عندما كنت أتناقش في الماضي مع كبار المدراء التنفيذيين وكبار القادة حول سؤال كيف تصبح قائداً عظيماً، كان هاجسهم هو معرفة ما يمكن لشركتي أن تقدّمه من نصائح ومشورات من شأنها مساعدة موظفيهم ليصبحوا أكثر انخراطاً وإبداعاً في عملهم ويحسّنوا أداءهم على نحو مستدام. أما في العام المنصرم (وتحديداً في غضون الأشهر الستة الماضية)، فقد بتّ أسمع من أولئك المدراء والقادة تساؤلاً مختلفاً وأكثر خصوصية ألا وهو: "أيمكنك مساعدتي في تحسين إدارة حياتي على نحو أفضل؟"، فتأمّل أبرز التحديات التي أصبح القادة العصريون، وبخاصة المدراء التنفيذيين يواجهونها، فضلاً عن إدارة شركاتهم كل يوم:
- احتمال كبير أن تكون الشركة التي يديرونها قائمة على نموذج أعمال يتعرّض لخطر التعطيل على نحو خطير، وذلك نتيجة لانتشار التكنولوجيا في الغالب.
- وجود مجموعة من الشركاء أكثر تأثيراً وأعلى صوتاً، بمن فيهم الموظفون، والزبائن، وعامة الناس، الذين يستمدون قوتهم من خلال امتلاكهم وسائل التواصل الاجتماعي والانتشار السريع لآرائهم وتداولها.
- وجود مناخ سياسي مضطرب للغاية ولّد حالة من الخوف وانعدام اليقين داخل الشركات وخارجها.
- وجود حالة من الازدواجية حيال كيفية جذب جيل الألفية وإدارته والاحتفاظ بأفراده بالطريقة المثلى، أولئك الذين باتوا يمثّلون الجزء الأكبر من القوى العاملة، ويتطلعون إلى توفر مرونة أكبر في أسلوب عملهم، ويفضّلون العمل لدى أصحاب شركات تتخطى رسالتهم حدود تعظيم أرباحهم.
اقرأ أيضاً: كيف تصبح قائد بشكل فعلي؟
أبرز سمات القادة
كيف يمكن للقادة الموازنة بين هذه المتطلبات المعقدة والمتنافسة في أغلب الأحيان؟، حيث يكمن جوهر التحدي بالنسبة للقادة العصريين، حسب اعتقادي، في أن يتّسموا بالشمول الإنساني، ويطوروا طيفاً أوسع من المقدرات ويفهموا ذواتهم بعمق أكبر.
انظر إلى السمات التالية:
ضبط النفس
المثابرة
الجرأة
الصراحة
التركيز على النتائج
اليقين
البراغماتية
الحزم
ما من شك في أن هذه السمات ضرورية لكل قائد. إننا نفكر في غالبيتنا بمنظور ثنائي: إذ إن ما نراه جيداً نعدّه جيداً بالمطلق، والأمر ذاته بالنسبة لما هو سيئ. إذا خيّرنا بين موظف يتسم بالسمات المدرجة في العمود الأول من الجدول التالي وتلك المدرجة في العمود الثاني، فلا مجال للتردد ولو للحظة، أليس كذلك؟
وعلى الرغم من الانتشار الواسع لنمط النظر إلى الأمور عبر عدسة "إما هذا أو ذاك"، فإنه نمط مقيّد أكثر مما نعتقد. كما أثبت الاعتماد على مجموعة واحدة من نقاط القوة، عدم كفايته للتعامل مع بيئة الإدارة المعقدة التي يجب على القادة الإبحار في خضمها.
انظر ماذا يحدث عندما نبالغ في الاعتماد على نقاط قوتنا ونفرط في توظيفها:
فكر للحظة في واحدة من نقاط قوتك، سمة كانت لك عوناً في عملك ولاقت إعجاباً من الآخرين.
والآن فكر في وضع بالغت فيه باعتمادك على نقطة القوة تلك. هل هنالك حالات تحولت فيها نقطة قوتك إلى سبب لتحميلك المسؤولية، مسببة بذلك ضرراً أكثر من المنفعة، لا بل متحوّلة إلى عكس ما كنت تهدف إليه؟
في كثير من الأحيان نبالغ في توظيف نقاط قوتنا عندما نتعرض للضغط والتوتر. فعندما لا نحصل على ما نريده، تدفعنا غريزتنا إلى مضاعفة الرهان والاعتماد على السلوك الذي سبق أن نجح في الماضي. إنه نفس نمط الحافز الذي يدفع المدمن إلى مضاعفة جرعته عندما لا يحصل من جرعته الحالية على المفعول المعتاد.
اقرأ أيضاً: القائد العظيم يعلم بأنه ليس شخصاً مثالياً
لقد اكتشفت شخصياً هذا الميل في نفسي. فعندما أفكر في السمات التي نفعتني في العمل، أول ما يخطر في بالي روح المثابرة والدفع نحو الأمام. غير أنني خلال العام المنصرم، وبينما كنا نقدّم نموذج أعمال جديد، شعرت بضرورة الدفع أكثر وممارسة قدر من الضغط أكبر من المعتاد. وكان الطريق وعراً ومليئاً بالمصاعب. ففي بعض الأحيان كان زملائي يشعرون بالترهيب والإحباط بدلاً من التشجيع والتمكين وبثّ روح العزيمة في نفوسهم.
وجعلني مجرّد ملاحظة ذلك أتذكر الخيارات التي بوسعي اتخاذها كل يوم في العمل. غير أن ذلك لا يكفي. بل من المهم أيضاً بناء نقاط قوة مكمّلة أو "أضداد إيجابية" لنقاط قوتي. انظر إلى السمات في العمود الثاني من الجدول الآتي:
يقول "جيمس كولينز" في كتابه "من جيد إلى عظيم" (Good to Great): "يتميّز أفضل القادة بمزيج من صفتي التواضع والعزيمة التي لا تلين".
انطلاقاً من خبرتي يمكنني القول إننا نادراً ما نجد قادة يمنحون القيمة ذاتها للسمات في الجهتين. فنحن نميل بطبيعتنا إلى ترجيح إحدى الكفتين، بدلاً من إدراك أن سمات كل جهة يمكنها أن تؤدي دور المعدّل لسمات الجهة الأخرى.
فمن المرجح أن القائد الذي يقدّر الصراحة عالياً، يوجّه ملاحظاته للآخرين على نحو سليم وقابل للتطبيق، عندما يعدّل صراحته بقليل من التعاطف والشعور بالآخر. والعكس صحيح أيضاً، فالقائد المبالغ في تعاطفه مع الآخرين والذي يحاول تفادي النقاشات الصعبة معهم خوفاً من جرح مشاعرهم، يعرقل نموهم وتطورهم في نهاية المطاف.
تتمثّل الخطوة الأولى ببساطة في تعميق وعينا لذاتنا. فلا يمكننا تغيير ما لا نراه. حدد نقاط قوتك البارزة. واكتشف ماذا يحصل عندما تبالغ في توظيف تلك النقاط. وحاول التعرف على السمات المحتملة الموازنة والمعدّلة لتلك النقاط والتي لم تمنحها حتى الآن حقها من التقدير.
ليس الهدف إيجاد توازن مثالي لتعلم كيف تصبح قائداً متكاملاً، بل بناء مجموعة مكمّلة من نقاط القوة، بحيث نستطيع التقدم برشاقة على طول طيف من السمات القيادية. وربما تفهّمنا واحتضاننا لتعقيداتنا الخاصة يجعل منا بشراً أكثر شمولية ويمنحنا موارد إضافية لإدارة أنفسنا والآخرين في عالم يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم.
اقرأ أيضاً: