تُعدّ توقعات المبيعات التي تتميز بدقتها بشكل مستمر أمراً رائعاً. فهي توفّر إمكانية التنبؤ بالإيرادات الضرورية للشركات من أجل تسريع نموها ونجاحها. ولسوء الحظ فإن توقع المبيعات بشكل دقيق وباستمرار هو أمر نادر الحدوث. ذلك لأنّ العديد من الشركات تخفق في المواءمة وتحقيق التوافق بين أقسام المبيعات وأقسام التسويق، وهذا التوافق شرط أساسي لدقة التوقعات.
في العقود الثلاثة الماضية خلال عملي في التكنولوجيا العالية- كمندوب مبيعات ورئيس لقسم الإيرادات ورئيس تنفيذي وعضو مجلس إدارة ومستثمر ومستشار في رأس المال الاستثماري- بدا لي أن توقعات المبيعات هي ضرب من التنبؤ في المستقبل بواسطة كرة بلورية سحرية أكثر مما هو إيجاد وتطوير لمعادلة رياضية تبدو مطلوبة لضمان النجاح المتواصل. ولكنّ هذا الاختلال وعدم التوافق بين المبيعات والتسويق ليس مجرّد ظاهرة تقنية. فقد واجهتُ هذه المعضلة ذاتها في العديد من مجالات التسويق الأخرى.
ومن السهل على العاملين في فِرق التسويق والمبيعات أن ينتهي بهم المطاف إلى نشوب الخلاف بينهم. فرؤساء الأقسام في الفريقين غالباً ما يكونون على خلاف تنافسي- وكلاهما يقدمان تقاريرهما للرئيس التنفيذي. وسوف تشتكي أقسام المبيعات وتبدي تذمرها من أقسام التسويق لأنها لا تجذب ما يكفي من العملاء المحتملين لتحسين الأرقام. وتسخر أقسام التسويق بدورها من أقسام المبيعات لأنها لا تتابع العملاء المحتملين الذين تجلبهم أقسام التسويق. وتظهَر هذه المشاحنات جلية مع كل توقع خسارة محتملة في الإيرادات والمبيعات الفصلية.
عندما انضممت إلى شركة "بلاك دك سوفتوير" (Black Duck Software) للبرمجيات كرئيس تنفيذي في عام 2013، سرعان ما بدا لي الألم الذي شعرت به بسبب الاختلال وانعدام التوافق بين أقسام المبيعات والتسويق، إذ خسرنا ما كنا نطمح إليه في الأرباع الثلاثة الأولى من السنة على التوالي. ورغم وجود نوع من التوافق في المستوى الخدمي بين قسمي المبيعات والتسويق، فيما يخص حجم العملاء المحتملين الذين جذبهم قسم التسويق لذلك الربع السنوي، إلا أنه كان عديم الفائدة فعلياً، لأن كل قسم كان لديه مفهوم مختلف عن معنى العميل المحتمل. كان لقسم التسويق مفهومه الخاص حول العملاء المؤهلين للتسويق، فقام بإرسال العدد المطلوب منهم في كل ربع سنوي إلى قسم المبيعات. أما قسم المبيعات فكان له مفهوم آخر عن العملاء المؤهلين للمبيعات، وغالباً ما كانت نوعية العملاء غير كافية لتغطية الأعمال بما يفي بالحاجة للوصول إلى التوقعات. وكنا كلما خسرنا أهدافنا في الربع السنوي تتوالى الاتهامات التي يلقيها كل طرف على الآخر.
ولعلّ ما كنا نحتاج إليه هو معادلة ومفهوم أفضل عن كيفية إنشاء التوقع الصحيح. تبدأ هذه المعادلة بتعريف يصاغ بدقة عن العميل المحتمل أو المرتقب الذي يبدي اهتماماً بالمنتَج أو الخدمة. وهذا يعني معرفة العدد التقريبي للمراحل المحددة للعميل المرتقب التي تبدأ من (الاهتمام والتقييم وإدخاله في الميزانية) في طريقه إلى عقد الصفقة.
والعقبة الكبيرة التي واجهتنا في خلق المعادلة الناجحة هي تحديد العميل المُؤهَّل للمبيعات وعلاقة ذلك بتعويضات فريق التسويق لدينا. بالنسبة لمعظم الشركات، بما في ذلك "بلاك دوك" في ذلك الوقت، كانت تعويضات التسويق والحوافز قائمة بشكل أساسي على مجرد الحجم أو العدد الكبير للعملاء المحتملين والمقدمين لقسم المبيعات، بغض النظر عن نوعيتهم، سواء نجحت الشركة في فتح أرقام حجوزات لهم أم أخفقت في ذلك.
والمشكلة أنه عندما تعتمد تعويضات التسويق على العملاء المحتملين الأساسيين الذين لم يتم التدقيق في أمرهم (ربما لأن هذا العميل المحتمل مهتم بالمنتج لكنه في غير حاجة ماسة إليه)، فإن المبيعات ينتهي بها الأمر إلى متابعة العملاء غير المؤهلين. ومن تجربتي، فإن توحيد أهداف المبيعات والتسويق وجعلها متطابقة ومرتبطة بعضها ببعض، هو أمر بعيد الحدوث.
يمكن للشركات تحقيق التوافق بين المبيعات والتسويق وتجنب قلق نهاية الربع السنوي بالتوافق على ذكر البيانات الصحيحة ذاتها. والشرط المسبق هو التحديد الواضح والدقيق- من قبل المبيعات والتسويق معاً- لما يعنيه تعريف العميل المحتمل أن يكون الشخص الذي سيتمكن مندوب المبيعات من عقد الصفقة معه خلال شهر أو ربع سنة أو سنة. يحتاج تحديد العميل المحتمل إلى الموافقة عليه من قبل فريق الإدارة العليا بأكمله - الرئيس التنفيذي والرئيس التنفيذي للشؤون المالية ورؤساء أقسام المبيعات والإيرادات والتسويق والعمليات جميعاً. ومن الضروري أيضا توافق الفريق المذكور على عدم تغيير معايير تحديد العميل بسهولة وسرعة.
لماذا هذا الجمود؟ تكمن المسألة في أنّه عند ضياع العميل المستهدف من المبيعات، تنشأ رغبة في إعادة تحديد المقاييس والتساهل في المعايير، فيقولون: "نعم لقد أضعنا هذا العميل، ولكننا سنكون قادرين على تحسين التنفيذ إذا حددنا عملاءنا المحتملين بدقة أكثر". ومشكلة هذه العملية أن معدلات التحويل التي تخبرنا ما هي المعادلة الرياضية للمبيعات تحتاج إلى الانغماس في العديد من البيانات الفصلية (ربع السنوية). وفي كل مرة نعيد فيها تفصيل المعايير أو المقاييس، فإن علينا الانتظار بضعة أشهر أخرى ليكون هناك بيانات كافية يمكن الاعتماد عليها إحصائياً.
كان تحديد العميل المؤهل للمبيعات (sales qualified lead- SQL) من أكثر الأمور القيّمة التي تصدينا لها في شركة "بلاك دوك". لكن الوصول إلى ذلك يمكن أن يكون عملية تثير للنزاعات و تستهلك الكثير من الوقت. كان على أقسام المبيعات والتسويق وعمليات المبيعات أن تأخذ الوقت اللازم والكافي لتحليل صفات العملاء المحتملين التي نتجت عن إتمام الصفقة، وإيجاد مجموعة من المعايير المحددة بوضوح والمتفق عليها، يجب تحققها في العميل المحتمل للحصول على تحديد تسمية العميل المؤهل للمبيعات (SQL). كان رئيس قسم عمليات المبيعات هو الحكم المستقل والنهائي في النزاع الدائر بين أقسام المبيعات والتسويق، فيما إذا كانت المعايير قد طبّقت بشكل صحيح. وبعبارة أخرى لم يكن هناك فرصة لتلك الأقسام للتسلل إلى الرئيس التنفيذي.
وقد جرت الخطة بشكل حسن. وبفضل معرفتهم لمعنى العميل المؤهل للمبيعات، كان قسم التسويق قادراً على النظر في البرامج والحملات والأحداث والندوات التعليمية عبر الإنترنت، والمضامين الموجودة على الويب وملحقاتها التي كانت مفيدة جداً في جذب العملاء المؤهلين وإتمام الصفقات. وهذا ما انعكس إيجاباً على إدارة الوقت وأصبح استغلال المصادر أكثر استهدافاً.
وقد أدركت مؤسسة المبيعات بدايةً أن عدد الصفقات المطلوبة لا يمكن التنازل عنه. وعرفت أقسام المبيعات كم تحتاج الأعمال لإتمام الصفقات لتصل إلى الحد المطلوب، وهي قائمة على الإيرادات المحتمَلة من عمليات التجديد المتزايدة في الربع السنوي الواحد، ومرحلة اتخاذ القرار في الصفقات المتوقع إتمامها، ومعدل حجم الاتفاق، ومعدل الوقت لإتمام مراحل صفقات العملاء الجدد المدرجين في مسار الصفقة.
أظهرت الرواية الوحيدة لحقيقة الوضع أن تعويضات التسويق يجب أن تقوم بشكل أساسي على مقدرة القسم على جذب العملاء المؤهلين للمبيعات. وفي حالتنا، احتاج فريق التسويق إلى أن يحيا ويتنفس، وأن يُقاس بمعيار مدى إيجاد عميل المبيعات المؤهل. وبالتركيز الصارم على العملاء المؤهلين للمبيعات بسّط هذا بشكل أكيد صناعة قرار التسويق وبيّنه بوضوح.
وبعد أن طبّقنا مقياس العملاء المؤهلين للمبيعات التزمنا بهذا الأمر. وهذا ما أعطانا النسخة الوحيدة للحقيقة التي كنا نحتاجها بشدة. وبعد عدة أرباع سنوية من استخدام هذا الأسلوب تحسَّنت توقعاتنا للمبيعات بشكل ملحوظ. فنجحنا في عشرة أرباع متتالية، وتمّ تحسين الدقة بنسبة زائد أو ناقص 3% في أي ربع سنوي محدد.
وهذا ما جعل دوري كرئيس تنفيذي أسهل بكثير. وقد ساعدتنا الفوائد التنبئية لفهم المعادلة الرياضية للمبيعات في كيفية تحقيق التقدم في أهدافنا الربعيةمن بداية الربع السنوي. وحين كانت عملية إيجاد العميل المؤهل للمبيعات تتجه إلى ما هو دون توقعاتنا، كنا نعرف أنه علينا تعديل أنشطتنا في الوقت المتبقي من الربع السنوي. وإذا كنا نتجه قدماً نحو تحقيق التوقعات، فإننا نعرف أننا تجاوزنا الخطة، وهذا يعني أنه بإمكاننا تكثيف جهودنا من أجل تحقيق التسارع في قوة الدفع.
وقد حسَّن هذا النظام أيضا علاقتنا مع فريق الإدارة والمجلس. فلم أعد اعقد اجتماعات يشتكي فيها رؤساء الأقسام في المبيعات والتسويق كلٌّ منهما من الآخر. وكان الفريقان منشغلين جداً بالعمل التعاوني نحو تحقيق مجموعة محدّدة من أهداف الشركة الواضحة والمتفق عليها بشكل مشترك. والأفضل من ذلك كلّه، أننا حين اكتسبنا المصداقية في دقة التوقعات، أصبحنا قادرين على إعطاء وقت أكبر لمناقشة مواضيع ذات صلة بمستوى مجلس الإدارة- مثل الاستراتيجية والمنافسة وثقافة الشركة- لم يكن بالإمكان تدارسها عندما كنّا نخفق في تحديد توقعات المبيعات تبعاً لكل ربع سنوي.
وليس من السهل وضْع هذا الأمر موضع التطبيق. لكن إيجاد هذه النسخة الوحيدة للحقيقة ضمِن لنا التوافق بين فريقي التسويق والمبيعات، وزاد من الدقة في توقع المبيعات، حسب خبرتي. وهذا بالضبط ضروري للغاية لإنشاء تصور أو نموذج للمبيعات فائق السرعة وناجح.