كيف تتحول من موظف نجم إلى مدير نجم

6 دقيقة

لطالما كنتَ أنت شخصاً بارعاً يحقق الإنجازات. فقد كنت الأول على صفك، والكابتن في الفريق الرياضي في مدرستك، والموظف النجم والرائع الأداء في شركتك. والآن عليك إدارة فريق فريق من الموظفين النجوم ضمن أحد الأقسام في شركتك، وهو القسم الذي يُعتبر مثار حديث الجميع في الشركة. وأنت واثق من قدرتك على مواجهة هذا التحدي وتحقيق النجاح الكبير في هذه المهمة.

أنت واثق من نفسك تماماً، وتضع أهدافاً واضحة لنفسك ولقسمك. وأنت تدرك تماماً بأنك تحتاج إلى الاعتماد على مهاراتك في مجال الذكاء العاطفي لفهم الديناميكية التي تحكم العلاقة بين أعضاء فريقك الجديد وتتمكن من التعامل معها. وأنت تركز على تحقيق أهدافك والوصول إلى النتائج المنشودة. ولكن لا يمر وقت طويل حتى تبدأ في مواجهة المشكلات، ففريقك لا يبدو متجاوباً مع خططك، ولا يؤدي المطلوب منه. والأسوأ من ذلك هو أن أعضاء فريقك لا يصغون إليك ويحاولون إسكاتك. وفي حركة يائسة من طرفك، تلجأ إلى عدد من المرشدين الموثوقين الذين سيخبرونك بما يلي:

"أنت ورثت فريقاً يمثل النخبة في الشركة. ولا نظن أن أعضاءه يحتاجون إلى مدير حتى، فهم جيدون جداً، ويمتلكون حافزاً كبيراً".

"هؤلاء هم نجومنا. ونثق من أنك قد لاحظت بأنك ثالث مدير جديد يعيّن خلال العامين الماضيين".

يتضح إذاً بأنه ليس من السهل إدارة فريق من الأشخاص ذوي الذكاء الفائق والإنجازات العالية، وخاصة عندما تكون أنت واحداً منهم. وبما أنك كنت نجم النجوم في وظائفك السابقة، فقد كنت تحقق كل هدف من أهدافك وفي كل مرة، ولم تكن تدع شيئاً يقف حجر عثرة في طريقك، حيث إنك كنت دائماً تنجز ما تريد. ورغم أنك كنت تتمتع بعلاقات رائعة مع زملائك في الفريق، لم تكن بحاجة إليهم فعلياً. أما الآن فقد أصبحت بحاجة إليهم لأنك لن تتمكن من تحقيق أهدافك حتى من دونهم، ناهيك عن تحقيق الأهداف التي وضعتها الإدارة. وأنت تدرك بأنك كنت تدفعهم بقوة لتحقيق أهدافك، وتساورك الشكوك بأن هناك شيئاً ما يرتبط بدافعك الذاتي هو ما يتسبب بالمشكلة هنا، وتريد حلاً لذلك.

لقد درس العالم العظيم الراحل ديفيد ماكليلاند، 3 حاجات أو محفزات إنسانية مهمة جداً في حالة إدارة الناس، وهي: الحاجة إلى تحقيق الإنجازات، والحاجة إلى السلطة، والحاجة إلى العلاقة مع الآخرين. وقد أشار إلى أن هذه المحفزات الثلاثة يمكن أن تخدمنا جيداً في عملنا وفي تفاعلنا مع الناس. ولكن إذا لم نتفهم هذه الحاجات ونتدبر أمرها، فقد تأتي بنتائج عكسية علينا. دعونا هنا ندرس كل واحد من هذه المحفزات بدوره.

الحاجة إلى تحقيق الإنجازات

من المحتمل أن يكون دافعك لتحقيق الإنجاز جزءاً مهماً من سبب نجاحك الكبير طوال حياتك. فأنت تحب التفوق والتميز، وتضع لنفسك أهدافاً تنطوي على الكثير من التحدي، ومن ثم تحاول تسخير كل مواردك الشخصية لتتمكن من تلبية توقعاتك الشخصية، بل وتجاوزها حتى. فأنت تريد أن تربح، وعادة ما يتحقق لك ما تريده. وتتوقع الشيء ذاته من أعضاء فريقك. هذا الأمر يمكن أن يكون أمراً جيداً، طالما أنك قادر على التحكم بدافعك إلى الإنجاز دون السماح له بالتحكم بك.

ولكن لسوء الحظ، يجد الكثير من الأشخاص ذوي الأداء الفائق والرائع صعوبة في إعادة توجيه دافعهم للإنجاز بعيداً عن أهدافهم الشخصية، وتوجيهه نحو إنجاح الآخرين. فعلى سبيل المثال، قد تعتقد بأنك تقدم يد العون إلى الناس عندما تتدخل لاستكمال تقرير يقومون هم بصياغته أو تضع "لمساتك النهائية" على عرض يحاول أحد أعضاء فريقك إعداده. لكن الناس في هذه الحالة يرون بأنك مهتم حقاً بأهدافك ومعاييرك، وليس بأهدافهم ومعاييرهم. وسرعان ما يتعلمون عدم الثقة بك. كما أن عدم صبرك الذي تظهره معهم، ومحاولتك لدفعهم، ونزعتك إلى تصحيح الأخطاء في أعمالهم، يمكن أن تكون مهينة لهم.

والطريقة الصحيحة التي يجب أن تستعمل بها دافعك الذاتي للإنجاز هي لمساعدة الآخرين في العثور على أهداف فيها تحديات كبيرة بالنسبة لهم وفي إعانتهم على تحقيقها. ويجب أن تتعلم الخروج من دائرة الضوء وتسليط الضوء على إنجازات الآخرين. فهذا الأمر يمنحهم شعوراً عظيماً، وهو مصدر إلهام لأقرانهم. وبطبيعة الحال، فإن حاجتك أنت إلى الإنجاز لن تختفي. ولكن كل ما عليك فعله هو أن تتعلم كيف توازن بينها وبين الاهتمام برغبة الآخرين في أداء عمل جيد، بشروطهم الذاتية. وهذا الأمر يحتاج إلى قدر هائل جداً من الذكاء العاطفي، بدءاً بالوعي الذاتي. بعد ذلك أنت بحاجة إلى الإحساس بالتعاطف مع الآخرين، وإلى الاستعداد لفهمهم، وإلى إدارتك لذاتك.

الحاجة إلى العلاقة مع الآخرين

نحتاج جميعاً إلى أصدقاء في مكان العمل. ولكن إذا كنت مديراً جديداً، فسيكون من الصعب كثيراً تحقيق التوازن الصحيح بين الجانبين المهني والشخصي في علاقتك مع مرؤوسيك المباشرين. فجزء من نجاحك حتى هذه اللحظة كان مرتبطاً بقدرتك على جعل الناس يحبونك. فأنت شققت طريقك نحو القمة دون أن تجعل الناس يكرهونك من خلال مصادقتك للجميع. وربما تكون هذه هي استراتيجيتك التي لاتزال تعتمد عليها حتى الآن.

لكنك يجب أن تكون حذراً للغاية. فالحدود الموجودة بينك وبين موظفيك هي حدود حقيقية. فهم "يعملون" لصالحك. هذا لا يعني أنه لا يمكنك أن تكون ودوداً وإنسانياً. بل يمكن القول إنك إذا تعلمت كيف تكون صادقاً وحميمياً مع الأشخاص الذين يعملون تحت إمرتك، فإن ذلك سيخدمك مدى الحياة. ولكنك يجب أن تكون حذراً من عامل الغيرة. لا شك في أنك قد أثرت شيئاً من مشاعر الحسد وأنت في طريقك إلى الصعود. والآن بعد أن أصبحت مديراً، قد تنقلب مشاعر الحسد إلى غيرة، والغيرة هي حالة خطرة وهدامة، لك ولهم. ورغم أنك غير قادر على التحكم بمشاعر الآخرين، يمكنك فعل بعض الأشياء لتساعد الناس على تجاوز هذه الحالة. لا تحاول ودون قصد مقارنة عملهم بما كنت قد اعتدت على فعله في تلك الوظيفة. حاول تسليط الضوء على نجاحهم، واعترف بفضلهم المستحق، وحاول مساعدتهم على التطور بمنتهى الصدق.

هناك الكثير من الأسباب الأخرى التي تثبت مدى صعوبة إقامة صداقة حقيقية مع مرؤوسيك المباشرين – فأنت تتحكم في دوام هذا الموظف، وحجم العمل الملقى على كاهله والترقيات والرواتب، على سبيل المثال لا الحصر. ولكن هناك أشخاص في مكان العمل يمكنك بناء صداقة حقيقية معهم. فهذا هو الوقت المناسب لتنظر إلى جانبيك، لا إلى الأعلى ولا إلى الأسفل. حاول إقامة صداقة مع أقرانك. قد يكون هذا الأمر صعباً بالنسبة لك، فمعظم الموظفين النجوم يركزون على المدير وليس على أقرانهم. لكن أقرانك هم من سيساعدك على النجاح أو سيشدونك إلى الأسفل أثناء محاولتك الارتقاء. فإذا بنيت علاقات قائمة على الثقة مع أقرانك في مرحلة مبكرة – وهل هناك طريقة أفضل من الصداقة لفعل ذلك – فستكون أفضل حالاً في مرحلة لاحقة.

الحاجة إلى السلطة

يشعر معظمنا بشيء من الحب والكراهية في الوقت ذاته تجاه دافعنا إلى السلطة. ويعود السبب جزئياً في ذلك إلى أن السلطة تعتبر "قذرة" نوعاً ما. لذلك فإن بعضنا يحاولون تجاهل هذا الدافع أو التقليل من شأنه. ولكن كما أشار ديفيد ماكليلاند فإن الحاجة إلى السلطة هي حاجة إنسانية.

وإذا كنت مديراً، فإنك بالتأكيد تمتلك سلطة التأثير في الآخرين. لكن هذا الدافع بالتحديد هو على الأرجح الذي سيسبب لك المزيد من المتاعب إذا لم تتعلم كيفية إدارته منذ المراحل المبكرة. والسبب في ذلك هو أنه من السهل علينا الانزلاق إلى حالة تسمح بحاجتنا الطبيعية للسلطة بالتصاعد لأننا وصلنا إلى السلطة الشرعية - لا سيما إذا كانت حالة النجومية لدينا قد أعطتنا بعض الامتيازات الخاصة.

حتى الأشخاص الطيبون يمكن أن يقعوا فريسة لغواية استعمال السلطة لمصلحتهم الشخصية. وهذا ما أطلق عليه ماكليلاند اسم "السلطة المُشخصنة". ولكن بوسعك أن تستعمل حاجتك إلى السلطة بطريقة مختلفة، كأن تستعملها لتحسين أوضاع الآخرين وأوضاع المجموعة، وهنا يمكننا القول إننا أمام "سلطة ذات طابع اجتماعي"، تتيح لك إرضاء حاجتك الإنسانية جداً إلى امتلاك النفوذ – وإلى أن يُنظر إليك بوصفك صاحب نفوذ – ولكن في الوقت ذاته هي تمكّنك من أن تصنع معروفاً للناس ولشركتك. وبالنسبة للموظفين النجوم الذين أصبحوا الآن مدراء، هذا أمر في غاية الأهمية، لأن الناس سيراقبون كل تحركاتك ليروا إن كنت ستواصل تحقيق النجاحات. كما أن مرؤوسيك المباشرين يتمتعون بحساسية مفرطة تجاه طريقة استعمالك (أو إساءة استعمالك) لسلطتك، ناهيك عن أن الأشخاص المحيطين بك والأشخاص الذين يشغلون مواقع أعلى من موقعك يدققون في وضعك ليروا إن كنت ستظل قادراً على مواصلة السير في طريقك أم لا. وهم لا ينظرون إلى النتائج التي تحققها فقط، وإنما إلى كيفية تعامللك مع دورك الجديد ومع السلطة التي تأتي مع هذا الدور.

هناك الكثير من الأشياء التي يجب تعلمها عندما يتولى أشخاص متفوقون في الأداء مثلك تلك الوظيفة الإدارية الكبيرة للمرة الأولى. ومعظم ما يجب تعلمه لا يمت بصلة كبيرة إلى الجوانب التقنية للوظيفة، وإنما الكثير منه يتعلق بك أنت كشخص. نحن بمعظمنا لا نفكر كثيراً بالدوافع التي تحركنا لنتصرف بالطريقة التي نفعلها، ولكن تعلّمك لكيفية استعمال ذكائك العاطفي لفهم "لماذا تتصرف بالطريقة التي تتصرف بها" هو الخطوة الأولى والمفقودة غالباً في طريق تحولك لتصبح مديراً نجماً وقائداً عظيماً.

من الناحية الجوهرية، أنت بحاجة إلى فهم المحفزات التي تحركك، وتعلم استخدام دوافعك لتبني علاقات إيجابية لخدمة الآخرين أولاً، وخدمة نفسك ثانياً. وهذا ليس بالأمر السهل دائماً بالنسبة للناس الذين تربّعوا على القمة طوال حياتهم. بل هو بصراحة تحول كبير يحتاج إلى تركيز ومجهود كبيرين. والأهم من كل ذلك هو أن الأمر يحتاج إلى ذكاء عاطفي. وبالتالي، فإن تطوير الوعي الذاتي والتعاطف وإدارة الذات هي أمور ستساعدك في فهم دوافعك والتعامل معها. وماذا ستكون المكاسب التي تحققها؟ بعد أن تترك ذاتك كموظف نجم خلف ظهرك، ستصبح مديراً ناجحاً ومحبوباً جداً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي