كيف تتعامل مع فجوة المهارات؟

6 دقائق
مقابلة مع كاثي بينكو

هل العالم المتقدم على وشك الدخول في أزمة مهارات؟ هذا التحدي واضح وجلي، إذ قلّصت سرعة التغير التقني المتسارع من صلاحية المهارات التي يكتسبها خريجو الجامعات حتى أصبحت بضع سنوات فقط.

في مسح شركة "ديلويت" لعام 2013 للمدراء التنفيذيين في الشركات الكبيرة، قال 39% من هؤلاء المدراء أنهم إما "يستطيعون بالكاد" أو هم "غير قادرين" على الوفاء باحتياجاتهم من المواهب. وأصبحنا جميعاً معتادين بدرجة كبيرة على رؤية عناوين أخبار تنقل قيام شركات كبرى باستبدال الآلاف من موظفيها بموظفين أكثر منهم مهارة في التقنية الرقمية.

تقوم كاثي بينكو، نائب الرئيس في شركة "ديلويت"، بدراسة الطرق المختلفة التي تسعى خلالها الشركات إلى منع حدوث أزمة مهارات بها أثناء تحولها إلى العالم الرقمي. في مقابلة أجرتها مؤخراً مع جون دونوفان، الرئيس التنفيذي للاستراتيجية ورئيس مجموعة "إيه تي آند تي"، تصف كاثي كيف تسابق "إيه تي آند تي" الزمن من أجل إعادة اختراع نفسها مع تحول المجال الذي تعمل فيه من استخدام الكابلات الأرضية لاستخدام الاتصالات اللاسلكية. وبدلاً من أن تقوم "إيه تي أند تي" بتعيين مهارات جديدة بالجملة، اختارت الشركة أن تقوم بشكل سريع بإعادة بناء مهارات 100,000 من موظفيها الحاليين.

وفي مقابلة أجرتها مع هارفارد بزنس ريفيو، قامت بينكو بمناقشة جهود "إيه تي آند تي"، كما قدمت النصح لمدراء الموارد البشرية وللمدراء المستقلين حول الطريقة التي يستطيع من خلالها الموظفون في عصرنا الحالي تجنب أن يعفو الزمن على مهاراتهم. وفيما يلي نسخة منقحة من تلك المقابلة.

هارفارد بزنس ريفيو: تمتلك الشركات خيارين للوفاء بنقص المهارات، فإما اللجوء لسوق العمل خارج الشركة، أو التركيز على تطوير سوق العمل داخل الشركة. ما هو الخيار الذي أثبت أنه أكثر فعالية في الوقت الحالي؟

كاثي: "نحن في خضم "تحول للمهارات"، حيث تمتلك 20% فقط من القوى العاملة في الوقت الحالي المهارة التي تحتاجها 60% من الوظائف التي سيتم خلقها في غضون فترة زمنية قادمة تتراوح بين 5 إلى 10 سنوات. ومن هنا تُدرك الشركات الحاجة لحدوث تحوّل كبير. فركزت وزميل لي في مقال نشرته هارفارد بزنس ريفيو على شركة "إيه تي آند تي"، وذلك لقوة اعتقادها في منح موظفيها الفرصة (للموظفين الذين حملوا على عاتقهم بناء اسم الشركة على مدار العقد المنصرم) لضمان أن تظل مهاراتهم مطلوبة خلال عملية إعادة بناء المهارات الشاملة. فقد سعيت مع جون لتقديم نظرة ثاقبة حول التحوّل في المهارات الذي تقوم به "إيه تي آند تي"، وكذلك سرد قصة ما يحدث بتلك الشركة، إضافة إلى تقديم تصميم أولي يمكن أن يساعد الشركات الأُخرى عندما يبدؤون رحلاتهم الخاصة في التحول.

عندما يتعلق الأمر بإطلاق طاقة قوة العمل لديك، فإنّ المشاركة تعد الوصفة السحرية لتحقيق ذلك.

مركز جمع المعلومات  

لا يوفر منهج "أيه تي آند تي" مجرد فرصة للموظفين من أجل ترسيخ ولائهم للشركة، بل إنه يضمن كذلك سلامة واستمرارية المعرفة المؤسسية والشبكات غير الرسمية التي تجعل عجلة العمل في الشركة تدور. كما يقر أنه وبينما تستطيع الشركة (وتقوم بالفعل) بتوظيف مهارات جديدة، فإنّ وفرة الموهبة الفنية التي تندرج تحت "المهارات العالية" تعد محدودة كما أنّ المنافسة على توظيفها تتسم بالشراسة.

تقلّصت الدورة الزمنية للتقنية الجديدة وسوف تستمر في هذا التقلّص. وفي خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً، يكون مصير المهارات الجديدة المطلوبة في الوقت الحالي مثل علوم الإنسان الآلي (الروبوت) والبرمجة والإنترنت ومثيلاتها إما التطور أو الزوال. ومن ثم، فمن الحصافة أن يتم الاستثمار، على غرار ما تقوم به "أيه تي آند تي"، في بناء ثقافة إعادة الابتكار المستمر، بدلاً من الاعتماد على استبدال المواهب بالجملة.

يشعر المرء أنّ هذه المشكلة أكبر من أي شركة بمفردها، ما الذي تعتقدين أنه ينبغي على صناع القرار القيام به لعلاج تلك المشكلة؟

يلعب نظام التعليم دوراً مهماً هنا. إذ تقوم كبرى المؤسسات الأكاديمية بالنظر في تلك المشكلة، ويقوم بعضها (ومن بينهم كلية الاقتصاد في جامعة هارفارد) بالتوسّع في برامجها التي يتم تقديمها أثناء المسيرة المهنية للشخص، وليس فقط في الإعداد لبداية تلك المسيرة. لقد عفا الزمن على مفهوم نهاية التعليم عند مستوى التخرج من الكلية أو عند الحصول على درجة الماجستير أو حتى الدكتوراه.

ما التغير السلوكي الذي ينبغي أن يحدث على مستوى الموظفين والمدراء لضمان احتفاظهم بأهميتهم؟

يجب إدراك أنّ منهج السلم الوظيفي المنتظم القديم المتبع في تطوير المسيرة المهنية أفسح المجال للشكل الأفقي أو "الشبكي" الذي يميّز الشركات في العصر الرقمي، والذي يتسم بمسيرات مهنية ذات اتجاهات متعددة، وما تتضمنه من مسؤوليات تأتي تبعاً لذلك. وهناك رئيس تنفيذي واحد لمسيرتنا المهنية، ألا وهو نحن أنفسنا. وبالتالي، وبوصفنا رؤساء تنفيذيين، فإنّ كل واحد منا يضطلع بمسؤولية لعب دور فعّال في ضمان أن تكون مهاراتنا ذات صلة وكذلك في بناء مسيرتنا المهنية بصورة مستمرة. وتتمثل إحدى طرق القيام بذلك في تقييم مهاراتنا وقدراتنا وفقاً لسوق العمل، ثم العمل على تنمية المهارات التي تناسب سوق العمل. كما أنه عليك تصفح إعلانات الوظائف على الإنترنت من وقت لآخر حتى نبقى مطلعين على المهارات التي يطلبها السوق، علاوة على ما يستجد من مهارات. ويُعد التفكير باستخدام مفهوم "القيمة الاختيارية للمسيرة المهنية" من الطرق الأُخرى لتنمية مسيرتك المهنية، وهو أن تجعل نفسك مطلوباً بالنسبة للعديد من الاحتمالات المهنية الجديدة، وذلك من خلال زيادة مجموعة مهاراتك وشبكاتك وخبرتك.

هل هناك خطورة في توقع ما سيكون عليه حال سوق العمل بعد ثلاث إلى خمس سنوات من الآن، وبالتالي معرفة المهارات التي ينبغي تطويرها؟

تقل أهمية التوقيت المستقبلي المحدد عن النقطة المتمثلة في الاستمرار بمراقبة المستقبل، وكذلك مراقبة الطريق الذي نمضي فيه. على سبيل المثال، إذا كان المرء يعمل كمهندس فليس من الصعب التكهن أنه في بضع سنين من الآن سيكون امتلاك خبرة في مجال الإنسان الآلي أو الواقع المعزز من الأمور المطلوبة، بمعنى أنها تخلق قيمة اختيارية. وأهم ما في الأمر فيما يتعلق بعالم التطور الوظيفي الشبكي، هو ضرورة أن يكون إعادة الاختراع المهني المستمر أمراً يؤمن به المرء بوصفه من القدرات الجوهرية. وتعد القدرات والخبرات والعلاقات التي كانت وراء حصولك على الوظيفة الحالية قابلة للنقل في المستقبل. وبدلاً من صعود السلم كما كنت تفعل في الماضي، فقد يكون من المفيد لك أن تأخذ في الاعتبار تحركات عرضية أو جانبية. مثلاً، يمكن لموظف مركز بيانات أن يُحقق تمحور مهاري والذي يؤدى إلى عمله في وظيفة عالم بيانات كما فعل البعض في شركة أيه تي آند تي.

ماذا عن بعض الحلول لبرنامج إعادة بناء المهارات الناجح على المستوى المؤسسي؟

سوف أعود هنا لمثال "أيه تي آند تي"، وذلك لأنني أعتقد أنّ معالجة الممارسات المتعلقة بالموهبة وكذلك التغيرات الثقافية هي من بين الأمور التي قاموا بتحقيقها بصورة جيدة للغاية، حيث يُعد الأداء والتنقل الوظيفي من جوانب تلك العملية. وعلى الرغم من التقدير الذي يحظى به الموظفون ممن يخدمون في الشركة لفترة طويلة، إلا أنّ هناك تحذير في الوقت الراهن بعدم المكوث لأكثر من اللازم في وظيفة واحدة. وتكمن الفكرة وراء ذلك في أنه لو قام الموظف بقضاء أكثر من 3 إلى 5 سنوات في الوظيفة ذاتها، فإنّ ذلك يشير إلى أنه ربما لا يُنمّي نفسه من خلال بناء قدرات جديدة وتوسيع شبكته. كما أنّ الأجر هو من بين النواحي التي تم التقليل فيها من شأن الأقدمية في شركة "أيه تي آند تي". وعوضاً عن ذلك يتم استخدام علاوات على الأجر مثل المكافئات لتحفيز الموظفين من ذوي الأداء المرتفع ولتقدير من يمتلكون "المهارات الوظيفية العالية"، وذلك دون تحويلها إلى استحقاق تتوقف عليه الزيادات المستقبلية في الأجر.

هل نخاطر بالسقوط في التحيز ضد كبار السن عندما نقلل من قيمة مدة الخدمة بهذه الطريقة؟، وكيف تضمنين عدم افتراض أنّ كل موظف كبير في السن لا يمتلك المهارات التي نحتاجها؟

على العكس من ذلك، أعتقد أنّ برامج مثل البرامج التي تُطبق في "أيه تي آند تي" توفر فرصاً للحفاظ على التركيب العمري للموظفين في حالة مناسبة، وتقلل فرص الاستغناء عن الموظفين من أصحاب المهارات ذات الصلة. وعلى الرغم من زيادة احتمال حاجة موظف التقنية من مواليد الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين لأن يكرّس وقتاً أكبر لاكتساب مهارات جديدة ربما تعلمها موظف أصغر سناً في الجامعة، إلا أنّ الأخير سيحتاج أيضاً لتعلم كيفية إعادة بناء أدواته حتى تصبح تلك المهارة من ضمن مهاراته الأساسية، وذلك مع مرور الزمن واستمرار تطور التقنيات. وكما يقول المثل: "التجربة خير برهان"، فاز الموظفون الحاليون في شركة "أيه تي آند تي" بـ 50% من الوظائف الجديدة في الشركة. وبلغ متوسط الفترة التي قضاها هؤلاء في الشركة 22 سنة، ما يعني أنّ تلك الوظائف لم تكن جميعها من نصيب الموظفين الجدد.

كيف تدفعون الموظفين للمشاركة وتحفزونهم على تعلم مهارات جديدة، مع العلم أن المشاركة تُعتبر تحدياً في العمل الاعتيادي ذاته؟

كانت المشاركة منذ القدم نقطة ضعف بالنسبة للمؤسسات. وإذا ما نظرنا إلى الإحصاءات الخاصة بالمشاركة، فسنجد أنّ أغلب الموظفين لا يشاركون بصورة فعّالة. ومن ثم، فعندما يتعلق الأمر بإطلاق طاقة قوة العمل لديك، فإنّ المشاركة تعد الوصفة السحرية لتحقيق ذلك. وبالنسبة لشركة "أيه تي آند تي"، فقد عمدوا إلى وضع مخطط أولي للقدرات التي سيحتاجونها في المستقبل. وعلاوة على ذلك، اتسمت الشركة بالشفافية مع موظفيها فيما يتعلق بمستقبلهم من خلال التواصل معهم برسائل من قبيل: "لدينا في الوقت الحالي الآلاف من مهندسي البرامج الجاهزة، ولكن ربما بعد بضع سنين من الآن سنحتاج فقط لبضع مئات منهم أو أقل. وسوف نوفر لك في حال وافقت على ذلك الفرصة لاكتساب مهارات حديثة وذات صلة بدرجة أكبر حتى تستكمل رحلتك المهنية معنا. وربما لا توافق على هذا الاختيار، ولكن عليك الأخذ بعين الاعتبار أنه كلما تقدمنا نحو المستقبل، قل احتمال احتياجنا لخدماتك".

تُعد شركة "أمازون" مثالاً آخر، وإن كان في مجال مختلف تماماً، حيث قامت الشركة بإطلاق برنامج جديد للمساعدة في دفع مصاريف الدراسة يسمى "اختيار المسار المهني". ويتميز البرنامج (إضافة إلى سخائه بإعادة 59% من مصاريف الدراسة) في إقراره أنه بينما سيقوم بعض الأفراد بالعمل لدي "أمازون"، سيقوم غيرهم باستخدامه كنقطة انطلاق للعمل في مكان آخر. ويتقبل البرنامج ذلك فيوفر للموظفين فرص للتدريب، واكتساب المهارات التي تؤدي لتحسين مسيرتهم المهنية. وتحول الموظفون في شركة "أمازون" من خلال هذا البرنامج إلى ممرضين وفنيي صيدلة وموظفي دعم فني في مجال تقنية المعلومات وسائقي شاحنات وجميع الوظائف التي يكثر الطلب عليها، والتي توفر فرصاً للتقدم على المستوى الشخصي والمهني.

تقدم كل من "أيه تي آند تي" و"أمازون" أمثلة باهرة لكيفية القيام بخلق استثمار عاطفي صادق مع الموظفين. فلو تمكنت من إقناع موظفيك أنهم مشاركون بصورة عميقة وأنهم جوهريون كذلك في عملية إعادة اختراع الشركة، فسيكون بمقدورك تحفيز المشاركة وزيادة الإنتاج والنجاح المشترك.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي