في العالم المثالي، يجب أن يكون الشخص الإداري الذي يجري مقابلة العمل معك قادراً على قياس مواهبك بدرجة عالية من الدقة بحيث لا تحتاج اللجوء إلى أي شكل من أشكال التباهي أو الترويج للذات. إلا أنّ الحكم على المواهب ليس بالأمر السهل، خاصة في التفاعلات القصيرة مع الآخر كما هو الحال في مقابلات العمل: هناك تداخل بين تقييمات المقابلة والتقييمات اللاحقة للأداء بنسبة 4% فقط. فكيف يمكن للمتقدمين إبراز نقاط القوة في المقابلة الشخصية؟
من بين أسباب نشوء هذه الطبيعة المراوغة للموهبة سهولة تزييفها، خاصة عندما يكون الأشخاص منخدعين بما لديهم من موهبة. في الواقع، يكون خداع الآخرين أسهل بكثير عندما تتمكن من خداع نفسك. إذاً، من غير المفاجئ أن يكونوا هؤلاء النرجسيين والمضطربين عقلياً قادرين على إجراء مقابلات عمل جيدة. وهناك سبب آخر لذلك ألا وهو أنّ المسؤولين عن تقييم الموهبة ليسوا موهوبين كما يعتقدون، لهذا تراهم يبالغون في الاعتماد على حدسهم ويسيئون تفسير إشارات مهمة: مثلاً، يفسرون الانفتاح على أنه مهارات اجتماعية، والثقة على أنها كفاءة، والكاريزما على أنها مقدرات قيادية.
أربعة اقتراحات لإبراز نقاط قوتك في المقابلة الشخصية
إذاً، ماذا تفعل، إن كان مهماً بالنسبة لك إخبار الآخرين عن مواهبك دون أن يُنظر إليك كما لو كنت تتفاخر أو أنك مخدوع بنفسك نوعاً ما؟ إليك هنا أربعة اقتراحات بسيطة لأخذها بالاعتبار:
عدد بإيجاز خبراتك الأكثر صلة بالوظيفة
مع أنّ السلوكيات الماضية لا تحبرنا دوماً بالسلوك المستقبلي، خاصة إذا تغيّر مجال عملك، إلا أنّ الناس بحاجة للحصول على ما يضمن لهم أنك "قمت بالعمل الذي تُقدم عليه من قبل". لحسن الحظ، بما أنّ هذا من أوائل الأسئلة التي ستُطرح عليك لدى تقييم مواهبك، وبما أنك تجيب على سؤال مطروح عليك، فلن يتم اتهامك بالتباهي.
ومع ذلك، من المهم أن تكون موجزاً في حديثك. نحن نعيش في عصر سعة انتباه الناس فيه قصيرة. وتُعتبر المخاطرة هنا هي أن تستغرق إجابتك وقتاً طويلاً، ما يجعل الناس يتوقفون عن الانتباه إلى ما تقوله ويبدؤون يفترضون أنك تفتقر للإيجاز في حديثك. يكون هذا مأخذاً عليك: إذ يُنظر للأشخاص الذين يتحدثون كثيراً عن أنفسهم على أنهم أنانيون ومتكبّرون، ونرجسيون. ومن المرجح أنك إن ضخّمت من إنجازاتك كثيراً دون تحديد كاف أو ملموس، سيفترض جمهورك أنك تبالغ. لهذا من الأفضل أن تجعل خبرتك قابلة للقياس وتوصل فكرتك سريعاً: مثلاً، "لدي 18 سنة من الخبرة العالمية في مجال/صناعة كذا"، "أدرت فريقاً من 75 شخصاً"، "نجحنا بتنمية وحدة الأعمال لدينا بـ 150%"، أو "قدت قسماً كان مسؤولاً عن 60% من إيرادات الشركة". وفي حال احترت في انتقاء ما تخبر عنه، اختر ما له علاقة بالدور الذي يتم تقييمك من أجله.
تحدث عن شغفك أكثر من مهاراتك
لسبب ما، لا بأس في أن تكون متحمساً تجاه اهتماماتك وشغفك لكن الأمر نفسه لا ينطبق على حماسك تجاه مواهبك. مثلاً، لا يمكنك أن تتوقع من الآخرين أن يحتفوا بحقيقة أنك فعلاً معجب بحس الفكاهة لديك أو بمهاراتك القيادية (التي قيمتها بنفسك). جرب أن تقول للآخرين: "أنا أحد أكثر الأشخاص طرافة في العالم". وستراهم يفترضون سريعاً أنك لست كذلك، حتى لو كنت مرحاً. الأمر نفسه ينطبق على إخبارهم أنك "قائد عظيم" أو "مفكر مزعزع". لكنك إذا قلت أنك فعلاً تستمتع بإدارة الفرق، أو تفكر بالقيام بالأمور بطرق غير تقليدية، أو أنك دائماً "تحاول رؤية الجانب المرح في الأمور". فقد يعني ذلك للآخرين أنك موهوب في هذه النواحي.
ركز على إمكانياتك
تقترح دراسة حديثة أنه عندما يتعلق الأمر بالحكم على الآخرين، يصبح اهتمامنا بمستقبلهم أكبر من اهتمامنا بماضيهم. في رواية "صورة دوريان غراي"، معروف عن أوسكار وايلد قوله بأنه يفضل النساء اللواتي لديهن ماض والرجال الذين لديهم مستقبل، لكن يبدو أنّه لا يوجد اختلاف كبير بين الجنسين في هذه القضية ضمن العالم الحقيقي. بغض النظر عن الناحية الجنسانية، لدينا عادة اهتمام بمستقبل الأشخاص أكثر من اهتمامنا بماضيهم لأسباب ليس أقلها أهمية أنّ الماضي سبقت كتابته ولا يمكن لقراراتنا تغييره. أضف لهذا أنّ الاستدلال على المستقبل يتطلب مهارة وجهداً حقيقيين، لذا فهو نشاط تعلق عليه الآمال الكبيرة.
وبهذا يكون باستطاعتك مساعدة الآخرين على التنبؤ بمستقبلك، والمراهنة عليه بوصفك للمميزات الرئيسية لإمكانياتك. وتشير المراجعات النفسية إلى وجود ثلاث نواحي أساسية عليك مناقشتها وهي: المقدرة على التعلم، والقيادة، ومهارات التواصل مع الآخرين. لحسن الحظ، لن يعتبر التحدث عن هذه المميزات محاولة فظة للتباهي، كما يدرك أصحاب العمل أنفسهم مدى أهمية هذه الميزات لأنها هي التي تحدد إلى درجة كبيرة من يجب توظيفه وترقيته. لكن الأساس هنا هو عدم تقديم تصريحات عامة تروج للذات. مثل "أنا متعلم سريع" أو "أنا شديد الحماس" أو "لدي مهارات رائعة في التواصل مع الآخرين". بل إظهار هذه الأشياء عبر أمثلة عملية خلال المقابلة (وهو ما يأخذنا إلى النقطة الأولى).
مثلاً، إذا كانت لديك مهارات في التعامل مع الآخرين، ستتجنب مقاطعة محاوريك في المقابلة أو إطالة حديثك أو التباهي. وإذا كنت تريد من الآخرين تصديق أنّ لديك قدرة تعلم جيدة، عليك إذن التحدث عن مشاكل صعبة وعملية قمت بحلها أو خبرة تخصصية اكتسبتها. لاحظ أنه في حين أنّ جميع هذه الأمثلة تسلط الضوء على الإنجازات الماضية إلا أنها تدعو الآخرين للاستدلال على ما لديك من إمكانيات بحيث يتوصلون لاستنتاجات عن أدائك المستقبلي.
حوّل معجبيك إلى مدافعين عنك
في النهاية، إنّ قوام سمعتك يتعلق بكيفية نظر الآخرين (وليس أنت) إليك. ومن هنا تبرز أهمية أن تكون تزكيتك صادرة عن الآخرين بدل أن تكون صادرة عنك. وفي حين أنّ التوصيات كرسائل التوصية تعتبر منبئاً سيئاً بالأداء المستقبلي، إلا أنه لا يزال بمقدورها لعب دور هام في تحديد نجاحك. عندما يقول الشخص الصحيح الأشياء الصحيحة للشخص الصحيح سيكون لذلك أهمية أكبر من أي مؤشر آخر موضوعي على موهبتك. يتوجب عليك لهذا أن تقدر داعميك أكبر قدر ممكن. أضف لهذا أنك إذا استطعت تحويل مرشديك (أو معجبيك) إلى مدافعين عنك، سيقلل ذلك كثيراً من الجهد الذي عليك أن تبذله للترويج لنفسك. سيكون هناك دوماً لسمعتك جانب مشرق وآخر مظلم. حوّل الأوصياء على الجانب المشرق من سمعتك إلى سفراء لعلامتك المميزة وسترى كيف تزهر الفرص أمامك، خاصة إذا كان جانبك المظلم غير معروف للعموم.
هناك نقطة أخيرة عليك تذكرها وهي أنّ هناك اختلافات اجتماعية قوية في تقبّل الأشخاص للترويج للذات وللآداب الاجتماعية. لهذا تجد أنه حتى في البلدان المتشابهة إلى حد كبير، تكون هناك سلوكيات يُحتفى بها في مكان ما ويعاقب عليها في مكان آخر. مثلاً، ما ينظر إليه على أنه تقديم عادي للذات في الولايات المتحدة يعتبر تباهياً ساذجاً في المملكة المتحدة، في حين أنّ الطريقة البريطانية للتقليل الزائف من الذات تُفسر على أنها افتقار مقلق للثقة في الولايات المتحدة.
على أي حال، حتى عندما تتغير الإشارات أو العلامات الواضحة، فإنّ الناس في كل ثقافة سوف يبحثون عن الشيء نفسه "أشخاص يبدو أنّ لديهم بعض الموهبة"، وأشخاص قادرون على إبراز نقاط القوة في المقابلة الشخصية.
اقرأ أيضاً: كيف تتفاخر بنفسك بالطريقة الصحيحة.