كيف تُسيطر على نوبات الغضب التي تنتابك في مكان العمل؟

5 دقائق
الغضب
أوربون أليجا/غيتي إميدجيز

ملخص: ازدادت قليلاً حدّة الانفعالات الغاضبة هذه الأيام. فالمستوى الدائم من التوتر والخوف الناتج عن تعرضنا للضغوط يومياً يستنفد قدرتنا على التحمل ويجعلنا نفقد أعصابنا حتى عندما نتعرض لاستفزازات بسيطة. نسمع كثيراً أن الغضب غير محمود العواقب، وأنه يبعدنا عن التفكير المنطقي وأننا يجب أن نكبح جماحه، لكن ثمة طرائق لاستغلاله لمصلحتنا. فقد كشفت دراسة أن الغضب قد يثير الإبداع ويحفزك للدفاع عن نفسك ويساعدك على تحسين الأداء في المواقف الصعبة. تقدم مؤلفتا هذا المقال 6 استراتيجيات لاستغلال الغضب بطرائق إيجابية منها الإقرار بحدوث خلل، والتعرف إلى الأسباب التي أدت إلى إثارة المشاعر، وتجنب التعبير عن الغضب على نحو مفرط.

 

تسببت سنتان من العيش في ظل الجائحة بالكثير من التوتر. وبينما كنا نجري أبحاثاً لدعم كتابنا "مشاعر كبيرة" (Big Feelings) أبلغنا بعض القراء أنهم بدؤوا يفقدون أعصابهم مؤخراً لأبسط الأسباب، مثل خدمة إنترنت غير مستقرة، أو رسائل بريد إلكتروني تحمل استفسارات وإشارات استفهام من المدير، أو اتصال من زميل عمل يطلب المساعدة في الربع ساعة الأخيرة من أوقات العمل.

عندما نواجه ضغوطاً أو صدمات متكررة، فإن دماغنا "يعيد توصيل دارات الغضب"، كما يوضح عالم الأعصاب آر دوغلاس فيلدز. وبعبارة أخرى، يستنفد المستوى الدائم من التوتر والخوف الناتج عن تعرضنا للضغوط يومياً قدرتنا على التحمل ويجعلنا نفقد أعصابنا حتى عندما نتعرض لاستفزازات بسيطة.

وتزعجنا انفعالاتنا العاطفية لأننا دائماً نسمع أن الغضب ضار وأنه يبعدنا عن التفكير المنطقي وعلينا أن نكبح جماحه. لكن الغضب ليس سيئاً بطبيعته، ولا يعد كبته تصرفاً سليماً بالنسبة إليك وإلى من حولك. في الواقع، إن عرفت كيف تستغله فقد يكون مفيداً، وكما يقول المؤلف ديفيد كيسلر: "الغضب حارس الألم".

خذ على سبيل المثال المسؤول التنفيذي لشركة بيكسار (Pixar) براد بيرد، الذي وظّف عمداً فناني رسوم متحركة غاضبين للعمل على أحد أفلامه الجديدة لأنه يعتقد أنهم الأنسب لتطوير العمل. وما النتيجة؟ فيلم "الأبطال الخارقون"، الذي سجل أرقاماً قياسية على شباك التذاكر.

إليك 6 استراتيجيات لاستغلال الغضب بطرق إيجابية.

عليك الإقرار بحدوث خلل

نحاول عادة أن نكبت مشاعرنا حتى لا نبدو غاضبين. ولكن إن لم ينصفك قرار جائر، أو شعرت بالظلم لأن أحدهم يقصيك باستمرار، فمن المباح حينها أن تغضب دون الحاجة إلى الاعتذار من أحد. لا تصبّ جام غضبك فوراً على أحد، عليك فهم مشاعرك أولاً. حيث تظهر الأبحاث أن الغضب المُبرر استجابة صحية أكثر من الخوف لأنه يثير الإحساس بالثقة والسيطرة، والذي يقلل غالباً من الآثار الضارة للتوتر مثل ارتفاع ضغط الدم أو زيادة إفراز هرمون التوتر.

حتى لو بدا سبب الغضب تافهاً في ظاهره، لكنه أثار فيك مشاعر الاحتقان في النهاية. فعلى سبيل المثال، قد يكون زميلك في العمل الذي طلب منك مساعدة في آخر ربع ساعة من أوقات الدوام معروفاً بالتهرب من مهامه عبر إلقائها على كاهل الآخرين أو إرسال رسائل إلكترونية لا أهمية لها في ساعات الراحة.

تجنب التعبير عن الغضب على نحو مفرط

إن الانفجار غضباً ليس مفيداً كما تعتقد، على الرغم من تقديمه منذ مدة طويلة من الزمن على أنه أداة للتنفيس عن الغضب. خذ على سبيل المثال انتشار الواسع لما يطلق عليه "غرف الغضب"، حيث يمكنك تحطيم أجهزة التلفزيون والأطباق باستخدام مضرب بيسبول مقابل المال. إذ كشفت الأبحاث أن هذا النوع من "العلاج عبر التدمير" يرفع من منسوب الغضب عوضاً عن تهدئته. أجرى عالم النفس الأميركي براد بوشمان دراسة على الأشخاص الذين استخدموا كيس الملاكمة للتعبير عن غضبهم، ووجد أن "عدم القيام بأي شيء على الإطلاق كان أكثر فعالية" في نزع فتيل الغضب.

وقد ثبت أيضاً أن التنفيس المتكرر عن الغضب الذي تعيد فيه سرد المشكلات نفسها دون محاولة لفهمها أو حلها يجعلك أنت والأشخاص الذين يستمعون إليك تشعرون بشعور أسوأ. أخبرتنا إحدى قرائنا وتُدعى باولا أنها اضطرت في النهاية إلى وضع حد لحديثها عن المشكلات مع زملائها في العمل، وأنها لاحظت أن استغلال ذلك الوقت للتركيز على التعلم أو التحسن جعلها تشعر بتحسن كبير.

تعرف إلى الأسباب التي أدت إلى إثارة مشاعرك

تظهر الأبحاث أن تركيز انتباهك على أسباب مشاعرك يتيح لك إلقاء نظرة أكثر موضوعية وحيادية على الموقف، وحماية صحتك العاطفية بشكل أفضل.

وقد يساعدك طرح بعض الأسئلة على توضيح أسباب شعورك بالغضب:

  • ما أثار غضبي؟
  • ما المشاعر التي دفعتني إلى الغضب؟ هل هي مشاعر الخوف والعجز؟
  • ما الذي أحتاج إليه لأعود إلى طبيعتي؟
  • ما النتيجة البعيدة المدى التي ستجعلني أشعر بتحسن؟
  • ما الخطوات التي يمكن أن أتخذها لبلوغ هذه النتيجة؟
  • وما فرص الربح والخسارة في كل خطوة؟

الخوف مصدر الغضب الأساسي لكثير من الناس. فقد نخشى العجز أو خسارة ما نحبه أو أن نبدو مخطئين. تقول الفيلسوفة مارثا نوسباوم إن أكثر المشاعر التي تعتمد عليها السياسة هي الخوف، الذي يستغله السياسيون لإثارة الغضب والانفعالات.

تحدّث عن مشاعرك إن استطعت، لكن دون أن تنفعل بها

ننصحك أولاً بإمهال نفسك حتى تهدأ قبل اتخاذ أي خطوة أساسية. فعندما تغضب تنخفض قدرتك على التفكير الاستراتيجي. وفي حال تسارعت خفقات قلبك أو تشنجت قبضتيك، أحجم عن أي تصرف لبضع دقائق. تعلمت ليز تقييم غضبها على مقياس من 1 (منزعجة) إلى 10 (غاضبة)، وتنتظر حتى يستقر غضبها على درجة 3 أو 4 قبل اتخاذ أي إجراء.

وفي حال غضبتَ رداً على غضب شخص آخر، فمن المفيد أن تتحدث معه عن آثار تصرفاته فيك. وحضّر نفسك لتلك المحادثة بتحديد هدفك منها وما تريد أن تقوله ومتى ستقوله. قد تساعدك هذه الصيغة البسيطة: "عندما فعلت كذا شعرت بكذا وكذا".

بينما كنا نقود ورشة عمل للشركات في أوائل عام 2020، سألت إحدى المشاركات عما يجب أن تفعله عندما يصرخ مديرها في وجهها. إذ قالت إحدى المشاركات للمجموعة: "أعمل مساعدة تنفيذية، ويصرخ مديري في وجهي دائماً عندما يغضب، حتى إن لم يكن غاضباً بسببي، وبذلك يربكني ثم يغضب لأني مُربكة". وذات يوم قلت له: "أعلم أنك غاضب الآن، لكن عندما تصرخ في وجهي، لا أستطيع التركيز على عملي". اعتذر رئيسها وأدرك أنه كان يؤثر سلباً في أدائها عن غير قصد. ومن حينها تراجعت نوبات غضبه.

إذا لم تتمكن من التعبير عن غضبك، فعليك تلبية حاجاتك النفسية بشكل غير مباشر

في بعض الأحيان، عليك الاعتراف بحقيقة مُرة مفادها أنك غاضب بسبب وضع لا يمكنك تغييره. وحينها عليك أن تبحث عن طريقة لإخراج نفسك من الموقف، وإن لم تستطع عليك معالجة آثاره بشكل غير مباشر عن طريق طلب الدعم من الأصدقاء مثلاً أو المختصين.

شعرت إحدى قرائنا وتدعى راشيل، وهي من الذين تحدثنا إليهم العام الماضي كجزء من أبحاثنا، بالعجز عن مواجهة مدير صعب مراس، لكنها لم تستطع ترك وظيفتها. أخبرتنا أن "طلباته غير الواقعية وأسلوبه الاستبدادي في القيادة وضعاها في حلقة مفرغة من التوتر والعجز". بدأت راشيل باتخاذ خطوات صغيرة لتعزيز ثقتها بنفسها والشعور بالتقدير في العمل. فخفضت أولاً الاحتكاك مع مديرها. تقول راشيل: "أنشأت أيضاً شبكة من الموجهين والزملاء الذين يعرفونني حق المعرفة ويقدرونني بطرق لم يكن مديري يتبعها". "لقد ساعدني ذلك في إيقاف التأثير السلبي لملاحظاته في تقديري لنفسي".

استغل طاقة الغضب استغلالاً استراتيجياً

لمدة طويلة من الزمن، اعتقدت الأستاذة في جامعة راتغرز (Rutgers) الدكتورة بريتني كوبر أن عليها التحكم في انفعالاتها حتى يحترمها الناس، ولتتجنب وصفها بأنها "امرأة سمراء غاضبة". لكن ذلك تغيّر عندما قال لها أحد طلابها: "أحب محاضراتك لأنها مليئة بأكثر أنواع الغضب بلاغة". لفت صدق انفعالات الدكتورة كوبر انتباه طلابها. وهي الآن ترى في الغضب قوة عظمى يمكنها أن تمنح النساء ذوات البشرة السمراء القوة لمحاربة الظلم.

تؤكد الأبحاث رؤية كوبر، فإن أحسنّا استغلال الغضب، فسيزيد فعلياً من ثقتنا بأنفسنا وبأننا قادرون وأقوياء. إذ توصل الباحثون أن الأشخاص الغاضبين يعتقدون أنهم سينتصرون تحت أي ظرف من الظروف. وخلال تدريب القوات الخاصة التابعة للبحرية الأميركية، يتعلم المجندون الجدد أنه يمكنهم استغلال الانفعالات الحادة التي ترفع الأدرينالين والتي يحملها الغضب لمنحهم الطاقة عندما يواجهون ظروفاً خطرة.

يمكنك استخدام الاستراتيجية نفسها واستغلال الغضب كحافز للدفاع عن نفسك بشكل فعال. لنفترض أنك تخاف من طلب ترقية في العمل على الرغم من اقتناعك بأحقيتك لها. فكر ماذا كنت ستفعل لو كنت من النوع الذي يغضب؟ أو ماذا كنت ستقترح على صديق في هذه الحالة إذا كنت غاضباً من حالته؟

تربى معظمنا على ربط الغضب بالانفعالات الخارجة عن السيطرة. لكن هذه الانفعالات ما هي إلا إشارة مهمة على وجود خلل ما. وفي حال سخرناها على نحو فعال، ستمنحنا القوة التي نحتاج إليها لوضع الأمور في نصابها الصحيح.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي