هل فكرت يوماً ما إذا كان استخدام الألوان في الأنشطة الإدارية يتم بطريقة عشوائية؟ أم أنه منظم ويتبع نمطية معينة؟ سنقوم بهذا المقال الإجابة عن هذا التساؤل، وذلك لتوفير طيف واسع من إرشادات استخدام الألوان في الممارسات الإدارية.
يعتمد علم نفس الألوان على مفهوم أن اللون يمكن أن يؤثر على السلوك البشري، وذلك من خلال تحريضه انطباعات ومشاعر محددة، وكل من الألوان الأساسية يمكن أن تثير استجابات مختلفة. ونرى تطبيقات علم نفس الألوان بكثرة في حياتنا اليومية وذلك في إشارات المرور واللوحات الإرشادية والمتاجر والمطاعم والمواقع الإلكترونية بل وحتى في المستشفيات والمدارس وغيرها، بل أن بعض الدول ذهبت أبعد من ذلك، حيث قامت مدينة غلاسكو في اسكوتلندا بتغيير لون مصابيح الإنارة في الشوارع إلى اللون الأزرق وذلك في مسعى إلى تخفيض عدد الجرائم وحالات الانتحار في المدينة، وقد كانت النتائج أن معدل الجريمة قد انخفض بشكل ملحوظ في المناطق المنارة باللون الأزرق، كذلك حذت اليابان حذو اسكوتلندا وذلك بإنارة أحد الشوارع باللون الأزرق ووجدت أن عدد الجرائم قد انخفض بحوالي 9%.
من الواضح أن استخدام الألوان بشكل واعٍ هو ممارسة راسخة بدرجة كبيرة في مختلف القطاعات، وعلى عكس ما يعتقد البعض فإن استخدام الألوان في النظريات الإدارية وكذلك الأعمال التطبيقية وأنشطة إدارة الأعمال هو أمر شائع ومتكرر، لنستعرض معاً أبرز هذه الاستخدامات:
التسويق بالألوان
لعل أول ما يتبادر للذهن من فروع الإدارة هو التسويق، فنلاحظ أن الشركات تقوم باختيار لون شعارها بعناية ليساعد في توليد الانطباع المرغوب عند الجمهور المستهدف، وهذا لم يأتي من فراغ وإنما أُثبت في تجارب وأبحاث عديدة، ففي بحث منشور في المجلة الأكاديمية المحكمة (Marketing Theory) تم إجراء تجربة لمعرفة كيف يمكن للّون وحده أن يحقق قيمة فورية للعلامة التجارية، حيث طلب من المشاركين تقييم علامات تجارية لشركات تقدم خدمات وسلع وهمية ووجدت الدراسة أن الشعارات ذات اللون الوظيفي (كالأزرق والأسود والأخضر) قد حصلت على تقييم أعلى عندما كانت تقدم منتجات وظيفية يمكن استخدامها في الحياة اليومية، بينما حصلت الشعارات ذات الألوان العاطفية (كالأحمر والبنفسجي والأصفر) على تقييمات أعلى عندما قدمت منتجات أو خدمات ذات بعد اجتماعي مرتبطة بالمشاعر والأحاسيس، ومن هنا تقوم معظم الشركات حالياً باختيار ألوان شعاراتها بعد أن تقوم بتحديد المنتجات التي ستقدمها.
الأمر لا يقتصر على لون الشعار فقط، بل أن العديد من المؤسسات تقوم باختيار لون أو مزيج من الألوان يتناسب مع نشاطها التجاري وتستخدمه في موقعها الإلكتروني أو المطبوعات أو الحملات التسويقية أو أغلفة المنتجات وغيرها. وتعتمد عادة هذه المؤسسات على قواعد أساسية في استخدامات الألوان في عالم الأعمال يمكن اختصارها كالتالي:
اللون | الانطباع |
---|---|
الأزرق | النزاهة، الثقة، الاحترافية |
الأحمر | الطاقة، الجاذبية، الشغف |
البرتقالي | الابتكار، المخاطرة، المغامرة |
الأصفر | السعادة، المتعة واللعب |
الأخضر | الاستدامة، البيئة، الشفاء |
البنفسجي | الإبداع والاختراع |
الأسود | الجدية، السلطة، التحكم |
الأبيض | البساطة، النظافة، السلام |
الرمادي | العصرية، الاتزان، الحياد |
الذهبي | الرفاهية، الجودة |
مهارات التفكير
إن استخدام الألوان في أنشطة التسويق والإعلان ما هو إلا بداية لاستخدامات أخرى في مجالات الإدارة، فرائد التفكير الإبداعي إدوارد دي بونو استخدم الألوان لوضع منهجيته المشهورة "قبعات التفكير الست"، والتي تستخدم لتحفيز عملية التفكير بشكل فردي أو ضمن فريق العمل للخروج بحلول ناجعة للمشكلات أو القضايا قيد النقاش، وكل قبعة من القبعات الست لها لون مختلف وترمز إلى نمط مختلف من أنماط التفكير، فالقبعة البيضاء ترمز لعرض الحقائق كما هي، والقبعة الصفراء ترمز للإيجابية والفوائد، أما السوداء فترمز إلى إطلاق الأحكام وعرض التحديات والمخاطر، بينما القبعة الحمراء فتناقش المشاعر والأحاسيس، والخضراء تميل إلى طرح أفكار جديدة، أما الزرقاء فتعمل على إدارة عملية التفكير والتأكد من أن العمل يتم باحترافية ومهنية. وكما نلاحظ هنا أن ديبونو استخدم الألوان بشكل يتطابق مع نظرية سيكولوجيا الألوان، ومع استخدامات الألوان في الأنشطة التسويقية كما ذكرنا أعلاه.
إدارة الأداء
لو قفزنا من مهارات التفكير وحل المشكلات إلى إدارة الأداء فنلاحظ وجود ثلاثة ألوان رئيسة دائماً ما يتم استخدمها للدلالة على حالة الأداء ومستوى الإنجاز، فاللون الأحمر لمؤشرات الأداء مثلاً يدل على أنها تعاني من مشكلة وأن الإنجاز أقل من المستوى المتوقع، أما اللون الأصفر فيدل على مستوى إنجاز قريب من المستهدف، بينما الأخضر فإنه يوصل رسالة أن الأهداف قد حُققت وأن الأداء يسير في الطريق الصحيح، من الواضح أن الأخضر والأصفر والأحمر قد تم استعارتها من ألون الإشارات الضوئية لأنها تدلنا متى نسير، نتمهل، ونقف. وإذا ما أردنا جعل نتيجة القياس أكثر وضوحاً يمكن أن نضيف طيفاً من درجات الألوان الثلاثة إلى تقارير الأداء بحيث يصبح طيف اللون أقرب إلى اللون الأخضر الأساسي كلما اقتربت النتائج المحققة من المستهدف وهكذا لبقية الألوان، وهذا أيضاً يتماهى مع ما يُتبع في بعض الدول بخصوص ألوان الإشارات الضوئية، حيث يُمزج اللون الأصفر مع البرتقالي واللون الأخضر مع الأزرق لمساعدة الأشخاص المصابين بعمى الألوان على الرؤية بوضوح أكبر، والملاحظ هنا أن استخدامات الألوان في إدارة الأداء لا يتطابق مع نظرية سيكولوجيا الألوان أو الاستخدامات السابقة.
الاستراتيجية
وصل استخدام الألوان أيضاً إلى مجال الإدارة الاستراتيجية وأوضح مثال يمكن ضربه في ذلك هو ما يعرف باستراتيجية المحيط الأزرق واستراتيجية المحيط الأحمر، حيث عرّف كل من الأستاذين في "المعهد الأوروبي لإدارة الأعمال (إنسياد)" شان كيم ورينيه ماوبورن في كتابهما المشترك "استراتيجية المحيط الأزرق" بأن المحيط الأزرق يرمز إلى إنشاء أسواق جديدة وقطاعات خالية من المنافسة تتمتع بها المؤسسات المبادرة بحجم طلب كبير وتحصل على أرباح ضخمة، بينما المحيط الأحمر يرمز إلى وجود عدد كبير من المنافسين في قطاعات اقتصادية قائمة وتقليدية يتسابقون إلى حصص أكبر من السوق، حيث كمية الطلب محدودة. ويأتي اختيار اللونين الأحمر والأزرق من تخيل تحول لون المياه إلى أحمر نتيجة كمية لدماء المسالة فيها بسبب تناحر المتنافسين وما يلحقونه ببعضهم من خسائر، بينما مياه المحيط النظيفة هي زرقاء وعميقه حيث الفرص وإمكانية التوسع والنمو.
الاقتصاد الحديث
أصبحنا في يومنا هذا قادرين على التفريق بين بعض فروع الاقتصاد الحديثة من خلال اللون، فهناك الاقتصاد الأخضر الذي ينشغل بتحقيق المساواة الاجتماعية والرفاهية لبني البشر كما ويحاول الحد من استنزاف الموارد الطبيعية، أما الاقتصاد الأزرق فيُعنى بحسن إدارة وحماية الموارد المائية والبحار والمحيطات بشكل مستدام، وهناك الاقتصاد البنفسجي الذي يحث الشركات على اعتماد مبادئ المسؤولية المجتمعية وتحقيق التنمية المستدامة، ويمكننا أيضا أن نعرّج هنا على الاقتصاد الأسود وهو جزء غير رسمي من الاقتصاد لا يتم التصريح عنه لاحتوائه على أنشطة غير مشروعة أو بهدف التهرب من الضرائب. وقد تم اختيار ألوان فروع الاقتصاد بما يتناسب مع الموضوع الذي تهتم به، وليس اعتماداً على الانطباعات التي يتركها كل لون في عقول المتلقين.
أسواق المال
كثيراً ما نسمع عند مطالعة اخبار أسواق المال والأسهم غلبة اللون الأخضر أو اللون الأحمر، حيث يشير اللون الأخضر إلى ارتفاع قيمة أسهم الشركات المدرجة اما اللون الأحمر فيدل على انخفاض قيمة الأسهم في تعاملات البيع والشراء بينما استخدام اللون الأبيض أو الأزرق فيدل كل منهما على أن قيمة السهم بقيت كما هي لم تتغير عن التعاملات السابقة. وهذا شبيه إلى حد ما بنظام الألوان المستخدم في مؤشرات الأداء، ولكن مع اختلاف تفسير كل لون وذلك لعدم وجود مستهدفات محددة يتم العمل على تحقيقها في أسعار الأسهم.
المصطلحات الإدارية
لعل أكثر مكان يمكن أن نجد فيه استخداماً للألوان في مجال الإدارة بعد التسويق هو في المصطلحات والمفاهيم الإدارية، ويعتبر القسم الخاص بالمفاهيم الإدارية الذي أطلقته مؤخراً هارفارد بزنس ريفيو العربية مصدراً غنياً لتلك المصطلحات، ولا مجال طبعاً في هذا المقال لسرد الألوان المستخدمة ولكن يكفي أن اشير إلى شيوع استخدام ألوان مختلفة لمصطلح واحد بناء على حالة حدوث المقصود بهذا المصطلح كنظرية البجعة السوداء التي طورها نسيم طالب ونشرها في كتاب يحمل نفس الاسم وهي باختصار تعني الأحداث غير المتوقعة البتة والتي تسبب عند حدوثها أثراً كبيراً كالابتكارات المزعزعة والهجمات السيبرانية الضخمة، والبجعة الرمادية للإشارة إلى أحداث قليلة الحدوث ولكنها متوقعة إلى حد ما، أو اختبارات الصندوق الأبيض، الأسود، والرمادي والتي تستخدم لفحص الأنظمة والبرامج. كما يمكن أن يتم فرز المصطلحات الإدارية حسب اللون دون أن يكون هناك صلة بينها، فلو أخذنا اللون الذهبي على سبيل المثال نجد مصطلحات مستخدمة في الإدارة والأعمال مثل: الإوزة الذهبية والمطرقة الذهبية والقاعدة الذهبية والدائرة الذهبية والقيد الذهبي وغيرها، ولكل من هذه المصطلحات معنى مستقل فلا يوجد ارتباط بينها على الرغم من استخدام اللون الذهبي في تسميتها جميعاً.
تقسيم الموظفين
أصبحت ألوان الياقات التي يلبسها الموظفون معياراً للتفرقة بينهم على حسب طبيعة عمل كل منهم، حيث نجد ما يعرف بأصحاب الياقات الذهبية وذلك للدلالة على الموظفين الذين يملكون خبرات متخصصة ومعرفة كبيرة ونوعية بشؤون العمل، وأصحاب الياقات البيضاء وذلك للدلالة على الموظفين الذين يقومون بأعمال إدارية ومكتبية، وأصحاب الياقات الزرقاء للدلالة على الموظفين الذي يؤدون أعمال ميدانية تتطلب مجهوداً بدنياً، أما أصحاب الياقات الوردية فهم الموظفين الذي يعملون في وظائف خدمة الزبائن أو يكونون على اتصال مباشر مع المتعاملين. ويمكن أن نرجع اختيار الألوان هنا إلى الدور الذي يقوم به الموظف، فاختيار اللون الأبيض للموظفين الإداريين للدلالة على أن أعمالهم لا تتطلب مجهود بدني وأن ثيابهم ستبقى نظيفة، بينما اللون الأزرق للدلالة على المجهود البدني والعمل الميداني للموظف وذلك لأن الآثار لا تظهر على اللون الأزرق بسهولة، ولكن هذا لا ينفي أن اللونين الذهبي والوردي لا يتبعان نفس المنهجية في التسمية.
مما سبق نلاحظ الاستخدام المتعدد للألوان في أنشطة الإدارة، وكذلك المهام المتعددة التي يمكن استخدام الألوان فيها سواء في التأثير النفسي على المستهلكين، أو للتقسيم والتفرقة بين حالات مختلفة، أو لعكس مضمون الموضوع قيد الدراسة. كما نلاحظ أيضاً عدم الاتساق في استخدام الألوان بشكل عام حيث أن بعض الممارسات تتواءم مع نظرية سيكولوجيا الألوان وبعضها تتجاهلها بشكل كامل أو جزئي. من الملاحظات المهمة أيضاً أن تأثير الألوان وتفسيرها يختلف باختلاف العمر والجنس والثقافة والمنطقة الجغرافية، وقد اخذت القطاعات الأخرى ذلك بالاعتبار ولكن في الإدارة للأسف ما زالت مراعاة هذه الاختلافات تتم بطريقة عشوائية وغير مدروسة.