كيف تحظى بفرص عمل أكثر بعد التخرج؟

4 دقائق
shutterstock.com/janews

وأخيراً تخرجت، لكن أين الوظيفة؟ 

سؤال ملح يطرحه العديد من الشباب والفتيات حديثي التخرج في بلادنا العربية، وكأن أحداً ما وعدهم بالتوظيف بمجرد الخروج من باب الجامعة، أو كأن مخيلتهم أوحت إليهم أن الشركات والمؤسسات تنتظر تخرجهم بفارغ الصبر لتسند إليهم المهمات المختلفة.

قد يفيدنا الرجوع بالزمن قليلاً إلى الوراء لفهم أحد جوانب المشكلة، أعني قبل خوض الدراسة الجامعية تحديداً. فالجامعات تفتح لك أبوابها لتدرس ما تهوى وتختار من تخصصاتها الكثيرة، فيظن الطالب أن سوق العمل سيعامله بنفس الأسلوب ويفتح له ذراعيه بمجرد تخرجه ليختار المكان الذي يناسبه أو يرغب في العمل فيه. وما قد يفاقم هذا التصور أنّ القبول في جامعة محددة والسماح لك بدراسة تخصص معين قد يسبقه تقييم نتائج آخر عام قضيته في المدرسة إضافة إلى اختبارات الدخول الخاصة بالجامعة وشروط الانتساب للكلية. وحين يُقبَل الطالب في الجامعة والكلية التي سعى للالتحاق بها تجد الفرحة بادية عليه وعلى من حوله – وهو أمر مبرر بالكامل – لكن الأزمة أنه يشعر وكأنه وصل إلى أمله المنشود أو كاد أن يحقق ما يصبو إليه، ولم يتبق عليه سوى بذل الجهد والتعب بضع سنين في دراسته ليصل إلى هدفه الكبير ويعمل في المجال الذي طالما حلم به منذ أن كان طفلاً صغيراً.  

وعند الانتهاء من الدراسة، وبعد فرحة حفل التخرج، يبدأ اكتشاف الواقع المر والإحساس تدريجياً بتلك الغصة في الحلق وأن الأمور ليست بتلك البساطة، وأن تحقيق ذلك الحلم الكبير ما زال دونه هضاب ووديان.

كما قد يغيب أحياناً عن ذهن الطالب وذويه أنّ التقدم للجامعات عادة ما يكون أسهل من التقدم للشركات والوظائف لسبب بسيط، ألا وهو أنك أنت الذي تدفع المال للجامعات في نهاية المطاف مقابل خدماتها التعليمية، أما الشركات فهي التي تدفع لك المال مقابل خدماتك المهنية، وبالتالي فهي تستثمر فيك وتبغي ربحاً حقيقياً من وراء ذلك.

إذاً، كيف يمكنك استثمار سنوات دراستك الجامعية لإثبات نفسك في سوق العمل وزيادة فرصك في الحصول على وظيفة بعد التخرج؟

خلال دراستك الجامعية، أبق أقربائك ومعارفك على اطلاع بالتطورات الإيجابية والإنجازات المتعلقة بك وبدراستك (علامات متميزة أو مشروع تخرج أو مادة أعجبتك أو مقالة قرأتها أو تقرير كتبته أو فريق انضممت إليه أو مسابقة خضتها أو مبادرة ساهمت فيها). احرص على تدوين أي شيء تحرزه في هذا الإطار، واجعل أخبارك قصصاً ترويها أينما ذهبت وكن مستعداً متى ما سألك أحدهم عن حالك أو عن دراستك (خلال المناسبات العائلية والزيارات الموسمية وتكوين صداقات جديدة والحديث مع الزملاء...). بمعنى آخر، لا تكتف بالإجابات العامة أو المبهمة، بل اجعل شغفك يظهر في ثنايا حديثك، وبذلك تشدّهم وتُبقي سيرتك وأخبارك في أذهانهم أطول مدة ممكنة، بل سيتذكرونك إذا مرت بهم فرصة سانحة وسيكونون مسرورين لمساعدتك في تحصيلها.

ابدأ في السنة الأخيرة قبل التخرج (أو ما قبلها) في تأسيس وجودك الإلكتروني المهني على المنصة أو المنصات المناسبة (لينكد إن ويوتيوب وإنستغرام أو سواها) لتبدأ في البروز أمام العاملين ممن سبقوك في مجال تخصصك، ولتبدأ في نسج العلاقات والروابط بينك وبينهم، ولتتعلم منهم ما ينفعك ويساعدك في تحقيق حلمك. لا تستخف بالأمر، فهو يأخذ وقتاً حتى تجني ثماره وتأخرك فيه ليس في صالحك أبداً.  

تجاوز نقص الخبرات الحالي واجعل تفكير صاحب العمل ينصب على القيمة التي يمكنك تقديمها لمؤسسته في قادم الأيام. من المعروف أن حديث التخرج لا يملك من الخبرات الشيء الكثير، وأن توظيفه لا يتم أصلاً على أساس ذلك لافتقاده لها وانشغاله في تحصيله العلمي. العنصر الآخر في المعادلة عند حديث التخرج هو ما يمكن أن نطلق عليه "القدرات الكامنة"، وهي تعكس المهمات التي يخمّن صاحب العمل أن بإمكانك إنجازها بكفاءة مقبولة بناء على شيء لاحظه فيك أو أمر فعلته سابقاً. لذا فلا تنفق وقتك في الحديث عن خبراتك المحدودة خلال مقابلة التوظيف ولا تضيع مساحة واسعة من سيرتك الذاتية لتسهب فيها ما لم تكن حقاً تملكها لظرف خاص بك. ركز أكثر على الأنشطة التي قمت بها في كليتك والمشاريع التي ساهمت فيها وما كنت تفعله في أوقات الفراغ سواء بعد الدراسة أو في الصيف، ما يمكن أن يعكس جانباً إيجابياً عنك وعن شخصيتك، كما في الجدول التالي:

حوّل فترة التدريب قبل التخرج إلى فرصة عمل دائم. ينظر كثير من الطلاب إلى فترة التدريب على أنها مجرد متطلب جامعي للتخرج، لا على أنها قد تكون فرصة حقيقية لتكوين علاقات مهنية مفيدة وأنها قد تقود إلى عرض عمل مجز. يشير جون كولمان، المؤلف المشارك لكتاب "الشغف والغاية" (Passion and Purpose)، إلى عدد من الأمور التي يساهم القيام بها أثناء فترة التدريب في زيادة فرص حصولك على عرض عمل دائم:

  • احرص على الانتظام في الحضور والمشاركة في الاجتماعات وتأدية ما يعهد إليك به على أتم وجه.
  • لا تجلس وتعبث بهاتفك منتظراً من أحد أن يطلب منك شيئاً تعمله، قم واعرض القيام بمهمات إضافية أو تلك التي يتملّص منها غيرك، وحاول إنجازها بتميز، فهكذا يبقى اسمك محفوراً في ذاكرة الموظفين ويرغبون في أن تكون جزءاً حقيقياً من فريقهم، لا مجرد متدرب عابر.
  • حاول العثور على إجابة عندما تعترضك مشكلة وكوّن تصوراً مبدئياً للحل المقترح، وذلك قبل الذهاب إلى مرشدك أو الموظف المسؤول عنك لسؤاله. فهذا سيعزز صورتك كشخص ناضج قادر على التعامل مع التحديات بنفسه، وليس عبئاً إضافياً على من حوله.
  • لا تندمج في عملك وتنسى أنك محاط بموظفين قد يفيدك التعرف عليهم وبناء علاقات معهم. ادعُهم إلى الغداء معاً أو اطلب مقابلتهم خارج ساعات الدوام للتعرف على طبيعة العمل وأسس النجاح الوظيفي في الشركة أو المهنة التي هم فيها. فقد يكون لأحدهم اليد الطولى في توظيفك سواء في ذات الشركة أو سواها.

اضبط توقعاتك حول وظيفتك الأولى! فعلى الأغلب:

  • ستكون عادية جداً، لا تحديات فيها ولا مشاريع كبرى.
  • لن تبدأ براتب كبير أو حتى مقبول، وقد يكون أدنى من معدل السوق لأمثالك.
  • سيكون التحدي الأكبر متمثلاً في أن "تحزر" كيفية بناء مهارات العمل الخاصة بك، لأن صاحب العمل لن يستثمر فيك مقدماً وهو لا يعلم عنك شيئاً أكثر من سيرتك الذاتية الهزيلة (لا يغرّنك مجموع علاماتك الرائع، فلعل هذا هو السبب الوحيد لخوض تجربة توظيفك لا أكثر).
  • ستمضي بضع سنين على هذه الحال قبل أن تبدأ رحلة التميز الخاصة بك. فالخريجون الجدد من أمثالك يسدّون الأفق من كثرتهم وليس هناك أسهل من العثور عليهم وتوظيفهم. فلا تنتظر التقدير قبل أوانه ولا تتعجل ترك عملك الأول دون داع حقيقي.

وفي الختام، فلا مناص من الاعتراف بأن عصر الوظيفة الواحدة الممتدة عبر الزمان في طريقه إلى الأفول، وأن ما أوردناه في السطور السابقة ليس إلا دليلاً هادياً سينفعك في اقتناص فرصتك في أول الطريق. أما بعد ذلك، فينبغي أن يكون لتنقلاتك من عمل إلى آخر استراتيجية تشبه ما يفعله رواد الأعمال المخضرمين في رحلة كفاحهم الطويلة نحو التألق والنجاح، وهو ما سنتناوله في مقال مقبل عما قريب.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي