كيف تعالج الشركات إرهاق الموظفين

5 دقائق

تعتبر ظاهرة إرهاق الموظفين أمراً شائعاً ضمن الشركات. وبدلاً من أن تُشكل هذه الظاهرة تحدياً تنظيمياً واسع النطاق، تميل الشركات إلى التعامل معها على أنها قضية لإدارة المواهب أو قضية شخصية. الأمر الذي يعتبر أحد الأساليب الخاطئة في التعامل.

وذكرنا في كتابنا "الوقت والموهبة والطاقة" (Time, Talent and Energy)، أن انخفاض إنتاجية الفرد يعود على المؤسسة نفسها لا على موظفيها. الأمر نفسه ينطبق على إنهاك الموظفين. عندما نظرنا في الشركات التي تملك معدلات إرهاق عالية، رأينا ثلاث مشكلات شائعة وهي: تعاون زائد، وضعف إدارة للوقت، والميل إلى تكليف أصحاب القدرة بمزيد من الأعمال. ولا تقتصر هذه المشكلات على سرقة وقت الموظفين الذي يمكنهم استثماره في التركيز على استكمال المهام المعقدة أو توليد أفكار جديدة فحسب، ولكن المشكلة الأكبر هي عدم وجود وقت كافٍ لتعافي الموظفين ستطفو على السطح. وفيما يلي تلك المشاكل وكيف يمكن للقادة التعامل معها:

التعاون الزائد

يعتبر التعاون الزائد أمراً شائعاً في المؤسسات التي تضم عدداً كبيراً من صانعي القرارات، وعدداً أكبر من مراكز صنع القرار، ويتجلى ذلك التعاون في اجتماعات ومكالمات جماعية لا نهاية لها لضمان مشاركة كل المعنيين واطلاعهم على ما يجري. حيث تتطلب شركات عديدة تعاوناً أكثر لإنجاز مهمة ما. وتؤدي هذه العوامل مجتمعة إلى التشتت، غير ساعات مجزأة خلال النهار للموظفين. إذ وجد بحثنا أن كبار المدراء التنفيذيين يتلقون أكثر من 200 رسالة إلكترونية يومياً. كما يخصص كل مشرف حوالي 8 ساعات أسبوعياً أي ما يعادل يوم عمل كامل لإرسال الرسائل الإلكترونية وقراءتها والرد عليها، علماً أن أكثرها لا يعتبر ضروري إرساله أو الرد عليه.

توجد عوامل أخرى تزيد من الإرهاق، مثل وجود التقنيات الرقمية، والأولويات الكثيرة جداً، أو توقّع الشركة من موظفيها استخدام أدواتهم الرقمية مع تعدد مهام عملهم، والذي تبين أنه مرهق ويؤدي إلى نتائج عكسية. في دراسة وثقت التكلفة الخاصة بالتبديل بين المهام، وجدت أن انتقال الموظف إلى مهمة جديدة خلال عمله وتركه المهمة القديمة يزيد من الوقت الذي يستغرقه لإنهاء كلتا المهمتين بنسبة 25%. ووجدت دراسة من "مايكروسوفت"، أن الشخص يستغرق في المتوسط 15 دقيقة للعودة إلى التركيز بمهمته بعد مقاطعته برسالة إلكترونية.

ويمكن للشركات معالجة مشكلة التعاون الزائد عبر تعديل الهياكل التنظيمية والروتينية. إن الخطوة الأسهل في هذا الأمر هي النظر إلى عدد "العقد" والتي تمثل التقاطعات في المصفوفة التنظيمية للشركة، حيث يتواجد صانعو القرار. إذ يعتبر انتشار العقد علامة على التعقيد التنظيمي وهو أمر لا لزوم له. كما يعتبر بمثابة مطبات تنظيمية تؤدي إلى تباطؤ العمل وسرقة الوقت والطاقة.

وتستطيع الشركات أيضاً دراسة كيفية أداء الناس عملهم بمنهجية، حيث يمكنها إجراء جرد كامل للاجتماعات من أجل تحديد أيها الضروري حقاً، وجرد تواتر هذه الاجتماعات ومدة كل واحد منها وما هو الاجتماع الضروري للحضور. تستطيع الشركة أيضاً النظر في كيفية توزيع الموظفين ضمن الفرق، إذ يمكنها جمع موظفيها المميزين معاً في فريق واحد للحصول على أفضل النتائج عبر عملهم على القضايا الأعلى أولوية، بدلاً من عزلهم بتوزيعهم على فرق مختلفة.

إضافة إلى قدرة القادة على تخفيف الإرهاق ورفع إنتاجية المؤسسة وذلك عبر إجراء تدخلات أكثر مرونة، وإجراء التغييرات التنظيمية الرسمية. على سبيل المثال، يمكن للقادة تبني مبادئ العمل الرشيق وهو ما يؤدي إلى تحفيز وتنشيط فريق العمل. ويمكن إعطاء أعضاء الفريق وسيلة تجعلهم يمتلكون النتائج، ودفعهم للتركيز أكثر على أنشطة أقل من حيث الجهد وذات أهمية هائلة في نفس الوقت. إذ يمكن للفرق استخدام مفهوم "تراكم المبادرات" لتحديد الأولويات، وفيه يعيد الفريق ترتيب أولوياته كلما أُضيفت مهمة جديدة، ما يوفر آلية تركز باستمرار على أهم الأولويات وتزيل المهام الأقل أهمية. وتغدو المشاريع أكثر تحديداً زمنياً وتركيزاً، بحيث يكون هناك عمل أكثر واستنزاف طاقة أقل.

ويمكن للمدراء التنفيذيين أيضاً العمل على الثقافة والتدريب، إذ باستطاعة القادة المساعدة على وضع معايير ثقافية جديدة ومناسبة توضح أهمية وقت كل فرد من أفراد الشركة.

ضعف إدارة الوقت

يتجاوز الطلب على التعاون في معظم المؤسسات الكبيرة القدرة على تطوير الأدوات والتخصصات والمعايير التنظيمية لإدارة هذا الطلب، ويُترك الموظفون في معظم الأحيان ليحددوا بأنفسهم كيفية إدارة وقتهم بطرق تقلل من إرهاقهم. كما لا يتوفر القدرة الكافية على محاربة ثقافة الشركات التي يكون العمل الزائد فيها هو القاعدة الأساسية، إلى جانب عدم امتلاك الموظفين سلطة إلغاء المهام والاجتماعات غير الضرورية.

لكن باستطاعة قادة الشركات فعل عدة أمور لمعالجة هذا الموضوع، وعليهم البدء أولاً بالعمل على حل المشكلة. إذ يرغب أغلب المدراء التنفيذيون عادة قياس فوائد التعاون، والقليل منهم يرغب بقياس التكاليف، ويمكنهم استخدام الكثير من الأدوات المفيدة لقياس كيف يقضي الموظف وقته وكيف يؤثر ذلك على الإرهاق والإنتاجية التنظيمية. حيث يشير ريان فولر، المؤسس المشارك لشركة ناشئة تعمل على تحليل أماكن العمل للأشخاص، إلى أن المدراء التنفيذيين لا يعرفون غالباً كم من الوقت يقضيه موظفيهم على أنشطة تسهم في إنتاجية المؤسسة، ولا يعرفون مقدار الوقت الضائع على أنشطة أقل إنتاجية.

يذكر أن شركة "مايكروسوفت" استحوذت مؤخراً على ريان فولر، ويتم تسويق منتج هذه الشركة الآن باسم "تحليلات مايكروسوفت لمكان العمل" (Microsoft Workplace Analytics).

ويمكنك استخدام البيانات الواردة من هذه الأدوات لإعادة توزيع الأماكن في مؤسستك التي تنفق وقتاً كبيراً في الاجتماعات أو تبادل الرسائل الإلكترونية أو العمل عبر الإنترنت، ويمكن أيضاً استخدام هذه المعلومات لإحداث تغييرات ضمن مجموعات ووظائف محددة للحد من التشتت التنظيمي الذي يستنزف الإنتاجية ويؤدي إلى الإرهاق. إذ تشير بياناتنا إلى أن لمعظم المدراء التنفيذيين فرصة لتحرير ما يقارب من 20% من وقت موظفيهم على الأقل إذا وضعوا المزيد من الانضباط لإدارة الوقت. في حين أن الأمر المهم الآخر هو إعطاء الموظفين القدرة على التحكم بتقويماتهم ثانيةً وهو الأمر الذي يعطيهم شعوراً بالاستقلالية، ويدفعهم إلى محاولة السيطرة على أيامهم من جديد فضلاً عن مساعدتهم في تجنب الإدارة الجزئية والتي تعتبر إحدى مسببات الإجهاد.

التحميل الزائد للموظفين الأكفاء

لقد زادت أعباء عمل الموظفين في العديد من المؤسسات التي لم تزد عدد موظفيها بما يتناسب مع حجم العمل، فضلاً عن مبالغة معظمها بقدرة الأدوات الرقمية على تحقيق الإنتاجية الفعلية، ونادراً ما تتحقق من صحة افتراضاتها. كما أن مشكلة الطلب الزائد على الموظفين اللامعين باتت أمراً مزعجاً للجميع، إذ أدى ذلك إلى وقوعهم ضحايا التعاون المكثف. في إحدى الشركات التي درسناها، كان المدير يفقد في المتوسط يوماً واحداً في الأسبوع للرد على البريد الإلكتروني والاتصالات الأخرى، ويومين للاجتماعات. وسيخسر المدراء الموهوبون وقتاً أكثر من ذي قبل في التعاون نظراً لأن عملهم المميز يكسبهم المزيد من المسؤولية وعبء أكبر.

ويمكن أيضاً للأدوات التحليلية نفسها في مكان العمل، التي تقيس مقدار فقدان الموظف وقته في أنشطة غير منتجة، معرفة الوقت الزائد الذي يقضيه المدراء على أمور غير ذات أولوية، وبالتالي تمكين رؤسائهم من إعادة تصميم سير العمل أو اتخاذ خطوات أخرى لتجنب الإنهاك والإرهاق.

يعرف جميعنا الخسائر البشرية الناتجة عن الإرهاق، وأن المعايير التنظيمية غير المؤكدة تخلق ظروفاً مرهقة، لكن باستطاعة القادة تغييرها لجعل الإرهاق أقل احتمالية. يؤدي إعطاء الموظفين الوقت اللازم لتنفيذ العمل إلى نجاح الشركة وتوليد أرباح ضخمة من خلال رفع الإنتاجية وزيادة الأعمال المثمرة والحد من الإرهاق ما يجعل الربح من صالح الجميع.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي