كيف تتحدث إلى نفسك بطريقة صحيحة؟

4 دقائق
كيف تتحدث إلى نفسك

نظرت ميساء في أرجاء الفصل بين حلقة من الأطفال ذوي الست سنوات وسألتهم: "من منكم يعرف الإجازة التي ستأتي الأسبوع المقبل؟"، رفع جميع الأطفال تقريباً أيديهم، أو بالأحرى، لوّحوا بها بحماس شديد.

كنت مع ابنتي في المدرسة بفصل الصف الأول، وكنت مذهولاً من رد الأطفال.

اختارت ميساء ولداً صغيراً ليجيب، قال: "إنه يوم العيد". وفي الحقيقة كانت إجابته خاطئة فمازال للعيد ما يقارب الشهر.

ابتسمت له وقالت: "أنت على حق، لقد اقترب موعد العيد فعلاً"، فردّ لها الابتسامة، ثم قالت: "ولكنه ليس الأسبوع القادم. من أيضاً يريد الإجابة؟"، نظرت بين الأطفال مرة أُخرى، واختارت طفلة من بينهم هذه المرة.

قالت الطفلة: "إنه عيد الشجرة".

ردت ميساء: "جيد جداً" وابتسمت مرة أُخرى وقالت: من يعرف لماذا نحتفل بهذا اليوم؟

في هذه المرة، لم يستطع الأطفال إخفاء حماسهم. وردّ أحدهم باندفاع بأنه عيد ميلاد الأشجار ولكن دون أن يرفع يده، فلم تعره ميساء اهتماماً وواصلت بحثها بين الأيادي المرفوعة حتى اختارت ولداً صغيراً آخر كرر الإجابة نفسها بأنه عيد ميلاد الأشجار.

ردّت ميساء: "نعم، إنها إجابة صحيحة" واستمرت في طرح الأسئلة لبضع دقائق أُخرى، ولم تفتر طاقة الأطفال قط، ولم يتحدث أحد ثانية دون أن تطلب منه المعلمة ذلك. وعندما انتهت بدأ الجميع بالغناء معاً أثناء تنظيف الصف استعداداً للنشاط التالي.

لقد سعدت بوجودي في هذا الصف ولم أرغب في مغادرته. ولكن، عندما حان وقت الذهاب، تركتهم وعلى وجهي ابتسامة استمرت لوقت طويل بعد مغادرتي الفصل.

كانت الفترة التي قضيتها في هذا الفصل درساً تعلمته في إدارة الأفراد، فالطريقة الإيجابية التي تفاعلت بها ميساء مع الأطفال كانت نموذجاً رائعاً للطريقة التي يجب على المدراء التعامل بها مع موظفيهم. ولكن، بالنسبة لي، ما تعلمته ذلك اليوم كان أكثر من مجرد درس في إدارة الآخرين، لقد كان درساً لي في التعامل مع نفسي.

بعد أن غادرت الفصل، بدأت أفكر فيما إذا كنت أعامل نفسي بالطريقة التي تعاملت بها ميساء مع تلاميذها. هل أشجّع نفسي؟ وهل ألاحظ الأمور الجيدة التي أقوم بها مثلما ألاحظ الأمور الخاطئة؟ وعندما أقوم بشيء خاطئ، هل أكتفي بتجاوزه أم أتوقف عنده كثيراً وأعنّف نفسي عليه؟

وبمعنى آخر، أي نوع من الفصول الدراسية يحدث داخل عقلك؟

سمعنا جميعاً عن الرأي القائل بأنّ نفس الإنسان هي أقسى ناقديه. ولكن، ألا ينبغي أن نتعامل مع أنفسنا على الأقل بالاحترام الذي تعاملت به معلمة الصف الأول مع تلاميذها! لماذا لا نفعل ذلك؟

ربما يكون السبب أننا نشأنا في بيئات تعليمية تركّز على النقد أكثر من الاستحسان. إذ يبدو حديثنا لأنفسنا بالثناء الكبير وبالطريقة الإيجابية التي تحدثت بيها ميساء في فصلها غروراً أو حتى تصرفاً غير لائق، بل ربما نشعر أنه من الخطر أن نتهاون مع أنفسنا إلى هذا الحد، وإذا فعلنا، فقد نخفق في تحقيق أي إنجاز على الإطلاق، ونقع في دوامة الكسل.

ولكني لم أر أيّ كسل في ذلك الفصل. فلم يكن لهؤلاء الأطفال أن يكونوا أكثر نشاطاً ورغبة في معرفة الإجابة الصحيحة مما كانوا عليه. فقد حاولوا، وعندما أجابوا إجابة صحيحة شعروا بالسعادة والرضا عن أنفسهم. وعندما أجابوا إجابة خاطئة، لم يشعروا بالخزي من أنفسهم، بل تخطوا الموقف ببساطة وانتقلوا إلى السؤال التالي (أيهما يُعد التصرف الأفضل الذي سيؤدي إلى النجاح مع مرور الوقت). كما أنهم كانوا أيضاً سعداء.

وبمعنى آخر، لا تُعتبر معاملة أنفسنا بطريقة لطيفة تصرفاً جميلاً فقط، بل استراتيجي أيضاً. ومع ذلك، فهذا الأمر ليس سهلاً على الدوام، بالتأكيد كان على ميساء تحمّل الكثير من الصراخ والعادات والسلوكيات السيئة من الأطفال حولها. ولكن ما هو سر ميساء؟

عند مشاهدة ميساء وهي تتفاعل مع الأطفال، وعندما تحدثت إليها لاحقاً، كان من الواضح أنّ ما فعلته مع الأطفال هو التريّث فيما كانت تشعر به تجاههم. لمست ذلك على الفور. ومن الواضح أنّ الأطفال أحسوا بذلك أيضاً. إنه ذلك الشعور!

الحب

فكّر في الأمر، عندما تحب شخصاً ما، لا تقف عند أخطائه بل فقط تتجاوزها. إذا لم يعرف أحدهم الإجابة، فالأمر بسيط، سيعرفها غيره. وعندما ينجحون، ستشعر أنت بالسعادة وأنت تهنئهم. فدورك أن تشجعهم عندما يواجهون أي صعوبات، حاول إيجاد شيء جيد يقومون به، وربما، إن استطعت، فلتغني معهم أثناء قيامك بمهامك.

أليس هذا هو الفصل الدراسي الذي تود العيش فيه داخل عقلك؟ هل الطريقة التي تتحدث بها إلى نفسك تعكس مدى حبك لنفسك؟ أم أنها تعكس الاستياء ونفاد الصبر والإحباط؟

إلى جانب ذلك، لابد أن نعطي أهمية لهذا الأمر كذلك عندما يتعلق ببيئة العمل، بل تحديداً عندما يتعلق الأمر ببيئة العمل التي نقضي فيها الكثير من الوقت والتي يكون لأدائنا فيها أهمية كبيرة. فعندما نشعر بالحب والتقدير والاهتمام، يزداد اجتهادنا ونُخاطر أكثر ونتعاون في العمل بشكل أفضل ويتحسن أداؤنا.

بالطبع سيكون من الرائع الحصول على الحب والاحترام من المدراء والقادة، ولكن لماذا لا نطلب هذه المعاملة من أنفسنا قبل طلبها من غيرنا. أعتقد أنه من الضروري أن نطلبها من أنفسنا. والسؤال هنا هو كيف أفعل ذلك؟ لدي صديق مهتم بمجال الأعمال سألني ذات مرة "كيف يمكنك تفعيل الحب؟"، والمدهش أنّ الإجابة أبسط مما تتوقع.

ابدأ بالاستماع إلى الصوت الذي بداخل عقلك. ما الذي يقوله عندما تفكر في نفسك؟ هل يحدّثك مثل ميساء؟ أم مثل المدير الذي عملت معه يوماً ولازلت تكرهه؟ فمجرد مراقبة ما يدور في عقلك سوف يغيّر الطريقة التي تتحدث بها إلى نفسك.

وعندما تتغير الطريقة التي تتحدث بها إلى نفسك، سوف يتغير شعورك تجاه نفسك. تصرّف بالطريقة التي تعاملت بها ميساء مع الأطفال. لا تكافئ السلوك السلبي باهتمامك به والتوقف عند إخفاقاتك. ولكن بدلاً من ذلك، لا تركز عليه واشغل نفسك على الفور بالقيام بأمور أُخرى.

أمّا عندما تحقق نجاحاً ما، فإنه وقت مناسب لتراقب عقلك. توقف دقيقة لتهنئ نفسك، ودع ما قمت به من عمل جيد ينعكس عليك. فكّر في الأمور التي قادتك إلى هذا النجاح حتى يسهل تكرارها مرات أُخرى. اضحك مع نفسك، واستمتع بوقتك، ولاحظ كم أنت رائع.

في البداية، يبدو الأمر غريباً. لكن المشاعر تأتي بعد الأفعال، وما إن تعتاد عليه ستزداد ثقتك بنفسك، وسيزداد رضاك عن نفسك وسعادتك. وإن لم تكن تحب نفسك بالفعل، ستبدأ في حبها.

وحينئذ، ستجد أنّ ما يحدث ليس غروراً، فالغرور هو أن ترى نفسك أفضل من الجميع، وهو في الغالب أسلوب وقائي ينشأ عن الإحساس بعدم الأمان نتيجة شعورك بعدم الرضا عن نفسك. أمّا عندما تحب نفسك، فلن تحتاج للشعور بأنك أفضل من أي شخص، كل ما ستشعر به هو الرضا عن نفسك.

لن يؤثر حبك لنفسك على طريقة تحدثك إلى نفسك فحسب، بل، مع الوقت، سوف يؤثر على الطريقة التي تتحدث بها إلى من حولك. وسوف يؤثر ذلك بشكل إيجابي على زملائك والقسم الذي تعمل فيه والشركة بأكملها، بل وأي شخص يتعامل مع الشركة.

وبعبارة أُخرى، إذا التزمت بهذا التمرين العقلي البسيط، فسوف يتعدى تأثيره حدود عقلك إلى العالم الخارجي الذي سيبدأ في الشعور والتصرف مثل ميساء معلمة الصف الأول.

تم تغيير الاسم

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي