل السوق الإجمالية للمنتج أو الخدمة التي يطرحها المشروع كبيرة أم سريعة النمو، أم كلاهما؟ وهل المجال الآن، أو في المستقبل، يمكن أن يغدو جاذباً من الناحية الهيكلية؟ إذ يبحث رواد الأعمال والمستثمرون عن الأسواق الكبيرة أو سريعة النمو، بشكل أساسي، لأن الحصول على حصة في سوق نامية سيكون أفضل في كثير من الأحيان من الدخول في مواجهة شرسة مع المنافسين الراسخين للحصول على حصة في سوق ناضجة أو راكدة. وفي الواقع، يحاول المستثمرون الأذكياء تحديد الأسواق ذات الإمكانات العالية للنمو في وقت مبكر من تطورها، فهي المكان الذي تحقَّق فيه المكاسب الكبيرة. وبالفعل، لن يستثمر الكثيرون في شركة لا يمكنها بلوغ نطاق واسع (وهو تحقيق 50 مليون دولار من العائدات السنوية) في غضون خمس سنوات.
أما بالنسبة إلى الجاذبية، فمن الواضح أنّ المستثمرين يبحثون عن أسواق تتيح للشركات حقاً كسب بعض الأرباح. ولكن هذا الأمر ليس بسيطاً كما يبدو. ففي أواخر سبعينيات القرن العشرين، كان مجال محركات أقراص الحواسيب جاذباً للغاية. إذ كانت هذه التكنولوجيا جديدة ومثيرة. ودخلت العشرات من الشركات هذا المجال، بمساعدة مجموعة من المستثمرين المحترفين. ولكن بيد أنه بعد نحو عشرين عاماً، تلاشت تلك الإثارة لدى المدراء والمستثمرين بالمثل. إذ توجب على شركات محركات الأقراص تصميم المنتجات لتلبية الاحتياجات الملموسة لكل من مصنّعي المعدات الأصليين (OEMs) والمستخدمين النهائيين. ولكن أن تبيع منتج إلى مصنّعي المعدات الأصليين هي عملية معقدة. إذ إنّ حجم العملاء كبير بالنسبة إلى معظم مورديهم. ويُصعب من الأمر وجود الكثير من المنافسين، ولكل منهم عروض مماثلة عالية الجودة. وعلاوة على ذلك، فإّن دورات حياة المنتج قصيرة والاستثمارات التكنولوجية المستمرة مرتفعة. كما يخضع مجال محركات أقراص الكمبيوتر لتحولات كبيرة في التكنولوجيا، وفي احتياجات العملاء. ناهيك عن أن التنافس الشديد يُسفر عن انخفاض الأسعار، وبالتالي انخفاض هوامش الربح. وباختصار، لم ينشأ مجال محركات الأقراص ببساطة ليحقق للأشخاص قدراً كبيراً من المال، بل إنه منطقة كوارث هيكلية.
فرصة العمر، أم أنها ليست كذلك؟
تتمثل الأسئلة التسعة التي ينبغي لأي خطة عمل الإجابة عنها في التالي:
- من هم زبائن المشروع الجديد؟
- كيف يتخذ الزبائن قراراتهم حيال شراء هذا المنتج أو هذه الخدمة؟
- إلى أي مدى يعتبر المنتج أو الخدمة مقنعين للزبائن بما يدفعهم لشرائهما؟
- كيف سيتم تسعير المنتج أو الخدمة؟
- كيف سيصل المشروع إلى قطاعات الزبائن التي تم تحديدها؟
- ما مقدار التكلفة (من حيث الوقت والموارد) الذي يتطلبه الحصول على زبون؟
- ما مقدار التكلفة اللازمة لإنتاج وتوزيع المنتج أو الخدمة؟
- ما مقدار التكلفة اللازمة لتقديم الدعم للزبائن؟
- ما مدى سهولة الاحتفاظ بالزبائن؟
وفي المقابل، كان ظهور مجال خدمات المعلومات بمثابة النعيم. إذ تتمتع شركات مثل "بلومبرغ فايننشال ماركتس" (Bloomberg Financial Markets) و"فيرست كول كوربوريشن" (First Call Corporation)، التي تقدم البيانات إلى الأوساط المالية، بكل ميزة تنافسية تقريباً إلى جانبها. أولاً، يمكن لهذه الشركات تجميع محتوى خاص أو إنشاؤه - وهو المحتوى الذي يجسد، بالمناسبة، شريان الحياة بالنسبة إلى الآلاف من المدراء الماليين ومحللي الأسهم حول العالم. وعلى الرغم من أنّ تطوير الخدمة والحصول على عملاء أوليين مكلف في كثير من الأحيان، ولكن حالما تبدأ الشركة في العمل، يمكن لهذه الشركات تقديم محتوى للعملاء بأسعار رخيصة للغاية. وكذلك في هذا المجال، يدفع العملاء قبل تلقي الخدمة، ما يجعل التدفق النقدي رائعاً في الواقع. وباختصار، يتجاوز هيكل مجال خدمات المعلومات وصفه جاذباً، فهو رائع. إذ لا تترك هوامش الأرباح التي تحققها كل من شركتَي "بلومبرغ" و"فيرست كول" مجالاً لصناعة محركات الأقراص.
وبالتالي، تتمثل الخطوة الأولى لرواد الأعمال في التأكد من دخولهم مجالاً كبير الحجم أو لديه فرصة في النمو، أو كليهما، وكذلك مجالاً جاذباً من الناحية الهيكلية. وتكمن الخطوة الثانية في التأكد من أنّ خطة عملهم تصف بدقة كيف هو الحال في القطاع. وإنْ لم يكن كذلك، فيجدر بخطة عملهم تحديد الكيفية التي ستستمر بها الشركة في تحقيق ما يكفي من الربح لتحفيز المستثمرين أو الموظفين المحتملين أو المورّدين على المشاركة.
وبمجرد اختبار خطة العمل للمجال الذي سيعمل فيه المشروع الجديد، يجب أن تصف الخطة بالتفصيل كيف ستقوم الشركة بتطوير المنتج أو الخدمة التي ستقدمها وإطلاقها في السوق. ومرة أخرى، ينبغي أن تسترشد المناقشة بسلسلة من الأسئلة:
- من هو العميل الجديد للمشروع؟
- كيف يتخذ العميل قراراته بشأن شراء هذا المنتج أو هذه الخدمة؟
- إلى أي درجة يعتبر المنتج أو الخدمة مقنعين لدفع العميل إلى شرائهم؟
- كيف سيتم تسعير المنتج أو الخدمة؟
- كيف سيصل المشروع إلى كل شرائح العملاء المحددة؟
- ما هي تكلفة الحصول على عميل (في الوقت والموارد)؟
- ما هي تكلفة إنتاج وتوصيل المنتج أو الخدمة؟
- ما هي تكلفة دعم العميل؟
- ما مدى سهولة الاحتفاظ بالعميل؟
وغالباً ما ستكشف الإجابات عن هذه الأسئلة عن خطأ قاتل في العمل. لقد رأيت رواد أعمال يمتلكون منتجاً رائعاً، ولكنهم يكتشفون، على سبيل المثال، أنه من المكلف للغاية العثور على عملاء يمكنهم تحمل كلفة شراء هذا المنتج. ورغم أن القاعدة تقول إن الوصول المُجدي اقتصادياً إلى العملاء هو مفتاح العمل التجاري، لكننا نجد العديد من رواد الأعمال يسيرون على نهج فلم "حقل الأحلام" (Field of Dreams)، وهو: طوّر منتجك وسيأتي العملاء لشرائه. ولكن للأسف، تنجح هذه الاستراتيجية في الأفلام فقط، بينما تبدو غير منطقية على أرض الواقع.
وليس من السهل دائماً الإجابة عن الأسئلة التي تتعلق باستجابة المستهلك المحتملة للمنتجات أو الخدمات الجديدة. إذ إنّ السوق متقلبة بقدْر ما لا يمكن التنبؤ بها. فمن كان يظن أن مزيلات الروائح المثبّتة في الغرفة ستباع؟ وأتذكر في هذا الشأن ما فعله رائد أعمال أعرفه، حيث عرض تقديم خدمة قصاصات الأخبار الإلكترونية على رأسمالي مغامر، والذي رفض الخطة بدوره قائلًا له: "لا أعتقد أنّ العملاء سيودّون شراء هذه الخدمة. "فالكلاب لن يأكلون طعام الكلاب". وفي وقت لاحق، عندما أصبحت شركة رائد الأعمال الذي أعرفه شركة عامة، أرسل إلى الرأسمالي المغامر صندوقاً مجهولاً يحتوي على علبة فارغة من طعام الكلاب، كإشارة إلى أن الكلاب أكلت الطعام أي أن العميل اشترى الخدمة، ونسخة من نشرته الإعلانية. والمغزى هو أنه إنْ كان من السهل التنبؤ بما سيشتريه الجمهور، فلن تكون هناك أي فرص.
السوق متقلبة بقدْر ما لا يمكن التنبؤ بها. مَن كان يظن أن مزيلات الروائح المثبّتة في الغرفة ستُباع؟
وبالمثل، من الصعب تخمين المبلغ الذي سيدفعه العملاء مقابل شيء ما، ورغم ذلك ينبغي أن تتناول خطة العمل هذه المسألة. ففي بعض الأحيان، سيشتري العملاء المنتج أو الخدمة بالفعل، لكن فقط بسعر أقل من التكلفة. ويبحث المستثمرون دائماً عن فرص للتسعير على أساس القيمة، أي الأسواق التي تكون فيها تكاليف إنتاج المنتج منخفضة، ولكن المستهلكون فيها يدفعون الكثير لشرائه. إذ لا يتوق أحد للاستثمار في شركة تكون فيها هوامش الأرباح ضعيفة. ولكن بيد أنه لا يزال بالإمكان تحقيق أرباح من بيع المنتجات والخدمات الرخيصة، حتى في السلع الأساسية. لذلك يجب أن تُظهر خطة العمل أنّ نظام التسعير في المشروع الجديد قد خضع لدراسة متأنية.
وهناك قائمة من الأسئلة بشأن فرصة المشروع الجديد تجاه العائدات المباشرة، وتكاليف إنتاج المنتج، وتسويقه. وهو أمر جيد بالقدر الذي تمضي فيه. وكذلك يتضمن العرض العقلاني تقييم نموذج العمل من منظور يأخذ في الاعتبار الاستثمار المطلوب، أي الجزء الخاص بالميزانية العمومية. وينبغي أيضاً الإجابة عن الأسئلة التالية حتى يتمكن المستثمرون من فهم الآثار المترتبة على التدفق النقدي في السعي لاغتنام الفرصة:
- متى يتعيّن على الشركة شراء الموارد، مثل المستلزمات والمواد الخام والأفراد؟
- متى يتعيّن على الشركة دفع ثمن هذه الموارد؟
- ما مقدار الوقت الذي يستغرقه الحصول على عميل؟
- ما مقدار الوقت الذي يستغرقه العميل لإرسال شيك إلى الشركة؟
- ما مقدار المعدات الرأسمالية اللازمة لدعم دولار واحد من المبيعات؟
إذ يبحث المستثمرون، بطبيعة الحال، عن شركات يمكن أن تشتري مواردها بأسعار منخفضة، وتبيع منتجاتها بأسعار مرتفعة، وتحصل على الموارد مبكراً، وتدفع مقابلها بشكل متأخر. لذلك يلزم في خطة العمل توضيح المدى الذي من المتوقع أن يقترب به المشروع الجديد من تحقيق هذا النموذج المثالي. وحتى لو كانت الإجابة ليست قريبة تماماً،وهي عادة ما تكون كذلك، فهي على الأقل تطرح الحقيقة حيال هذا الأمر للمناقشة.
ويجب أن تتطرق جزئية الفرصة في خطة العمل إلى بعض القضايا الأخرى. أولاً، يجب عليها أن توضح وتحلل كيف يمكن أن تنمو فرصة ما، وبمعنى آخر، كيف يمكن للمشروع الجديد توسيع نطاق منتجاته أو خدماته، أو قاعدة العملاء، أو النطاق الجغرافي. ففي كثير من الأحيان، تكون الشركات قادرة على إنشاء خطوط افتراضية تدعم إنشاء مصادر دخل جديدة ذات جدوى من الناحية الاقتصادية. ففي قطاع النشر، على سبيل المثال، وسّعت "مجلة إنك" (Inc.) مجموعة منتجاتها لتشمل الندوات، والكتب، ومقاطع الفيديو حول ريادة الأعمال. وبالمثل، وبناءً على نجاح البرنامج الحاسوبي للتمويل الشخصي "كويكين" (Quicken)، تبيع شركة "إنتويت" (Intuit) الآن برامج للخدمات المصرفية الإلكترونية، والمحاسبة الخاصة بالأعمال التجارية الصغيرة، وإعداد الضرائب، بالإضافة إلى مستلزمات الطباعة الشخصية وخدمات المعلومات عبر الإنترنت وتوجد الكثير من خطط العمل التي تدور بالفعل حول قضية إمكانات المشروع الجديد للنمو والتوسع. لكن ينبغي لها بالمثل أن تدور حول شرح الكيفية التي يتجنب بها في بعض مصائد الفرصة الشائعة. وقد ذُكرت إحدى هذه المصائد بالفعل، وهي الصناعات غير الجاذبة هيكلياً. ولكن توجد مصائد أخرى. فعالَم الاختراع، على سبيل المثال، محفوف بالمخاطر. وعلى مدار الـ 15 عاماً الماضية، رأيتُ العشرات من الأفراد الذين طوّروا ما هو موجود، وابتكروا إبداعات جديدة، من الوسائد القابلة للنفخ لاستخدامها في الطائرات، إلى الأنظمة الآلية لمواقف السيارات. لكنّ القليل من هذه الشركات التي تعتمد على الأفكار قد انطلقت بالفعل. ولست متأكداً تماماً من السبب. إذ يرفض المخترع، في بعض الأحيان، إنفاق الأموال التي يتطلبها تحقيق المكاسب أو يرفض مشاركة هذه المكاسب على نحو كافٍ مع الجانب التجاري في الشركة. وفي أحيان أخرى، يصبح المخترعون مشغولين باختراعاتهم لدرجة أنهم ينسون أمر العميل. وأياً يكُن السبب، فإنّ الشركات الأفضل في تطوير ما هو موجود لديها طريقة غريبة من القصور في الأداء.
وإحدى مصائد الفرصة الأخرى التي يلزم خطط العمل – ورواد الأعمال بشكل عام – إيلاءها الاهتمام هي الأعمال المعقدة للمراجحة. وتتأسس مشاريع المراجحة، بصورة أساسية، للاستفادة من بعض التباين في الأسعار في السوق. فعلى سبيل المثال، أسّست شركة "إم سي آي كوميونكيشنز كوربوريشن" (MCI Communications Corporation) لتقديم خدمات بعيدة المدى بسعر أقل من السعر الذي تقدمه شركة "أيه تي آند تي" (AT&T). وتعكس بعض عمليات دمج الصناعات القائمة اليوم نوعاً مختلفاً من المراجحة، وهي القدرة على شراء الشركات الصغيرة بسعر الجملة، وجمعها معاً في مجموعة أكبر، وتحويلها إلى شركة عامة بسعر التجزئة، وكل ذلك دون إضافة قيمة بالضرورة في هذه العملية.
أياً يكُن السبب، فإنّ الشركات الأفضل في تطوير ما هو موجود لديها طريقة غريبة من القصور في الأداء
وتُعد الاستفادة من فرص المراجحة وسيلة حيوية ومربحة للاستثمار في شركة. ولكن بيد أنه في التحليل النهائي تتبخر جميع فرص المراجحة. وهي ليست مسألة ما إذا كان ذلك سيحدث، بل هي مسألة متى سيحدث. والسر في هذه الشركات هو استخدام أرباح المراجحة لتطوير نموذج عمل أكثر استدامة، لذلك يجب أن توضح خطط العمل كيف سيحدث ذلك ومتى سيحدث.
أما بالنسبة إلى المنافسة، فغنيٌّ عن البيان أنّ جميع خطط العمل ينبغي أن تغطي هذه الجزئية بعناية وبشكل شامل، لكن بعض خطط العمل لا تفعل ذلك. وهذا هو التفريط الفادح. وينبغي أن تجيب كل خطة عمل، بالنسبة إلى المبتدئين، عن الأسئلة التالية بشأن المنافسة:
- من هم المنافسون الحاليون للمشروع الجديد؟
- ما هي الموارد التي يسيطرون عليها؟ وما هي نقاط القوة والضعف لديهم؟
- كيف سيستجيبون لقرار المشروع الجديد بدخول مجال العمل؟
- كيف يمكن للمشروع الجديد أن يستجيب لرد منافسيه؟
عرض المخاطر والمكاسب
عندما يتعلق الأمر بمسألة المخاطر والمكاسب في مشروع جديد، فإن خطة العمل تستفيد استفادة هائلة من إدراج رسمين بيانيين. ولعلّ عبارة "رسم بياني" لا تعتبر التعبير المناسب في هذا المقام، إذ إنهما هنا يمثلان فحسب صوراً تخطيطية توضح العلاقة الأكثر احتمالاً بين المخاطر والمكاسب، أي العلاقة بين الفرصة والجوانب الاقتصادية المرتبطة بها. وعلى الرغم من أن هاتين الصورتين التخطيطيتين لا تحتويان على بيان الموارد المالية، إلا أنه تبيّن لي أن كلتيهما توضحان الكثير للمستثمرين أكثر من مئات الصفحات المليئة بالجداول والكلام الإنشائي.
تبيّن الصورة الأولى مقدار المال اللازم لإطلاق مشروع جديد، ومقدار الوقت المستغرق قبل تحقيق تدفقات نقدية إيجابية، ومقدار المكاسب المتوقعة.
وتساعد هذه الصورة المستثمرين في فهم مدى عمق التدفقات النقدية السلبية ومدتها، وكذلك فهم العلاقة بين الاستثمار والعائد المحتمل.
وغني عن القول إن الوضع الأمثل يتمثل في تحقيق تدفقات نقدية إيجابية في وقت مبكر وبشكل متكرر. لكن معظم المستثمرين ينجذبون إلى الصورة حتى عندما تكون التدفقات النقدية الخارجة مرتفعة وطويلة الأجل ما دام أن التدفقات النقدية الداخلة أكثر منها.
وبطبيعة الحال، نظراً لأن عالم المشاريع الجديدة ينشط فيه الكثير من المستثمرين المفرطين في التفاؤل، فقد تتوقع أن تعرض الصورة فجوة أكثر سطحية ومكاسب أكثر انحداراً مما ينبغي أن تعرضه. وفي الواقع، فإن الصورة الأولى عادة ما تفعل ذلك. لكن تحرياً للأمانة، فحتى هذا النوع من الصور له مكانته في خطة العمل نظراً لأنه يمثل تحذيراً مناسباً للمستثمرين من أن الفريق الذي يتولى المشروع الجديد بعيد كل البعد عن واقع الحال، وينبغي تجنبه مهما كان الثمن.
أما الصورة الثانية فهي تستكمل الصورة الأولى. وتبيّن للمستثمرين نطاق العائدات المحتملة واحتمالية تحقيقها. ويوضح المثال التالي وجود فرصة بنسبة 15% أنه ربما كان من الأفضل لهؤلاء المستثمرين استخدام أموالهم كأوراق حائط من استثمارها في المشروع الذي موّلوه. ويكشف "الجزء المسطح" في الصورة وجود فرصة ضئيلة في خسارة مقدار قليل فحسب من المال، إذ إن الشركات إما أنها تواجه إخفاقات كبيرة أو أنها تخلق قدراً كافياً من القيمة لتحقيق عائدات إيجابية. وتشير الحدبة في وسط الصورة إلى أنه توجد فرصة هائلة في تحقيق عائدات تتراوح بين 15% إلى 45% في الفترة الزمنية نفسها. وأخيراً، ثمة فرصة ضئيلة أن النفقات الأولية من الأموال سيتمخض عنها تحقيق معدل عائد داخلي مقداره 200%، والذي ربما يكون قد تحقق إذا صادف أنك استثمرت أموالك في شركة "مايكروسوفت" عندما كانت شركة خاصة.
وبصورة أساسية، تساعد هذه الصورة المستثمرين في تحديد نوع الاستثمار الذي تطرحه خطة العمل، هل يستثمر هذا المشروع الجديد في التنقيب عن النفط في بحر الشمال – وهو ما يعني ارتفاع المخاطر مقترنة بمكاسب هائلة محتملة – أم أنه يستثمر في حفر الآبار الإنمائية في ولاية تكساس، الذي يعتبر مغامرة جيولوجية أقل مخاطراً، وعلى الأرجح، أقل ربحاً؟ حيث تجيب هذه الصورة عن أسئلة على هذه الشاكلة. وبعدها يتوقف الأمر على المستثمرين لتحديد مقدار المخاطر التي يريدون الإقدام عليها في مقابل أي نوع من الاحتمالات.
ومجدداً، قد يميل الأشخاص الذين يكتبون خطط العمل إلى تشويه الصورة لجعل الأمر يبدو كما لو أن الاحتمالات مرتفعة لتحقيق عائدات كبيرة، وأن إمكانية التعرض لخسارة لا تُذكر. وأقول، مجدداً، إنّ جمال الصورة يكمن في ذلك. إذ إن ما تدّعيه الصورة، بمقارنتها بالحس الواقعي للمستثمرين وبخبرتهم، ينبغي أن يكون بمثابة صورة تحذيرية بسيطة.
- مَن أيضاً يمكن أن يكون قادراً على مراقبة الفرصة نفسها واستغلالها؟
- هل توجد سبل لاختيار المنافسين المحتملين أو الفعليين من خلال تشكيل تحالفات؟
ويمكننا أن نشبه العمل التجاري بلعبة الشطرنج، إذ لكي تكون ناجحاً، يجب عليك توقُّع العديد من التحركات مقدماً. حيث إنّ خطة العمل التي تصف عميلاً محتملاً لا يمكن التغلب عليه أو مركزاً سوقياً مملوكاً هي بطبيعتها قد كتبها أشخاص سُذّج. ولا ينطبق ذلك على القسم الخاص بالمنافسة فحسب في خطة العمل، بل على المناقشة الكاملة للفرصة. وجميع الفرص واعدة، وجميعها لديها أوجه ضعف. ولا تُخفي خطة العمل الجيدة أوجه الضعف هذه. بل بالأحرى، فإنها تثبت أنّ الفريق الريادي يعرف الأمور الجيدة والسيئة والقبيحة التي سيواجهها المشروع في المستقبل.
3-السياق
توجد الفرص داخل السياق. وينقسم السياق إلى عدد من المستويات، حيث توجد على أحد المستويات بيئة الاقتصاد الكلي، بما في ذلك مستوى النشاط الاقتصادي والتضخم وأسعار الصرف وأسعار الفائدة. وعلى مستوى آخر، توجد مجموعة واسعة من القواعد والتشريعات الحكومية التي تؤثر على الفرصة وكيفية تنظيم الموارد لاستغلالها. وتمتد الأمثلة من السياسات الضريبية إلى القواعد المتعلقة بزيادة رأس المال لشركة خاصة أو عامة. وعلى مستوى آخر، توجد عوامل مثل التكنولوجيا التي تحدد حدود ما يمكن أن تحققه الشركة أو منافسوها.
وغالباً ما يملك السياق أثراً هائلاً على كل جانب من جوانب العملية الريادية، بداية من تحديد الفرص إلى الحصاد. وفي بعض الحالات، قد تكون التغييرات في بعض عوامل السياق سبباً للفرصة. فمثلاً، تم تأسيس أكثر من 100 شركة جديدة عندما جرى تحرير صناعة الطيران في أواخر السبعينيات من القرن الماضي. وقد كان سياق التمويل مناسباً أيضاً، حيث مكّن الشركات الوافدة الجديدة مثل شركة "بيبول إكسبريس" (People Express) من الدخول إلى السوق العامة للحصول على رأس المال حتى قبل بدء العمليات.
وعلى العكس من ذلك، ستجد أن السياق يجعل أحياناً من الصعب بدء مشروعات جديدة. مثل حالة الكساد الذي ساد في أوائل التسعينيات مصحوباً ببيئة تمويل صعبة للشركات الجديدة، إذ كانت مدفوعات رأس المال الاستثماري منخفضة، وكذلك كان مقدار رأس المال الذي جرى جمعه في الأسواق العامة. ومن المفارقات، أنّ تلك الظروف المتأزمة نسبياً، التي جعلت من الصعب على الشركات الوافدة الجديدة الدخول، هي ذاتها التي كانت مرتبطة بعائدات استثمار مرتفعة للغاية في وقت لاحق من التسعينيات، مع اشتعال أسواق رأس المال.
وفي بعض الأحيان، يحوّل التغيّر في السياق مجالاً تجارياً غير جاذب إلى آخر جاذب، والعكس صحيح. ولتأخذ مثالاً لحالة شركة للتعبئة والتغليف قبل بضع سنوات، كان أداؤها سيئاً للغاية لدرجة أنها كانت على وشك أن تغدو على المحك. ثم جاءت حادثة التلاعب في عقار تايلينول (Tylenol)، التي تسببت في وفيات متعددة. وصادف أنّ شركة التعبئة والتغليف كانت لديها آلية فعالة لتثبيت أختام غير قابلة للتزوير، وفي غضون أسابيع كان من الممكن أن يوصَف أداؤها المالي بالمذهل. وعلى العكس من ذلك، ألحقت الإصلاحات الضريبية في الولايات المتحدة التي صدرت في عام 1986 أضراراً بالشركات العاملة في مجال العقارات، ما أدى إلى القضاء على كل الحوافز الإيجابية للاستثمار تقريباً. إذ توقفت العديد من العمليات الناجحة سابقاً عن العمل بعد فترة وجيزة من سريان القواعد الجديدة.
وينبغي أن تحتوي كل خطة عمل على بعض الأدلة المحددة المتعلقة بالسياق. أولاً، يجب على رواد الأعمال إظهار الوعي المتزايد بسياق المشروع الجديد، وكيف يساعد عرضهم المحدد أو يعيقه. ثانياً، والأهم من ذلك، ينبغي لهم إظهار أنهم يعرفون أنّ سياق المشروع سيتغير لا محالة، ويصفون كيف يمكن أن تؤثر هذه التغييرات على الشركة. وعلاوة على ذلك، ينبغي أن توضح خطة العمل ما يمكن للإدارة أن تفعله، في حال لم يعد السياق مناسباً. وأخيراً، ينبغي أن توضح خطة العمل، السبل (إن وُجدت)، التي يمكن أن تؤثر بها الإدارة على السياق بطريقة إيجابية. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تكون الإدارة قادرة على التأثير على التشريعات أو على المعايير السائدة في الصناعة من خلال جهود الضغط.
4-المخاطر والمكاسب
يقود السياق مباشرة إلى المكوّن الرابع والأخير من الإطار الذي أقترحه، ويقودنا إلى مناقشة المخاطر وكيفية إدارتها. وقد أصبحتُ أفكر في خطة العمل الجيدة باعتبارها لمحة موجزة عن حدث في المستقبل. فالتقاط صورة للمجهول هو عمل فذ. لكنّ خطط العمل الرائعة تتجاوز ذلك، فهي مثل أفلام المستقبل. إنها تُظهر الأشخاص والفرصة والسياق من زوايا متعددة. وتوفر قصة عقلانية ومتماسكة لما ينتظرنا. كما تكشف إمكانيات الفعل ورد الفعل.
وتناقش خطط العمل الجيدة، بمعنى آخر، الأشخاص والفرصة والسياق كهدف متحرك. ومن المرجح أن تتغيّر العوامل الثلاثة جميعها وكذلك العلاقة فيما بينها بمرور الوقت مع تطور الشركة من شركة ناشئة إلى مؤسسة مستمرة. لذا، يلزم أي خطة عمل، تستحق الوقت الذي تستغرقه في الكتابة أو القراءة، تركيز الانتباه على الجوانب الديناميكية للعملية الريادية.
وبالطبع، من الصعب التنبؤ بالمستقبل. لكن من الممكن إعطاء المستثمرين المحتملين إحساساً بنوع المخاطر والمكاسب ودرجتهما، التي يتحملونها في مشروع جديد. فكل ما يتطلبه الأمر هو قلم رصاص واثنتين من الرسومات البسيطة. (انظر الفقرة "عرض المخاطر والمكاسب").
إحدى أكبر الخرافات عن رواد الأعمال هي أنهم باحثون عن المخاطر. إذ إنّ جميع الأشخاص العاقلين يريدون تجنّب المخاطر.
ولكن حتى مع هذه الرسومات، لا تقلل من تلك المخاطر. وفي الواقع، لا توجد توزيعات ثابتة للنتائج. إذ تقع على عاتق الإدارة في نهاية المطاف مسؤولية تغيير توزيع النجاح، وزيادة احتماليته ونتائجه، وتقليل احتمالية حدوث المشاكل والآثار الناجمة عنها.
وإحدى أكبر الخرافات عن رواد الأعمال هي أنهم باحثون عن المخاطر. إذ إنّ جميع الأشخاص العاقلين يريدون تجنّب المخاطر. وكما يقول الأستاذ في "كلية هارفارد للأعمال"، والرأسمالي المغامر، هوارد ستيفنسون، إن رواد الأعمال الحقيقيون يريدون الحصول على جميع المكاسب وإعطاء جميع المخاطر للآخرين. أفضل عمل تجاري هو صندوق بريد يرسل إليه الأشخاص شيكات مصرفية. بيد أنّ المخاطر هي أمر لا مفر منه. إذن، ماذا يعني ذلك بالنسبة إلى خطة العمل؟
وهذا يعني أن الخطة يجب أن تواجه، بلا تردد، المخاطر المقبلة، من حيث الأشخاص والفرصة والسياق، ماذا يحدث إذا غادر أحد قادة المشروع الجديد؟ وماذا يحدث إذا استجاب المنافس بضراوة أكبر من المتوقعة؟ وماذا يحدث إنْ حدثت ثورة في ناميبيا، وهي مصدر مادة خام أساسية للشركة؟ ماذا ستفعل الإدارة فعلاً؟
هذه هي الأسئلة الصعبة التي على رائد أعمال أن يطرحها، خاصة عند البحث عن رأس المال. لكن توجد صفقة أفضل تنتظر من يطرح هذه الأسئلة ثم يجيب عنها إجابات مقنعة. على سبيل المثال، يمكن أن يكون المشروع الجديد مثقلاً بمديونية عالية وبالتالي فهو شديد الحساسية لأسعار الفائدة. إذ ستستفيد خطة عمل المشروع بشكل كبير من خلال الإشارة إلى أنّ الإدارة تعتزم التحوّط لاستثماراتها عبر سوق العقود المالية الآجلة من خلال شراء عقد جيد عندما ترتفع أسعار الفائدة. وهذا ما يعادل تقديم التأمين للمستثمرين. ناهيك عن أنه منطقي بالنسبة إلى الشركة نفسها.
وأخيراً، يتعلق أحد المجالات المهمة في مجال إدارة المخاطر/المكاسب بالحصاد. إذ يسأل الرأسماليون المغامرون غالباً عمّا إذا كانت الشركة قابلة للاكتتاب الأولي العام (IPOable)، وهو ما يقصدون به: هل يمكن طرح الشركة كشركة عامة في مرحلة ما في المستقبل؟ حيث يصعب طرح بعض الشركات، بحكم طبيعتها، كشركات عامة، لأنّ القيام بذلك سيكشف عن معلومات يمكن أن تضر بمركزها التنافسي، فعلى سبيل المثال، سيكشف ذلك عن الربحية، ما يشجع دخول منافسين جدد أو يتسبب في غضب العملاء أو الموردين. والأمر هو أنّ بعض المشاريع ليست شركات بل منتجات، فهي ليست مستدامة كشركات مستقلة.
أفضل عمل تجاري هو صندوق بريد يرسل إليه الأشخاص شيكات مصرفية.
لذا، يجب أن تتحدث خطة العمل بصراحة عن نهاية العملية. وهي كيف يمكن للمستثمرين في النهاية استخراج أموالهم من الشركة، على افتراض أنها ناجحة، حتى لو كان ذلك نجاحاً هامشياً؟ إذ إنه عندما يقرر الخبراء الاستثمار في شركة ما، فإنهم يعجبون بشكل خاص بالشركات التي لديها مجموعة واسعة من خيارات الخروج. إنهم يعجبون بالشركات التي تعمل جاهدة للحفاظ على تلك الخيارات وتحسينها خلال مسيرة عملها، وبالشركات التي لا تشكّل، على سبيل المثال، تحالفات مع الشركات الكبيرة التي يمكن أن تشتريها فعلياً في يوم من الأيام. ويشعر المستثمرون بالرضا بشأن المخاطر إذا جرت مناقشة المرحلة النهائية للمشروع مقدماً. ثمة مثل قديم يقول: "إنْ كنت لا تعرف وجهتك، فأي طريق سيقودك إليها". وعند صياغة استراتيجيات معقولة لريادة الأعمال، فالعكس هو الصحيح: من الأفضل لك معرفة أين قد ينتهي بك الأمر، وامتلاك خريطة لبلوغ وجهتك. حيث ينبغي أن تكون خطة العمل هي المكان الذي ترسم فيه هذه الخريطة، لأنه، كما يعلم كل مسافر، تكون الرحلة أقل خطورة عندما تكون على دراية بالاتجاهات.
الصفقة وما بعدها
حينما تنتهي من كتابة خطة العمل، فإنّ هدفك بالتأكيد هو الحصول على صفقة. ورغم أنه موضوع لمقالة أخرى في حد ذاته، لكنني سأشير إليه ببضع كلمات هنا.
عندما أتحدث إلى رواد أعمال شباب وكبار ممن يتطلعون إلى تمويل مشاريعهم، أجدهم يتوجّسون بشأن تقييم الصفقة التي سيتلقونها وشروطها. إذ يبدو أنّ هدفهم الواضح هو تقليل الانتقاص الذي سيعانون منه عند زيادة رأس المال. ويبحث رواد الأعمال هؤلاء، بصورة ضمنية، عن مستثمرين يبقون ساكنين تماماً، أثناء قيامهم ببناء شركتهم، أي لا يتدخلون إطلاقاً، ويقتصر دورهم على التمويل فحسب. وإذا نظرنا إلى السلسلة الغذائية للمستثمرين، نجد أنّ الأطباء وأطباء الأسنان هم الأفضل، والرأسماليين المغامرين هم الأسوأ بسبب الدرجة التي تتطلب فيها المجموعة الأخيرة السيطرة وحصة كبيرة من العائدات.
ولكن هذه الفكرة – شأنها شأن فكرة أنّ التوقعات المالية المفصّلة مفيدة - هي فكرة غير منطقية. إذ إنّ مسألة الممول ذاته غالباً ما تكون أكثر أهمية من شروط الصفقة. وكما لاحظتُ، فالمشاريع الجديدة محفوفة بالمخاطر بطبيعتها، والأمور التي يمكن أن تسوء ستسوء. وعندما يحدث ذلك، يشعر المستثمرون المبتدئون والسذج بالذعر والغضب، وغالباً ما يرفضون تقديم المزيد من الأموال للشركة. وعلى النقيض من ذلك، يُشمّر المستثمرون المتمرّسون عن سواعدهم، ويساعدون الشركة على حل مشكلاتها. إذ كان لديهم، في كثير من الأحيان، الخبرة في إنقاذ الشركات الخاسرة. لذلك ستجدهم مُلمّين بالعمليات. ويفهمون كيفية صياغة استراتيجية عمل معقولة، ووضع خطة تكتيكية قوية. ويعرفون كيفية اختيار أعضاء الفريق وتعويضهم وتحفيزهم. كما أنهم على دراية بكل شاردة وواردة في التعقيدات المتعلقة بطرح الشركة كشركة عامة - وهو حدث يواجهه معظم رواد الأعمال ولكن مرة واحدة في العمر. هذا النوع من الدراية الفنية يستحق المال اللازم لشرائه.
وثمة تعبير قديم له صلة مباشرة بتمويل رواد الأعمال: "أذكياء للغاية بمقدار النصف" أي "أذكياء وواثقين من ذكائهم لدرجة تضايق الآخرين". ففي كثير من الأحيان، يصبح صانعو الصفقات مبدعين للغاية، ويقومون بصياغة جميع أنواع خطط الفائدة وخياراتها، التي عادة ما تأتي بنتائج عكسية. لقد أثبتت تجربتي مراراً وتكراراً أنّ للصفقات المعقولة الخصائص الست التالية:
- أنها بسيطة.
- أنها منصفة.
- أنها تركز على الثقة بدلاً من الروابط القانونية.
- أنها لا تتفكك إذا كان الأداء الفعلي يختلف قليلاً عن الخطة الموضوعة.
- أنها لا توفر حوافز ضارة من شأنها أن تتسبب في تصرّف أحد الطرفين أو كليهما بطريقة مدمرة.
- أنها مكتوبة على كومة من الأوراق لا يزيد سُمكها عن ربع بوصة.
لكن حتى هذه القواعد الست البسيطة تغفل عن نقطة مهمة. إذ ينبغي ألا تكون الصفقة أمراً ثابتاً، ومستنداً لمرة واحدة يتفاوض على التخلص من مبلغ مقطوع. بالأحرى، إذ يتعيّن على رواد الأعمال أن يبحثوا عن التمويل، وأن يفكروا في الحصول على رأس المال كعملية ديناميكية، لمعرفة مقدار الأموال التي سيحتاجون إليها ومتى سيحتاجون إليها.
كيف يُنجز ذلك؟ الحيلة السرية للفريق الريادي هي التعامل مع المشروع الجديد كسلسلة من التجارب. فقبل إطلاق المشروع بأكمله، أطلق جزءاً صغيراً منه. وقم بتكوين مجموعة تركيز لاختبار المنتج، وإنشاء نموذج أولي ومراقبة أدائه، وطرح الخدمة على مستوى مجموعة إقليمية أو محلية. إذ تكشف هذه العملية عن الجوانب الاقتصادية الحقيقية للشركة، ويمكن أن تساعد بشكل كبير في تحديد مقدار الأموال التي يتطلبها المشروع الجديد بالفعل وفي أي مراحل يتطلبها. وينبغي لرواد الأعمال جمع ما يكفي من رأس المال، وينبغي أن يستثمر المستثمرون ما يكفي منه لتمويل كل تجربة رئيسة. ويمكن أن تبدو التجارب، بالطبع، باهظة الثمن ومحفوفة بالمخاطر. لكنني شاهدتُ هذه التجارب تحول دون حدوث كوارث وتساعد في تحقيق نجاحات. إنني أعتبر هذه التجارب شرطاً لا غنى عنه لإبرام صفقة رابحة.
احذر المشكلات التي تعترض نجاحك
الغرور هو من بين العديد من الخطايا التي يرتكبها كتّاب خطة العمل. وفي الاقتصاد الراهن، توجد القليل من الأفكار التي هي حقاً ملكية خاصة. وعلاوة على ذلك، لم يسبق قط في التاريخ المسجل أنّ المعروض رأس المال لم يتجاوز المعروض من الفرص. إذ إنّ متوسط العمر الحقيقي للفرصة آخذ في التناقص مع مرور الوقت.
ويجب ألا تكون خطة العمل مشكلة تعترض نجاح الفريق الريادي، وتجرّه إلى غياهب النسيان. وإنما يجب أن تكون خطة العمل دعوة للعمل، وخطة تعترف بمسؤولية الإدارة في إصلاح ما تعرّض للكسر بشكل استباقي وبصورة آنية. فالمخاطر أمر لا مفر منه، وتجنبها مستحيل. وإدارة المخاطر هي العنصر الأساسي حيالها، حيث ترجح دائماً كفة المشروع لصالح المكاسب والابتعاد عن المخاطرة.
ويجب أن تُثبت الخطة إتقان العملية الريادية بأكملها، بدءاً من تحديد فرصة الحصاد. فهي ليست طريقة لفصل المستثمرين المطمئنين عن أموالهم عن طريق إخفاء العيب القاتل. لأنّ الشخص الوحيد الذي يتعرّض للخداع، في التحليل النهائي، هو رائد الأعمال.
نحن نعيش اليوم في العصر الذهبي لريادة الأعمال. وعلى الرغم من أنّ الشركات الموجودة في قائمة مجلة "فورتشن" لأفضل 500 شركة قد تخلت عن 5 ملايين وظيفة خلال العشرين سنة الماضية، إلا أنّ الاقتصاد الكلي قد أضاف حوالي 30 مليون وظيفة. وأنشأت مشاريع ريادية العديد من هذه الوظائف، مثل شركة "سيسكو سيستمز" وشركة "جينينتيك" (Genentech) وشركة "مايكروسوفت". وبدأت كل واحدة من هذه الشركات بخطة عمل. فهل هذا هو السبب وراء نجاحها؟ لا سبيل لمعرفة ذلك على وجه اليقين. ولكن لا مجال للشك في أنّ صياغة خطة عمل جيدة، بحيث تتناول بشكل كامل وصريح مكونات النجاح، وهي الأشخاص والفرصة والسياق وصورة المخاطر/المكاسب، هي أمر مهم للغاية. إذ إنه في ضوء عدم وجود وسيلة سحرية، لا يمكن الاستغناء عن خطة العمل المبنيّة على المعلومات والتحليلات الصحيحة.