هل تمتلك المؤسسة الخاصة بك بصمة خاصة بها؟ كيف يمكن الاستفادة منها؟
دأبت العديد من الأجهزة والمؤسسات في دول العالم على استخدام البصمة للتفريق بين الأشخاص، ففي القرن الثامن عشر، تم إثبات أن بصمات أصابع البشر لا تتشابه، وبالتالي يمكن اعتمادها كأداة فعالة لإثبات الهوية. كذلك الأمر بالنسبة لأنواع البصمات الأُخرى كبصمة العين، وبصمة الوجه، وبصمة الشعر. والشيء المشترك بينها جميعاً أنها تسمح بإنشاء شكل أو ترتيب معيّن خاص بكل إنسان.
كما تطرّق بعض الكتاب والمؤلفين الإداريين إلى مفهوم البصمة المؤسسية، وفي كتاب صدر حديثاً تحت عنوان "إدارة التنوع المؤسسي" (Managing Organizational Diversity)، بيّن المؤلفان كارولينا ماشادو وباولو دافيم، أن لكل مؤسسة طريقة مختلفة في إنجاز العمل، وكذلك ردود أفعال مختلفة لما يعترضها من مواقف ومتغيرات، وهذا ما يعرف بالبصمة المؤسسية، وتختلف هذه البصمة من مؤسسة لأُخرى، لذلك يمكن اعتبارها أداة للتمييز بين المؤسسات. أما كريس بيلتون في كتابه "الإبداع والسياسة الثقافية" (Creativity and Cultural Policy)، فأوضح أن البصمة المؤسسية هي عبارة عن نموذج يحتوي على مجموعة من القيم والافتراضات والمعتقدات، وتكون بتراكيب مختلفة في كل مؤسسة، ما يسمح بتمييزها عن غيرها عبر إنشاء البصمة الخاصة بها. واللافت هنا أن هذه الافتراضات والقيم بعضها يكون منطقياً وبعضها الآخر غير منطقي، ولا مصلحة واضحة للمؤسسة في وجودها. وربما يكون من المناسب الإشارة هنا إلى وجود اتجاه ضعيف يعتبر البصمة المؤسسية مرتبطة بالهوية التسويقية للمؤسسة وعلامتها التجارية، ولكن هذا التوجه محدود ولم ينل الدعم أو القبول الكافي في مجال الإدارة.
كما اعتمدت العديد من الممارسات الإدارية على مفهوم البصمة المؤسسية ولكن بأشكال أُخرى. فعلى سبيل المثال، يمكن الاطلاع على نماذج التميز المؤسسي العالمية كنموذج بالدريج للتميز المؤسسي في الولايات المتحدة الأميركية، ونموذج التميز الخاص بالمؤسسة الأوروبية لإدارة الجودة، ونماذج التميز المحلية المطورة بما يتناسب مع احتياجات الحكومات كنموذج الجيل الرابع للتميز الحكومي، لنجد أنها جميعاً تقوم بتشخيص حالة المؤسسة بناء على معايير معتمدة تصف أفضل الممارسات، وتقارن بين المؤسسات اعتماداً على نتائج هذه التشخيص.
وذهبت بعض الهيئات والمؤسسات إلى محاولة إظهار البصمة المؤسسية على مستوى الدول، اعتماداً على مؤشرات مركبّة، ونماذج تقارير خاصة، كتقرير سهولة ممارسة الأعمال الصادر عن "البنك الدولي" والهادف إلى قياس حالة ممارسة الأعمال التجارية، وما يلحق بها من حماية لحقوق الملكية، وذلك بهدف تشجيع العمل التجاري، ومؤشر التنافسية الدولي الصادر عن "المنتدى الاقتصادي العالمي" الذي يقارن ما بين 138 اقتصاداً محاولاً تحديد مفاصل الإنتاجية لتلك الاقتصادات.
وإذا ما قارنا هذه الممارسات الإدارية والمؤشرات بمفهوم البصمة المؤسسية الذي تم عرضه، فنرى أنها تبتعد عنها في أمرين أساسين: الأول، أن اعتماد معايير ثابتة لقياس نجاح المؤسسة، وتشخيص حالتها، لا يناسب دائماً الحاجات المتغيرة لمؤسسات الوقت الحاضر، فما يشكل أولوية لمؤسسة ما اليوم، ربما يصبح أمراً ثانوياً غداً، وهكذا دواليك تبقى هذه المعادلة في تغيّر مستمر. والأمر الثاني، أن البصمة المؤسسية كما تم تحديدها هي حالة خاصة ومتفردة لكل مؤسسة، ومن هذا المنطلق، فإن مقارنة المؤسسات انطلاقاً من مفاهيم مشتركة لا يمثل الحل الأوحد المتاح.
