بصفتي قائدة، يمكنني القول أنّ أعظم ما يمكنك إنجازه في حياتك المهنية والشخصية على حد سواء هو تركك لإرث يبدو بارزاً وعظيماً، لأنه يتيح لك التأثير بشكل جيد على المستقبل، حتى عندما تصبح خارج الصورة. كما أنه يلعب دوراً مهماً في تحسين تأثيرك على مؤسستك وأفرادها.
يتّخذ بناء الإرث في السياقات المهنية شكل العمل لضمان استمرارية المؤسسة على المدى الطويل، وإبقائها أقوى وأكثر إنتاجية وقيمة مما كانت عليه من قبل. أو يكون من خلال إنشاء مؤسسة جديدة تماماً، كما في السيناريوهات الأكثر دراماتيكية التي يقودها رجال الأعمال. ويُعتبر التفكير في إرثك أيضاً وسيلة رائعة لضمان المنظور طويل الأمد للمؤسسة، ولمقاومة الإغراءات التي تؤدي إلى اتخاذ قرارات تفتقر إلى الحكمة، والتي تركّز بشكل مفرط على مكاسب قصيرة الأجل.
لكن كيف يمكنك التفكير في الإرث بينما تنشغل في اتخاذ قرارات يومية؟ لحسن الحظ، تمكنّا بعد أكثر من 10 سنوات من البحث حول كيفية قيام الأفراد باتخاذ قرارات تنطوي على الأجيال القادمة، بدءاً من تقديم بعض الاستراتيجيات المحددة لمساعدتك في وضع بناء الإرث نصب عينيك، والاستفادة من هذه الأفكار لتعظيم تأثيرك على العالم.
فكّر في ما قام به الجيل السابق من أجلك
تذكر أسلافك، وكيف أثرت أعمالهم عليك. ما هي الموارد التي تركوها وراءهم من أجلك ومن أجل الجيل المعاصر لك؟ كيف قاموا بتغيير المؤسسة ليقدموا لك الفرص؟ وكيف جسّدوا ثقافة مؤسستك؟
ربما لا تتمكن دائماً من الرد بالمثل لأفعال الأجيال السابقة لأنهم لم يعودوا جزءاً من المؤسسة، ولكن يمكنك رد الجميل من خلال التصرف بصورة مماثلة من أجل الجيل القادم من الأطراف الفاعلة في المؤسسة. وربما لا تتلقى المعاملة بالمثل بشكل مباشر عندما تراعي المنظور طويل الأمد وتفكر في مؤسستك من ناحية الأجيال المتعددة، حيث يتخذ ذلك شكلاً أكثر عمومية. وتُظهر الأبحاث أنه عند إدراكنا لأهمية إرث الجيل السابق، يدفعنا ذلك للتفكير في الإرث الإيجابي الذي نريد أن نتركه للأجيال القادمة، ونميل إلى اتخاذ قرارات أفضل على المدى الطويل.
ركّز على الأعباء بدلاً من المكاسب
عند اتخاذ قرارات بشأن المستقبل، يقوم القادة بتخصيص المكاسب المحببة مثل الأرباح أو الموارد الطبيعية، أو يقومون بتوزيع الأعباء التي يرغبون هم وغيرهم في تجنبها، مثل الدّين أو المخلفات الخطرة. وتُظهر الأبحاث أنّ تحديد الموراد سواء كانت هذه الموارد مكسباً أو عبئاً هو أمر مهم عندما يتعلق الأمر بقرارات التخصيص والإرث. كما أنّ الأفراد أكثر اهتماماً في تجنب ترك إرث سلبي عوضاً عن خلق إرث إيجابي. وبالمقارنة مع ترك فوائد للآخرين في المستقبل، يقود ترك الأعباء الأفراد إلى شعور أكبر بالمسؤولية والتعاطف مع الأفراد في المستقبل، فضلاً عن العواطف الأكثر أخلاقية، مثل الخجل والشعور بالذنب.
إلى جانب ذلك، يساعد تسليط الضوء على الجوانب المرهقة من القرارات بعيدة المدى القادة على التعرف على الموروثات السلبية التي تخلقها مثل هذه القرارات. وعلاوة على ذلك، فمن الحكمة للمؤسسات أن تقوم عمداً بربط القرارات حول الفوائد والأعباء بحيث يتوجب على المدراء تنفيذها في وقت واحد. كما أنّ زيادة التركيز على الاعتبارات الأخلاقية التي تُرافق توزيع الأعباء يمكن أن تساعد على التخفيف من السلوكيات التي تفتقر إلى الحكمة والمصلحة الذاتية، التي غالباً ما تقوم بتوجيه عملية تخصيص الفوائد.
راعي المسؤولية التي ترافق سلطتك
تُشير معظم الأبحاث حول السلطة أنّ هذه التجربة تميل إلى جعل الأفراد أكثر تركيزاً على الذات والمصلحة الذاتية. وتدرس هذه البحوث في المقام الأول تأثير السلطة في أطر زمنية محدودة. ومع ذلك، تكشف البحوث التي أُجريت مؤخراً حول القرارات المشتركة بين الأجيال والتي تنطوي على أطر زمنية أطول، أنّه يمكن للسلطة أن تقود صناع القرار ليكونوا أكثر اهتماماً بمصالح الآخرين في المستقبل. وعندما يتم جمع القرارات المشتركة بين الأجيال مع تجربة محسّنة من السلطة، يشعر الأفراد بالمسؤولية الاجتماعية أكثر ويصبحون أكثر تركيزاً على إرثهم، مقارنة مع وضعٍ تكون سلطتهم فيه غير بارزة. والنتيجة هي كونهم أكثر سخاء للأجيال القادمة، والذي يساعدهم بشكل طبيعي على بناء إرث إيجابي. وعندما يكون من الجلي أننا في وضع يمكّننا من تحديد النتائج على الآخرين العاجزين والذين لا صوت لهم، نقوم بمحاسبة قراراتنا أخلاقياً ونراعي الآثار المعنوية لأعمالنا بشكل أكثر جدية.
تذكر أنك ستموت يوماً ما
في أحد الأيام من العام 1888، كان رجل ثري وناجح يقرأ ما كان من المفترض أن تكون نعوة أخيه في صحيفة فرنسية. وأثناء القراءة، أدرك أنّ المحرر خلط بين الأخوين، وكان يكتب نعيه بدلاً من نعي أخيه. ويصرح العنوان "تاجر الموت ميت"، ومن ثم وصف رجلاً اكتسب ثروته من خلال مساعدة الناس على قتل بعضهم بعضاً. ليس من المستغرب أنه انزعج بشدة من مجرد التفكير في ما قد يكون إرثه لو أنه مات فعلاً في ذلك اليوم. ويُعتقد أنّ هذا الحادث كان محورياً في تحفيزه لترك كل ثروته تقريباً عند وفاته الفعلية بعد 8 سنوات لتمويل الجوائز كل عام لمنحها لأولئك الذين كانت أعمالهم أكثر تأثيراً على الإنسانية. وهذه بالطبع القصة الحقيقية ل، مخترع الديناميت ومؤسس جائزة نوبل.
نعم، سنموت جميعاً. وعندما يتم تذكيرنا بموتنا، نتذكّر أننا لا نريد أن نموت، نريد أن نعيش. لكننا ندرك حتمية الموت، وتخلق هذه الحقيقة معضلة وجودية في ضوء غريزة البقاء المتجذرة لدينا. وأحد الأمور الأكثر فعالية التي يمكننا القيام بها لتخفيف قلقنا حول الموت هو محاولة تجاوز فكرة الموت من خلال إيجاد معنى لحياتنا. والأمر الجوهري في هذا هو أن يكون لدينا تأثير يستمر إلى ما بعد وجودنا المادي.
وتبين الأبحاث أنّ تذكير الأفراد بالموت يحفزهم للنظر في إرثهم ويجعلهم يقومون بالتصرف بطريقة تفيد الأجيال القادمة، وبالتالي، تحسين الجودة الشاملة للقرارات على المدى الطويل. ربما يصبح الأفراد أفضل استعداداً لمواجهة الموت إذا كانوا جزءاً من شيء قد يستمر من بعدهم. ووجود أثر إيجابي على الأجيال القادمة يساعدهم على تلبية هذه الحاجة، حيث يعيش نوبل الآن من خلال إرثه، كما أنّ التذكير المفاجئ الذي تلقّاه حول حتمية وفاته ساعده على الوصول إلى هناك. وتوضّح قصته أيضاً كيف أنّ تجنب الإرث السلبي يمكن أن يكون أكثر تحفيزاً من مجرد بناء إرث إيجابي.
خلاصة القول، يُعتبر جوهر السلطة هو ترك إرث عظيم يعيش بعد أن تذهب أنت. هذه هي الطريقة التي تمكّنك من تحقيق أقصى قدر من التأثير، وضمان أن تضع في حسبانك نجاح المؤسسة على المدى الطويل. والمكافأة على ذلك هو حصولك على القليل من الخلود (الرمزي).
في نهاية المطاف، إرثك هو كل ما تملك. فكّر في الطريقة التي تريد من الأفراد أن يتذكّروك من خلالها وتصّرف بناء على تلك الأفكار. تحدّ الموت من خلال خلق شيء مفيد من شأنه أن يُبقيك خالداً.