ربما يعدّ التحدث أمام حشد من الجمهور مهما كان عددهم أمراً صعباً. ولهذا، فإن الإعداد للعرض هو العنصر الأهم. بالتأكيد سواء كنت تتحدث للمرة الأولى أو المئة. ما الذي يجب أن تحرص عليه، بدءاً من إعداد شرائح العرض وصولاً إلى اختتام العرض الذي تلقيه، لتقديم عرض تقديمي لن ينساه الناس؟
ما يقوله الخبراء عن كيفية تقديم عرض تقديمي ممتاز
يتصدر التحدث أمام الجمهور قائمة مخاوف الناس في كثير من الأحيان. فوفقاً لمقولة نيك مورغان، مؤسس شركة "بابليك ووردز" (Public Words) ورئيسها، ومؤلف كتاب "إيحاءات السلطة" (Power Cues): "عندما تتجه جميع الأنظار نحوك تشعر بأنك تحت المراقبة"، وهو "ما يؤدي في الظروف العادية إلى الشعور بالخجل والإحراج". وبعبارة أخرى: يشكل الخوف من الإهانة أساس الشعور بالقلق في أدائنا. والمشكلة الأخرى تتمثل - وفقاً لمورغان - في أن "المتحدثين غالباً ما يضعون لأنفسهم معياراً من الكمال لن يصلوا إليه مطلقاً". ومن ثم بناءً على اضطراباتهم العصبية يمضون الساعات والأسابيع أو السنين التالية في التفكير: "كان يجب عليّ أن أقول كذا أو "كان يتحتم عليّ أن أفعل كذا". ولكن يجب على مقدمي العروض عدم الخوف من وجود بيئة عدائية" أو التشكيك في قدرات أنفسهم، وفقاً لما ذكرته نانسي دوارتي، الرئيسة التنفيذية ومديرة شركة "دوارتي ديزاين" (Durate Design)، ومؤلفة "دليل هارفارد بزنس ريفيو للعروض التقديمية المقنعة" (HBR Guide to Persuasive Presentations). كما أضحت نانسي دوارتي أن السبب يعود في ذلك إلى أن "الجمهور يدعمك في أغلب الأحيان، ويريد الاستماع إلى ما تريد قوله"، كما يريدك أن تكون ناجحاً.
اقرأ أيضاً: ما هي متطلبات العرض التقديمي المميز؟
نصائح حول كيفية تقديم عرض تقديمي
وفيما يلي بعض النصائح التي تساعدك في تقديم العروض.
افهم جمهورك
عندما تبدأ في العمل على العرض التقديمي الخاص بك، فكر في الرسالة التي تريد إيصالها والمحتوى من وجهة نظر المستمعين. يقول مورغان: "ادرس جمهورك.. واعرف شواغلهم، واهتماماتهم، ومخاوفهم، واحتياجاتهم، ورغباتهم". لا تتعامل مع عرضك التقديمي على أنه فرصة لاستعراض مهارتك، وإنما "اعتبره فرصة سانحة لأخذ جمهورك في رحلة" تقدم لهم فيها تصورات وأفكاراً جديدة، وفقاً لمورغان. كما تنصح دوارتي باستخدام "عقلية المرشد"، وتضيف "عليك التفكير في السبب الذي دفع جمهورك للمجيء والاستماع إلى حديثك. اسأل نفسك: ماذا يمكنني أن أقدّمه لهم؟ ما الوسيلة التي يمكنني أن أعرّفهم عليها؟".
افتتح حديثك بطريقة مقنعة
يرى مورغان أن هناك 3 أخطاء شائعة يقع فيها المتحدثون، وتحدث غالباً في الدقائق الأولى من الحديث. يكمن الخطأ الأول في تقديم نفسك وخصوصاً عندما تتحدث عن ذلك بإسهاب. ويتمثل الخطأ الثاني في إخبار جمهورك بالأمور التي ستتحدث عنها، وغالباً ما يكون ذلك من خلال مخطط على شريحة من شرائح العرض. أما الخطأ الثالث فهو ما يسميه مورغان "التنحنح"، أي عندما تقف وتقول عبارات مثل: "ها، من الرائع أن أكون هنا. ألم تكن الحفلة رائعة الليلة الماضية؟ أرى الكثير من الوجوه المألوفة هنا". هذه العبارات يمكن أن تشعرك بمزيد من الراحة "ولكن هذا ليس سوى ثرثرة أمام الجمهور"، كما يقول مورغان. والأهم من ذلك، أنك بهذه الطريقة تُهدر الدقائق الأولى من الافتتاحية رغم أهميتها في جذب الجمهور، علماً بأن "هدفك هو جذب انتباههم على الفور".
اجعل عرضك التقديمي على شكل قصة
تشير مجموعة متزايدة من البحوث إلى أهمية القصص في تغيير تصرفاتنا ومعتقداتنا وسلوكنا. وهذا ما يجب أن تضعه في الاعتبار عند إنشاء شرائح العرض والأفكار التي تريد طرحها. تشرح دوارتي في هذا الصدد أن "القصص تغلف المعلومات بالمعنى وتساعد جمهورك على استيعاب رسالتك بطريقة لا تُنسى". كما أضافت أن حكايات المتكلم التي تدور حول التغلب على المصاعب أو العقبات "تجذب الناس" وتمنح الجمهور أحد الأمور أو الأشخاص ليتحمّسوا له. وعلى النقيض من تأثير القصص يتمثل البديل الشائع في إثقال الجمهور "بالقوائم وشرائح العرض المليئة بالبيانات والمعلومات"، وهو غالباً ما يؤدي إلى شعورهم بالملل أو الشرود، ووفقاً لرأي مورغان "ستروق القصص للجمهور بطريقة عاطفية أعمق".
احرص على إلهامهم
حتى عندما يكون حديثك داخلياً ويكون المحتوى الذي تعرضه عادياً، مثل تقديم عرض تقديمي أمام فريقك حول المخطط التنفيذي للمنتج، يجب ألا تكون رسالتك رتيبة ومملة. وتنصح دوارتي هنا بأنه "يمكنك التحدث عن المخطط التنفيذي بترتيب زمني ومناقشة مختلف البنود المستهدف إنجازها، أو يمكنك تذكير فريقك بالوضع المنشود، وكيفية إيجاد حل لمشكلة أكبر من قدراتهم". يتعيّن أن يحرص عرضك التقديمي على الاستمرار في التركيز على الموضوع المطروح أو المهمة المطروحة، ولكن من خلال إدخال مفاهيم مثل "المغزى والغرض هو أن تخلق توقاً لإنجاز الأمر" وتنفيذ ذلك جيداً.
اقرأ أيضاً: كيف تبدو واثقاً بمظهرك وصوتك خلال العروض التقديمية؟
فكر بإيجابية
الأعراض الفسيولوجية التي تصيبك وتدل على الرهبة أثناء التحدث أمام الجمهور، مثل خفقان القلب، وتعرق الكفين، واضطراب المعدة، "أنت تشعر بها بشدة ولكن الجمهور لا يلاحظها بوضوح"، كما يقول مورغان. وأكد أنه "يجب أن تذكّر نفسك بأنك لا تبدو بالسوء الذي تشعر به". وعندما يبدأ عقلك في الدخول في سلسلة من الأفكار السلبية، مثل أنا مخادع، فإن هذا الخطاب سيكون فظيعاً، وعليك أن تتصدى له. ويرى مورغان أنه يجب "استدعاء الأفكار الإيجابية بدلاً من الأفكار السلبية"، ويضيف: "يجب أن تقول لنفسك: "سأكون بخير، فأنا أشعر بالشغف تجاه هذا الموضوع، لقد ألقيت هذا الحديث عدة مرات من قبل". في المرة الأولى التي تتحدث فيها مع نفسك بهذه الطريقة قد ترى الأمر سخيفاً، ولكن "الحديث بإيجابية مع النفس سيساعدك حقاً"، وفقاً لمورغان.
راجع العرض التقديمي وتدرب عليه...
يعد التمرن على الإلقاء أمام الجمهور من أفضل الطرق للاستعداد له، وليس بالضرورة أن يكون بين الجمهور مدرب محترف، بل يفي بالغرض تواجد صديق أو مجموعة من الزملاء، بحسب مورغان. وبعد إجراء هذه التجربة، يمكن لمستمعيك "أن يقدموا لك تعليقاتهم حول كيفية عرضك للمحتوى ويحددوا لك المقاطع المميزة في العرض التقديمي"، فضلاً عن تحديد تلك التي تحتاج إلى تحسين، على حد قول دوارتي. أما بالنسبة للخطابات المهمة، فحاول أن تزور مكان الانعقاد الذي ستقدم فيه عرضك لتعتاد على مكان منصة العرض التقديمي وظروفه. كما تقترح دوارتي أنه يمكنك أن تطلب من أحدهم تصوير فيديو لك أثناء التمرن على العرض التقديمي، "ومن ثم تشاهدان الفيديو سوياً من أجل تحديد السمات وتحديد الإيماءات وتعبيرات الوجه التي تحتاج إلى تحسين". وذلك بهدف التأكد من أن "جسدك يروي القصة كما تريد له أن يرويها".
...ولكن لا تفرط في التدريب
يمكن أن يعود الإفراط في التمرن بنتائج عكسية في بعض الأحيان. فوفقاً لتحذير دوارتي، "سيشعر جمهورك بالإهانة إذا لم تكن مستعداً، ولكن إذا أفرطت في الاستعداد سينتهي بك الأمر إلى أن تبدو مفتعلاً وتتصرف بطريقة آلية". وأضافت: "عندما تتمرن على العرض بدرجة كافية ستشعر بالرضا، وحينها اترك النص وتحدث من القلب".
تذكّر هذه المبادئ
افعل
- ادرس جمهورك وضَع في اعتبارك رغبات واحتياجات المستمعين أثناء العمل على صقل محتوى العرض
- تمرن على عرضك التقديمي أمام الأصدقاء أو الزملاء وتقبّل اقتراحاتهم بشأن تحسين طريقة تقديمك للعرض
- فكر بإيجابية عن طريق تذكير نفسك بالشغف والاهتمام اللذين تمتلكهما في هذا الموضوع
لا تفعل
- الثرثرة، خصوصاً في بداية العرض. ابدأ بقوة عن طريق الاستيلاء على انتباه جمهورك خلال الدقائق الأولى
- الإفراط في القلق من أن يظهر توترك أمام الجمهور، الرهبة من منصة العرض أمر طبيعي، وعلى الأرجح سيكون جمهورك متسامحاً تجاه ذلك
- الإفراط في عرض البيانات والأرقام، اسرد القصص والحكايات التي تجذب مستمعيك على المستوى العاطفي
دراسة حالة رقم 1: أتقن قصتك ثم تدرب، وتدرب، وتدرب
في مطلع عام 2013، كان تيد كاركوس، الرئيس التنفيذي لشركة "برو فيز لابز" (ProPhase Labs)، المصنعة لمستحضر "كولديز" (Cold-EEZE)، قد تلقى دعوة قبل أسبوع واحد للتحدث في مؤتمر كبير للمستثمرين في إطار ندوة حوارية تضم مدراء تنفيذيين من شركتين أخريين كلتاهما أكبر بـ 5 مرات تقريباً من شركته "برو فيز".
يقول تيد: "إن الأمر كان مرهقاً للأعصاب في البداية، ولكنني أدركت بعد ذلك أنه "يمكنني التحدث بشغف عن هذه الشركة لأنني أؤمن بها"، وأضاف: "لكنني أدركت أيضاً أنني كنت في حاجة إلى التدرب مسبقاً، فأنا أعتقد أن درجة الاستعداد تؤثر في جودة العرض التقديمي مباشرة".
أثناء إعداد تيد للعرض التقديمي، كان يسترشد بالمبدأ المعتمد على أن "كل شريحة عرض يجب أن تحكي قصة". ولم يُرد أن يرهق الجمهور بالأرقام "نحن شركة عامة وإذا أراد الناس الاطلاع على الأرقام يمكنهم البحث عنها على شبكة الإنترنت. ولذلك، أردت التحدث عن أهدافي وتاريخ منتج كولديز".
كان تيد واثقاً من أن قصته مقنعة: عندما استحوذ على العلامة التجارية في عام 2009 بعد معركة طويلة بالوكالة، كانت المبيعات في انخفاض مستمر، ولم يقتصر الأمر على تقليص حجم القوى العاملة لديه بنسبة كبيرة بل تعيّن عليه أيضاً أن يناشد تجار التجزئة بألا يقلصوا المساحة المخصصة لمنتجاته على رفوف المتاجر. ولكن بعد "جهد جبار للتحول" بحيث تضمّن استراتيجية تسويق جديدة وطريقة تغليف جديدة وخطاً موسعاً للإنتاج، بدأت المبيعات في النمو بمعدل متسارع.
لم يستعد تيد للعرض التقديمي بمفرده، ففي الوقت نفسه تقريباً كان سيظهر في إعلان تلفزيوني لمنتج "كولديز"، كما عيّن مدرباً لمساعدته، يقول: "وحدث أن حضرت العرض التقديمي للتجربة والتدريب عليه، حيث قضى المدرب كثيراً من الوقت معي للعمل عليه، وعلمني كيف أحفظ حديثي وألقيه كأنني أرتجله".
قبل حوالي ساعة من بدء الندوة، طلب مستثمر من تيد عقد اجتماع منفرد معه. يقول تيد: "منحني ذلك فرصة للتدرب على العرض التقديمي". وأضاف: "وساعدني على التحدث بالأمر بصوت عالٍ قبيل ذهابي إلى منصة إلقاء العرض التقديمي. وبعد ذلك، ذكّرت نفسي بأن التحدث إلى هذا الشخص لم يختلف كثيراً عن التحدث إلى 200 شخص".
كانت محاضرة تيد ناجحة جداً، وقبل أن يغادر منصة العرض تواصل معه حوالي 6 أشخاص من الجمهور حول أفكار للشركة.
اقرأ أيضاً: نصائح لاكتشاف أعضاء القاعة قبل إجراء عرض تقديمي أو اجتماع
دراسة حالة رقم 2: اعثر على فكرتك وفكر فيما سيُلهم جمهورك
في عام 2010، طُلب من ميشيل ريد، التي كانت في ذلك الوقت مديرة التسويق في شركة لبرمجيات التعليم العالي، إلقاء الكلمة الافتتاحية لإطلاق فعالية للعملاء نظّمتها شركتها على مدى أسبوع وضمّت حوالي 8 آلاف شخص.
تقول ريد: "لقد كنت مذعورة حقاً"، وأضافت: "أردت إنجاز الأمر على أكمل وجه، وأردت التأكد من إيصال رسالتي".
كانت فكرة المؤتمر: "أولويات اليوم، وفرص المستقبل"، وتمثّل هدف ريد في حثّ الجمهور على التفكير في كيفية تحسين تجارب الطلاب باستخدام التكنولوجيا. ترى ريد أن "التعليم العالي يقوم على تأمين حياة أفضل لك ولأسرتك، وجعل العالم مكاناً أفضل في نهاية المطاف"، وأضافت: "كانت هذه رسالة طموحة وحماسية رغبتُ في التعبير عنها".
عندما بدأت ريد بالعمل على إعداد محتوى المحاضرة التي ستلقيها عمدت إلى التنقيب في حياتها الشخصية لاستخراج أمثلة تتحدث عنها. وتشير إلى ذلك قائلة: "لقد رويتُ لهم تجربتي الشخصية في التسجيل للمحاضرات كطالبة جامعية في الثمانينيات من القرن السابق، ومدى اختلاف هذا الأمر عن تجربة أبنائي في منتصف العقد الأول من القرن الحالي". وتستطرد قائلة: "عندما كنت أسجّل في الفصول الدراسية اضطرني الأمر إلى النوم في شوارع فيلادلفيا، حرفياً. وعندما تلقّيت اتصالاً للذهاب إلى الجامعة وصلت إلى إحدى الغرف ورحت أركض من طاولة إلى أخرى في محاوِلة للعثور على المقررات الدراسية. في المقابل، سجّل أبنائي أسماءهم في الفصول الدراسية عبر الإنترنت بارتياح من غرف نومهم... أردت أن أبرهن بدليل قوي على ما وصلنا إليه، وأردت أيضاً للجمهور أن يقول: "رائع. وماذا بعد؟".
أوصلت ريد فكرتها بشكل جيد جيداً، كما جعلتها هذه التجربة أكثر ثقة بنفسها. واليوم، تعمل ريد مديرة التسويق في شركة "سكيل سيرفاي" (SkillSurvey)، التي تقدم دراسات تقييمية مرجعية لمساعدة أرباب العمل في اتخاذ قرارات توظيف أفضل - ويتعيّن عليها دورياً معرفة كيفية تقديم أي عرض تقديمي أمام مجموعات كبيرة من الأشخاص. تقول ريد "أحاول دائماً التركيز على الجمهور"، وتضيف "أفكّر: كيف سيفهم الجمهور الفكرة؟ ما اهتماماتهم؟ وما الذي أحاول إلزامهم بفعله؟".
اقرأ أيضاً: كيف تلقي عرضاً تقديمياً مثيراً للإعجاب؟