مع توسع الشركات على الصعيد العالمي، يزداد إيفاد المدراء التنفيذيين في مهام خارج البلاد، وتكمن الفكرة من ذلك في نشر المواهب والخبرات والمعرفة من المقرات الرئيسية إلى المكاتب الخارجية، والعكس أيضاً. ووفقاً لتقرير صادر عن شركة "برايس وتر هاووس كوبرز" (PwC)، وعن كلية "كرانفيلد للإدارة"، تصل تكلفة هذه الانتقالات إلى حوالي 311 ألف دولار سنوياً.
إذاً لماذا مهمات الإيفاد إلى الخارج سيئة؟
غالباً ما ترجع أسباب إخفاق المهمة إلى عدم قدرة الشريك أو الأسرة على التأقلم مع البيئة الجديدة، إذ تبين أن 80% من الأشخاص ينتقلون مع أزواجهم أو أسرهم. ووفقاً لدراسة استقصائية من شركة "جي بي آر إس" (BGRS) للموارد البشرية، تعتبر المشاكل الأسرية أهم ما يدفع المدراء التنفيذيين للتخلي عن المهمات الخارجية، بما في ذلك مسائل تتعلق بمهنة الزوج، وصعوبات تعليم الأولاد، ونوعية الحياة، والافتقار للدعم العملي.
ومع ذلك، وبعد سبع سنوات من العمل مع موفدين خارج البلاد وجدت أنه في معظم الحالات يمكن تجنب العديد من هذه المشكلات، إذ يكمن الأمر المحوري هنا في إدراك أن الانتقال إلى خارج البلاد عملية متعددة المراحل تبدأ باتخاذ القرار، ثم الاستعداد، ثم الانتقال، وأخيراً الاستقرار، وكل من هذه المراحل تتطلب نهجاً منظماً.
اتخاذ قرار الانتقال
من الضروري معرفة ما إذا كان هناك رغبة واهتمام لدى شريكك أو أسرتك في الانتقال، ومدى التزامهم به، ومن الضروري أيضاً أن يفكر الطرفان ملياً وبجدية في العواقب المحتملة بأقرب فرصة ممكنة. لذا، يتعين عليك أيها المدير التنفيذي اتخاذ قرار إما بالذهاب أو البقاء يعتبر خياراً حقيقياً للأسرة، آخذاً في الاعتبار حجم التغيير إذ يختلف الانتقال من أمستردام إلى بروكسل كثيراً عن الانتقال من أمستردام إلى قوانغتشو في الصين.
وبعد ذلك، عليك التركيز على إيجابيات كل خيار بديل وسلبياته، مع توضيح كل الآثار المترتبة على مهنتك ومهنة زوجك وعلى الأولاد أو الأسرة الأوسع وشبكة معارفك الاجتماعية والداعمة لك، ثم حاول توقع تأثير التغييرات على ديناميات الأسرة وناقشها، مثل التحول من زواج يعمل فيه الزوجان إلى زواج يعمل فيه أحد الزوجين فقط ويبقى الآخر في المنزل، أو استخدام مربية أطفال بدلاً من الجدة التي كانت تؤدي مهمة جليسة الأطفال. هذه المناقشات لن تبلور فقط قرارك بقبول المهمة أو رفضها، بل ستساعدك أيضاً على تحديد التوقعات وتجنب الاستياء لاحقاً.
التحضير للانتقال
حدد أهم الخيارات الواجب عليك اتخاذها، مثل التوقيت والسكن وشبكة الدعم والتعليم المدرسي، وفكر في كيفية جعل الموقع الجديد "بيتاً" لكل فرد من أفراد الأسرة. يجب عليك أيضاً الاعتراف بتحديات الانتقال وأن تكون صريحاً فيما تتضمنه اختياراتك من مقايضات، على سبيل المثال، يسهم وضع الأطفال في المدارس المحلية في رفع مهاراتهم اللغوية، إلا أنه سيجعل تكيفهم صعباً في البداية. أما عندما يتعلق الأمر باختيار المنزل، وسِّع نطاق خياراتك، ثم حددها: منزل أم شقة؟ استئجار أم شراء؟ كم حجمه؟ في المدينة أم الريف؟ بمجرد أن تصبح أنت وشريكك وأطفالك على وفاق، ابدأ في البحث عن بعد.
يمكنك أيضاً البدء في بناء نظام الدعم الجديد الخاص بك قبل الذهاب، ويشمل ذلك مؤسسات رعاية الطفل، والرعاية الصحية، والأعمال الروتينية مثل البرامج والأنشطة، والتواصل مع الأفراد من أصدقاء أو زملاء أو مقدمي الرعاية والمدرسين والأطباء ومقدمي الخدمات الأخرى. بالإضافة إلى هذه الأساسيات، قد تحتاج إلى دروس في اللغة أو إرشاد توجيه مهني، ويجب عليك أيضاً دراسة وجهتك من حيث الثقافة والتاريخ والشعب والحياة اليومية ضمن البلد الذي ستتجه إليه. بالإضافة إلى ذلك، لا ضير من التواصل مع مؤسسات العمالة الوافدة والمنتديات من أجل الإحالة والمشورة حول التعامل مع الاحتياجات العملية، مثل العثور على طبيب أطفال زيارات منزلية، أو فهم قواعد تدوير النفايات.
تحتاج إلى معرفة ومناقشة مدى تواجدك خلال هذه الفترة الانتقالية. إن كان العمل سيُنهكك في الأشهر القليلة الأولى، فيجب على الجميع التخطيط لذلك.
الانتقال
عند مغادرتك البلاد لا بد من أن تترك انطباعاً جيداً، لكي تعود مستقبلاً دون أدنى مشكلة، ويفضل تحديد وقت لوداع من تحبهم، وأسس جسوراً للتواصل من الخارج، من الجيد إرسال التفاصيل الجديدة للاتصال بك أو قدّم أجهزة لوحية وبرنامج للتواصل مع الأجداد، أو أنشئ مجموعات على وسائل التواصل الاجتماعي للتواصل، وأسس مدونة للأسرة.
ابقَ دائماً على تواصل مع زوجتك وأطفالك. يجب عليكم باعتباركم عائلة تخصيص الوقت لبعضكم والبقاء على اتصال ليكون هناك مساحة للتعبير عن مدى المتعة أو القلق أو الأمل أو المخاوف في هذه التجربة. كذلك، تأكد من أن الجميع في صحة جيدة من ناحية أنهم يأكلون جيداً وينامون بما يكفي ويمارسون التمارين الرياضية، ويحصلون على ما يكفي من الراحة. وتذكر أنه من غير المعقول أن تقضي يومك في حزم الأغراض أو تفريغها أو معالجتها، لذا اذهب للتمشي أو زر الأصدقاء أو احصل على بعض الترفيه، وإن شعرت أن أحداً من أسرتك في ضيق، ففكر بالحد الذي بلغته خلال تنفيذ عملية الانتقال.
الاستقرار
وحتى إن كنت كثير الانشغال في العمل، فاعلم أن الأسرة ينبغي أن تأتي أولاً في الأشهر القليلة الأولى الحساسة. عليك أن تبدي انتباهاً لاحتياجاتهم وتتفهمها، عليك تفقد أحوالهم، والتأكد من تقديم الدعم لهم، استمع وتعاطف وتواصل، وانتبه خاصة إلى أنهم قد يمرون في تجربة انتقال مختلفة عن تجربتك.
وبما أنك شخص موفد من شركتك، ستكون على دراية بثقافة هذه الشركة، وقد تكون على معرفة مسبقة ببعض الزملاء. أما عائلتك وأطفالك، فقد يشعرون بعزلة أو صدمة ثقافية أكبر، وقد يكون تدبر أمورهم الحياتية أصعب عليهم. فإذا قدمت زوجتك تضحيات مهنية للانتقال معك، قدِّر ذلك لها وابحث عن مصادر تساعدها في العثور على هدف جديد وإنجاز جديد.
وإذا كان لديك أطفال، فيجب أن تكون لهم الأولوية، وساعدهم على تفريغ حاجاتهم وأنشئ لهم مساحة جديدة في المنزل الجديد، ورافقهم إلى مدرستهم الجديدة وسجّل لهم في أنشطتهم المفضلة بحيث تؤسس بعض الروتين لهم على الفور، وحافظ على الطقوس أو ضع طقوساً جديدة، مثل تناول البيتزا ومشاهدة فيلم في مساء يوم الجمعة أو لعب البولينج في عطلة نهاية الأسبوع، ما يوفر لهم الاستقرار والراحة.
وأخيراً، وسّع شبكتك الاجتماعية، واستمتع بالخروج والاستكشاف والتحدث مع الجيران، أو انضم إلى نادٍ رياضي أو مؤسسة للعمالة الوافدة أو رابطة المعلمين والآباء، مع المحافظة على تواصلك مع العائلة والأصدقاء في بلدك من خلال المكالمات العادية والدعوات للزيارة. سيكون لكل من مجموعتي العلاقات، الجديدة والقديمة، دورها في تحسين تجربة الانتقال للجميع.
ورغم أنه لا شيء يسهّل انتقال الموفد خارج البلاد، فإن اتباع هذه الخطوات الأربع بمنهجية سيحسن كثيراً من فرصتك في تحقيق النجاح خلال مهمتك.