لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد مجال تخصصي في علم الحاسوب، فقد استخدم عمالقة التقنيات الذكاء الاصطناعي لسنوات من أجل تحديد فرص تعلم الآلة، حيث تشغل خوارزميات تعلم الآلة عروض المنتجات في موقع "أمازون"، وخرائط "جوجل"، والمحتويات التي تعرضها برامج "فيسبوك"، و"إنستغرام"، و"تويتر"، في مزودات وسائل التواصل الاجتماعي. ولويليم غيبسون قول مأثور ينطبق جيداً على اعتماد الذكاء الاصطناعي: "إنّ المستقبل هنا بالفعل، لكنه لم يُوزع بالتساوي فقط".
تواجه الشركات المتوسطة العديد من التحديات مع بدء استخدامها لتعلم الآلة، تتضمن هذه التحديات النقص في علماء البيانات. ولكن ما يُعد بنفس الأهمية أيضاً هو نقص الموظفين التنفيذيين وغير الفنيين القادرين على تحديد فرص الذكاء الاصطناعي للتعلم. وتحديد هذه الفرص لا يتطلب شهادة دكتوراه في علوم الإحصاء، أو حتى القدرة على كتابة شيفرة. لكن عليك الانتباه بأنه يتطلب رحلة عودة قصيرة إلى منهاج الجبر في المدرسة الثانوية.
اقرأ أيضاً: كيف تتم محاربة فيروس كورونا عبر البيانات الكبيرة؟
يعد التمتع بالحدس حول كيفية عمل خوارزميات تعلم الآلة، حتى بالمعنى العام، مهارة مهمة في عالم الأعمال. فعلماء تعلم الالة لا يمكنهم العمل من فراغ، إذ يتوجب على أصحاب العمل أن يساعدوهم في تحديد المشاكل التي تستحق الحل، وتعيين خبراء بالموضوع ليستخلصوا كل معرفتهم بمسميات لمجموعة البيانات، وتقديم ملاحظات حول الإنتاج، وتحديد أهداف نجاح الخوارزميات.
كما كتب أندرو نغ: "تتم العمليات الحديثة في مجال الذكاء الاصطناعي في إطار واحد، حيث تستخدم بعض مدخلات البيانات من نوع (أ) لتولد بعض الاستجابات البسيطة من نوع (ب).
ولكن كيف يعمل الذكاء الاصطناعي؟ لنعد بذكرياتك إلى رياضيات المدرسة الثانوية وأعدك أنّ ذلك سيكون مقتضباً، عندما تعلمت في بادئ الأمر معادلة الخط المستقيم: (ب+ ج س=ع). تبين لك معادلة كهذه العلاقة بين المتغيرين (س) و(ع). في مادة الجبر ضمن المدرسة الثانوية أخبروك بقيمة (ب) و(ج)، وهي قيم المدخلات (س)، ثم طُلب منك التعويض بهم في المعادلة لتجد قيمة (ع). في هذه الحالة، أنت بدأت بالمعادلة ثم حسبت قيم معينة. والتعلم المُتابع يعكس هذه العملية، فيوجد قيمة (ب)، (ج)، معطياً مجموعة من قيم (س) وقيم (ع). وفي التعلم المُتابع، تبدأ بعدة خواص (البيانات)، ثم تستنتج المعادلة العامة. ويعني جزء التعلم بأنك قادر على تعديل المعادلة كلما وجدت مجموعات قيم (س)، و(ع)، وذلك بتغيير انحناء الخط بشكل يتناسب مع البيانات. لا تحدد تقريباً المعادلة العلاقة بين (س)، و(ع) بدقة 100%، لكن القاعدة العامة قوية، حيث يمكنك استخدامها لاحقاً لحل المعادلات الجبرية باستخدام بيانات جديدة. وبمجرد أن تجد المنحنى الذي يحدد العلاقة الرياضية بين (س)، و(ع) بشكل موثوق، سيمكنك التكهن بالقيمة المقابلة لـ(ع) إذا ما أعطيت قيمة جديدة لـ(س).
اقرأ أيضاً: في الموارد البشرية لا وجود لما يسمى "بيانات ضخمة"
يمكنك التصور بأنّ العديد من مسائل تعلم الآلة الهامة لا يمكن اختزالها إلى معادلة بسيطة مثل: (ب+ ج س= ع). لكن في جوهر خوارزميات تعلم الآلة المُتابع، يمكنها أن تحلّ نسخاً معقدة لـ(ب) أيضاً، اعتماداً على قيم معطاة لـ(ع)، و(س)، وبذلك يمكنهم التنبؤ بقيم (س) من قيم (ع) في المستقبل. فإذا ما خضعت لدروس في علوم الإحصاء، أو عملت بالتحليل التنبؤي، ستبدو جميعها مألوفة وهذه هي الفكرة وراء الانحدار الخطي الذي هو أبسط أشكال التعلم الخاضع للإشراف.
بالعودة إلى عبارة "إن جي" يتطلب التعلم المُتابع منك معرفة أمثلة عن قيم (ع)، وقيم (س). فإذا كانت لديك تلك القيم، سيمكنك التعلم المُتابع من الخروج بمعادلة تقارب تلك العلاقة، لذلك يمكنك في المستقبل أن تخمن قيمة (س) لأي قيمة جديدة لـ(ع).
لذا عند السؤال حول كيفية تحديد الفرص تبدأ بما هي النتائج الجديرة بالتخمين؟، وهل نملك البيانات الضرورية للقيام بالتعلم المُتابع؟
كمثال، دعنا نقول بأنّ عالم بالإحصاء كُلف بمهمة تخمين أسعار العقارات في الجوار. بعد تحليل البيانات، فوجد عالم الإحصاء أنّ سعر الإسكان (س) مرتبط بإحكام بجحم المنزل (ع). لذلك سوف يستخدم عدة نقط بيانية تتضمن السعر والحجم، مستخدماً الإحصاء لتقدير قيمة المنحنى (ج)، ومن ثم يستخدم المعادلة (ب+ ج س=ع)، للتنبؤ بسعر المنزل المُعطى بناء على حجمه. هذا هو الانحدار الخطي ومازال يعمل بشكل كبير.
اقرأ أيضاً: فريقك ليس بحاجة لعالم بيانات من أجل القيام بالتحليلات البسيطة للبيانات
تستخدم المؤسسات تقنيات مماثلة للتنبؤ بمبيعات المنتجات في المستقبل، ومخاطر المحافظ الاستثمارية، وتعاملات الزبائن. ومرة أُخرى، تتميز إحصائيات ما وراء الخوارزميات المختلفة بالتعقيد. وتستنتج بعض التقنيات تنبؤات بنقط بسيطة (كالتوقع بأننا سنصل إلى النتيجة ع)، وتستنتج تقنيات أُخرى سلسلة من التنبؤات المحتملة مع معدّلات ثقة مرتبطة بها (هناك 70% ثقة بنسبة 70% للحصول على (ع)، لكن إذا غيرنا افتراض واحد، تهبط الثقة إلى 60%).
كانت تلك جميع الأمثلة لمسائل الاحتمالات، لكن التعلم المُتابع يُستخدم أيضاً للتنصيف.
تتمحور مهام التنصيف حول تجميع البيانات في باقات. هنا عالم بيانات يبحث عن خاصيات في البيانات كعبارات موثوقة تمثل الفئات التي يسعى إلى فصلها.
إذا تمتعت البيات بالخاصية (س)، فإنها تنتمي للباقة (1)، وإذا لم تملك تلك الخاصية، فإنها تذهب للباقة (2)، ومازال بإمكانك استخدام مجموعة قيم (س) للتنبؤ بقيم (ع)، لكن في هذه الحالة (س) ليست رقم بل نوع.
تستخدم المؤسسات خوارزميات التصنيف للتخلص من الرسائل غير المرغوب بها، ولتشخيص التشوهات عبر الأشعة السينية، وتحديد المستندات المتعلقة بالدعاوى القضائية، وفرز السير الذاتية للعمل، ولفصل الزبائن. لكن تظهر قوة التنصيف عندما يزداد عدد الصفوف. فيمكن للتنصيف أن يتجاوز الخيارات الثنائية ليشمل العديد من الباقات المختلفة.
وتُعتبر مهام الاستيعاب مثل تدريب الحاسوب على استيعاب الأشياء بالصور، هي أيضاً من مهام التصنيف، فهم لديهم العديد من صفوف النتائج ( مثال: أسماء أنواع الحيوانات المتنوعة) عوضاً عن الباقة (1) والباقة (2) فقط. ولعل ما يجعل أنظمة التعلم المُتابع تبدو أذكى مما هي عليه في الحقيقة، هو افتراضنا أنّ قدرتهم على تعلم المفاهيم تعكس قدرتنا. وفي الحقيقة، تلك الأنظمة تجمع البيانات في باقات فقط (1)، (2)،(3)...ن، وفقاً لـ(ج) المُلقنة في المهمة.
كيفية تحديد فرص تعلم الآلة
كل ذلك يبدو نظرياً حتى الآن. فكيف يمكننا تطبيقه في الواقع ، وتعلم كيفية تحديد هذه البنى الرياضية في حياتك اليومية؟
هنا لدينا بضعة طرق يمكنك من خلالها تحديد ما إذا كانت المهمة تعرض فرصة تعلم متابع مناسبة.
دوّن ماذا تفعل في عملك، ثم وزع نشاطاتك إلى ما يلي:
أشياء تقوم بها بشكل يومي أو بشكل منتظم مقابل أشياء تقوم بها بشكل متقطع. وأشياء أصبحت فطرية مقابل أشياء تتطلب تداولاً صبوراً أو العديد من الأفكار. وأشياء تعتبر جزءاً من عملية مقابل أمور تقوم بها بنفسك.
بالنسبة للأمور التي تؤديها بشكل منتظم، بنفسك، وتشعر بأنها تلقائية، حدد كم عدد الأشخاص الذين يقومون بنفس المهام في مؤسستك، وكم عدد الأشخاص الذين يقومون بها اعتماداً على التواريخ.
تفحص طبيعة المهمة. هل تتضمن التنبؤ بشيء ما أو تجميع أشياء ضمن فئات؟
اسأل نفسك: إذا كان 10 من زملائك في المؤسسة انجزوا المهمة، هل سيوافق الجميع على الإجابة؟، إذا لم يتفق البشر على شيء ما، فيما إذا كان صحيحاً أو خاطئاً، فلا يمكن للحواسيب تحويل الحكم إلى أنماط إحصائية بشكل موثوق.
ابحث كم مضى على هؤلاء الأشخاص في المؤسسة، وهم يقومون بأشياء مشابهة لهذه المهمة؟
إذا كانت المدة طويلة، فهل سجلت المؤسسة رقماً قياسياً للمهام المكتملة؟، إذا كان الجواب نعم، يمكن استخدامها كمجموعة بيانات تدريبية لخوارزمية التعلم المتابع. وإذا كان الجواب لا، ربما تحتاج للبدء بجمع هذه البيانات اليوم، ومن ثم يمكنك إبقاء الأشخاص في مجموعات للتدرب على الخوارزميات مع الوقت.
اجلس مع فريق علماء البيانات، وأخبرهم عن المهمة، امضي بهم في عملية الأفكار
أخبرهم عن ماهية المعلومات التي تركز عليها عندما تتم مهمتك. هذا سيساعدهم على تحديد ما إذا كانت الأتمتة ممكنة، واستخلص ماهية البيانات التي ستكون أكثر تنبؤية بالنتائج المرغوبة.
أسأل نفسك، إذا ما تمت أتمتة تلك المعلومات، كيف يمكن أن يغير ذلك المنتجات التي نوفرها لزبائننا؟
أسأل، ما هو أسوء ما يمكن حدوثه للأعمال إذا ما تمت الأتمتة؟ تساءل، ما هو أسوء ما يتوقع حدوثه ما إذا توصلت الخوارزميات إلى أجوبة خاطئة, أو إلى أجوبة بمعدل دقة من 65% أو 70%؟، وما هي عتبة الدقة التي تطلبها الأعمال حتى تستمر وتؤتمت هذه المهمة؟
اقرأ أيضاً: علم البيانات المدفوع بالفضول
يستلزم النجاح بالتعلم المتابع تغييراً بوجهة النظر حول كيفية إنجاز العمل، كما يستلزم استخدام الأعمال الماضية كجميع الأحكام الإنسانية والخبرات في الموضوع نفسه، لخلق خوارزمية تُطبق تلك الخبرات على العمل المستقبلي. فإنها عندما تستخدم جيداً، ستجعل الموظفين أكثر إنتاجية وتخلق قيمة أكبر. لكنها تبدأ بتحديد المشاكل التي تتطلب الحل والتفكير بهم على هيئة مداخل ومخارج، قيم (س)، وقيم (ع) بعد تحديد فرص تعلم الآلة.
اقرأ أيضاً: طريقة مبتكرة تستند إلى البيانات لتوظيف الموهوبين