كيف تستعد للعودة إلى المكتب؟

6 دقائق
العودة للمكاتب

في الأسابيع المقبلة، مع تراخي قيود الحجر الصحي قليلاً، ستبدأ الشركات حول العالم بإعادة موظفيها إلى مكاتب العمل. وعلى الرغم من توق البعض للخروج من المنازل، فإن عدداً لا بأس به من الموظفين ما زالوا يشعرون ببعض الخوف. وإذا كنت منهم، فأنت لست وحدك. إذ قال 70% من أكثر من 1,000 موظف شاركوا في دراسة استقصائية أجرتها شركة "بي دبليو سي" (PwC) أن هناك عدة عوامل تجعلهم غير راغبين في العودة إلى العمل، حيث عبر 51% منهم عن أن أهم ما يخشونه هو التقاط العدوى. أما بالنسبة للآخرين، كانت مخاوفهم تشمل استخدام وسائل النقل العامة وعدم امتلاك حل يمكن الاعتماد عليه فيما يخص رعاية الأطفال أو الدراسة من المنزل. فماذا عن العودة للمكاتب بطريقة آمنة؟

المخاوف المتعلقة بموضوع العودة للمكاتب

هذه المخاوف ليست مفاجئة، وهي منطقية. وعلى الرغم من أن العمل من المنزل قد أثبت صعوبته، فإن الانتقال مجدداً للعودة إلى العمل في المكاتب قد يكون أكثر صعوبة. وأحد أسباب ذلك هو طريقة أدمغتنا في فهم التغيير غير المتوقع. عندما انتقلنا إلى العمل من المنزل منذ عدة أشهر، كان لدينا عدد من الحالات السابقة التي تمكنت من تقديم الإرشادات التوجيهية لنا. وكان التوصل إلى طرق لتحويل غرف الطعام في منازلنا إلى مكاتب، والطوابق السفلية إلى قاعات دراسية أمراً جديداً علينا. من المنطقي أن نشعر بالضياع في غير المألوف، ومع ارتفاع مستوى الأدرينالين اكتشفنا أننا نملك إمكانات كثيرة وقدرة كبيرة على الابتكار، واستطعنا التكيف في نهاية المطاف. وحتى عندما يكون الابتكار مدفوعاً بالضغوطات أو الضرورة، فهو يبدو مجزياً أغلب الأحيان. وحين نتمكن من التغلب على أمر لم نقم به من قبل قط، نشعر بشيء من الفخر، ليس بالنتائج فقط، وإنما بالتغلب على خوفنا وعدم خبرتنا فيه.

اقرأ أيضاً: كيفية إنهاء المنافسات بين أقسام الشركة بشكل دائم

لكن، عندما نعود إلى العمل، سنختبر العودة إلى المألوف. يوجد في أدمغتنا ما يسمى وضع التحكم الذاتي، وهو عبارة عن الطرق المختصرة التي صنعناها لمساعدتنا على إنجاز المهمات الروتينية بأقل جهد ذهني ممكن. ولهذا السبب يمكنك قيادة سيارتك إلى العمل من دون أن تتذكر الطريق الذي مررت به على الإطلاق. لكن عندما تعود إلى العمل في المكتب، إذا عاد دماغك إلى نسخة التحكم الذاتي الخاصة بالروتين المألوف، فسيصبح الواقع الجديد عائقاً له، وستشعر عندئذ أنك "تائه في المألوف". وستجد أن المكان الذي تركن فيه سيارتك، وإجراءات فحص حالتك العامة، وموقع مكتبك، والوقوف على مسافة مترين من الآخرين في الطابور للحصول على فنجان قهوة، وارتداء معدات الحماية الشخصية، هي بعض من الممارسات التي ستأتي مخالفة لما يتوقعه دماغك. قد يستغرق دماغك عشر ثوان فقط للتأقلم، لكن التغيير يتطلب طاقة ذهنية هائلة، وقد تقوم به عد مرات في اليوم على مدى الأسابيع القليلة الأولى من عودتك.

الطرق التي تساعد على تقليل التوتر والتأقلم مع العودة للمكاتب

ومن أجل الاستعداد للانتقال المتمثل بعودتك إلى العمل في المكتب، أقترح بعض الطرق التي تساعد على تقليل التوتر والتأقلم بأقصى سرعة ممكنة.

1. راقب توترك قبل العودة للمكاتب

قد تشعر برغبة في إخفاء توترك بشأن العودة إلى العمل، والتظاهر بالثقة والإيجابية في وجه كثير من الأمور غير المألوفة. أو قد تكون غير مدرك لدرجة ظهور قلقك عليك. انتبه إلى درجة قلقك بشأن العودة إلى العمل، بغض النظر عن رغبتك في إظهاره أو إخفائه. والأهم، تحدث إلى أحد ما بشأنه. إذا لم يكن بإمكانك التحدث إلى مديرك، فحاول التحدث مع أحد الموظفين في قسم الموارد البشرية، أو فكر باللجوء إلى مدرب أو معالج مختص.

يمكن أن يؤدي القلق الذي نسيء التعامل معه إلى عواقب غير مرغوب فيها على صحتك وعلاقاتك المهمة على حد سواء. على سبيل المثال، قد يتحول توترك إلى صعوبة في النوم أو إفراط في الشهية، أو قد تتمسك بالقوانين على نحو صارم من أجل استعادة شيء من إحساسك بالسيطرة. في إحدى المؤسسات التي أعمل معها، كانت امرأة تشعر بالقلق من عودتها إلى العمل لدرجة أنها أخذت على عاتقها مراقبة التزام الجميع بارتداء معدات الحماية الشخصية، ما تسبب بإزعاج مفهوم لمن وجهت تنبيهاتها لهم. مهما كان شكل شعورك بالاستياء، يجب أن تتحكم بطريقة إدراكك له ومعالجته.

2. تحلّ بالصبر والمرونة أكثر

يجب أن تتوقع تغير الإجراءات التي تتبعها شركتك مع مرور الوقت. وسيتطلب الحصول على معلومات جديدة وتغيير الشروط، من خلال التجربة والخطأ، من شركتك التكيف السريع في بعض الأحيان. لذا، تعامل مع توقعاتك بالصبر والمرونة، كي لا تنفعل أو تتوتر كلما تغير أمر ما. حاول ألا تفسر التغيير على أنه نتيجة "عدم معرفة الشركة ما تفعل"، لأنه غالباً يكون علامة إيجابية على تقبل المؤسسة للتعلم وإجراء التحسينات، حتى إذا اضطرت للقيام بهما على نحو سريع أثناء العمل.

سيستمر دماغك على الأغلب بالبحث عن خيارات التحكم الذاتي للأعمال الروتينية المألوفة، وقد تندهش بمدى سرعته في إنشاء الطرق المختصرة. لكن يجب أن تنتبه جيداً لضرورة ألا تستسلم للراحة بسرعة. مثلاً، تم تحديد موعد بدئك بالعمل وتغييره أكثر من مرة، وبعد تكيفك مع الموعد المحدد أخيراً بثلاثة أيام تغير الموعد مجدداً. في هذه الحالة، سيكون استياؤك أقل إذا ضبطت توقعاتك مسبقاً.

اقرأ أيضاً: كيف تعيد توزيع جلوس الموظفين في المكاتب لزيادة الإنتاجية؟

وأخيراً، كن متعاطفاً مع مديرك، وخصوصاً إذا كنت مستاء منه حالياً. ضع في حسبانك أنه يمر بضغط إضافي يتمثل بالتعامل مع انتقاله إلى جانب مساعدتك على التعامل مع انتقالك. إلى أن نعلم ما ينجح وما لا ينجح لإبقاء الموظفين سالمين ومنتجين ونتكيف معه، يجب على الجميع اتباع تدابير إضافية للوقاية والتعامل بمرونة أكبر. كن على ثقة أن الأمور ستصبح أسهل عندما يتعلم الجميع معاً.

3. اعمل على إدارة التوقعات

غالباً ما نشكل افتراضات حول الآخرين كي نتمكن من التعامل براحة أكبر مع الغموض الذي نواجهه. وكلما ازداد الغموض في الأمور من حولنا أصبحت افتراضاتنا أسرع وأكثر تجرداً. سواء كنت تقود الآخرين أو كنت مساهماً مفرداً، هذا كله ينطبق عليك. وقد لا يتطابق ما أنت قادر عليه فعلياً وما تحتاج إليه وما تفكر فيه مع ما يستنتجه الآخرون عنك. لذا، استبق الافتراضات الخاطئة عن طريق التعبير عن رأيك عند الحاجة، والعثور على طريقة صادقة محترمة تدافع بها عن نفسك. إذا كنت تعاني من مشاكل في تأمين الخدمات اللوجستية الخاصة برعاية الأطفال أو تدريسهم في المنزل، أعلم رئيسك بذلك، وإذا استدعى الأمر اطلب زيادة مرونة جدول عملك. وإذا شعرت بأنك غير آمن من الناحية الصحية، عبر عن مخاوفك بأسلوب لطيف مراع لا يوحي بالمطالبة والاستحقاق.

