من المعروف أنّ مساعدة الموظفين في تحديد أهدافهم وتحقيقها جزء حاسم من عمل كل مدير. وبما أنّ الموظفين يرغبون برؤية كيف يساهم عملهم في الأهداف الأكبر للشركة، فتحديد الأهداف المناسبة يجعل التواصل أكثر سلاسة بينهم الموظفين والقادة، كما أنّ تحديد الأهداف ضروري خصوصاً على اعتباره آلية لتقديم التقييمات المستمرة بالإضافة إلى تقييمات نهاية العام، إذ إنه عن طريق تحديد الأهداف ومراقبتها يمكنك تقييم أداء موظفيك على أرض الواقع مع تشجيعهم على تحقيق المزيد من الإنجازات في الوقت ذاته.
ما يقوله الخبراء
إذن، ما هو مقدار مشاركتك في مساعدة موظفيك على تحديد أهدافهم وتحقيقها؟ بما أنّ تبعات الفشل في تحقيق الأهداف تقع عليك وعلى موظفيك وفريقك وعلى الشركة بأكملها، يتوجب عليك إيجاد التوازن بين مشاركتك في سير عملية تحقيق الأهداف واستلام الموظفين أنفسهم زمام الأمور فيها. تقول ليندا هيل، أستاذة والاس بريت دونهام في كلية هارفارد لإدارة الأعمال ومؤلفة مساعدة لكتاب "المدير: القواعد الثلاث لتصبح قائداً عظيماً" (Being the Boss: The 3 Imperatives for Becoming a Great Leader): "إنّ مهمة المدير هي تقديم استقلالية مشجعة مناسبة لمستوى إمكانية الشخص". يكمن السرّ في مشاركتك بالعمل. إضافة إلى منح الموظف المساحة التي يحتاج إليها ليتمكن من النجاح بمفرده.
وإليك بعض المبادئ التي يمكنك اتباعها عند محاولة إيجاد أفضل طريقة لدعم موظفيك في محاولتهم تحقيق أهدافهم.
حاول إيجاد صلة بين أهداف الموظف والأهداف الأشمل للشركة
يجب أن ترتبط أهداف الموظفين بطموحات الشركة الأشمل، وذلك لتُصبح الأهداف بناءة وفاعلة، فغالباً تزيد احتمالات انفصال الموظفين عن العمل خصوصاً الذين لا يستطيعون فهم أدوارهم في نجاح الشركة. تقول هيل: "تحقيق الأهداف يتعلق بإجراء المفاضلات عندما لا تسير الأمور كما هو مخطط لها، إذ يتوجب على الموظفين فهم الصورة الأكبر ليتمكنوا من إجراء هذه المفاضلات عندما تسوء الأمور". إلى جانب ذلك، يجب أن يكون الموظف قادراً على التعبير بدقة عن كيفية مساهمة جهوده في إنجاح استراتيجية الشركة الشاملة مهما كان مستواه.
تأكد من كون الأهداف قابلة للتحقيق، ولكنها تشكل تحدياً
بما أنّ الموظفين هم المسؤولون بصورة أساسية عن تحقيق أهدافهم، يجب أن يكون لهم دور كبير في تحديدها. لذلك، اطلب من موظفيك وضع أهدافهم المبدئية التي تساهم مباشرة في هدف المؤسسة الرئيسي. وعندما يقترح الموظف أهدافاً أولية، اجرِ نقاشاً معه عمّا إذا كانت هذه الأهداف واقعية وعلى مستوى كاف من التحدي. يقول سريكانت داتار أستاذ قسم آرثر لوز ديكنسون لمادة المحاسبة في جامعة هارفارد ومساهم في إنشاء وحدة تحديد الأهداف في برنامج هارفارد ماناج منتور (Manage Mentor): "تنشأ الأهداف الإضافية كعملية مفاوضات بين الموظف والمدير".
ولكن عليك الحذر، فقد يستاء منك أفراد فريقك إذا ألحيّت على أهداف يصعب عليهم تحقيقها، ولكن في الوقت ذاته يجب أن لا تكون غاية في السهولة. فإن بالغت في الحذر ستفوّت فرصاً جيدة وتكون مضطراً للقبول بالتوسط.
يقول داتار: "إنّ الأهداف الإضافية ستُنشئ طاقة كبيرة ودفعة إلى الأمام في المؤسسة إذا أحسنت إعدادها. ولكن إعدادها بصورة سيئة سيجعلها تعجز عن تحقيق الهدف منها بتشجيع الموظفين ومساعدتهم على تقديم أداء أفضل كما هو مفترض". والأسوأ من ذلك، يمكن أن يحطّ تحديد الأهداف بصورة سيئة من معنويات الموظفين ويحدّ من إنتاجيتهم، بالإضافة إلى جعل مستوى أداء الشركة ككل يتدنى.
كوّن خطة للنجاح
بمجرد تحديد الهدف، اطلب من الموظف أن يشرح لك كيف يخطط لتحقيقه. ثم اطلب منه تقسيم الهدف إلى عدة مهمات وإعداد أهداف مرحلية، وبالأخص إذا كان الهدف كبيراً أو مشروعاً طويل الأمد. واطرح الأسئلة التالية عليه: ما هي نقاط العلام المناسبة؟ ما هي المخاطر المحتملة وكيف يخطط لمواجهتها؟ وبما أنّ السعي لتحقيق الأهداف نادراً ما يكون بمعزل عن العوامل الأُخرى، تقترح هيل أن تساعد موظفيك على معرفة على من يعتمدون لتحقيق هذه الأهداف، ومن ثم إيجاد حلول لكيفية التأثير بالصورة الأمثل على هؤلاء الأشخاص ليتم تنفيذ العمل.
راقب التقدّم
يساعدك البقاء مطلعاً على تفاصيل تقدّم موظفيك في التصدي مبكراً لأي مشكلة تواجههم. تقول هيل: "غالباً ما نواجه المشاكل لأننا لا نلاحظ أننا شركاء في تحقيق الأهداف". ولا تنتظر حتى يحين موعد المراجعة أو نهاية المشروع للتدخل. بل عليك مراجعة الأهداف الآنية والأهداف طويلة الأمد أسبوعياً. حتى الموظفين أصحاب الأداء العالي يحتاجون إلى تقييم وإشراف مستمرين. واسأل الموظف عن شكل الإشراف والتقييم الأفضل بالنسبة له. وبالأخص إذا كانت مهمته صعبة أو إذا كانت عملاً ينفذه للمرة الأولى.
عندما لا تسير الأمور كما يجب
قليلاً ما يستطيع المدراء تحقيق أهدافهم دون مواجهة العراقيل والعقبات على الطريق. إذن، يتوجب عليك بناء علاقات مع موظفيك ليشعروا بالراحة عند اللجوء إليك في حال وجود مشاكل، فإذا واجه الموظف مشكلة غير متوقعة ربما يحتاج إلى تعديل الهدف. ولكن اطلب إليه أولاً إيجاد حلّ محتمل لتتمكن من الإشراف عليه وتقديم النصح له، وإن لم تنفع محاولته في حلّ المشكلة ستضطر للتدخل أكثر في الأمر.
ماذا عن الأهداف الشخصية؟
يُهمل بعض المدراء التفكير بما يحاول الموظف تحقيقه بصورة شخصية في سياق العمل. يقول ستيوارت فريدمان، أستاذ مادة الإدارة في جامعة وارتون ومؤلف كتاب "القيادة الكلية: كن قائداً أفضل، واحصل على حياة أغنى" (Total Leadership: Be a Better Leader, Have a Richer Life): "إن عبّر موظف لديك عن اهتمامه بالتدريس ولكنه ليس جزءاً من وظيفته الحالية، بإمكانك إيجاد طرق لتشكيل وظيفته كي تشمل فرصاً له لتدريب نظرائه من الموظفين أو زملائه الذين تقل خبرتهم عنه".
إذ تكون خطوتك الأولى بفهم أهدافه الشخصية. إذن، اسأل الموظفين عن أهدافهم الشخصية وإن كانوا يرغبون بالتحدث عنها إليك. ولكن لا تضغط عليهم فهم لن يتحدثوا عن طموحاتهم هذه إذا لم يشعروا بالراحة. بعد ذلك، يقترح فريدمان أن تسأل السؤال التالي: "ما هي التعديلات التي يمكن أن نحاول القيام بها لمساعدتك في تحقيق أهدافك؟". ما يسمح للموظف أن يتولّى إيجاد الحلول بنفسه. وكما هو الحال في تحقيق أهداف العمل تماماً، عليك التأكد من مساهمة الأهداف الشخصية للموظف في نجاح فريقك ووحدتك أو شركتك. يقول فريدمان: "يجب على المدير والموظف الالتزام معاً بالتجربة والمسؤولية المشتركة لمراقبة سير العمل لتحقيق الأهداف، وأن يحرصا على نجاحهما معاً.
عندما لا تتحقق الأهداف
ستمرّ أوقات لا يتمكن فيها الموظفون من تحقيق أهدافهم على الرغم من الجهود المبذولة لدعمهم. تقول هيل: "حاسب الموظفين. إذ لا يمكنك مواجهة الفشل بالتعبير عن أسفك لعدم نجاحهم وحسب. بل عليك أن تعرّف موضع الخطأ الذي أدى إلى الفشل وسببه". ومناقشة ما حدث مع الموظف وما يعتقد كل منكما أنه سبب الفشل. وإذا كانت المشكلة ضمن نطاق سيطرته اطلب منه تطبيق الحلول التي ناقشتموها معاً، والقيام بمحاولة جديدة لتحقيق الهدف، ومراجعتك مرات أكثر. أما إذا كان الأمر خارج نطاق سيطرة الموظف أو كان الطموح أعلى مما يمكن تحقيقه، اعترف بخيبة الأمل ولكن لا تقف عندها. تقول هيل: "شخّص المشكلة واكتسب الخبرة وامضِ قدماً".
إلى جانب ذلك، يمكن أن تكون مساهماً في نشوء المشكلة. هنا عليك التفكير بدورك في الفشل. هل كانت مشاركتك في العمل أقل من اللازم ولم تكن تتدخل بما فيه الكفاية؟، أو ألم تقم بمراجعة عمل الموظف بالطريقة المناسبة؟، واجرِ حواراً صريحاً مع الموظف عمّا يمكنك فعله في المرة القادمة. تقول هيل: "ستكون لدى الموظفين مشكلة معك إذا لم تحاسب نفسك".
مبادئ عليك تذكّرها
ما عليك القيام به:
- حاول إيجاد صلة بين أهداف الأفراد وأهداف المؤسسة الشاملة.
- حاول إظهار للموظفين أنك شريك في تحقيق أهدافهم.
- اعرف اهتمامات موظفيك الشخصية وأدخلها في أهدافهم المهنية.
ما عليك عدم القيام به:
- السماح للموظفين بتحديد الأهداف بمفردهم.
- اتباع خطة لا تشارك فيها مع الموظفين أصحاب الأداء العالي. فهم أيضاً بحاجة لمشاركتك وتقييمك.
- تجاهل الفشل. بل عليك التأكد من أن ينال الموظفون فرصة التعلّم عندما لا يحققون أهدافهم.
دراسة الحالة رقم 1: أن تكون شريكاً في تحقيق الهدف
تعرف ميغان لانتيير في قسم العلاقات العامة لشركة بليس (Bliss) أنها ماهرة في تطوير الأشخاص. وكونها نائب رئيس قسم الخدمات المالية في الشركة، تعمل ميغان على إدارة عدد من مدراء الحسابات، ومن ضمنهم كانت شونا إليسون. قامت ميغان بمراقبة عمل شونا منذ بدء عملها في شركة بليس منذ أربعة أعوام ونصف. ومنذ البداية قامتا بتحديد أهداف ضمن عملية تعاونية، فتقوم شونا بإعداد أهداف مبدئية وتقوم ميغان بإيجاد الأهداف التي تعتقد أنّ على شونا التركيز عليها، ومن ثم تقوم كلاهما بتحديد كيف تتشابك الأهداف كلها مع بعضها البعض. تقول ميغان: "أريد التأكد من أنّ الأهداف قابلة للتنفيذ ولكنها واسعة في الوقت ذاته". إذ قامت الاثنتان بمراجعة هذه الأهداف بانتظام. حيث تتبع ميغان طريقة تشارك فيها شونا العمل، فتزودها بمعلومات وتقييمات دورية، كما أنهما تجلسان معاً على الأقل أربع مرات سنوياً لإجراء نقاشات رسمية أكثر بشأن طموحات شونا.
وتُعتبر أحد أهداف شونا أن تُصبح قائدة قوية في أحد أكبر حسابات الخدمات المالية للشركة. فقد أتقنت العمل اليومي لإدارة الزبون وأصبحت الآن بحاجة إلى التركيز على الإطار الأوسع. وكانت شونا تسعى لتحقيق هذا الهدف منذ عدة أشهر بالتعبير عن نفسها أكثر خلال لقاءات الزبائن وتقديم تقييمات أكثر للمحتوى وليس لمجريات الأعمال فقط. تقول ميغان: "لسنا بحاجة إلى جلسة مراجعة الهدف، فأنا أقدم لها التقييمات باستمرار في سياق العمل".
وفي النهاية تعلم ميغان أنّ شونا هي المسؤولة عمّا تحققه من إنجازات، وتقول: "أنا أبذل كل جهدي للمشاركة في تحقيق أهداف شونا ولكنني أُدرك الحدود التي علي الالتزام بها كمديرة من أجل النجاح في ذلك". ولم يكن هناك ضرورة للحديث عن العواقب في حال فشل شونا بتحقيق هدفها، فهناك عواقب طبيعية في ثقافة الشركة للأداء المتميز. فإن لم تنجح لن تحصل على مهمات أفضل.
دراسة الحالة رقم 2: دعم الأهداف الشخصية
منذ ثلاثة أعوام، بدأت أيمي وارنر العمل في شركة بحث تُدعى أون رامب (On-Ramps) يقع مقرها في مدينة نيويورك. انضمت آيمي إلى الشركة في مرحلة حساسة من فترة نموّها وسرعان ما أصبحت من أهم شخصيات الشركة الصغيرة. تقول مديرة آيمي سارا غريسن والتي هي أحد الشركاء المؤسسين للشركة: "لدى آيمي الكثير من المعارف التي تتعلق بالمؤسسات وهي ذات أداء ممتاز".
عندما بدأت آيمي بالعمل في الشركة كانت تسعى للحصول على شهادة في العمل الاجتماعي، ولكنها كانت تأخذ دروسها مساء وفي عطلات نهاية الأسبوع. وبعد عام ونصف من بداية عملها أصبح جدول دراسة آيمي أكثر تعقيداً. وجعلت متطلبات برنامج تدريبها من عملها ضمن جدول تقليدي بدوام كامل صعباً. ونظراً لأدائها المتميز حرصت سارا وشركاؤها على الاحتفاظ بها في الشركة وتشجيعها على نيل شهادتها في الوقت ذاته. بقيت آيمي تعمل في الشركة بدوام كامل في المكتب يومين في الأسبوع فقط، وقضت بقية ساعات عملها مساء وفي عطلات نهاية الأسبوع. تقول آيمي: "كانوا يشجعونني بصورة كبيرة".
وكان للشركة برنامج مراجعة نصف سنوي يتم فيه تحديد الأهداف ومراجعتها، ويقومون بمزيد من المراجعات للأهداف خلال الاجتماعات الأسبوعية. تحدثت آيمي وسارا كثيراً بشأن كيفية دعم الشركة لآيمي بمنحها جدول عمل مرن بالإضافة إلى التفكير بكيفية تقاطع عملها مع دراستها. ووجدتا أنّ هناك الكثير من المهارات التي يمكن نقلها بين وظيفتها كموظفة بحث وعملها كعاملة اجتماعية، مثل إدارة المقابلات والزبائن، حيث قالت سارا في شرح سبب دعم الشركة لنشاطات آيمي في دراستها: "لم نكن لنفعل ذلك مع موظف متدني الأداء. علينا أن نسأل أنفسنا: ماذا سيكلفنا توظيف شخص آخر مثل آيمي؟".
ستنهي آيمي دراسة الماجستير في شهر مايو/ أيار المقبل وبدأت هي وسارا مناقشة خطوتها التالية. وكلاهما تأملان إيجاد طريقة لدمج مهاراتها في أعمال البحث واهتماماتها في العمل الاجتماعي من أجل إيجاد وظيفة تكون مثالية لها وللشركة في الوقت ذاته.