"إنني أتصل نيابة عن شريكي. لقد توفى، وعليّ أن أغلق حسابه".
عندما غرق يوسف في نهر يتدفق بسرعة، وقعت على عاتقي مهمة إلغاء بطاقته الائتمانية، وإيقاف اشتراكه بالمرافق التي تخدّم شقته وإغلاق حساب هاتفه الجوال. كما اتصلت بعيادة طبيبه وبمصرفه وبالمتجر الذي يشتري منه البرمجيات وبالجهة المسؤولة عن قرضه الطلابي وبكل جهة أخرى كان ليوسف حساب لديها.
وتلقيت من الطرف الآخر في جميع اتصالاتي، ما عدا اتصال واحد، نفس الجواب: "يا سيدتي، لا بد لنا من التحدث إلى صاحب الحساب شخصياً. لسنا مخوّلين بإعطاء أي معلومات إلا للشخص المعني ذاته".
"لكن صاحب الحساب قد مات".
"فهمت. ولكن لا بد لنا من التحدث إلى صاحب الحساب. ولا يمكننا إجراء أي معاملة إغلاق أو تحويل إلا بموافقته الشخصية".
"لكن صاحب الحساب قد مات. إنه ميت".
مهما قلت لا يمكنني التعبير عن مدى الغضب الذي انتابني في كل مرة كان عليّ تكرار نفس العبارة مرة تلو أخرى من دون أن أجد أي اعتراف لدى الطرف الآخر بالمعلومة الأساسية التي كنت أخبره بها. فجميع وكلاء خدمة الزبائن تقريباً الذين هاتفتهم كانوا غير قادرين على الخروج عن النص المحبوك بدقة أو استيعاب المعلومة الجديدة التي أخبرتهم بها وتفهمها والاستجابة لها بشيء من الرحمة والتكرم. لقد اتسمت جميع أجوبة وكلاء خدمة الزبائن بسرعة الغضب وانعدام الصبر، وكأنني كنت أبتغي إفساد يومهم عبر مسعى إغلاق الحساب أو تحويله إلى اسمي أنا.
ليست تجربتي في هذا الصدد فريدة أو استثنائية: فطلابي وزبائني يروون لي قصصاً رهيبة عن قيام المصرف ببيع أحدهم بطاقة ائتمان جديدة بناء على اتصاله بالمصرف لإلغاء حساب زوجته المتوفاة، أو عن تلقي إحدى الأسر تهديداً من المصرف بفرض غرامات كبيرة إذا لم يقم صاحب الحساب بالاتصال بالمصرف فوراً – حتى بعد أن أرسل الأهل إلى المصرف شهادة وفاة ابنهم أكثر من مرة. ولقد سردت إحدى العميلات أنها ظلت تتلقى اتصالات لجمع التبرعات من قبل عيادة طبيب أختها المتوفاة والمتخصص بعلاج الأورام، حتى بعد وفاتها؛ فعلى ما يبدو، لم يتم شطب اسم الأخت من لائحة طلب التبرعات على الرغم من وفاتها.
الناس يموتون كل يوم، بيد أن الشركات لا تملك سياسات وإجراءات عملية مناسبة للتعامل مع موت عملائهم. ولذلك تتسم استجابات الشركات لحوادث الموت عموماً بأنها غير مناسبة على الإطلاق. ومن المنطقي أن التأثير السلبي لاستجابات وكلاء خدمة الزبائن الفظة التي لا تراعي المشاعر لا يقتصر على الأشخاص المتصلين من خارج الشركة فحسب، بل إنه يصيب الشركة نفسها في الصميم: فمن المتوقع أن ينشر أفراد العائلة المحزونة تجربتهم السلبية على وسائل التواصل الاجتماعي ويذكرونها في تقييماتهم المباشرة على الشبكة. فما أسرع انتشار الأخبار السيئة. ولا شك أن المعاملة السيئة أو عدم المبالاة من قبل قسم خدمة الزبائن سيؤثران بشكل سلبي على نتائج أعمال الشركة. فضلاً عن أننا جميعاً أشقاء في الإنسانية، ومن المؤكد أن بمقدورنا التعامل مع بعضنا البعض بطرق أفضل من ذلك.
بالطبع من الصعب الحديث عن الموت، ومن غير المتوقع من وكلاء خدمة الزبائن وموظفي الاحتفاظ بالعملاء في شركتك أن يوفروا خدمة المواساة كجزء من عملهم اليومي. وهنالك أيضاً سياسات خصوصية مشروعة ويجب أن تُحترم، فلا يمكنك ببساطة منح أي كان صلاحية الوصول إلى حسابات الزبائن. فكيف السبيل إذاً إلى ضمان بناء علاقات متينة ومستدامة وتراعي مشاعر زبائنك، وفي الوقت ذاته حماية مصالح شركتك وعدم التفريط بحقوقها؟
هنالك اتصال مميز مع إحدى الجهات لا أزال أتذكره ويمكن أن يشكل نموذجاً تحتذي به الشركات الأخرى. فقبيل موت يوسف بوقت قصير كان يمارس رياضة صعود الجبال في جبال روكي، واتصل بي من هناك من فوق نتوء جبلي يشرف على السهل في الأسفل. وقد كانت الرسالة الصوتية التي بعث لي بها تقول: "مرحباً – هذا أنا.. أتحدث إليك من مكان يرتفع عن مكان وجودك بحوالي 3,000 متر. المكان جميل جداً هنا ولقد وددت أن أحيّيك وأقول لك إنني أحبك". وبعد ذلك بأسبوع مات يوسف. وبحسب القواعد المرعية في شركة الاتصالات فإن تلك الرسالة ستُمحى بعد 60 يوماً من تاريخها.
اتصلت بشركة الاتصالات، فسألني وكيل خدمة الزبائن كيف يمكنه مساعدتي. أخبرته بقصتي وبأنه يعز عليّ أن يتم مسح رسالة يوسف الأخيرة التي أرسلها لي وأن تتلاشى في الأثير. هدأ صوت الوكيل وقال: "أنا آسف جداً. يا له من حدث أليم ووضع صعب للغاية!".
صمت قليلاً ثم تابع: "تلزمنا القواعد المرعية بمسح الرسائل بعد 60 يوماً من تاريخها. ولا يمكنني تغيير ذلك بأي شكل من الأشكال. أعلم أن هذا ليس الجواب الذي كنت ترغبين سماعه". حافظ الوكيل على هدوئه ولطفه فيما بدأتُ بالبكاء. اقترحَ عليّ أفكاراً حول كيف يمكنني تسجيل الرسالة الصوتية والاحتفاظ بها قبل أن يتم مسحها من تسجيلات شركة الاتصالات. وأخبرني من جديد كم هو آسف لفقدي، وتمنى لي الخير، ومن ثم أنهينا الاتصال.
لقد كان الاتصال بحد ذاته بسيطاً ولم يستمر أكثر من خمس دقائق. ولم يتم تغيير القواعد المرعية أو تخطيها، ولم أحصل على ما كنت أريده. لكنني شعرت أن الطرف الآخر قد استمع إلى شكواي وتفهمها. شعرت أنني قد تواصلت مع شخص حقيقي مهتم فعلاً بما أقول. والآن وبعد تسعة أعوام ما زلت أذكر ذلك الاتصال وما زلت أتعامل مع نفس شركة الاتصالات. ولقد كان لطف وكيل الشركة وتفهمه كافيين للحفاظ عليّ زبوناً مدى الحياة.
لم أتوصل حتى الآن في مجال عملي كمدرب ومرشد في التعامل مع الحوادث المحزنة، إلى نموذج جيد لكيفية التحدث مع الزبائن عن الموت. ولكنني أملك بعض الأفكار حول كيف يمكن للقادة أن يبدؤوا النقاش في هذا الموضوع مع موظفيهم الذين يتعاملون مباشرة مع الزبائن.
أولاً: يتعين على شركتك أن تحدد بوضوح وصراحة كيف ستتعامل مع طلب إغلاق أحد الحسابات أو تحويله إثر موت أحد الزبائن. ضع سيناريوهات مختلفة لجميع الظروف المحتملة التي قد تسبق طلباً كهذا وحدد نماذج مختلفة من الإجابات المناسبة التي قد تتنوع تبعاً لنمط شركتك والقطاع الذي تعمل فيه والزبائن الذين تتعامل معهم.
ثانياً: قم بتوعية وكلائك حول الكلمات المفتاحية التي قد يستخدمها المتصل للإشارة إلى مصابه وحالة الحزن التي يمر بها. قد تبدو العبارات المستخدمة عادة مثل "أتصل نيابة عن زوجي المتوفى"، أو "يتوجب عليّ أن أغلق هذا الحساب إثر حادثة وفاة"، بديهية وسهلة الفهم؛ بيد أنه من السهل إغفال كلمة أو كلمتين مما يقوله الطرف الآخر عندما تتلقى عدداً هائلاً من الاتصالات يومياً. ولذلك يستحسن أن تزود وكلاءك بنصوص مناسبة لهذه الحالات المختلفة، بما في ذلك معلومات مفيدة حول متى يتعين عليهم مقاطعة الطرف الآخر ومتى يتعين عليهم عدم المقاطعة (وفيما يكون من المفيد أحياناً الخروج عن النص المكتوب، فإنك لا ترغب بأن ينزلق وكلاؤك إلى تقديم "نصائح" غير مناسبة). ومن المفيد أيضاً تقدير جهود الموظفين الذين يساعدون الزبائن المحزونين بأسلوب مدروس ومتأن. والأهم من ذلك، ذكّر وكلاءك أن بإمكانهم أن يكونوا لطفاء وواضحين في الوقت نفسه: إن مجرد تفهم مشاعر الفقدان لدى الزبون هو أمر جيد ومفيد بحد ذاته، حتى ولو لم تستطع تغيير السياسات والقواعد المرعية.
وأخيراً: استعن بخبراء التعامل مع حوادث الحزن للحصول على إجابات عن أسئلتك المحتملة. فليس من السهل التعامل مع حوادث الحزن، وهي لا تشكل موضوعاً نمطياً للحديث بين وكلاء الشركات والزبائن. ولا شك أن توفر شخص خبير في هذا المجال سيسهل عليك معالجة هذه الأسئلة المعقدة والسيناريوهات المتداخلة والصعبة أثناء وضعك لسياسات وقواعد تعامل شركتك مع هذا الموضوع.
إن فقدان شخص عزيز أمر مؤلم وقد يسبب العزلة. وبالنسبة للشخص المحزون حديثاً، فإن أي تصرف عادي مهما صغر، من شأنه أن يترك أثراً مضاعفاً. وهكذا فإن بضع كلمات لطيفة أو إشارة تعاطف قد تكفي للتخفيف من وقع هذا الظرف الذي لا يحتمل. قد ينسى زبائنك الكثير من الأمور في حياتهم بعد مصابهم الأليم، لكنهم سيذكرون على الدوام كيف تعاملت شركتك معهم. ولعل استجابة واحدة لطيفة من جهتك كفيلة بتغيير الصورة بأكملها.