بينما أنت جالس بهدوء في مكتبك يأتي إليك كريم، يتكئ على خزانة ملفاتك ويبدأ في انتقاد زميلك سمير. الموقف مربك، لكنك تومئ برأسك وترمي ضحكة عابرة "هاهاها" لشعورك أنها الشيء الوحيد المناسب للموقف. أول ما يتبادر إلى ذهنك حالما يغادر كريم أن تتوجه إلى رئيسك في العمل وتحكي له عن مخاوفك من الإشاعات غير اللائقة التي يتحدث بها زميلك، فذلك يبدو لك الفعل الصحيح لسد الطريق أمام هذا السلوك الملوِّث، أليس كذلك؟ هناك أثرٌ كبير لطريقة تجاوبك عندما يبدأ أحدهم بالحديث عما يختلج نفسه، على العلاقات بين الأفراد في العمل.
قد يؤدي إبلاغ مديرك بثرثرات زملائك دون التعبير مباشرة عن مخاوفك حيالها إلى خلق العديد من الانطباعات الخاطئة. أولاً، قد يرى رئيسك أنك شخص نمّام تحاول محاباته على حساب زميلك. والأسوأ من هذا أن يسألك المدير عما قلته لكريم وتجد نفسك مضطراً لإخباره أنك لم تفعل شيئاً يثنيه عن الإشاعات وبذلك تقدم نفسك في صورة شخص سلبي عدواني. بالإضافة إلى أن فعلك هذا يعطي الحق لمحمود في تفسير ما فعلته على أنك شخص غير أهل للثقة. أي أن نقل مخاوفك حيال الإشاعات إلى مديرك سيؤدي على الأرجح إلى تلطيخ سمعتك أكثر من سمعة من ينشر الإشاعات.
عليك فعل شيء آخر لوأد الإشاعة في مهدها.
حدد الإشاعة الضارة
لا تتسرع بالحكم على كل محادثة يُهمس بها على أنها إشاعة مؤذية. قد تكون تنفيساً مشروعاً عن مكامن النفس، ولا ضير أبداً في تقديم الدعم لزملائك في مثل هذه المواقف. الأمر المهم الذي يجب عليك الانتباه إليه على أي حال هو التمييز بين تقديم الدعم وتمكين الإشاعة.
هناك بعض الإشارات التي تخبرك بأن ما تسمعه هو نميمة وليس ترويحاً غير مؤذٍ عما يدور في النفس. فلنأخذ مثال محمود وحامد لتوضيح هذه النقطة. أولاً، حالما يبدأ محمود الحديث عن حامد في غيابه، عليك أن تحترس. لا تفترض فوراً أنها نميمة، لكن كن حذراً بينما تستمع. إن ركّز كريم على ما حدث فعلاً، فلا بأس في ذلك. أما إن بدأ يصطنع افتراضات أو يكيل الاتهامات حول نوايا سمير، فهذه مشكلة.
الفارق الجوهري الآخر بين التعليقات المقبولة وغير المقبولة هو ما إذا كان التعليق يتمحور حول سلوك الشخص أو حول صفاته. إذا قال كريم: "هل تصدق أن سمير قاطعني ثلاث مرات؟" لا بأس في ذلك، ولكن إذا قال: "لا تتخيل كم سمير فظ في تعامله؟" فهو هنا يتجاوز المسموح. تسامحك مع التعليقات السلبية عن أحد أفراد الفريق يعني أنك توفر جمهوراً لسلوك تخريبي سيحدث على الأغلب شقاقات في المكتب.
هناك إشارات أخرى عليك الانتباه لها. في حال ركزت كل ملاحظات كريم على أشياء حدثت في الماضي فهدفه ليس الحوار البنّاء. وبالمثل، لو أراد فقط الحديث عن المشكلة ولم يكن مهتماً بالتفكير في حل لها، فأنت هنا أيضاً تتعامل مع سلوك تخريبي.
كيف ترد على الإشاعة
تعتمد طريقة ردك على الإشاعة على ما إذا كنت ترى أن لدى الشخص سبباً للقلق. إن رأيت أن هناك بعض الصحة في التعليقات التي تصدر عن زميلك في الفريق، فحاول توجيه هذه الهواجس إلى حيث يمكن التعامل معها بأسلوب بنّاء. شجع زميلك في الفريق على طرح القضية مباشرة على الشخص المعني بالموضوع: "كريم، أتفهم مخاوفك حول تعليقات سمير، لكن إخباري بها لن يحل الأمر. أرى أن عليك التحدث إليه. يمكنني مساعدتك للتوصل لطريقة للتحدث معه".
هناك طريقة أخرى يمكنك اللجوء إليها إن كانت مخاوف الشخص مبررة وهي مساعدة زميلك في طرح القضية للعلن: "اتفق معك في أن تعليقات سمير أجهضت الحوار قبل أن تُمنح الفكرة أي فرصة. لماذا لا نطلب وضعها على جدول الأعمال في اجتماع الأسبوع المقبل؟" بهذا الكلام أنت تخبر زميلك أنك مستعد للوقوف إلى جانبه لكنك لا ترغب بأن يكون لك أي دور في سلوك سلبي عدواني.
إن لم تكن ترى انتقادات زميلك مشروعة، فلا تسلك الطريق السهل لمغادرة الحوار. مسؤوليتك تحتم عليك قول شيء ما. لكن احذر من توبيخه لأنه عندها سيفترض أنك "لست إلى جانبه". عوضاً عن ذلك، قم بتحويل الحديث بحيث تقدم له دعماً حقيقياً.
من التقنيات التي يمكنك استخدامها في هذه الحالة هي استبعاد الطرف الثالث من الحديث والتركيز على جعل زميلك يخبرك كيف عاش الموقف. للأشخاص الحق في الحديث عن ردّات فعلهم لكن ليس لهم الحق في اختلاق مزاعم حول شخص غائب. "كيف شعرت عندما قال سمير أن الخطة لن تنجح أبداً؟"، "ماذا كان في بالك عندما أجبت سمير؟" "ماالذي ستفعله الآن"، اجعله يشعر أنك ترحب بالحديث معه عن الموقف وعن المشاعر التي تخللته لكنك لست مستعداً للحديث عن أشخاص غير متواجدين للدفاع عن أنفسهم.
إبداء رأيك بالموقف أمر آخر يمكنك فعله. "حسناً، عندما سمعت ما عرضته صباح اليوم، أقلقتني خطتك أنا أيضاً. عندما رددت على سمير بأنك "ستفكر في ذلك لاحقاً" انتباني الشك. إليك ما أرى أنك بحاجة لفعله لأقتنع بالخطة". بهذه الطريقة أنت تقلل من الضغط على الطرف الثالث وتساعد زميلك على فهم أن حلفاءه أيضاً لديهم مخاوفهم.
في أفضل الأحوال، يمكنك الانتقال من نظرة تقهقرية إلى حوار فاعل. حاول تدريب زميلك على طرق أفضل للتعامل مع الموقف. "كيف يمكنك كسب أشخاص آخرين إلى صفك في المستقبل؟"، "ما الذي يبحث عنه سمير في العرض الذي قدمته وكيف تقدم ما يتوافق معه؟" ساعد الشخص على تجاوز ردة فعله الشخصية والانتقال إلى خطة بناءة أكثر.
إن أجبرت مُروِّج الإشاعات على جعل حواره أنضج وبناءً أكثر فإن الإشاعة ستتوقف على الأغلب -ولو أنه أمر لا يمكن ضمانه. فبعض الناس يدخِل ما تقوله من أذن ويخرج من الأخرى. إن فشلت محاولتك في الحد من الطعن بالآخرين، فقد يكون من المناسب أن تتوجه إلى مديرك وتحدثه بالأمر. لكن لا تدع الأمر يبدو مثل ثرثرة أطفال في باحة المدرسة. ابقَ موضوعياً قدر الإمكان واجذب الانتباه إلى أن هناك مشكلة في العلاقة بين شخصين تحتاج إلى الإصلاح. يمكنك القول على سبيل المثال: "كريم يعاني من انتقاد سمير لخطته، ولم أتمكن من مساعدته في القضية. أعتقد أنه عليك التدخل". إن طلب منك مديرك التعليق على كريم أو سمير، فقل له إنك تفضل لو يتحدث هو إليهما مباشرة.
النميمة على زميل في العمل إشارة إلى أن بيئة العمل ليست صحية وأن التركيز فيها على السياسات والشخصيات أكثر منه على المهام. وفي حين قد يغريك التوجه إلى مديرك لإخباره بالموقف، إلا أنه سلوك سلبي عدواني. بدلاً من ذلك، امنح زميلك المنزعج فرصة لإغلاق باب الأقاويل والتنفيس عما في نفسه. لكن قبل أن يسهب كثيراً في كلامه عليك التحول إلى حوار بنّاء أكثر. إن لم تتمكن من مساعدة الشخص في علاج المشكلة، فأشرك معك شخصاً آخر يمكنه المساعدة قبل أن يؤثر السلوك غير الصحي على الفريق بأكمله.