كيف تتواصل بطريقة صحيحة خلال الأزمات؟

6 دقائق
التواصل خلال الأزمات

كنت أعتقد أن وباء فيروس كورونا بعيد جداً عني حتى الأسبوع الماضي عندما أفادت التقارير الإخبارية أن هناك شخصاً مصاباً في ولاية نيوهامشير. ومن ثم بدأت الشائعات في الانتشار مقترنة بتساؤلات من قبيل: كيف يمكننا أن نعرف المزيد من المعلومات؟ وكيف يمكن التواصل خلال الأزمات بشكل صحيح؟ هل يجب أن نرسل أطفالنا إلى المدرسة؟ وفي اليوم التالي اكتشفنا من خلال الأخبار المحلية والوطنية أن الشخص المصاب هو طبيب مقيم في مستشفانا المحلي وأنه حضر حفلة مع طلاب في "كلية توك للأعمال" (Tuck School)، حيثما أدرّس هناك، وبذلك بين ليلة وضحاها أصبحت الأزمة على مقربة شديدة مني. أُلغيت الصفوف الدراسية والفعاليات وعُلِّقت جميع الرحلات الدولية للعاملين والدارسين بالجامعة. كانت الأفكار تتسارع في عقلي الذي يضج بتساؤلات من قبيل: هل يجب أن أذهب إلى العمل؟ هل من الآمن شراء طعام الغداء هنا؟ هل نحن مستعدون لتطبيق الحجر الصحي في المنزل؟ إلى متى سيستمر هذا الوضع؟

كيفية التواصل خلال الأزمات

في المواقف سريعة التطور التي يكتنفها عدم اليقين، يواجه العديد من القادة تساؤلات قد لا يكون لديهم إجابة عنها. لأني أدرس الاتصال في حالات الأزمات، دائماً ما أخبر طلابي وعملائي أنهم بحاجة إلى التواصل في وقت مبكر وبشكل متكرر مع الفئات المعنية الرئيسية طوال فترة الأزمة. حتى إن كنت لا تزال تحاول استيعاب حجم المشكلة، كن صريحاً ومنفتحاً للحفاظ على مصداقيتك. وتعامل مع الموقف بتعاطف. ضع نفسك مكان موظفيك لتتفهم قلقهم. ستكون على صواب في بعض الأحيان، وستخطئ في أغلب الأحيان، ولكن لا يزال من الأفضل أن تتحلى بالشفافية قدر الإمكان.

اقرأ أيضاً: كيف تتصرف إذا كنت مستثمراً في بلد وحدثت فيه أزمة سياسية؟

الخطوة الأولى: شكِّل فريقاً للاتصالات المركزية

الاتصالات اللامركزية مفهومة بل ومرغوبة في المؤسسات الكبيرة المعقدة. لكن في حالات الطوارئ أو في المواقف سريعة التطور، ستحتاج إلى فريق للاستجابة للأزمات. مع أزمة فيروس كورونا رأينا هذا يحدث على جميع المستويات حيث: كلّف الرئيس ترامب نائب الرئيس مابك بنس بقيادة الجهود التي تبذلها البلاد لمكافحة الفيروس. وجامعة "دارتموث" (Dartmouth)، والعديد من الجامعات الأخرى، شكّلت فرق عمل معنية بالأمر ذاته. وهناك منطقة تعليمية، كنت قد عملت معها هذا الأسبوع، شكّلت فريقاً مكوناً من المشرفين إلى جانب جميع مدراء المدارس. وشركة "إنتل" (Intel) تمتلك فريقاً قيادياً دائماً للتعامل مع أزمة الوباء، بوصفه جزءاً من تخطيطها لاستمرارية تصريف الأعمال.

من الناحية المثالية، ينبغي أن تكون تلك الفرق صغيرة بحيث تتألف من 5 إلى 7 أشخاص. ويجب أن يضم الفريق عضواً من الفريق القيادي وعضواً من قسم التواصل المؤسسي ومسؤولاً تنفيذياً في قسم الموارد البشرية وخبيراً في مجال الاهتمام. وينبغي لهذا الفريق:

  1. الاجتماع بانتظام لمراقبة الوضع عن كثب بينما يستمر في التطور.
  2. أن يكون المصدر الرئيسي للمعلومات حول الأزمة.
  3. إعلام الفئات المعنية الرئيسية بالمستجدات بصفة منتظمة.
  4. توخي الشفافية قدر الإمكان من خلال توضيح ما يعرفونه وما لا يعرفونه ومصادر معلوماتهم.
  5. تقديم المعلومات بطريقة موجزة وبليغة، فالرسائل الطويلة صعبة الفهم التي يعدها العاملون في مجال الصحة أو المحامون لن يتمكن الجميع من قراءتها وفهمها بسهولة.

الخطوة الثانية: تواصل مع الموظفين

الموظفون هم أهم الفئات المعنية لديك ويعملون بوصفهم سفراء للشركة في المجتمع. وإذا لم يكونوا يعلمون ويفهمون ما يحدث، ستصبح الاتصالات خارج الشركة أكثر صعوبة. لذا تحتاج الشركة إلى إزالة الغموض الذي يكتنف الموقف لطمأنة الجميع وإعطائهم الأمل في المستقبل.

أظهرت الدراسات أن القادة على وجه التحديد يلعبون دوراً هاماً في الحد من شعور الموظفين بالقلق. وفي دراستي التواصل في حالة الأزمات بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، أعرب العديد من الموظفين عن مدى أهمية سماع صوت القائد سواء بصورة مباشرة أو عبر البريد الإلكتروني أو عبر رسائل الهاتف المحمول أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي. عندما وصلت أزمة فيروس كورونا إلى "كلية توك للأعمال"، أقام الفريق القيادي لبرنامج ماجستير إدارة الأعمال في موقع مركزي مؤقتاً للتخفيف من قلق الجميع وتقديم معلومات محدثة بانتظام.

للتواصل مع الموظفين ينبغي للمؤسسات:

  1. نشر معلومات بصفة منتظمة في موقع مرئي للجميع مادياً أو افتراضياً مثل البريد الإلكتروني أو الشبكة الإلكترونية الداخلية للشركة أو قناة على تطبيق "سلاك" (Slack) أو فيسبوك.
  2. توضيح كيف اتُّخذت القرارات المتعلقة بأمور مثل السفر والعمل من المنزل، إلخ.
  3. التواصل كل يوم على الأقل.
  4. محاولة تقديم معلومات آنية بدلاً من انتظار معرفة جميع الإجابات.

الخطوة الثالثة: تواصل بانتظام مع العملاء

التواصل مع العملاء يستلزم نهجاً مختلفاً عن المتبع مع الموظفين لأن الشركات لا تمتلك إمكانية الوصول نفسها إلى تلك الفئة ولا وتيرة التواصل نفسها. لذا ينبغي للشركات:

  1. التركيز على ما هو مهم بالنسبة إلى العميل، على سبيل المثال، بإرسال رسالة من الرئيس التنفيذي إلى العملاء توضح أن الشركة تتبع إجراءات تنظيف معززة وأنها تستعين بموظفين إضافيين لنقل الطلبات وتوصيلها.
  2. تقديم العون قدر الإمكان، كما فعلت شركة "جيت بلو" (JetBlue) التي كانت أول شركة طيران تعفي الركاب من رسوم تغيير تذاكر الطيران وإلغائها بسبب المخاوف من انتشار فيروس كورونا. وقد ساعد هذا الإجراء على طمأنة العملاء الحاليين وجلب عملاء جدد. وتحاول شركة "سي في إس كيرمارك" (CVS Caremark) التغاضي عن قيود إعادة الطلب المبكر المفروضة على أدوية المداومة الموصوفة للأمراض المزمنة التي تتطلب شهراً. وعلى النقيض من ذلك هو موقف شركات التأمين التي لا ترى أن فيروس كورونا سبباً وجيهاً لإلغاء رحلة طيران.
  3. التركيز على إبداء التعاطف وليس محاولة خلق فرص للبيع، حيث ينبغي للشركات إعادة النظر في استراتيجيات الإعلان والترويج لتواكب الأزمة بشكل أكبر.

اقرأ أيضاً: كيف أثبتت أزمة فيروس كورونا أننا بحاجة إلى سلاسل توريد أكثر مرونة؟

بالطبع يصبح التواصل خلال الأزمات أكثر صعوبة عندما تكون مؤسستك هي محور الأزمة. فقد أشار الكثيرون إلى الطريقة التي تعاملت بها شركة "جونسون آند جونسون" (Johnson & Johnson) مع أزمة عقار تايلينول على أنها المعيار الذهبي. خلال خريف عام 1982، توفي 7 أشخاص بعد تناول عقار "إكسترا سترينث تايلينول" (Extra Strength Tylenol) الذي كان آنذاك من مسكنات الألم الأكثر مبيعاً في السوق. فقد حُقنت كبسولات تايلينول بمادة السيانيد بواسطة شخص ما لم يُتعرف عليه حتى الآن. وبناءً عليه سحبت الشركة أكثر من 30 مليون زجاجة من عقار تايلينول ثم أعادت طرحه مزوداً بغلاف يصعب العبث به.

ولكن "جونسون آند جونسون" أرست أيضاً مجموعة من الممارسات للتواصل أثناء الأزمة، بما في ذلك التحدث مع عملائها في وقت مبكر وبصفة متكررة وبشكل مباشر، حيث أطلقت تحذيراً وطنياً ليتوقف الناس عن شراء العقار وتناوله. كما وفرت خطاً هاتفياً مجانياً للرد على استفسارات المستهلكين والتعامل مع مخاوفهم. وعقدت مؤتمرات صحفية بصفة منتظمة من مقر الشركة. لقد اتخذ قادة "جونسون آند جونسون"، وتحديداً رئيس مجلس إدارتها جيمس بيرك، إجراءات استثنائية للتواصل مع العملاء وفعل ما هو صواب. ويُرجِع الكثيرون الفضل في منع الأزمة من التطور إلى شفافيته وسلوكه الهادئ، ما سمح للشركة باستعادة 95% من حصتها السوقية في غضون بضعة أشهر وتحسين سمعتها في النهاية.

الخطوة الرابعة: طمئن المساهمين

تسبب وباء فيروس كورونا في حدوث تقلبات شديدة في الأسواق المالية في الأسبوعين الماضيين ولاسيما فيما يخص موضوع التواصل خلال الأزمات. إذ إنه حوّل ما كانت سوقاً منتعشة بشكل مذهل إلى سوق معرضة للركود. ومع اقتراب موسم الإعلان عن الأرباح، تقع على عاتق الشركات العامة المدرجة مسؤولية خاصة لتوضيح تأثير الفيروس على عملياتها. على سبيل المثال، نشرت شركة "سكادن" (Skadden) المتخصصة في الشؤون القانونية الدولية الاعتبارات التي ينبغي مراعاتها عند تقديم الإقرارات لهيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية SEC. وقدمت جوان وونغ، أحد كبار المدراء الإداريين في شركة "إف تي آي كونسالتينغ" (FTI Consulting) هذه النصيحة السديدة لإدارة علاقات المستثمرين:

  1. تحلَّ بالشفافية عند توضيح التحديات قصيرة الأجل.
  2. استغل الأزمة باعتبارها فرصة لترسيخ المبادئ الأساسية للشركة على المدى الطويل.
  3. وضّح الجهود التي تبذلها الشركة لحل المشكلة.

علاوة على ذلك، ينبغي لك إيلاء الاهتمام إلى التوجيهات المتعلقة بالسفر ووضع خطط للاتصالات قرابة موعد الاجتماع السنوي بما في ذلك توفير البث عبر شبكة الإنترنت للمساهمين.

الخطوة الخامسة: كن استباقياً في مساعدة مجتمعك

كل ما يحدث داخل المؤسسات نتيجة لتداعيات فيروس كورونا يؤثر على الجميع في المجتمعات المحيطة بها. لذا، على الأقل ينبغي للمؤسسات بذل قصارى جهدها للتأكد من أن إجراءاتها لا تؤثر سلباً على أفراد المجتمع، بل ويمكنها أيضاً التفكير في الأزمة على أنها فرصة لتعزيز العلاقات مع المجتمعات المحلية التي تعمل فيها من خلال:

  1. توفير موارد مثل مواد التنظيف أو الأغذية لمن هم في الحجر الصحي.
  2. تقديم المعلومات إلى وسائل الإعلام المحلية للمساعدة على تهدئة المجتمع وتعزيز مصداقيتها في الوقت ذاته.
  3. توخي الشفافية حول ما يحدث داخل الشركة وليس التزام الصمت.

يمكنك أيضاً مشاركة الطرق التي تستخدمها لمساعدة مجتمعك المحلي أو الوطني أو العالمي أثناء الأزمة. على سبيل المثال، وكما تقول لورين سميث الرئيسة التنفيذية المشاركة لشركة الاستشارات "إف إس جي" (FSG)، يمكنك استخدام نشاطك الخيري لتقديم المساعدة. ومن الأمثلة على ذلك، شركة "كارجيل" (Cargill)، التي تمتلك أكثر من 50 موقع عمل وأكثر من 10 آلاف موظف في الصين، حيث أعلنت تبرعها بمبلغ 2 مليون يوان لـ "جمعية الصليب الأحمر الصينية" (Chinese Red Cross) كما أرسلت مئات الآلاف من أقنعة الوجه إلى المناطق المتضررة.

اقرأ أيضاً: كيف تحضر شركتك لمواجهة الأزمات؟

عند التعامل مع حالة التواصل خلال الأزمات ةعدم اليقين، يحتاج القادة إلى النظر إلى التواصل من منظور الفئات المتأثرة والتعاطف معهم وليس الخوف من القيام بتصرف خاطئ. وهذا يتطلب من الشركات المحافظة على التواصل حتى عندما لا يتوفر لديها جميع المعلومات، والكشف عن المعلومات الحساسة بقدر ما تستطيع، والحرص على تصحيح الأخطاء دون القلق من التداعيات. وقد قالت بطلة التنس بيلي جين كينغ ذات مرة: "الأبطال حقاً هم مَن يستمرون في اللعب إلى أن يحققوا ما يطمحون إليه".

اقرأ أيضاً: قيادة الأزمة وليس إدارتها

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي