كيف تجعل أي رحلة عمل أقل مللاً؟

5 دقائق

تعتبر مدن لندن وبرشلونة وبكين هي مراكز الأعمال العالمية وهي أيضاً جهات ومقاصد السفر المرغوب فيها. ومع ذلك، عندما نذهب إلى هذه المدن لحضور مؤتمر أو اجتماع مع أحد العملاء، يتصرف الكثيرون منا كما لو كان الأمر عملاً شاقاً ومضنياً.

لسوء الحظ، تأخذ معظم النصائح والاستشارات الخاصة برحلات العمل هذا الطابع: ابحث عن توافر خدمة الإنترنت اللاسلكية (الواي فاي) مثل بحثك عن الماء والتزم بمخطط الرحلة تماماً، وانزل في فندق آمن (خال من كل أسباب تكدير المزاج) واعتن بنفسك بأكبر قدر ممكن حتى تنتهي الرحلة. لكن بما أنني قد عملت في فريق أو أدرت فريقاً عن بعد موزعاً في إحدى عشرة دولة، وكنت مديراً لهذا الفريق في السنة الماضية، لا يمكنني التفكير في طريقة أكثر سوءاً من هذه الطريقة لقضاء أي رحلة.

كثيرون منا ينظرون إلى رحلات العمل على أنها لعنة. عندما أخبرت بعض زملائي من مؤسسي الشركات الناشئة في منتصف تسعينيات القرن الماضي أنني سأقوم برحلة عمل لفترة طويلة إلى نيوزيلندا، توقع أكثر من واحد منهم أن تكتب هذه الرحلة شهادة الوفاة لشركتي. أخبروني أنّ الأمر كان سيئاً بما يكفي، لدرجة أنه تحتم عليهم نقل مقرات عملهم إلى وادي السيليكون للعثور على المواهب اللازمة لشركاتهم التقنية.

إنني أعترف أني عانيت كثيراً لبضعة أيام للإبقاء على شعوري بالمغامرة. ولكني استأجرت منزلاً جميلاً في مدينة أوكلاند وكان به بعض الدجاج في الفناء الخلفي وأحضرت عائلتي معي، حيث كنت قد ألزمت نفسي بالأمر. مع حلول وقت عودتي إلى الولايات المتحدة في العام 2007، أدركت أنّ المغامرة نفسها في واقع الأمر هي التي أبقت عليّ ومنحتني القدرة على الاستمرار. على الرغم من أنني بعت شركتي، "نتكونسيبتس" في العام 2010، إلا أنني احتفظت بالدرس الذي علمتني إياه الفترة التي أمضيتها في نيوزيلندا، وهي أن المغامرة ليست مجرد بذرة وحسب بل إنها ضوء الشمس الذي يحافظ على نمو الشجرة.

إنني أفهم بالطبع أنّ معظم التنفيذيين لا يمكنهم المخاطرة والتنقل عبر أرجاء العالم مثلما فعلت؛ ولكن ما لا أفهمه هو السبب وراء تعامل الكثيرين منهم مع رحلات العمل على أنها عمل روتيني شاق أو بغيض. أنا لا أجادل في أن تعب ما بعد السفر والاغتراب بعيداً عن الأسرة وفقد الأمتعة عبء ثقيل ومرهق. ولكن السفر واحد من أفضل عناصر ممارسة الأعمال، أو هكذا ينبغي أن يكون.

المرة التالية التي تسافر فيها في رحلة عمل، أريد منك أن تجرب شيئاً ما: عامل كل لحظة من لحظات رحلتك على أنها مغامرة. تفاعل مع أهل البلد المحليين وتجنب قضاء كل وقتك على الإنترنت واقض يوماً على الأقل لا تفعل فيه شيئاً سوى استكشاف البلد الذي توجد فيه. في حين أنّ هذا قد يبدو طريقة جيدة لفقد وظيفتك، إلا أنه من الممكن أن تفعل ذلك كله بينما تزيد إنتاجيتك بالفعل.

استغل وقت الاتصال بالإنترنت

إنني أتجاهل دائماً الاتصال بشبكة الإنترنت أثناء الرحلة، ليس لأن شبكة الواي فاي على الطائرة مكلفة أو بطيئة (وهي كذلك بالفعل)، ولكن لأنني أستطيع استخدام وقت الاتصال بالإنترنت لإنجاز "الأعمال العويصة". أقوم بتحميل رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بي على تطبيق البريد الإلكتروني "ماك ميل آب" (Mac Mail app)، وأقوم بإنجاز الرسائل الصعبة منها خلال فترة عدم اتصالي بالإنترنت. إنّ قدر ما يمكنني إنجازه من عمل دون أن أتعرض لأي تشتيت من جراء وسائل التواصل الاجتماعي مذهل إلى حد لا يمكن تصديقه.

بل إنّ بعض خبراء السفر الفطنين يتوسعون في الأمر أكثر من ذلك. لقد أمضى خبير الإنتاجية تياغو فورتي، والذي استضفته مؤخراً في مدونتي الصوتية (البودكاست)، أشهراً في العمل في مدينة مكسيكو سيتي بدون بطاقة هاتف (SIM) محلية. لم ينجح تياغو فقط في تدبير أموره دون الاتصال بالإنترنت عبر هاتفه الجوال، إنما جعله هذا منتجاً للغاية لدرجة أنه يخطط فعلياً للإبقاء على هذا الترتيب بعد أن ينتقل إلى هناك بشكل دائم في العام التالي. من خلال التخلص من المكالمات الهاتفية والرسائل النصية المشتتة، وفر تياغو فوتي لنفسه شيئاً لا يستطيع معظم المسافرين في رحلات العمل توفيره: إنه وقت الفراغ الذي يمكن التنبؤ به. تعتبر فترات الراحة هذه، طبقاً لبحث أجرته ليزلي بيرلو الأستاذة في كلية هارفارد للأعمال، هي وجسيكا بورتر الخبيرة في قيادة المرأة، فترات مشجعة على التطور المهني والتواصل المفتوح وتحسين جودة العمل. عندما يحتاج تياغو فورتي إلى العودة لسابق عهده والاتصال بالإنترنت، فإنه بكل بساطة يتوجه إلى واحد من آلاف مقاهي الإنترنت المنتشرة في مدينة مكسيكو سيتي.

ماذا لو أنّ شيئاً عاجلاً وملحاً حدث أثناء سفرك؟

اسند الأمر إلى مساعد افتراضي للاضطلاع به. إنني أطلب من مساعدي الافتراضي مراجعة رسائلي ووضع تلك الرسائل الملحة والعاجلة في مجلد للرسائل التي تحتاج لإجراء عاجل مني. كما إنني، مع ذلك، أعتمد على المساعدين الافتراضيين في العمل كمرشدين: فعلى سبيل المثال، بدلاً من استخدام طلاب الجامعة منصة افتراضية للعمل الحر مثل أب وورك (Upwork)، فإنني بدلاً من ذلك أبحث عن المساعدين الذين يعيشون في المكان الذي سأسافر إليه، على سبيل المثال من خلال أسواق الوظائف المحلية على الإنترنت مثل بوابة "أونلاين جوبز" (onlinejobs.ph)، وهي موقع إلكتروني فلبيني للوظائف. نعم، إنّ طريقة استخدام مساعدي كمرشد تعني أنه يتعين عليّ استخدام مساعدين افتراضيين مختلفين في رحلات مختلفة. ولكن، بكل صراحة، فإنّ عمل المساعد الافتراضي من قبيل فرز رسائل البريد الإلكتروني وإجراء الحجوزات لا يتطلب سوى القليل من التدريب. وبالنسبة لي، فإنّ إنفاق ساعتين إضافيتين أشرح خلالهما للمساعد الافتراضي طريقة العمل يعتبر ثمناً زهيداً مقارنة بما كنت سأدفعه لمستشار سفر فعلي.

إذا لم يكن بمقدورك استئجار مساعد افتراضي، فانظر في إمكانية قيام الشخص الذي تسافر لزيارته بتوفير العون والمساعدة لك في هذا الأمر. في آخر مرة كنت في رومانيا في زيارة لأحد العملاء، سألته عن مطعمه المفضل وعن الأشياء التي يمكن فعلها. لم تكن هذه مناسبة لإذابة الجليد بيننا وحسب، بل قادتني إلى الأماكن المحلية المفضلة التي لم أكن لأتعرف عليها على الإطلاق لولا ذلك.

نعم وبشكل فعلي، يمكن أن يكون العثور على الوقت للسياحة بين المؤتمرات واجتماعات العملاء أمراً غاية في المشقة والصعوبة. ولكنك إذا كنت تسافر للعمل، فهناك احتمالية أن تكون ذلك الشخص الذي يأخذ أعضاء فريقه (أو على الأقل تكون أنت عضو الفريق الوحيد) إلى مناطق مجهولة لارتيادها. فكر في وقت الاستكشاف كممارسة للوقوف على الفرص الجديدة واقتناص هذه الفرص. على سبيل المثال، قمت مؤخراً برحلة عمل إلى مصر لمدة خمسة أشهر. ما كنت لأنكب طوال الوقت على العمل مثلما يفعل معظم الذين يسافرون في رحلات عملـ ولكني لو كنت فعلت ذلك، لفاتتني فرصة اغتنام الكثير مما جعل تلك الرحلة رحلة منتجة. في القاهرة، قابلت مؤلفاً وريادي أعمال قدمني إلى شبكة معارفه. ولما كانت المسافة بين القاهرة وفيينا لا تعدو أن تكون بضع خطوات مقارنة بالمسافة بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية، فقد شاركت بخطاب في حفلة في فيينا ما كانت لتسنح لي فرصة إلقائه، حيث تعلمت الكثير وانتهى بي الأمر أن ظللت في قمة التركيز طوال فترة التدريب.

حتى في رحلة العمل القصيرة، هناك المزيد من الطرق التي يمكن الوصول إليها لإضفاء روح المغامرة على رحلة العمل. يمكنك استئجار مكان للإقامة من خلال موقع "إير بي إن بي" (Airbnb) بدلاً من الإقامة في فندق. كما يمكنك زيارة أحد المتاحف بعد الاجتماع أو تناول الطعام الذي لا يمكنك تناوله في بيتك. بيت القصيد هنا: جرب شيئاً جديداً.

كتابي المفضل "كيف تجذب الناس كالمغناطيس" (How to Be a People Magnet)، ويطلق على هذا الأمر اسم "التمدد". فالذهاب خارج نطاق منطقة الراحة الخاصة بك ييسر علاقاتك المستقبلية لأن الناس يرغبون في التحدث مع الآخرين ممن يشاركونهم نفس الاهتمامات.

حتى اختبار التقنيات التجريبية أثناء السفر يمكن أن يبدو مغامرة في حد ذاته. اكتشفت منذ فترة ليست بالطويلة أداة من أدواتي المفضلة أثناء السفر ورحلات العمل، ألا وهي الشاحن البشري (HumanCharger). إنني أعترف أنّ الأمر يبدو غريباً بعض الشيء ـ ذلك الجهاز الذي يشبه الـ "آيبود نانو" (iPod-Nano) يشع ضوءاً أزرقاً في قناة الأذن ومنها إلى مناطق الضوء الحساسة في المخ، ولكني وجدت ذلك الجهاز الصغير يفعل المعجزات فيما يتصل بتعب ما بعد السفر.

ليست المغامرة عدواً للعمل، مهما يكن حجم تلك المغامرة أو شكلها. على النقيض من ذلك، إنّ تجربة أشياء جديدة والعمل مع أشخاص من جميع الشرائح والارتجال في المواقف المعقدة هي المهارات "الناعمة" التي يسعى أصحاب الأعمال جاهدين لتعلمها. ربما تكون هذه المهارات غير مريحة، ولكنها جزء من المغامرة ـ وهذا هو ما يبدو أنّ الكثيرين ممن يسافرون في رحلات العمل ينسونه.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي