ملخص: إن إدارة الموظف الفوضوي محبطة وتسبب توتراً كبيراً، ويجب عليك معالجة أسلوبه هذا إذا كان يضر بإنتاجية الفريق ومساعدته على إدراك أثر فوضويته؛ ربما يسبب تجاوز ميزانية المشاريع باستمرار، أو يولّد ضغط عمل كبيراً على زملائه، أو يشوه صورة الشركة أمام العملاء، سيساعده توضيح تبعات فوضويته بالتفصيل على فهم أهمية مواكبة الاجتماعات وجداول المواعيد والرسائل الإلكترونية. تحدث إلى الموظف عن طرق إصلاح الوضع أيضاً، ومن المفيد أن توضح له الطرق التي تتبعها في تنظيم عملك، مثل وضع قائمة الأعمال الواجب أداؤها في المشروع وطريقة ترتيب الملفات وتصنيفها ومراجعتها. وأخيراً، تحلّ بالصبر، فلا وجود للحلّ السريع وسيستغرق الموظف بعض الوقت لتنظيم نفسه.
إدارة موظف فوضوي هي تجربة تثير الغضب، كيف تستطيع دفع مرؤوسك المباشر الذي يبعثر أشياءه في كل مكان إلى اتباع أساليب منظمة أفضل؟ كيف ستوضح له أهمية مواكبة الاجتماعات وجداول المواعيد والرسائل الإلكترونية؟ وهل من الممكن أساساً مساعدة شخص على التغلب على طبيعته الفوضوية؟
رأي الخبراء
سيصيبك الإحباط والتوتر إذا عملت على إدارة موظف فوضوي حتى وإن لم تكن شخصاً مرتباً جداً ومكتبك نظيف دوماً وقائمة أعمالك منظمة بدقة. تقول مؤلفة كتاب "كيف تستثمر وقتك كما تستثمر المال؟" (How to Invest Your Time Like Money)، إليزابيث غريس سوندرز، إنك لن تطمئن أبداً أنه بدأ العمل بالفعل أو أنه سيتمكن من تسليمه في موعده، لذلك ستشعر بالقلق، وتوضح أنه سيصعب عليك استيعاب فكرة أن يعمل شخص بهذه الطريقة، وأن أحد أهم أسباب غضبك وإحباطك منه هو اختلاف أسلوبه هذا عما تعرفه واعتدته. سيكون من الضروري معالجة هذه المشكلة على الرغم من صعوبتها، تقول الأستاذة في كلية هارفارد للأعمال والمؤلفة المشاركة لكتاب "أمسك بزمام الأمور: الضرورات الثلاثة لتصبح قائداً عظيماً" (Being the Boss: The 3 Imperatives for Becoming a Great Leader)، ليندا هيل، إن هدفك يتمثل في التعبير عما يحتاج إليه فريقك وما تحتاج أنت إليه بوصفك مديراً كي تضمن أن يكون العمل منتجاً وفعالاً قدر الإمكان. إليك بعض الاستراتيجيات المفيدة.
تمعّن في حجم المشكلة
تقول هيل إن أول خطوة هي توضيح سبب مشكلة الفوضى وأثرها، ويمكنك البدء من التمعن في مظاهرها: هل ترى أكوام الورق في كل مكان؟ هل يعجز الموظف عن تسليم العمل في موعده المحدد؟ هل يتأخر على الاجتماعات دائماً؟ ثم فكر في تأثير سلوك الموظف في أداء الفريق، اسأل نفسك: هل يؤدي أسلوب هذا الموظف إلى توليد نتائج سلبية أم أنه أسلوب مختلف فحسب؟ تقترح هيل ألا تتدخل في أسلوب عمل الموظف إن كان بالإمكان الاعتماد عليه ولو كان فوضوياً، وتوافقها سوندرز أيضاً، وتقترح أن تنظر في المسائل التي يمكن التفاوض عليها والتي لا يمكن التفاوض عليها، مثل الفوضى التي تعمّ مكتب الموظف، فهي غير مهمة في أغلب الأحيان بغضّ النظر عن انزعاجك منها.
كن متعاطفاً
تقول هيل إن الخطوة الثانية هي التفكير في السبب الأساسي لهذا السلوك: هل كان الموظف فوضوياً بهذه الصورة منذ البداية؟ أم أن هذا السلوك جديد؟ احرص على أن تكون متعاطفاً ومتفهماً، فأنت لا تعرف ما يواجهه الموظف من صعوبات كي يكون منتجاً. من الممكن أن يكون الموظف مصاباً باضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD) أو يعاني مشكلة أخرى تزيد عليه صعوبة ترتيب أشيائه وعمله، وتقول سوندرز إنك إذا تعاطفت معه فستتمكن من التعامل معه من دون الحكم عليه أو لومه. أدرك على الأقل أن الترتيب ليس ميزة يتمتع بها الجميع، وقد يكون سهلاً بالنسبة لك ولكنه في غاية الصعوبة بالنسبة لغيرك. سيكون لقليل من التواضع أثر كبير، لذلك تذكّر أنك لست كاملاً أيضاً.
تحدث إلى الموظف
تقول سوندرز إن عليك التدخل إذا كان سلوك الموظف يضر بإنتاجية الفريق، ساعد الموظف على فهم أثر الفوضى وتبعاتها، ربما كانت فوضويته سبباً لتجاوز ميزانية أحد المشاريع في الشركة، أو زيادة ضغط العمل على زملائه في الفريق، أو ربما كانت تشوه صورة الشركة أمام عملائها. تحدث إليه عن الطرق الممكنة لإصلاح الوضع، يمكنك أن تقول مثلاً إنك تفضل أن ينهي العمل قبل موعد التسليم إن كان من الأشخاص الذين يفضّلون تأجيل العمل حتى اللحظة الأخيرة. توصي سوندرز بأن تقول أشياء مثل: "إن كان موعد التسليم هو يوم الخميس، وسلمتني المشروع في الساعة 11 من مساء اليوم نفسه فسأصاب بالتوتر لأني لن أتمكن من تقديم ملاحظاتي لك. لذلك من الآن فصاعداً أود منك إرسال المشروع صباح الأربعاء كي أتمكن من مراجعته وتعديله إن استدعت الحاجة". تذكر أنك المدير، وتتمتع بصلاحية تحديد قواعد العمل.
شارك أفضل الممارسات
يمكنك مساعدة مرؤوسك المباشر بتقديم نموذج يمكنه الاقتداء به، تقترح سوندرز أن توضح له الطرق التي تتبعها لتنظيم عملك، مثل وضع قائمة الأعمال الواجب أداؤها في المشروع وطريقتك في ترتيب الملفات وتصنيفها ومراجعتها. فلربما أوحيت له الاستعانة بأشياء بسيطة لم تخطر بباله من قبل. من الأمور التي يجب ألا تنساها هي أن الشخص الذي لا يحسن ترتيب مكتبه يتمتع بقدرات بصرية بدرجة أكبر وبالتالي فهو يجيد التعامل مع المخططات الورقية أو السبورة البيضاء أكثر من جداول برنامج إكسل. يمكنك حث أفراد الفريق على مشاركة أفضل الممارسات فيما بينهم ولكن من دون مبالغة، فعلى الرغم من فائدة المشاركة يجب ألا تفرض هذه الممارسات على الجميع، فأدمغتنا مختلفة ويجب أن يتاح قدر كافٍ من المرونة.
قدِّم النصيحة المهنية
توصي سوندرز بأن تخاطب الموظف الفوضوي من منطلق الحرص على منفعته الذاتية لا توبيخه، فمساعدته على فهم الفائدة التي سيجنيها من تحسين هذا الجانب من أسلوبه في العمل ستولد لديه الرغبة في التغيير، وتشير إلى أن الموظف الفوضوي يضطر عادة إلى تعويض التأخير بالعمل لساعات إضافية، ولذلك يجدر بك توضيح حرصك على ألا يؤذي نفسه بذلك. تقول هيل أيضاً إنه بإمكانك الإشارة إلى أثر الفوضى في نظرة الآخرين إليه: اطلب منه أن يفكر في الصورة التي يرسمها عن نفسه لدى الآخرين، فحتى إن كان الموظف قادراً على إنجاز عمله بطريقة عشوائية، فمن الممكن ألا يحتمل زملاؤه الفوضى. تقترح هيل أن تستعين بتعبير المكتب الفوضوي كاستعارة، يمكن أن تقول شيئاً من قبيل: "عندما ينظر زملاؤك وعملاؤك إلى مكتبك غير المرتب فسيعتقدون أنك مغرق بعمل يفوق طاقتك، وليس من مصلحتك أن يروك بهذه الصورة".
جزّئ المهام
تقول هيل إن إحدى أهم الميزات الشائعة بين الموظفين الفوضويين هي عدم القدرة على توزيع وقتهم على مهام محددة، أي أنهم لا يستطيعون ترتيب المهام حسب الأولوية لأنهم لا يعرفون من أين يجب أن يبدؤوا. إن كان ذلك ينطبق على مرؤوسك المباشر فتقترح سوندرز أن تعلمه طريقة تقسيم مهامه إلى أجزاء صغيرة، وأن تعمل معه في بداية المشروع على وضع خطة على لوح أبيض توضح المراحل الرئيسة والأهداف والنتائج المرجوة التي تساعده على إدارة المشروع.
تحلّ بالصبر
أخيراً، يجب أن تدرك أنه لا يتوفر حل سريع لهذه المشكلة، تقول سوندرز: "رأيت الكثير من الأشخاص يحرزون تقدماً في مشكلة الفوضى، ولكنه صعب ويستغرق وقتاً طويلاً". لا تتعجل مع الموظف الفوضوي لا سيما إن كان يحاول أن يحسّن نفسه، بل قدّر جهده واحتفل بإنجازاته، وتؤكد سوندرز أن عليك الإشادة به حين يحضر دون تأخير أو يسلم العمل في الموعد المحدد.
مبادئ عليك تذكُّرها
ما ينبغي لك فعله
- حدد تأثير صعوبة التنظيم التي يعانيها الموظف في أدائه.
- وضح له أن تحسين قدرته على التنظيم يصبُّ في صالحه المهني.
- أبد التعاطف، فأنت لا تعرف ما يواجهه الموظف من صعوبات كي يكون منتجاً.
ما ينبغي لك تجنّبه
- التراخي، بل ساعد الموظف على فهم أثر الفوضى وتبعاتها.
- عدم الإفصاح عن استراتيجيات التنظيم التي تتبعها، بل وضح له ما تفعله كي تتمكن من متابعة موظفيك خطوة بخطوة.
- قلة الصبر، إذ يستغرق إحراز التقدم وقتاً طويلاً، لذلك احرص على أن تقدّر جهود الموظف وتحتفل بإنجازاته.
دراسة حالة رقم 1: ساعد الموظف على فهم أثر فوضويته وقدم له نصيحة مهنية
إيمي براكيو هي شريكة في شركة إرنست آند يونغ غلوبال متخصصة في إدارة المخاطر، وأشرفت على عدة موظفين فوضويين على مدى سنوات عملها
تميز منهم شخص سنسميه زاك. تقول إيمي: "ظهرت فوضوية زاك في عدم قدرته على تنظيم جدول مواعيده، وبالنتيجة كان يخيب أمل زملائه في الفريق وعملائه بسبب إلغاء الاجتماعات في اللحظة الأخيرة أو تفويتها بصورة مفاجئة وعدم القدرة على تلبية المواعيد النهائية".
كان زاك ذكياً ولديه إمكانات كبيرة ولكن عدم قدرته على الحضور عند الحاجة إليه محبطة ومخيبة لآمال إيمي وزملائه، تقول إيمي: "على الرغم من إيماني الشديد بموهبته وذكائه وقدرته على الإبداع في حل المشكلات فقد أصبح معروفاً بأنه لا يمكن الاعتماد عليه وهو غير قادر على تنفيذ العمل على نحو منظم".
بعد التفكير في المشكلة عرفت إيمي أن عليها التحدث إلى زاك مباشرة، وحرصت في محادثتها معه على أن يفهم بوضوح أثر سلوكه على الشركة، وقالت له إن عدم إمكانية الاعتماد عليه يعيق بناء علاقات جيدة مع العملاء ويعطل إنتاجية الفريق، كما وضحت له أن فوضويته هذه تضر بعلامته التجارية الشخصية.
ثم انتقلت إلى أسلوب حلّ المشكلات وناقشت معه طرق معالجة هذه المشكلة، تقول: "ركزنا على ممارسات القيادة المتبعة في المؤسسة، ومنها أفضل الطرق للاستفادة من المساعد التنفيذي ومن دعم بقية أفراد فريقه في أثناء الاجتماعات. أعتقد أنه قدّر الملاحظات الصريحة التي قدمتها له".
سارت المحادثة على نحو جيد وبدأ زاك تطبيق بعض الممارسات التي ناقشها مع إيمي.
ولكن بعد فترة وجيزة قررا أن هذا الدور ليس مناسباً له، وأن مكامن قوته تتوافق مع دور آخر ضمن المؤسسة.
تقول إيمي: "عمل زاك في دوره الجديد على تكييف طرق عمله على نحو يتيح له الاستفادة من دعم الآخرين بدرجة أكبر وتمكن من اكتساب سمعة حسنة بين زملائه وعملائه".
دراسة الحالة رقم 2: احرص على إبداء التعاطف تجاه الموظف والاستعداد لتدريبه
روزي بيريز هي مديرة الشؤون المالية لتخطيط الأعمال الاستهلاكية العالمية والتحليلات في شركة أميركان إكسبرس، وتستذكر فترة في بداية حياتها المهنية حين كان أحد مرؤوسيها المباشرين فوضوياً للغاية.
عيّنت روزي هذا الموظف، ولنسمّه آرون، من خارج المؤسسة، تقول: "بعد تعيينه ببضعة أسابيع لاحظت أنه لم يتمكن من تلبية مواعيد التسليم وكان يضيع المعلومات ويبدو مشوشاً عموماً".
ظنت روزي في البداية أن ذلك لأنه ما زال يتعلم طرق العمل في الوظيفة الجديدة ويتعرّف على أسلوب التعامل مع الشركة، وهذه مرحلة صعبة، ولكن بعد عدة أشهر بدأت فوضويته تؤثر في قدرة الفريق على إنهاء المشاريع بكفاءة، فأدركت أنه بحاجة إلى التوجيه.
توضح روزي صعوبة الموقف عليها: "لم أكن واثقة من قدرته على تسليم النتائج التي نتفق عليها في الموعد المحدد، أو من أنه سيتمكن من تسليمها أساساً، كما أنه جعلني أشعر بالذنب تجاه العبء الذي يثقل به كاهل بقية أفراد الفريق".
حين تحدثت إلى آرون عن المشكلة أبدت تعاطفها وأوضحت له أنها إلى جانبه: "قلت له إن القدرة على التنظيم ليست أمراً فطرياً يتمتع به الجميع، وأنا منهم، ووضحت له أني احتجت إلى بعض الوقت لاكتشاف أساليب التنظيم التي تناسبني، ولكن ما إن توصلت إليها لاحظت فوائدها الهائلة".
كما خاطبت في حديثها روح الفريق التي يتحلى بها آرون لمساعدته على فهم أهمية تنظيم نفسه: "أخبرته أن حماسه الشديد لتسلم مشاريع جديدة ومزيداً من العمل يسعدني، وأنه سيستفيد من اعتماد هيكلية محددة لجداول المشاريع الزمنية وتخصيص ما يكفي من الوقت لمراجعة العمل والتفكير فيه بعد كل خطوة".
عملت روزي مع آرون على مناقشة طرق وضع الجداول الزمنية المفصلة وخطط تنفيذ المشاريع التي توضح المراحل الرئيسة، وإضافة وقت هامشي إلى جدول العمل من أجل المراجعة والتفكير والتخطيط، وتحديد مواعيد لاجتماعات المراجعة الدورية معها كي تساعده على تجاوز العقبات قبل فوات الأوان.
لم يكن الأمر سهلاً وواجه آرون عدة عثرات ولكنه في نهاية المطاف أبدى تحسناً فعلياً، تقول روزي: "أقول بفخر إنه أحرز تقدماً عزز جودة عمله وأسلوبه إجمالاً.
يستغرق تغيير سلوك متأصل فينا وقتاً طويلاً، ولكنه ممكن، والأهم هو أن علينا بوصفنا قادة القيام بواجبنا في تدريب زملائنا من خلال الملاحظات الواضحة البنّاءة".