كيف تغيّر مهنتك؟

4 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في معظم الأحيان، نعتقد أن الشخص البالغ يجب أن يكون إنساناً مملاً بالضرورة، وبأنه يجب أن يتخذ جانب الحيطة والحذر دائماً، وألا يُقدِم على أي خطوة غير محسوبة. فالمغامرات هي للشباب الذين في العشرينيات من عمرهم والذين يضع الواحد منهم على ذراعه وشماً للاحتفاء بفريقه الموسيقي الذي لم يسبق لك أن سمعت باسمه من قبل. فما أن تستقر في مهنة معينة، ستكون السنوات المثيرة وراء ظهرك، ما لم تشعر بأنك تكره وظيفتك كرهاً جمّاً وبأنك يجب أن تسعى يائساً لتغيير هذه الوظيفة.

ولكن ماذا لو قضيت 10 سنوات أو 15 أو 20 سنة في مسارك المهني وترغب في تجريب شيء جديد؟ ليس لأنك في وضع بائس، وإنما لأنك شخص فضولي؟ وليس لأنك تعاني من أزمة مهنية، وإنما لأنك تعرف بأنك لست بحاجة إلى أزمة مهنية حتى تحاول شيئاً جديداً؟ وليس لأنك أخفقت في وظيفتك الحالية، وإنما لأنك تتساءل ما إذا كان بوسعك النجاح في مهنة جديدة؟

أنا شخصياً قضيت 16 عاماً في محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة.

إنهم في عمر أكبر من أن يسمح لهم بالتغيير.

أي تغيير في مسارهم المهني سيقلب حياتهم بأكملها رأساً على عقب.

لا يعرفون ما هو الشيء الأنسب الذي يجب فعله في الخطوة التالية.

هم قطعوا مسافة بعيدة جداً في مسارهم المهني لا تسمح لهم بإجراء التغيير.
هم لن ينجحوا في مسارهم المهني الجديد.

من السهل التعامل مع السبب الأول الذي يشغل بال هؤلاء الناس. أخبرني الأشخاص الذين في العشرينيات من عمرهم أنهم غير قادرين على مطاردة حلمهم المهني لأنهم لا يمتلكون الخبرة المطلوبة بعد. وبعد ذلك يكتسبون الخبرة، ويدخلون في العقد الثالث والرابع من العمر، ويقولون لي بأنهم باتوا أكبر عمراً من أن يطاردوا حلماً مهنياً. لكن الحقيقة هي أنه ليس هناك من عمر أنسب لمحاولة إجراء تغيير مهني، وليس هناك من عمر غير مناسب أيضاً.

ولكن ماذا عن الأسباب من الثاني إلى الخامس والتي تشغل بال هؤلاء الناس وتقلقهم؟ الحل المناسب فعلياً لمعالجة هذه الأسباب الأربعة هو نفسه. إذا كنت ترغب في الانتقال إلى مهنة جديدة، فعليك أن أن تفعل ما يفعله السياح في المقام الأول.

تكمن المشكلة في أننا إذا حققنا نجاحاً صغيراً في حياتنا المهنية أو شعرنا بشيء من الاستقرار فيها، فإننا نشعر بالارتياح. قد تكون لدينا رغبة ملحّة في تجربة شيء جديد، لكننا نريد أن يوفر لنا هذا الشيء الجديد على الفور القدر ذاته من الراحة الذي نشعر به مع الشيء القديم. وإليكم الخبر السيئ: لن يمنحكم الشيء الجديد هذه الراحة المنشودة. فتجريب شيء جديد هو دائماً أمر غير مريح في بادئ الأمر. ويفترض به أي يكون كذلك أصلاً.

نعتقد بأننا يجب أن نكون خبراء فوريين، وفي اللحظة التي ندرك فيها بأننا لسنا كذلك، وفي اللحظة التي نبدأ فيها بالشعور بشيء من عدم الارتياح، فإننا نميل إلى الاعتقاد بأننا قد اتخذنا القرار الخاطئ. ولكن عوضاً عن العودة إلى مهنتنا السابقة في تلك اللحظات، أو حتى عوضاً عن عدم التجريب أصلاً، ماذا لو تصرّفنا وكأننا سياح؟

يبدأ السياح بخطوات صغيرة. لا ينتقل السياح للعيش في باريس إلى الأبد، وإنما هم يزورونها، لأسبوع أو أسبوعين فقط. وهم لا يقلبون حياتهم بأكملها رأساً على عقب بين عشية وضحاها. وإنما يبدؤون بفكرة بسيطة واحدة: “أرغب في رؤية فرنسا” وبعد ذلك ينطلقون من هذه الفكرة ويبنون عليها. بدلاً من قلب حياتك المهنية رأساً على عقب، ماذا لو حاولت تعلم مهارة جديدة فحسب؟ حاول تطوير مسار جانبي، مع الحفاظ في الوقت ذاته على مسارك المهني الحالي ومحاولاً اختبار مهارة جديدة تشعر أنك مهتم بتعلمها. بالنسبة لي، هذا الأمر كان يعني التدوين على الإنترنت في الصباح قبل ذهابي إلى عملي في الشركة الكبرى.

السياح لا يخشون طلب يد المساعدة. عندما تسافر في رحلة إلى الخارج، فإنك تطلب من الغرباء تزويدك بالنصائح. وقد تطلب منهم التقاط صورة لك، لأن عصا “السيلفي” تبدو مريعة. وقد تسألهم عن أفضل طريق للوصول إلى المتحف. كما أنك لا تشعر بالحرج من طلب العون من الآخرين. فماذا لو كانت الخطوة الأولى في تغييرك لمهنتك هي ببساطة طلب النصح من شخص ما؟ حاول العثور على شخص يعمل في مهنة ما تثير فضولك واطلب منه أن يزكّي لك كتاباً لتقرأه حول الموضوع. حاول أن تذهب إلى المقهى مع صديق سبقك بعشر سنوات في السير على درب ترغب أنت بالسير عليه، واطلب منه المساعدة.

لا يمانع السياح أن يكونوا هواة. في المرة الأولى التي زرت فيها باريس، مكثت في فندق جماعي رخيص هو فندق “السلام والحب”. وضعت حقيبة ظهري الكبيرة في المنطقة المشتركة المخصصة للحقائب. وقد سُرق منها جهاز الكاسيت الشخصي “وكمان” (Walkman)، (نعم أنا شخص كبير جداً في العمر)، وكان في داخله شريط لبعض أغنياتي المفضلة. هل تعلمون ماذا فعلت في المرة الثانية التي سافرت فيها إلى الخارج؟ استأجرت خزانة مقفلة. لم أكن من الأشخاص الذين يجيدون الترحال في البداية لأنني لم أكن كذلك من قبل. كنت سائحاً ولم أكن خبيراً. وأنت لن تكون خبيراً في فكرتك المهنية الجديدة أيضاً. فالأمر سيستغرق وقتاً. امنح نفسك الفرصة لارتكاب الأخطاء. حاول تقبّل فكرة أنك شخص هاوٍ.

منذ حوالي 18 شهراً، تركت الوظيفة التي طالما حلمت بها. ألفت كتاباً حول تجربتي حمل العنوان التالي: “افعلها مرة أخرى” (Do Over)، لأساعد الآخرين في إحداث تحول في حياتهم المهنية. لم يكن الأمر سهلاً، ولم يحصل بين عشية وضحاها، وأنا دائماً أشعر بالخوف تجاه ما ينتظرني مستقبلاً.

ولكن بعد 15 عاماً من رحلتي التي قضيتها في أروقة كبريات الشركات الأميركية، أدركت ما يلي: نحن جميعاً نحصل على جوازات سفر. ويُسمح لنا جميعاً أن نكون سياحاً. والتقدم في العمر لا يعني الاستسلام. وإنما أعتقد أنه يعني العكس تماماً.

أعتقد أن التقدم في العمر يعني النهوض والارتقاء.

أعتقد أنه يعني أن تنظر إلى مسيرتك المهنية على حقيقتها، وبغض النظر عن المسافة التي قطعتها فيها، فهي ليست أكثر من مجرد مغامرة. ولم يفت الأوان للإعلان عن عودة الزمان إلى الوراء. كل ما عليك فعله هو أن تبدأ الأمر وكأنك سائح.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .