قد يكون العمل تحت قيادة مدير يواجه صعوبة في اتخاذ قرار بشأن سير العمل أو يغير رأيه باستمرار أمراً محبطاً جداً، وقد تبذل جهداً دون إحراز أي تقدم أو تُضطر إلى تبديل خطط العمل فجأة، ومن المرجح أن تتأثر مصداقية فريقك في المؤسسة. إذاً كيف يمكنك مساعدة مديرك الذي يبدي ضعفاً في اتخاذ القرارات؟ وإذا لم يكن مديرك قادراً على القيادة بفعالية، فهل يمكنك تولي زمام المبادرة وأخذ مكانه؟

ما الذي يقوله الخبراء؟

يقول مدير مركز القيادة في كلية تاك للأعمال في جامعة دارتموث ومؤلف كتاب “المدراء المتميزون: كيف يدير القادة الاستثنائيون تدفق المواهب” (Superbosses: How Exceptional Leaders Manage the Flow of Talent)، سيدني فينكلستين، إن العمل تحت قيادة رئيس متردد موقف صعب ومحبط بلا شك. سيدفعك عدم وجود اتجاه واضح إلى الارتباك وعدم اليقين بشأن ما يجب فعله. من جانبها، تقول أستاذة كرسي ديفيد بوتروك للإدارة في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا، نانسي روثبارد، إنه بالإضافة إلى الانزعاج اليومي، قد تساورك المخاوف أيضاً بشأن آفاقك المهنية، وتضيف: “قد تقلق من تضرر سمعتك وأن ذلك سيؤثر على طموحك المهني، وتتساءل: إذا لم تكن المؤسسة تأخذ مديرك على محمل الجد، فهل سينظر إليك القادة على أنك عديم الفعالية لأنك تعمل معه”. فيما يلي بعض الاستراتيجيات للتعامل مع مديرك المتردد غالباً.

شخّص الموقف

وفقاً لفينكلستين، فإن الخطوة الأولى في التعامل مع مدير متردد هي فهم أسباب سلوكه. راقب أحداث بيئة عمل مديرك ودينامياتها، فقد تحمل بعض الأدلة حول سبب تصرفه بهذه الطريقة. حاول التعاطف معه. يقول فينكلستين: “إن مديرك ربما تعرض لانتقادات شديدة من مديره بسبب المخاطر التي ورّط الشركة بها في المرة السابقة، ومن المحتمل أن يكون تردده ناجماً عن الخوف من ثقافة اللوم السائدة في المؤسسة، أو ربما تعود عدم قدرة مديرك على إحراز تقدم إلى نقص خبرته أو تجنب المخاطرة بطبعه”. في أثناء تشخيص المشكلة، من الضروري النظر ملياً في تحيزاتك للتأكد من أنك لا تبالغ في تقدير عجز مديرك عن اتخاذ القرار أو تسيء تفسيره كما يقول فينكلستين. فكر في احتمال وجود سبب لسلوك مديرك المحبط هذا؛ على سبيل المثال، هل يتقصد مديرك عدم تقديم تعليمات مفصلة لكل مهمة يوكلها إليك لمعرفة إذا ما كنت قادراً على التميز؟ تتفق روثبارد وتقول: “قد لا يكون لديك وصول إلى جميع المعلومات بصفتك مرؤوساً؛ فربما هناك العديد من الأسباب التي لا تعرفها وتدفع مديرك للتردد في اتخاذ القرار. يمكن تبرير التردد في مواقف معينة بالطبع، فإذا كانت القضية التي يواجهها صعبة ومعقدة، فليس من الحكمة التسرع باتخاذ القرار، وقد يحتاج مديرك أحياناً إلى مزيد من الوقت للتفكير ملياً بها”.

ابنِ الثقة

إذا حددت أن أصل المشكلة التي يعانيها مديرك هي شعوره بالنقص، فوظيفتك هي منح الثقة لمديرك من خلال إظهار كفاءتك العالية وجدارتك بالثقة بصفتك مرؤوساً مباشراً له كما يقول فينكلستين، ويضيف: “اعتبر هذا التحدي فرصة لك لمساعدة مديرك على إيجاد مسار أو حل”. إذا كان تردد مديرك نابعاً من حقيقة أن القرار معقد ونتائجه غير واضحة، تقترح روثبارد أن تساعد مديرك على تقييم أفكاره، بمعنى أن تكون مستعداً لمناقشة مزايا الإجراءات المختلفة وعيوبها وتقييمها. اطرح أسئلة ذكية وقدم بيانات مفيدة وذات صلة واعرض وجهة نظرك حول القضية المطروحة.

تحمَّل المسؤولية

إذا كانت لديك رؤية ثاقبة حول كيفية اتخاذ قرار معين، ولكن مديرك لا يزال عالقاً في الشلل التحليلي، فمن الضروري أن تتبنى نهجاً مختلفاً. تقول روثبارد موضحة: “قد لا يساعد إغراق مديرك بمزيد من البيانات للبحث فيها في المضي قدماً لاتخاذ القرار، ويجب عليك في مثل هذه الحالات مساعدته في فرز البيانات وتحليلها، ومن ثم تقديم تفسير منطقي لتوصيتك”. ويقول فينكلستين إنه من المفيد أيضاً تمكين مديرك من تفويض المهام إليك دون اتباع الإجراءات الرسمية المعقدة، يمكنك أن تقول له لمساعدته في ذلك مثلاً: “لقد فكرت كثيراً في هذه المشكلة وهناك بعض الطرق التي تمكننا من معالجتها، هل يمكنني تجربة طريقة أو اثنتين منها ثم إبلاغك بالتقدم الذي أحرزته؟” يخفف تحمل مسؤولية الموقف عبء صناعة القرار عن كاهل مديرك، فمن الأسهل بكثير عليه الاختيار بين بضعة خيارات مقارنة باتخاذ إجراء أو عدمه كما يقول فينكلستين، ويضيف: “إن الهدف هو تمكين مديرك تدريجياً من الوثوق بك والاعتماد عليك”.

تحدَّث إلى مديرك

اعتماداً على مدى تقبل مديرك للملاحظات، قد يكون من المفيد إجراء محادثة صادقة ومحترمة معه حول كيفية تأثير تردده عليك وعلى بقية الفريق. تقول روثبارد في هذا الصدد: “لا تهاجمه أو تتصادم معه في المحادثة، بل تبنَّ نبرة تشير إلى إقرارك بنواياه الحسنة وتوضح له أنك إلى جانبه”. وتقترح روثبارد التطرق إلى الموضوع بقول شيء مثل: “أشعر بالقلق من أننا اتفقنا على أن نكون يداً واحدة في الماضي، والآن يبدو أننا نتراجع عن ذلك، وهذا يؤثر في معنويات الفريق”. ويضيف فينكلستين أن المحادثة يجب أن تكون بنّاءة ووجهاً لوجه، وأنه من الحكمة بالطبع تقديم طريقة تحفظ ماء وجه مديرك وتتيح له التعامل مع المشكلات في الوقت نفسه. ولكن إذا لم تكن علاقتك مع مديرك قوية أو لا يبدي انفتاحاً على الملاحظات، فقد ينظر إلى محاولة مناقشة عجزه على أنها خطوة عدوانية.

ابحث عن حلفاء

ثمة طريقة أخرى لتسريع عملية صناعة القرار وهي تشكيل تحالف مكون من أشخاص تربطك بهم علاقة جيدة إلى حد معقول ولديهم تأثير على مديرك كما يقول فينكلستين. لا تكشف لهم عن كل شيء ولا تشتكي لهم بالطبع، كل ما عليك فعله هو طلب نصيحتهم بشأن ما يجب القيام به. ويقترح فينكلستين أن تقول لهم مثلاً: “أحاول اكتشاف أفضل طريقة لتحقيق أهداف فريقنا. هل لديكم أي مقترحات؟” إذا اتفق العديد من الأشخاص على مسار عمل معين، فقد يوفر ذلك دافعاً إضافياً لمديرك لاتباع توصيتهم.

احمِ نفسك

يقول فينكلستين إن التعامل مع مدير متردد لن يؤثر سلباً في إنتاجيتك اليومية فحسب، بل قد يضر أيضاً بسمعتك الداخلية وتطور مسارك المهني. ففي النهاية، إذا لم يكن لديك سجل من الإنجازات، فما الذي ستحتويه سيرتك الذاتية إذاً”. إذا استنتجت أخيراً أن تردد مديرك يضر بإمكاناتك المهنية، فإن روثبارد تنصح بأن تنأى بنفسك وتحمي مسارك المهني من سلوك مديرك من خلال تطوير علاقاتك وشبكة معارفك داخل المؤسسة، وتقترح أيضاً البحث عن موجهين في أقسام أخرى من المؤسسة يمكنهم دعمك ومساندتك. إذا استمرت مشكلة تردد مديرك، فقد يتعين عليك أيضاً البحث عن فرص للانتقال إلى مكان آخر.

مبادئ يجب تذكرها

ما ينبغي لك فعله

  • اكتسب الثقة من خلال إظهار كفاءتك وأدائك العاليين واستعدادك لمساعدة مديرك على تقييم أفكاره.
  • تولَّ زمام المبادرة من خلال مساعدة مديرك في تحليل البيانات ذات الصلة ثم قدِّم توصية واضحة ومدروسة جيداً.
  • ابحث عن الزملاء الذين لديهم تأثير على مديرك واطلب نصيحتهم حول كيفية التعامل مع الموقف.

ما ينبغي لك تجنبه

  • أخذ سلوك مديرك على محمل شخصي؛ بل حاول فهم أسباب تردده.
  • العدوانية أو المواجهة إذا قررت التحدث إلى مديرك عن سلوكه.
  • البقاء طويلاً تحت قيادة مدير لا يمكنه اتخاذ قرار؛ إذ يمكن أن يضر ذلك بسمعتك الداخلية وتطورك المهني على المدى الطويل.

دراسة حالة رقم 1: اطلب المشورة من الآخرين واكتشف جذور تردد مديرك

عمل أليكسي روبيشو في بداية مساره المهني تحت قيادة مديره، فرانك، الذي كان يظهر التردد من حين لآخر.

يقول أليكسي متذكراً: “أحياناً يكون حاسماً جداً، ولكنه لم يكن قادراً على اتخاذ قرار في حالات أخرى وكان الأمر محبطاً جداً. كنت ما أزال في بداية مسيرتي المهنية، وألقيت باللوم على نفسي؛ اعتقدت أنني ارتكبت خطأ ما ولم أفعل ما يكفي لمساعدته على اتخاذ قرارات جيدة”.

لكن أليكسي كان مصمماً على تحسين الموقف، يقول: “أدركت أنه يمكنني إما اختيار أن أكون ضحية لتردده وإما محاولة مساعدته في المضي قدماً”.

تمثلت استراتيجية التكيف الأولى التي تبناها أليكسي في طلب المشورة من كبار القادة الآخرين في المؤسسة ممن تعاملوا مع فرانك مدة طويلة، وسألهم عما لا يعرفه، فأخبره أحد الزملاء أن فرانك كان شغوفاً بالشركة وتصميم المنتج ولكنه كان يفتقر إلى الخبرة الإدارية: “كان فرانك ماهراً جداً في مجاله، لكنه اعتاد أن يكون مسهماً فردياً مبدعاً وليس مديراً”.

ساعد هذا المنظور أليكسي في فهم جذور تردد فرانك وإدراك أنهما متشابهان تماماً، يقول: “نشترك كلانا في الميل نحو التفكير الحدسي بدلاً من اتباع الأساليب المنهجية أو العقلانية. في الحقيقة، أقر بعدم معرفتي أيضاً بكيفية اتخاذ القرارات، لذلك شعرت بتعاطف أكبر مع فرانك. أراد كلانا الأفضل للمؤسسة”.

لم يمض وقت طويل بعد ذلك إلى أن وجد فرانك وأليكسي وبقية الفريق أنفسهم أمام تحدٍ استراتيجي للمؤسسة؛ ابتكر الفريق منتجاً جديداً، ولكن التكنولوجيا كانت محدودة في ذلك الوقت، ولم تكن البنية التحتية لخدمات التخزين السحابي متطورة جداً، ولم يكن تصميم الحل أنيقاً من الناحية الجمالية.

كان فرانك متردداً بشأن اتخاذ قرار إطلاق المنتج واستغرق وقتاً طويلاً في التفكير في الأمر، يقول أليكسي موضحاً الموقف: “لم يتخذ فرانك قراراً صريحاً برفض فكرة طرح المنتج، بل كان يقول دائماً إنه يحتاج إلى مزيد من الوقت للنظر في الأمر، وسيناقش الأمر لاحقاً”.

ازداد إحباط الفريق من الموقف، ولكن نظراً إلى تقدير أليكسي لاهتمام مديره الكبير بالناحية الجمالية للتصميم وهوسه بالكمال، فقد قرر أن يثبت لفرانك أن المنتج كان أفضل ما يمكن أن يكون عليه في ظل هذه الظروف.

وهكذا بدأ أليكسي بإطلاع فرانك على تحديثات مفصلة بعد كل اجتماع مع الفريق الهندسي يصف فيها النقاشات التي حددت الإيجابيات والسلبيات في السيناريوهات المختلفة. يقول أليكسي إنه أراد التأكيد لفرانك أن الفريق الذي يعمل على المنتج يضمّ أفضل الخبراء التقنيين في الشركة وأنهم يبذلون قصارى جهدهم، وإظهار أنهم كانوا مقيدين بالتكنولوجيا فقط.

وافق فرانك في النهاية على التقييم وطرح المنتج في السوق.

اليوم أليكسي هو المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة بتر أب (BetterUp) التي تتخذ من سان فرانسيسكو مقراً لها والمتخصصة بربط الموظفين ببرامج التدريب المهني المُعتمد على المستوى التنفيذي.

دراسة حالة رقم 2: ابنِ الثقة وضع في اعتبارك التحدث إلى مديرك حول سلوكه

منذ عدة سنوات، كان كايل ليبرا أول موظف في شركة برمجيات ناشئة سريعة النمو. كان مديره، تشارلي، يتردد في كل شيء تقريباً.

يقول كايل: “طلب مني تشارلي في إحدى المرات تقديم عرض عمل لإحدى المرشحات للعمل في الشركة، وهو ما فعلته. ثم عاد بعد بضعة أيام وأخبرني أنه يجب علينا محاولة مراجعة العرض وتقديم راتب أقل لها. أراد الانخراط أيضاً في اتخاذ القرارات بشأن أصغر تفاصيل التصاميم، لكنه كثيراً ما كان يغير رأيه بها. طلب منا أن في أحد الأيام أن يكون تصميم الأزرار على منتجنا دائرياً قليلاً؛ وبعد أسبوعين، غير رأيه وأصر على أن تكون الأزرار مربعة الشكل تماماً”.

على الرغم من الصعوبات التي واجهها كايل مع تردد تشارلي، فقد كان يتفهم موقفه. يقول موضحاً: “يشغل تشارلي منصب الرئيس التنفيذي لأول مرة، وأعتقد أنه يشعر بأنه غارق في المسؤوليات والمهام التي يجب عليه توليها. تخيلت نفسي مكانه وفكرت في التعامل مع التحديات من وجهة نظره”.

أدرك كايل أنه بحاجة إلى كسب ثقة تشارلي ومن ثم إظهار أن تغيير رأيه باستمرار يؤثر سلباً على الفريق أيضاً. قدم لتشارلي في البداية تحليلاً لتقييمات العملاء أظهر أن طرح منتجات الشركة لاقى صدى طيباً لديهم، وكان الهدف من ذلك تبديد شكوك تشارلي ومخاوفه من خلال التأكيد أن الفريق يعرف تماماً ما يفعله.

بعد ذلك، تحدث إلى تشارلي عن سلوكه. يقول كايل موضحاً: “لم تكن المناقشة شخصية، لكنني حاولت أن أكون صريحاً قدر الإمكان”. ومجدداً، استخدم كايل البيانات لإثبات وجهة نظره، يقول: “عرضت عليه رسماً بيانياً يظهر نتائج فريق المؤسسة الهندسي وأوضحت له كيف أن تردده في اتخاذ القرار يضر بكفاءة الفريق. لا يمكن للفريق أداء عمله إذا كان تشارلي يعوقه”.

نجح كايل في إقناع تشارلي بتفويض المزيد من مهامه، ويقول: “مع مرور الوقت، رأى تشارلي أن الأمور تسير بسلاسة ووثق بنا لاتخاذ قرارات جيدة”.

ترك كايل الشركة بعد عامين وهو الآن مدير منتجات الإنترنت في شركة وورك ماركت (Work Market) التي تتخذ من مدينة نيويورك مقراً لها والمتخصصة في ربط الشركات بالموظفين المستقلين.