كيف تقول “لا” في العمل دون أن تصنع أعداء؟

6 دقائق

تتحدد ملامح شخصيتك وتتشكل معالم حياتك من خلال ما تتصدى له بالرفض. فرفضك، على سبيل المثال، للدعوات التي توجه إليك هو الأسلوب الأمثل لحماية وقتك الذي تحتاج إليه للتركيز على أكثر الأمور أهمية في حياتك. ورفض المطالب التي تتعارض مع قيمك هو الطريقة التي تضمن لك التمسك بتلك القيم. كما أن التعبير عن تحفظاتك تجاه قبول العروض غير الملائمة هو السبيل لتمييز نفسك بأفكارك الخاصة. والتعبير عن عدم الاتفاق مع حشد ضخم هو سر النزاهة الشخصية. إذ يبدع النحات تحفة من الحجر بطرح القطع التي تخالف الصورة التي في مخيلته. وعلى المنوال نفسه، فإن ما يتبقى بعد إزالة تلك الأشياء التي ترفضها هو ما يشكل معالم شخصيتك.

تأمل حالة عبير، التي ترأست مجلس إدارة منظمة غير ربحية ناجحة. نالت المنظمة في السنوات العشر الماضية استحسان المتبرعين نظراً لنتائجها الرائعة. وقد كان لديها قوة عاملة موهوبة مكونة من 40 موظفاً بمعدل إنفاق تبلغ قيمته 500 ألف دولار شهرياً. وقبل ذلك بعام، خلص مجلس الإدارة إلى أن المنظمة أنجزت إلى حد كبير المهمة التي أنشئت من أجلها. والسؤال المطروح الآن هو: "ماذا بعد؟". كان بعض أعضاء مجلس الإدارة، ومعظم أعضاء الفريق التنفيذي، مصممين على إيجاد مهمة جديدة تضطلع بها المنظمة بدلاً من حلها. لكن هناك آخرين كانوا مصرين على أن المنظمة يجب ألا تواصل إنفاق أموال المتبرعين دون طائل. فيجب إما أن تجد سبباً ملحاً لوجودها، سبباً يستحق الثقة المالية، أو أن يتم حلها.

عرض المسؤولون التنفيذيون ثلاث استراتيجيات جديدة ممكنة، ولكن لم تر عبير أي طرح جوهري في أي منها. ومع بدء المناقشات، أعرب أعضاء مجلس الإدارة عن حماسهم لخيار أو آخر. أصغت إليهم باحترام، ولكن ضميرها كان يموج بحالة من الاضطراب وهي تغالب نفسها لإيجاد طريقة لتسجيل اعتراضها.

على الرغم من أهمية الرفض، يشعر الكثير منا، كما هي الحال مع عبير، بالرهبة عندما يتعين علينا إعلانه. فقول "لا" أمر صعب لأننا مخلوقات (للأسف) تتعامل مع الموافقة على أنها نوع من إبداء المودة، ومع الرفض على أنه نوع من النفور والإنكار. فعندما يختلف الآخرون معنا أو يرفضوننا، نفسر ذلك عادة على أنه دليل على العداوة (وعادةً ما يكون تفسيراً غير صحيح). وأولئك الذين يرفضون طلباتنا ودعواتنا أو لا يتفقون مع أفكارنا أو يعارضون خططنا، يبدون وكأنهم خطر يتهددنا، لذلك نفترض بكل ثقة أن الآخرين سيشعرون بالشعور نفسه عندما نرفض مقترحاتهم.

وبقدر فزعنا من إبداء الرفض في الأحوال العادية، هناك ستة ظروف تزداد فيها المخاطر المتوقعة:

  • إذا كنت شخصاً مستجداً. إذا تعاملت مع مجموعة من الأشخاص أو مع أحد زملاء العمل وكانت شخصيتك مجهولة الهوية بالنسبة لهم، فقد يتوصلوا إلى استنتاجات خاطئة بشأن شخصيتك استناداً إلى هذا الموقف الوحيد. فقد يرونك، على سبيل المثال، أنانياً أو عنيداً أو منغلقاً على نفسك.
  • إذا كانت سمعتك الشخصية على المحك بالفعل. تزداد مخاطر الرفض إذا كانت سمعتك المعروفة عنك تعزز نبذ موقفك باعتباره تعبيراً عن خلل في شخصيتك بدلاً من النظر في الحقائق التي يستند إليها رفضك. فثمة مخاطرة، على سبيل المثال، في رفض مشروع جديد إذا كنت معروفاً بالفعل بالكسل أو الأنانية أو ضيق الأفق.
  • إذا كان ولاؤك موضع اختبار. في بعض الأحيان قد تنظر المجموعات المسؤولة عن صنع القرارات إلى الاختلاف باعتباره نوعاً من عدم الولاء. حيث يُنظر إلى الموافقة على موقف معين على أنها اختبار للالتزام بمصالح المجموعة. وتزداد مخاطر الرفض عندما يؤدي عدم الولاء المُتصوَّر إلى الحكم على التزامك بمصالح المجموعة.
  • إذا كنت تخالف مسؤولاً قوياً وغير مأمون العواقب. من الصعب رفض أفكار مسؤول قد يرى أن عدم موافقتك على أفكاره العظيمة يدل على عدم احترامك لسلطته. وكذلك إذا كان القائد غير مأمون العواقب، فقد يُشخصِنُ تحفظاتك ويخلُص إلى أنك لا تختلف مع فكرته، بل تختلف معه شخصياً.
  • إذا كنت تخالف قرار المجموعة. من الصعب إبداء الرفض عندما يستمرئ الآخرون نشوة الإجماع. فقد تقع المجموعات دون وعي منها في خطأ إعلاء قيمة التلاحم على حساب النتائج. عندئذٍ يُنظر إلى الرافضين باعتبارهم أشراراً يفسدون الجو العام. وعلى الأرجح سيكون اعتراضك الموضوعي محل استياء بدلاً من أن يكون محل ترحيب.
  • إذا أُرهِق الجميع في محاولة اتخاذ القرار. يزداد الرفض صعوبة إذا كانت المجموعة قد أُنهكت في عملية صنع القرار. فالتوصل أخيراً إلى قرار بعد جهد جهيد غالباً ما يأتي مصحوباً بنوع من الانتشاء. وإذا لم يتوخى متخذو القرار الحذر، قد يركنوا إلى تثمين القرار أكثر من النتائج المترتبة عليه. فقد بذلوا جهداً كبيراً للوصول إلى قرارهم الحالي، وها أنت ذا تطلب منهم اتخاذ ثلاث خطوات للوراء. بالنسبة إليهم، سيبدو الأمر وكأنه مضيعة للوقت أو إعادة للعمل "دون جدوى"، فتوقع المعارضة.

يُعد فهم السيكولوجية الكامنة وراء المشكلة هو السبيل لتقليل المخاطر. وقد يكون شعور الآخرين بخيبة الأمل جراء ردك أمراً لا مفر منه. المهم أن تحرص على ألا تتحول خيبة الأمل تلك إلى إهانة موجهة إليك. كما يجب أن تفصل بين ردك على الموضوع محل النقاش ومشاعرك تجاه الأشخاص ذوي الصلة. وفيما يلي بعض النصائح لحماية نفسك من الصفات السلبية المبالغ فيها عند إبداء اعتراضك:

  • أظهر عملك. لا تقل "لا" بكل بساطة، بل شارك مع الآخرين المنطق والوقائع التي تستند إليها في قرارك، وأطلعهم على الأسباب الكامنة وراءه. والأهم من كل ذلك أن تشاركهم القيم التي تدعم استنتاجك. فإن لم تفعل، فسيملأ الآخرون الفراغ الذي تتركه بمخاوفهم وتحيزاتهم. على سبيل المثال: لم يكن ينبغي لعبير أن تقول ببساطة: "أصوّت بأن نسمح للموظفين بالرحيل وأن نبدأ إغلاقاً منظماً". لا يهتم الناس برأيك قدر اهتمامهم بسبب تبنيك لهذا الرأي. لكنك إذا بدأت بطرح خلاصة رأيك، فسوف يضطرون إلى استنتاج المسار الذي سلكته للوصول إلى هذا الرأي. على سبيل المثال، لو أن عبير ذكرت رأيها ببساطة دون توضيح أو تبرير، فقد يستنتج الآخرون أنها تحمل الضغينة لبعض المسؤولين التنفيذيين، أو أنها لم تهتم قط برسالة المنظمة، أو أنها ربما ترغب في توفير الوقت للتركيز على مشروعها الجديد. لا تترك لغزاً للآخرين وتوكل إليهم مهمة حله. بدلاً من ذلك، ينبغي أن تستشهد عبير بالمعطيات والدوافع التي قادتها إلى اتخاذ هذا الموقف، كأن تقول مثلاً: "خلال الأشهر الستة الماضية، استكشفنا خمس أفكار مختلفة للاستراتيجية المستقبلية. واتفقنا على أن تلك الاستراتيجيات ليست مناسبة لمنظمة غير هادفة للربح مثل منظمتنا. وقد أنفقنا ثلاثة ملايين دولار في تكاليف التشغيل خلال هذه المدة. وأعتقد أنه من الخطأ أن نواصل إنفاق المزيد من أموال المتبرعين الذين وثقوا بنا بغية البحث عن وسيلة لتبرير بقائنا".
  • اعترف بتنوع القيم. دع الآخرين يعرفون أنك تتفهم القيم التي تتعارض مع موقفك. فنادراً ما تكون القرارات إما أبيض أو أسود، أو صواب وخطأ. وعادة ما تنطوي على قيم متنوعة. احرص على احترام القيم النبيلة التي تكمن وراء الآراء التي يتخذها الآخرون. فعلى سبيل المثال، قد يُساء تفسير العبارة التي شاركتها عبير للتو على أنها افتراء على أولئك الذين يبحثون عن سبب لاستمرار عمل المنظمة غير الربحية. ولتجنب أي إهانة لا داعي لها، كان ينبغي لها أن تضيف بسرعة: "رغم أن هذا ما أراه وتوصلت إليه، يجب أن أقول إن قلبي يتحطم لحل فريق العمل. وأنا أتفق مع أولئك الذين يعتقدون أن أفضل سبيل لخدمة العالم هي الإبقاء على هذا الفريق للقيام بالمزيد من الأمور الرائعة. كل ما هنالك أنني لا أستطيع تصور استمرار عمل المنظمة بينما لا نجد هدفاً لذلك".
  • كن واثقاً ولكن بصورة تقريبية. من المهم اتخاذ موقف حازم، ولكن ليس مبالغاً فيه، لأنك ستُنفِّر الآخرين أكثر مما تقنعهم إذا نطقت بعبارات حاسمة مثل "الاستنتاج الوحيد المعقول الذي يمكننا أن نخلص إليه هو ..." أو "الإجابة الصحيحة هي ..."، وعوضاً عن ذلك أظهِر أنك شخص ذو فكر عميق قد توصَّل إلى استنتاج ما. فثمة ديباجات من قبيل "استنتجت ..." و "أعتقد ..." من شأنها أن تظهر مزيجاً من الإصرار والتواضع الذي بدوره يتجنب إثارة نزاع غير ضروري.
  • اطلب الإذن لقول "لا". عند رفض رأي شخص في موقع سلطة، خاصةً إذا كان شخصاً قد يسيء فهم رفضك ويعتبره نوعاً من عدم الاحترام، فقد يكون من المفيد طلب الإذن لإبداء الرفض. وهذا يتيح لك احترام سلطته مع الحفاظ على نزاهتك. على سبيل المثال، يمكنك أن تقول لمديرك: "لقد طلبت مني تولي إدارة مشروع جديد. أعتقد أنها فكرة سيئة بالنسبة إليّ أن أتولى إدارته، وأود أن أشاركك أسبابي. ومع ذلك، إذا كنت لا ترغب في سماعها، فسأدير المشروع وأبذل قصارى جهدي فيه. فما رأيك؟". في معظم الحالات، سيشعر المسؤول بأنه مضطر لسماع ما لديك. وإذا رفض سماع تحفظاتك، فعليك أن تقرر ما إذا كنت ترغب في قضاء جزء كبير من حياتك في بيئة العمل هذه أم لا.

في النهاية، أُغلقت منظمة عبير غير الربحية. وقد كان قراراً مؤلماً أصاب مجموعة من الموظفين المخلصين بخيبة أمل كبيرة، وشكك بعض أصحاب المصلحة فيه بقوة.

لقد بذلت عبير قصارى جهدها لتوضيح موقفها دون توجيه إهانات لا داعي لها. وقد ساعدتها لباقتها وتعاطفها في ذلك الشأن. كما أن عزيمتها وثباتها خلال هذه التجربة ساعداها على تحديد ملامح شخصيتها التي ستمكنها من التعامل مع المآزق المستقبلية التي لا حصر لها. أن تتعلم قول "لا" هو أمر بالغ الأهمية لتشكيل معالم شخصيتك.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي