مَنْ المستفيد حين يقدم المدير أو المسؤول التنفيذي رعايته لموظف أدنى منه درجةً على السلم الإداري، ويوفر له التوجيه والتشجيع والدعم؟ إن كانت إجابتك التلميذ هو المستفيد، فقد أصبت نصف الحقيقة فقط.
إن الرعاية - وهي علاقة يختار فيها قائد متمرس أو صاعد إحدى المواهب الصغيرة النابهة ويطور مسارها المهني - تعزز بلا شك مسار ذلك التلميذ، الذي تنفتح أمامه الأبواب لينهل من معين خبرات الطرف الراعي واتصالاته. لكن البيانات تشير كذلك إلى قيمة كبيرة يتحصل عليها ذلك الراعي. وفقاً لاستبيان تمثيلي على مستوى البلاد أُجري في مرحلة إعداد كتابي الجديد، "أثر الراعي: كيف تصبح قائداً أفضل من خلال الاستثمار في الآخرين" (The Sponsor Effect: How to Be a Better Leader by Investing in Others)، وُجد أن المدراء ذوي المناصب العليا الذين يتخذون لأنفسهم تلاميذ أكثر حصولاً على الترقيات في العامين الماضيين بنسبة تصل إلى 53%. كما أن حظوظ المدراء الجدد الذين يتخذون تلاميذ يرعونهم في الحصول على مهام تنمي قدراتهم وترفع شأنهم تزيد على غيرهم بنسبة 60%.
وبالتعمق في دراسة أحوال المشاركين في الاستبيان والذين يتفاوتون ما بين مدراء جدد ورؤساء تنفيذيين، وُجد أن 39% ممن اتخذوا لأنفسهم تلاميذ يعتبرون أنفسهم "راضين عن إرثهم المهني" في تلك اللحظة من مشوارهم الوظيفي. فيما لم يقل الشيء نفسه سوى 25% فقط ممن لم يتخذوا لأنفسهم تلاميذ يرعونهم.
غير أن فوائد الرعاية لا تعود على المدراء والمسؤولين التنفيذيين الذين يكتفون بتوجيه شخص أدنى منهم درجةً في السلم الإداري. فالموجِّه هو من يقدم للمتلقي النصح والإرشاد، وربما يعرفه على شخصية أو شخصيتين مهمتين، بينما ينصت المتلقي بأدب ويوجه له الشكر. أما الراعي والتلميذ، على الجانب الآخر، فتربطهما علاقة تبادلية وعلنية تهدف إلى تحقيق النجاح لكليهما. إن ذلك الاستثمار التبادلي من كلا الجانبين هو ما يجعل العلاقة شديدة الفائدة للطرفين.
خذ مثلاً لوي أفيرسانو، مدير علاقات العملاء على مستوى العالم بشركة "أوجيلفي" (وهي قسم من شركة WPP) في نيويورك. أفيرسانو اسم رفيع بالفعل في عالم الإعلانات - لكنه عالم سريع التقلب يستند إلى أسس مرتعشة. ففي ظل تحول المستهلكين إلى التكنولوجيا الرقمية وامتلاك أجهزة ذكية جوالة، ومع رغبة العملاء التقليديين في الحصول على بدائل للتعامل مع الشركات ذاتها على الأجل الطويل، يتعين على وكالات الإعلانات أن تعيد اكتشاف ذاتها.
يقول أفيرسانو عن صناعة الإعلانات في أحد لقاءاتي معه: "يجب أن تكون مستعداً لحرق مراكبك قبل أن يحرقها لك أحدهم". إلا أنه أقر بصعوبة إتيان الشركات العريقة بأفكار جديدة تمحو كل أثر لنجاحاتهم التي حققوها بالطرق التقليدية. وهو ما أعرب عنه بقوله: "نحن نرى الأشياء من ارتفاع معين، ولدينا انحيازات وفقاً لتراثنا التليد".
بالنسبة لأفيرسانو، كانت الإجابة على هذه الإشكالية في التلميذ: موهبة شابة يقوم هو بالاستثمار فيها بشكل شخصي ويعول عليه في الأداء والوفاء والتوصل إلى رؤية جديدة لعالم الإعلانات. ولكي يجد هذا التلميذ، بدأ البحث في شبكة العلاقات المهنية بين الشباب داخل شركة "أوجليفي". اشترك هو وكبار قادة الشركة مع 100 من أفرادها (متوسط أعمارهم 27 عاماً) في تطوير أفكار من شأنها إحداث نقلة نوعية في الوكالة - وقاموا بمراقبة هؤلاء الشباب وتوجيههم عن كثب. تطلب الأمر وقتاً حتى عثر أفيرسانو على الموهبة التي كان يبحث عنها: شاب يدعى بين ليفين. منذ ذلك الحين بدأ ليفين في مساعدة أفيرسانو على إعداد هيكل وظيفي جديد، مسار جديد للنمو، وسبيل (لأفيرسانو والشركة) لفهم أساليب الأجيال الشابة في التفكير والعمل.
لا يشترط أن يكون التلميذ أصغر منك سناً أو شخصاً حديث العهد بمجال العمل. فالتلميذ الجيد هو من يتميز بنجاحه في عمله وإخلاصه لك، إضافة إلى قدرته على توسيع زاوية رؤيتك أو تعزيز مهاراتك. والجزء الأخير يعني في العادة شخصاً مختلفاً عنك في الجنس أو العرق، أو الخلفية المهنية، أو أسلوب الإدارة، أو تجارب الحياة. لقد رأيت، على سبيل المثال، رعاة تمكنوا من اقتحام أسواق جديدة من خلال تلاميذهم الذين يفهمون مثلاً أولويات الصحة النسائية، أو خصوصيات الثقافة اللاتينية، أو لوازم الترتيبات المالية لأصحاب الميول المختلفة، فلقد رأيت رجالاً ونساء صاروا رؤساء تنفيذيين لشركات عملاقة بفضل تلاميذ لهم وسعوا نطاق قدراتهم وأكملوا ما كان من نقص في معارفهم ومهاراتهم.
وبالقطع تنطوي الرعاية على عنصر المخاطرة. فسوء الفهم وارد، خاصة حين يكون تلميذك المهني مختلفاً عنك (وغالباً ما يجب أن يكون كذلك). وقد يكون من الصعب منع العلاقة من الاستئثار بقدر كبير من الوقت - حيث يجب أن يكون التلميذ هو من يقوم بمعظم الأعمال. ثم هناك مخاطرة في التلميذ نفسه الذي استثمرت فيه وقتك ومسؤوليات ورصيد سمعتك، حين يخذلك في تطوير الإنتاج، أو في نيل إعجاب أهم الأطراف، أو يعجز عن رفع حمل العمل عن كاهلك. حتى إن بعض التلاميذ يخونون ثقة رعاتهم، مسببين بذلك ضرراً هائلاً.
لكن إذا جرى الأمر على النحو الصحيح، فإن فوائد وجود مواهب أصغر يدينون لك بالولاء وينوبون عنك في أداء المهام التي لا تجد ما يكفي من الوقت أو المهارات أو الرغبة لأدائها، هي فوائد أعظم كثيراً من أن تتجاهلها. ولذلك يعمل الرعاة الأذكياء على التخفيف من حدة المخاطر - وتعظيم فوائد استثماراتهم في الوقت والسمعة الشخصية - من خلال سبع خطوات:
- التحديد. اعرف ما الذي تبحث عنه في تلميذك المحتمل، بداية من مستوى الأداء وجدارته بالثقة.
- الإدماج. ابحث عن تلميذ مختلف عنك، سواء في العقلية (بحيث يمتلك معارف مختلفة أو ينتمي إلى جيل مختلف) أو في الجنس، أو العرق.
- الإلهام. احرص على أن يتسق التلميذ مع قيمك، واستخدم طموحه في دفعه إلى الأمام.
- التوجيه. ساعد تلميذك على ملء الفجوات، سواء في المعارف الأساسية أو المهارات الشخصية.
- الفحص. قيّم تلاميذك باستمرار للتأكد من أنهم يقدمون مستوى جيداً من الأداء وأنهم جديرون بالثقة.
- اعقد صفقة. حين تصير واثقاً من القيمة المقدمة، بادر واعرض شروط هذه العلاقة التبادلية.
- استثمر من ثلاثة أوجه. ضارب بكل ما لديك من رصيد ونفوذ وحماية. أيد وناصر مريديك بحماس ووفر لهم الغطاء حين يكونون بحاجة إليه.
سواء كنت مديراً من الحلقة الوسطى تتطلع إلى صنع اسم لك، أو كنت مسؤولاً رفيع المستوى تبحث عن توسيع إنتاجيتك ونفوذك، فقد يتمثل الحل الذي تبحث عنه في التلميذ. حين تدار بمهارة، ستساعدك هذه العلاقة على النمو والازدهار.