ويُعتبر السؤال الجوهري هنا: كيف يمكن للمؤسسات الاستفادة من مفهوم البصمة المؤسسية؟
كيف يمكن للمؤسسات الاستفادة من مفهوم البصمة المؤسسية؟
البداية تكون بتوثيق البصمة الخاصة بالمؤسسة
حيث أوضحت جيل مورن في كتابها "من الأفضل جعلها حقيقية: خلق الأصالة في عالم يتزايد فيه الوهم" (Better Make It Real: Creating Authenticity in an Increasingly Fake World)، أنه يجب على المؤسسات أولاً اكتشاف البصمة الأصيلة الخاصة بها، والحرص على جعلها قريبة من المواقع إلى أقصى حد ممكن، وهذه ليست بالمهمة اليسيرة، إذ تحتاج إلى إطار عمل واضح، وكذلك إلى عمليات محددة، مع التزام قوي لفريق العمل المعني بالتنفيذ. وفي السياق ذاته، قام هال ماكلين برفقة فرانك ميلون بتسهيل هذه المهمة على المؤسسات، من خلال اقتراح مجموعة من المواضيع باعتبارها من عناصر الثقافة المؤسسية المؤثرة على أداء المؤسسة، وتشكل مكونات البصمة المؤسسية التي يجب العمل دائماً على تقويتها، وهي تتنوع كالمهارات القيادية، ومهارات حل المشكلات، والتطوير التنظيمي، وغيرها. في كل الأحوال، على قيادة المؤسسة أن تعتمد مجموعة خاصة من المعايير المكونة لبصمتها المؤسسية، وذلك من واقع خبرتها، مع مراعاة خصوصية العمل، وبالاستفادة من أكبر كم من المدخلات المتوفرة.
الخطوة الثانية تكون بتحديد المستويات المرغوبة لكل مكون من مكونات البصمة المؤسسية
وهذا يختلف عن الطريقة التقليدية لوضع مؤشرات الأداء. حيث لا يشترط أن يكون الأداء المرتفع في كل مكون هو الأفضل، فمثلاً ترى بعض المؤسسات عدم إعطاء أولوية لزيادة عدد المتعاملين والحفاظ على المتعاملين الحاليين أفضل للمؤسسة، لأن ذلك يتناسب مع معطيات البصمة المؤسسية الخاصة بها، كذلك تفضل مؤسسة ما تقليل عدد الخدمات المتاحة إلكترونياً، وهذا عكس التوجه السائد حالياً، لكنه ربما يكون مناسباً لمؤسسة نقلت أعمالها مؤخراً إلى سوق لا يتاح به الدفع الإلكتروني. إضافة إلى ذلك، فإن المستويات المرغوبة لمكونات البصمة المؤسسية لا يُشترط أن تحقق قراءات ذات توجّه سواء أكان متزايداً، أم متناقصاً، أم ثابتاً، وإنما يمكن أن ترتفع في سنة وتنخفض في السنة التالية مثلاً، وذلك يعتمد على المتغيرات المستجدة.
وهذا ليس كل شيء، هناك فوائد أُخرى يمكن جنيها من البصمة المؤسسية، فالمؤسسات تتشابه عادة على الورق، وذلك عند إعداد الخطط أو حصر وتصنيف الخدمات، أو تحديد طبيعة النشاط والشكل والحجم، ولكن البصمة المؤسسية تجعلها مختلفة من خلال العناصر غير الملموسة، وعبر التحليل العميق للمؤسسة وممكناتها الأساسية. فمثلاً، تمّكن البصمة المؤسسية الإدارة من تقرير الحلول المناسبة عند الاستعانة بجهات استشارية خارجية، وتفادي نسخ النماذج الجاهزة التي عادة ما تحاول بعض هذه الجهات تطبيقها.
أخيراً، تستفيد المؤسسات من الاستخدام السليم للبصمة المؤسسية في تحقيق الكفاءة، وذلك بتوزيع الموارد بشكل سليم وفق الاحتياجات الفعلية للمؤسسة، وبالتالي تقليل الهدر بشكل ملحوظ، كذلك فإن أثر الأعمال التطويرية عادة ما يكون ظاهراً ومباشراً نظراً إلى أنه جاء استجابة لحاجات أساسية وواقعية.