كيف تقفل شركتك بطريقة لائقة

7 دقائق

سبق أن كُتِبَ الكثير حول الطرق المناسبة لتطوير شركة معيّنة وتنميتها. لكن المؤسف في الأمر، خاصة إذا ما أخذنا بالحسبان الإحصائيات المرعبة المتعلقة بعدد الشركات القادرة أصلاً على البقاء، هو أن معظم الشركات لا تواتيها الفرصة لكي توسّع أعمالها وتزيد من حجمها. فهي تبدأ صغيرة وتبقى صغيرة، والعديد منها يقفل أبوابه في نهاية المطاف، سواء عاجلاً أو آجلاً. وبالنسبة للشركات القليلة التي تبدأ بعملية التوسع، فإن هذه الجهود غالباً ما تخفق في الاستمرار. كما أن معظم التحركات الحادة المألوفة جداً بالنسبة لنا، صعوداً أو هبوطاً، إما أن تقودها في نهاية المسار إلى الهبوط الحاد أو تهددها بهكذا رحلة نحو الأسفل. وبالتالي، فإن التحدي الأكثر شيوعاً هو كيف يجري "تصغير حجم الشركة أو تضييق نطاق عملها"، والسؤال المطروح هو كيف يمكنك تصغير حجم شركة معينة بطريقة لائقة ومن ثم إغلاقها مع المحافظة على سمعتك وثقتك وكرامتك، وبعد ذلك بناء شركة أخرى في مجال آخر لاحقاً؟

ولكي تدرس كيفية التعامل بطريقة منصفة وعادلة مع الجهات الأساسية المعنية كالزبائن والمورّدين والموظفين، سوف نحاول أن نستعرض بالتفصيل قصة شركة (أسسها واحد منا هو آندرو بليكستاين) جرى إغلاقها تدريجياً بعد 16 عاماً من العمل. فوجود ثقافة قوية وشفافة وقائمة على الثقة له دور أساسي في اتخاذ القرار بالإغلاق التدريجي للشركة وفي إدارة التطبيق الفعلي لهذه العملية.

نقطة التحول لشركة "هوم رن ميديا"

كانت "هوم رن ميديا" (Home Run Media)، وهي وكالة إعلامية تساعد الزبائن في وضع الاستراتيجيات التسويقية وتنفيذها، تعمل منذ أكثر من عقد من الزمن عندما بدأ أحد الزبائن الأساسيين في قطاع الألعاب الرياضية الإلكترونية يسجل نمواً سريعاً، ويعود الفضل في ذلك جزئياً إلى العمل الذي قامت به "هوم رن" وكذلك توفّر رأس مال جيد أسهم في تعزيز نمو هذا الزبون. وقد تزايدت إيرادات "هوم رن" وتزايد حجم الفواتير التي تتقاضاها من الزبائن، حيث تضاعفت أكثر من عشر مرات خلال أقل من عامين.

المؤسف في الأمر أنه خلال العام 2015، بدأت المخاوف تتزايد من أن أنشطة هذا الزبون وأنشطة الشركات المشابهة له قد لا تكون قانونية في سوقها الأساسي في الولايات المتحدة الأميركية. وقد أخبر هذا الزبون شركة "هوم رن" وهو كان يشكل 80% من فواتيرها، أن هذه الفواتير سوف تشهد تراجعاً حاداً على الأرجح في العام 2016. ولكي يوضح الأمور دون أي لبس أضاف الزبون قائلاً: "ربما يكون هذا هو الوقت المناسب لإنهاء العقد بيننا".

وبما أن بليكستاين كان مؤسس "هوم رن" ومالكها الوحيد، فقد سبق له أن شهد سلسلة معتادة من حالات الصعود الإيجابي والهبوط السلبي، ولكن خلال عطلة عيد الشكر بالقرب من نهاية العام 2015، قرر بأن السيل بلغ الزبى، وبأنه لا يريد هذا الصداع بعد الآن، وأعلن عن رغبته بإقفال الشركة.

اتخاذ القرار

كان بليكستاين وفريقه المالي بدؤوا قبل فترة تحليل الخيارات المتاحة أمامهم. في بادئ الأمر، درسوا فكرة العثور على جهة تشتري الشركة، لكن اتضح بأن بيع هذه الشركة ذات الحجم المتواضع سيحتاج إلى بعض الوقت. وفي ضوء المستويات الحالية من تكاليفها التشغيلية، فإن قيمتها وأموالها النقدية سوف تتآكل بسرعة على الأرجح في مواجهة التراجع المتوقع في الإيرادات. ومن ذا الذي سيكون مهتماً أصلاً بشراء شركة كانت على وشك خسارة الدجاجة التي تبيض ذهباً؟ وبالتالي، خلص بليكستاين إلى أن هذا الخيار غير واقعي.

أما في الجانب الإيجابي للأمور، فإن السجل الصحي للشركة من الأموال المستحقة السداد لها ذكر بليكستاين أنه إذا تمكن من وقف استنزاف الأموال النقدية (الكاش) بسرعة، فإن ذلك سيمنحه الفرصة للخروج بمبلغ محترم من الشركة. فهو سيكون قادراً على تدريس أبنائه في الجامعة وشراء بعض الوقت للتفكير بالخطوة التالية. وقد تساءل بينه وبين نفسه قائلاً: "ولكن كيف أنفذ هذا القرار وأتمكن في الوقت نفسه من تقليل الأضرار التي ستطال الأشخاص الذين وثقوا بي؟" وقد أدرك بليكستاين أن هناك أربع فئات أساسية كان يتعين عليه التعامل معها: زبائنه، ومورّدوه، وموظفوه، وهو نفسه.

الزبائن

اعتمد زبائن "هوم رن" على هذه الشركة لتساعدهم في وضع استراتيجياتهم الإعلامية وتنفيذها. ولم يكن بوسع بليكستاين أن يتخلى عنهم فجأة. وهو لم يكن من النوع الذي سيخبرهم ببساطة أنه سوف يغلق الشركة ويتمنى لهم حظاً طيباً. فهذا الأمر لم يكن ليُعتبر خيانة للثقة التي بناها معهم فحسب، لكنّه كان يخشى أيضاً من أن يثير غضبهم وأن يرفضوا بالتالي سداد الأموال المستحقة له لقاء الخدمات التي قدّمها لهم من قبل، أو الخدمات التي كان سيقدّمها خلال فترة الإغلاق التدريجي للشركة. وإذا ما كانت الشركة قد أخفقت في الحصول على مستحقاتها، فإن بليكستاين كان معرّضاً لخطر الخروج بخفي حنين بعد 16 عاماً من الجهود المضنية.

كان بليكستاين يعلم مدى صعوبة عثور أي زبون على وكالة إعلامية مناسبة، واختيارها، والتعاقد معها، والعمل معها. لذلك، قرر نقل الخبر إلى كل زبون بنفسه، على أن يفعل ذلك أولاً، قبل الاتصال بالمورّدين. وفي أثناء هذه العملية أخبر الزبائن بأسماء الوكالات القادرة على استئناف العمل من المكان الذي توقفت فيه "هون رن ميديا" وتنفيذ الاستراتيجيات بطريقة فلسفية مشابهة، وقد عرض على الزبائن مساعدتهم في إدارة هذه العملية الانتقالية بسلاسة. وبحلول نهاية يناير/كانون الثاني 2016، كان معظم زبائنه قد مضوا إلى الأمام بمنتهى السعادة، دون حرق لأي جسور.

المورّدون

كانت المشكلة في حالة المورّدين أعقد قليلاً. فقد كانت هناك وسائل إعلامية وُضِعت موازنات الزبائن بين أيديها، وكان هناك مورّدون آخرون – أحدهم كان مالكاً للمكتب، وكان هناك مورّدون للبرمجيات وغيرهم – أبرمت "هوم ران" معهم عقوداً طويلة الأجل. كان بليكستاين يعلم بأن أول شيء يُقلق أي مورّد عندما يعلم بأن أحد زبائنه سيغلق شركته هو ما إذا كان سيحصل على مستحقاته من هذه الشركة. وفي حالة بليكستاين كانت بعض هذه المبالغ كبيرة جداً.

بالنسبة للمورّدين الإعلاميين الذين كان بليكستاين يعمل معهم، قرر بأن أفضل شيء يمكنه فعله هو إخبار كل واحد منهم أن الزبون الذي كانوا يذيعون إعلاناته في طور تغيير الوكالة الإعلامية التي يعمل معها. وكان بليكستاين يعلم بأن التنقل بين الوكالات كان أمراً شائعاً جداً، وكذلك كانت التقلبات في الإنفاق بين شهر وآخر منتشرة جداً أيضاً. إذاً لا مشاكل هنا.

ولكن بالنسبة للمؤجِّرين وشركات البرمجيات وغيرهم، كان الموضوع مختلفاً. لأنهم كانوا سيخسرون مصدراً مستقبلياً للإيرادات التي كانت "هوم رن ميديا" قد التزمت بتأمينها بحسب العقود الموقعة معها. وقد تساءل بليكستاين عن رد فعلهم وكيف سيكون رد الفعل هذا على خسارة شركة "هوم رن" كزبون. وقرر أن هناك حاجة إلى وضع لمسة شخصية على الأمر. لذلك، اتصل بالشخص الذي كان يتواصل معه في كل مؤسسة من هذه المؤسسات وقدم له طلباً واضحاً ومباشراً: "سوف أغلق شركتي. ما الذي يجب علينا فعله لإنهاء العقد بيننا؟".

كانت الإجابة في جميع الحالات واحدة: "لا أعلم". وعلى ما يبدو فإن أحداً لم يكن يتّصل قط للاستفسار عن الأمر. فقد كانت الشركات الأخرى تغلق أبوابها ببساطة وتترك المورّدين يواجهون مصيرهم بعد التأخر عن سداد عدة دفعات. ورغم أن بليكستاين كان مضطراً إلى التفاوض مع جهتين أبديتا نوعاً من المقاومة، فإن معظم هؤلاء المورّدين كانوا منفتحين وقدّروا لبليكستاين صراحته، قائلين له بأنهم لن يعيدوا أي سلف أو دفعات مسبقة محتجزة، لكنهم لم يطلبوا أي دفعات إضافية إلا لتغطية فترة قصيرة من الزمن.

الموظفون

منذ البداية، رغم أن بليكستاين كان يعلم بأنه هو من يجب عليه المبادرة إلى التعامل مع زبائنه ومورّديه، كان يعلم أيضاً بأن العمل الذي يتعين عليه القيام به خلال المرحلة الانتقالية مع زبائنه وإنهاء العلاقات مع المورّدين أكبر من أن ينفّذه بمفرده. وكان مديناً بعمق لموظفيه البالغ عددهم 18 شخصاً على العمل الذي أنجزوه لبناء شركته. فمنذ اليوم الأول الذي افتتح فيه الشركة قبل 16 عاماً، كان قد بنى ثقافة تحترم الشفافية، والثقة، والعمل الجماعي، والإبداع. وكان مضطراً أيضاً إلى اتباع أسلوب مباشر وصريح وخلاق في التعامل مع موظفيه.

في يوم الجمعة الذي تلا عطلة عيد الشكر، وفي أثناء التجمع العادي اليومي لموظفي الشركة، أذاع بليكستاين الخبر. وبما أن شركة "هوم رن ميديا" كانت تواجه احتمال خسارة زبونها الرئيسي، فإنها كانت مضطرة إلى الإقفال، ومساعدة جميع زبائنها في الانتقال إلى وكالات إعلامية أخرى. وضمن الروحية نفسها، كان على بليكستاين مساعدة موظفيه في الانتقال إلى وظائف جديدة. يتذكر بليكستاين تلك المدة قائلاً: "لم أكن قادراً على تحمّل مصاريف إبقائهم في وظائفهم. لكنني كنت قادراً على حفظ كراماتهم". وقد حصل كل موظف على حاسوبه المحمول وعلى تعويض نهاية خدمة، فضلاً عن مساعدته في العثور على وظيفة جديدة، وسُمح للجميع أيضاً بالاحتفاظ بعنوان البريد الإلكتروني الممنوح إليهم من الشركة واستعمال مكاتبهم ومطبخ الشركة المجهّز تجهيزاً كاملاً بالمعدات والأطعمة حتى نهاية عقد إيجار الشركة الذي باتت مدته الآن أقصر. وقد طُلبَ من مجموعة منتقاة من الموظفين البقاء لبضعة أشهر خلال فترة الإغلاق التدريجي للشركة من أجل مساعدة الزبائن والمورّدين.

في نهاية المطاف، اتخذ الاجتماع هذا منحى عاطفياً وانسابت الدموع على الوجنات وأجهش البعض بالبكاء. وفي نهاية هذا الاجتماع، اقتربت الموظفة التي كانت قد حصلت قبل أسبوع على "الكرة" التي تمنحها الشركة إلى الموظفين ذوي الأداء المتميّز وناولت الكرة إلى بليكستاين قائلة له: "أنت تستحقها".

وفي يوم الاثنين التالي، جاء جميع الموظفين باستثناء اثنين منهم لقضاء الوقت معاً، وتحضير سيرهم الذاتية، وتحديث بياناتهم على موقع "لينكد إن"، والبحث عن فرص عمل في السوق.

إدارة الأموال النقدية

كان بليكستاين يعلم بأن سرعة عملية إغلاق شركته أمر أساسي. فمع مرور كل أسبوع، كان سيخسر 35 ألف دولار من الأموال التي بوسعه توفيرها في نهاية الرحلة. وقد مكّنه الاحتفاظ ببعض الموظفين من إنجاز عملية الإغلاق في وقت أسرع مما لو كان سيديرها هو بنفسه. وفي يوم 26 فبراير/ شباط 2016، وبعد مرور أقل من أربعة أشهر على اتخاذه قراراً بإغلاق الشركة، أقفلت "هوم رن ميديا" أبوابها، حيث كان جميع زبائنها قد انتقلوا إلى وكالات أخرى، وتم التعامل مع جميع المورّدين بطريقة متوافق عليها، وتمكن الموظفون بأكملهم من العثور على وظائف جديدة.

تأملات في عمليات الإغلاق التدريجي

عندما يتأمل بليكستاين في تاريخ شركته، فإنه يرى الخيبة والامتنان معاً. ويتمنى لو أنه أولى اهتماماً أكبر للاستفادة من الثروة التي حققها من زبون سريع النمو للاستثمار في الشركة على المدى البعيد. لو أنه استعمل جزءاً من الإيرادات التي كان يحصّلها من هذا الزبون للفوز بمجموعة أوسع من الزبائن وبناء فريق قادر على إدارة حالات الصعود والهبوط الحتمية بطريقة أفضل لربما كانت "هوم رن ميديا" قد تمكّنت من البقاء حتى يومنا هذا.

من جهة أخرى، يشعر بليكستاين بالامتنان تجاه الاهتمام الذي أولاه من اليوم الأول لبناء علاقات شفافة وقائمة على الثقة مع فريقه ومع الشركات التي عمل معها هو وموظفوه. لقد كانت الثقة والشفافية هما الأساس الذي قامت عليه ثقافة شركته، وهو يعلم أن تلك الثقافة لم تساعده فقط على مواجهة السنوات الطويلة المليئة بالتقلبات الكبيرة صعوداً وهبوطاً، وإنما مكّنته أيضاً من إغلاق شركته بالتدريج مع حفظ كرامته وكرامة موظفيه.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي