عندما كان مصمم المواقع بن بلامنفلد يعمل لدى شبكة تلفزة كبيرة، كان مسؤولاً عن تصميم مواقع إلكترونية للبرامج الكبرى. وحقق في أحد الأيام اختراقاً أعطى أحد البرنامج شهرة ومتابعة واسعة. لكن نجاح بن كان صدمة له، فقد كان نجاحه يعني أن الناس سيقضون أوقاتاً أطول في مشاهدة التلفاز، وهو أمر ليس بالجيد من وجهة نظره.
كانت تلك نقطة تحول بالنسبة إلى بن. وقرر التوقف عن النظر إلى مساره المهني على أنه منفصل عن نفسه وقيمه وأفكاره ومبادئه التي تهمه. فقد آمن بإحداث تأثير إيجابي على مجتمعه، وأدرك أن عمله اليومي لم يكن متماشياً مع ذلك. فقرر أن الوقت قد حان للانطلاق في طريق يدعم مهمة مساره المهني.
بينما كانت تلك العقلية تتحكم بمسار عمل بن، تلقى اتصالاً من جيف هامرباتشر، وهو مدير في شركة ناشئة عصرية ضمن وادي السيليكون لديها أكثر من 8 ملايين مستخدم، كلهم طلبة، وتمكن جيف من إقناع بن بالسفر إلى كاليفورنيا للالتقاء بأشخاص يعملون هناك. لاحقاً، عندما أشار بن إلى رغبته بإحداث تأثير إيجابي في مجتمعه، أكد له الرئيس التنفيذي أن المشروع سوف يؤثر على كامل طريقة تواصل الجنس البشري مع بعضهم من مختلف الثقافات والاختلافات السياسية والمقاطعات الوطنية. انتهى بن إلى أن هذا الرئيس التنفيذي مارك زوكربيرغ كان إما مجنوناً أو شخصاً يتمتع فعلاً برؤية خلّاقة. وكما أخبرني بن: "كنت أعرف أن مارك سوف يبني الشركة معي أو من دوني، وصُعقت لدى مقابلتي فريق التصميم. كان كل مصمم موهوباً لدرجة جنونية، سواء من الناحية البصرية أو التقنية". وهكذا قرر وضع يده في أيديهم.
مع مرور الوقت، تحول بن إلى قائد فريق التصميم في فريق اتصالات "فيسبوك" بينما كانوا ينتقلون بالشركة من 8 ملايين مستخدم إلى حوالي المليار. كان يرى حجم كل مبادرة ضخماً لدرجة لا تُصدق. وأخبرني بن: "كان غريباً تصميم تجارب تُقاس بملايين الأشخاص". لكنه كان يعرف أيضاً أن القدرة على ربط الكثير من الأشخاص أمر فيه فرصة هائلة للبقاء وفياً لهدفه في دمج مساره المهني مع غايته بخلق فارق إيجابي في العالم. من هنا خطرت لبن فكرة العمل مع مبادرة ستانفورد "ابتكار السلام"، بالتعاون مع مختبر تقنية الإقناع في "ستانفورد"، من أجل إطلاق موقع (peace.facebook.com) الذي أطلق بدوره شرارة حوار العالم يناقش ما إذا كان الناس يعتقدون أننا سوف نُحقق السلام في الخمسين عاماً القادمة (وجدير بالذكر، أن الأميركيين دوماً أكثر تشاؤماً بكثير مقارنة بباقي البلدان، مثل مصر، والتي تعتبر من بين أكثر البلدان تفاؤلاً). كانت تلك واحدة فقط من طرق عديدة قرر فيها بن أن يدمج مهمته في مساره المهني.
ترك بن مؤخراً العمل في "فيسبوك" وانضم إلى إنريكي آلان لتأسيس "صندوق المصممين" (Designer Fund). ويُعتبر إنريكي أيضاً جزءاً من الفريق المؤسس لمبادرة "ستارتس آب 500" (500 Start Ups)، وهي صندوق تمويل أولي ومسرّع في وادي السيليكون. يستثمر "صندوق المصممين" في شركات يقودها مصممون، والتي تدمج التأثير الاجتماعي الإيجابي في رسالة المؤسسة بدلاً من تركه ليكون أمراً ثانوياً أو مشروعاً مستقلاً كما هو حال بعض الأسس التبريرية في الشركة (اطلع على بعض استثماراتهم الملهمة هنا: نيبرلاند (Neighborland)، أنجازا ديزاين (Angaza Design)، سولار موزايك (Solar Mosaic)، لونشباد تويز (Launchpad Toys).
أنا أستخدم مثال بن لتسليط الضوء على شخص يتعامل مع مساره المهني بعقلية المصمم بدل قبول ما هو افتراضي، وهو أمر بوسع أي منا القيام به. عندما تصل في الحياة إلى موقع تتساءل فيه عن الإضافة التي حققها لك العمل الذي أنجزنه (كل تلك الساعات التي قضيتها)، فأنت عندها بحاجة لعملية تقييم ما يُعتبر مهماً لك. إليك ما أقترحه:
الخطوة الأولى: ارسم مخططاً لمسارك المهني
من السهل الانجراف وراء سيل من النشاطات في مسارك المهني. نحن نجد أنفسنا عالقين في مشاغل حياتنا ولا نفكر في حياتنا جيداً. وتصرفاتنا ليست سوى ردود أفعال وليست تحركات استراتيجية. عندما ألاحظ حصول هذا، أستخدم هذه الأداة البسيطة للحصول على وجهة نظر أشمل. ابدأ يساراً من بداية مسارك المهني وحاول الانتهاء في اليمين (اليوم). ارسم خطاً للأعلى إن كنت استمتعت بالتجربة وخطاً للأسفل إن لم تكن تجربة تبعث على الرضا. اكتب اسم المكان الذي عملت فيه، وما كنت تعمل عليه، وأي عوامل أخرى أثرت على تجربتك.
سيكون الشكل النهائي هكذا:
الخطوة الثانية: صِل النقاط
استخدم الرسم من الخطوة الأولى كمنصة إطلاق تجعلك تفهم تكوينتك بشكل أفضل. اعثر لنفسك على مكان هادئ. تعامل مع الأمر كما لو كان خلوة استراتيجية لحياتك ومسارك المهني.
سَل نفسك: متى كنت فرحاً بحق ولماذا؟ ما النشاط أو الفكرة التي أستمر بالعودة إليهما؟ ما الذي يجذبني؟ متى كان العمل سهلاً عليّ؟ ما الذي لم ينجح معي؟ متى أكون على سجيتي فعلاً؟ متى كان العمل غير ذي معنى لي ولماذا؟ متى كان العمل هادفاً ولماذا؟ لا تستعجل العملية. توقف كفاية حتى تستمع. واكتب إجاباتك كلما راودتك بحيث تراجعها لاحقاً.
الخطوة الثالثة: سَل نفسك "ما الذي سأبتكره لأجعل العالم مكاناً رائعاً؟"
ربما يبدو ذلك سؤالاً جامحاً بعض الشيء لكن تذكر أنه عنصر حيوي من الاستراتيجية، وهذا أمر بديهي، يتضمن التفكير في ما نريد ابتكاره مستقبلاً.
سل: ما الذي سأفعله لو سنحت لي الفرصة؟ ماذا سيكون عملي لو أن كل الوظائف تدفع نفس الراتب؟ لو أمكنني فقط تحقيق شيء واحد في حياتي، ماذا سيكون ذلك؟ ما الذي أريده فعلاً؟ أكرر ما ذكرته أن هذه أسئلة كبيرة. لكن تجربتي علمتني أن الناس يقضون وقتاً أكثر وهم قلقين بشأن عملهم أكثر مما يقلقون بشأن خلق رؤية لمسارهم المهني وللطريقة التي يمكنهم بها تحقيق مساهمة فريدة في العالم (إذا كنت تبحث عن خطاب تشجيعي، فإن هذا الفيديو من ثلاث دقائق من "الطفل الرئيس" هو المطلوب لجعلنا نتحدى ما يمكننا فعله لجعل العالم مكاناً رائعاً).
قبل سنوات عديدة، اتبعت عملية لا تختلف كثيراً عن هذا، ولا أبالغ إذ أقول إنها غيّرت مجرى حياتي. لقد قادتني الرؤى التي حصلت عليها لترك كلية الحقوق، ومغادرة إنجلترا للانتقال إلى أميركا، لأسير في طريق أكون فيه مدرساً وكاتباً. وأنت اليوم تقرأ هذا المقال بسبب ذلك الخيار. وهو لا يزال القرار الأوحد الأكثر أهمية واستراتيجية في حياتي.