إذا كنت قائداً، فسيفترض مرؤوسوك أنك تملك جميع الأجوبة عن أسئلتهم حول السياسات والإجراءات المتبعة، وقد تطرح عليك أسئلة ليس لها أجوبة مرضية. لذا، سيكون تعلم تقديم أجوبة صادقة أساسياً لإظهار القيادة الجيدة. يجب أن تنبه الموظفين مسبقاً لأي تغيرات وشيكة تسمع عنها، وأن تتيح لموظفيك معرفة ما تفعله كي يبقوا على اطلاع بما يحدث. وعن طريق إدارة توقعات الآخرين بفاعلية، ستساعد على ضمان ألا تصبح هذه التوقعات عراقيل في وجه عملية الانتقال المعقدة أساساً.

4. كن مصدراً للفرح

إحدى أفضل الطرق لجعل عملية الانتقال أكثر سلاسة هي العثور على سبل لجعلها أفضل للآخرين. خض في نقاشات تولد السرور في قلوب أفراد فريقك. تقيم إحدى المؤسسات التي أعمل معها ممارسة أسبوعية تتمثل في مشاركة الموظفين "عثراتهم المضحكة" في محاولاتهم للعمل من المنزل، بالإضافة إلى الأشياء التي "أسعدتهم بصورة غير متوقعة" في العمل من المنزل. ويمكن تطبيق هذه الممارسة في أي مكتب، فالقصص المضحكة والملهمة تعزز روح المجتمع. لذا، انتبه على وجه الخصوص للموظفين الذين يستمرون بالعمل من المنزل، فلربما بدؤوا يشعرون أنهم معزولون أو يخشون من تفويت الفرص التي يتيحها الحضور الشخصي إلى العمل. أظهر لهم حساسيتك من خلال اتخاذ خطوات إضافية لتضمن أن يشعروا بأنهم على اتصال بزملائهم وينتمون إليهم. وذلك سيسعدهم.

اقرأ أيضاً: كيف تشجّع الموظفين "النجوم" على العمل في بيئة تعاونية؟

في مكان العمل، اعثر على طرق مبتكرة تحل محل الأمور الروتينية الحدسية التي تعودتم عليها فيما سبق، كالأحضان والمصافحة. عندما ينسى الموظفون عن غير قصد اتباع إجراءات الحماية الشخصية أو لا يتمكنون من السيطرة على أنفسهم عندما تعود أدمغتهم لوضع التحكم الذاتي، حاول أن تتعامل مع الأمر بلين ولطف وأن تضحك معهم بشأنه لا أن تتعامل معهم بغضب. إذا لم تكن العلاقات وثيقة بين أفراد فريقك، اغتنم فرصة الانتقال من أجل بناء مستويات أعلى من الثقة والزمالة بينهم. لن يمكنك القيام بهذه الأمور من القضاء على التوتر الناجم عن محاربة الجائحة، لكن ستصبح معركتك معها أقل ترهيباً إذا أدخلت السرور إلى نفوس الآخرين، وبالتالي إلى نفسك أنت أيضاً.

5. ابق مركزاً على القصة الأكبر

إن الانتقال إلى الوضع الطبيعي الجديد سيكون مثقلاً بعوائق وفرص مجهولة، وسيكون معظمها خارج عن السيطرة. أضف إلى ذلك أن كلاً منا سيرى الانتقال بطريقته، وكل منا لديه أيام جيدة وأخرى سيئة خاصة به تختلف عن أيام الآخرين. لكن يمكننا إدارة ردود فعلنا تجاه عمليات انتقالنا، وإدارة طريقتنا في دعم الآخرين في عمليات انتقالهم. وعندما تبدو عملية الانتقال محبطة مثلاً، ستكون مهمتك هي استعادة الأمل.

جرب هذا السؤال: "بعد عام من الآن، إذا سألني أحدهم عن التغير الإيجابي الذي شهدته على المستوى الشخصي نتيجة لتجربة الانتقال في زمن "كوفيد-19"، كيف سأجيب؟" بغضّ النظر عن الصعوبات التي واجهتها، يجب عليك أن تقرر كيف ستشكل شخصيتك الجديدة بعدها. فكر بهذه الاحتمالات كل يوم، واسمح لها بتعزيز الأمل عندما تحتاج إليه.

تذكر أننا نمر بفترة غير مسبوقة من التاريخ، وهذه الجائحة ستغير العالم بطرق لم نفهمها بعد. ويمثل ما سنواجهه من أمور مجهولة في المستقبل فرصاً مذهلة، ويجب على كل منا تحديد الدور الذي سيمارسه في القصة التي سنعيشها حينئذ. في كثير من اللحظات من هذه القصة الملحمية، أخذت كلمة "معاً" معان جديدة تماماً، وستأخذ معنى جديد آخر عندما نخوض في عملية الانتقال عند العودة للمكاتب في الشركات. ما هو الدور الذي ستمارسه كي تحمّلها معنى استثنائياً؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي