المعلومات السرية في العمل تؤدي لاتخاذ قرارات خاطئة

5 دقيقة
المعلومات السرية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تشيع المعلومات السرية في عالم الأعمال التجارية إلى حد كبير، وهي قانونية (باستثناء التداول الداخلي في سوق الأسهم)، وغالباً ما يشعر الشخص الذي يتلقاها بالامتياز لأنه يعرف معلومات جديدة لا يعرفها الآخرون، ما يوفر له الفرصة ليكون أول من يتصرف بناءً عليها. على سبيل المثال، قد يكشف مديرك عن معلومات خاصة حول تغيير مؤسسي قادم، ما يمنحك ميزة لأنها توفر لك تحذيراً حول كيفية تأثير هذه التغييرات عليك. أو قد يكشف أحد العملاء عن قرار حديث لم يُعلن عنه بعد يمكن أن تكون له عواقب على علاقة شركتك بشركته. قد تبدو هذه المعلومات السرية مفيدة لنا إذا كنا من بين القلة المختارة التي تتلقاها، لكن أبحاث التصوير العصبي الحديثة تشير إلى خلاف ذلك.

في تقرير بحثي، اكتشف رافاييل هوبر وزملاؤه من إدارة علم النفس في جامعة بازل أنه عندما يتلقى الأفراد معلومات سرية أو “خاصة”، تميل أدمغتهم إلى إعطاء هذه المعلومات وزناً أكبر من المعلومات الأخرى عند اتخاذ القرارات، بل حتى عندما يكون من الأفضل اتباع النصائح الأخرى، يميل الدماغ إلى تجاهلها لصالح المعلومات الخاصة. في الواقع، كلما زادت الأهمية التي نوليها للمعلومات الخاصة، زاد دورها في تنشيط مناطق معينة من الدماغ أو تعطيلها، ما يؤدي إلى تغيير طريقة تفكيرنا بطرق لا ندركها. ويؤدي ذلك بدوره إلى توليد سلسلة كاملة من المعلومات الجديدة في الدماغ، حيث نكوّن سلسلة من الافتراضات الجديدة بناءً على المعلومات الخاصة، دون أن ندرك بالضرورة أن دماغنا يقودنا في مسعى غير مثمر. تنشّط المعلومات الخاصة مناطق الدماغ المرتبطة بتجنب المخاطرة وعدم تحمل عدم اليقين، وبالإضافة إلى ذلك، تتداخل مع مناطق الدماغ التي تحدّث المعتقدات عادة، وتوجه تركيزنا الذهني ومواردنا الدماغية نحو الخطر المتصور. نتيجة لذلك، نفوّت فرصة دمج المعلومات الجديدة لأن حقيقة أن هذه المعلومات “خاصة” تسيطر على الدماغ.

على سبيل المثال، قد يبدأ الشخص الذي علم سراً بتغييرات وشيكة في الشركة البحث عن وظيفة جديدة في وقت أبكر من اللازم، ويبدأ دون قصد بإهمال عمله الحالي ويتصرف كما لو أنه خرج من الوظيفة فعلاً، وقد يؤدي هذا السلوك إلى طرده من عمله، حتى لو كانت نية شركته في الأصل الاحتفاظ به ولم تكن تخطط للاستغناء عنه. يمكن أن يؤدي إيلاء أهمية كبيرة للمعلومات الأولية الخاصة حول التغييرات المؤسسية إلى إثارة عمليات التفكير في اللاوعي، ما يؤدي إلى اتخاذ إجراءات متسرعة تفضي إلى نتائج سلبية دون قصد.

وكشف تقرير بحثي آخر أجرته جينيفر لويز كوك وزملاؤها في معهد دوندرز للدماغ والإدراك والسلوك في هولندا أن الأفراد ذوي السمات الشخصية المهيمنة قد يكونون أكثر احتمالاً لاتخاذ قرارات مختلة. مع ذلك، لوحظ وجود فرق بين القادة الذين كانوا مهيمنين اجتماعياً (الذين يحتلون مرتبة أعلى في التسلسل الهرمي ويقيّمهم أقرانهم عالياً في قيادة المهام) والقادة المهيمنين على نحو عدواني (تقييماتهم منخفضة في العلاقات الاجتماعية والقيادة الاجتماعية والعاطفية). يأخذ القادة المهيمنون اجتماعياً في الاعتبار المعلومات الاجتماعية الأخرى عند اتخاذ القرارات، على النقيض من القادة المهيمنين على نحو عدواني. يشير ذلك إلى أننا قد نتعرض لمزيد من التضليل إذا كنا نميل إلى العدوانية (على سبيل المثال عندما تثير المعلومات الخاصة غضبنا) لأننا قد نغفل على الأرجح عن بيانات مهمة عند اتخاذ القرارات.

لقد شهدت هذا السيناريو يحدث مع أحد كبار العملاء التنفيذيين. غضب العميل بشدة عندما اعترف زميله بأنه قوّض سمعته دون قصد عندما برر إعادة توزيع ميزانية إدارته الأخيرة أمام الرئيس التنفيذي. لم يكن ذلك الزميل يقصد التشكيك في حكم عميلي أمام الرئيس التنفيذي، لكن الطريقة التي برر بها إعادة توزيع الميزانية أوحت بأن ميزانيات إدارته ربما كانت كبيرة جداً. كما أوضح لعميلي أنه كان يحاول الدفاع عن إجراءاته فقط، وهو بالفعل يعتقد أن ميزانياته كانت مناسبة.

كانت استجابة عميلي الفورية الغضب وسرعان ما شعر بالقلق. ازدادت حدّة هذه المشاعر إلى درجة أن كل ما كان يفكر فيه هو موقفه أمام الرئيس التنفيذي: هل يجب أن يتحدث إليه مباشرة؟ أو يجب عليه طرد هذا الزميل الذي يقوّض سمعته؟ وهكذا، وبسبب هوسه بهذه المشكلة التي لم يكن ليعرف عنها شيئاً لو لم يعترف بها زميله، أهمل جوانب أخرى مهمة من دوره، مثل الحاجة إلى مشاركة أفكاره مع الآخرين حول الاتجاه المستقبلي لإدارته والتماس آرائهم بشأن قراراته، ونتيجة لذلك، أصبح عالقاً في منظور متحيز. أدرك عميلي عندما ناقشت معه هذا الأمر أن المعلومات الخاصة التي أخبره بها زميله كانت تحجب عنه مسار العمل الصحيح، ولم يتمكن من إعادة ضبط نهجه واستعادة تركيزه واتخاذ قرارات أكثر فائدة للشركة إلا بعد أن بدأ بأخذ الوقت الكافي للتفكير في قراراته بعناية والسعي للحصول على آراء الآخرين.

يشير هذا البحث والأمثلة المذكورة أعلاه إلى أنه على الرغم من أن تلقي المعلومات الخاصة قد يجعلنا نشعر بأننا متميزون أو “مختارون”، يمكن لهذه المعلومات أن تضعنا في موقف نتحيز فيه دون وعي منا إلى نوعية المعلومات التي نتلقاها لأن أدمغتنا لا تستطيع التمييز بين المعلومات المهمة فعلاً والمعلومات الدرامية أو المثيرة فقط. يمكن أن تقود الطبيعة المثيرة للمعلومات السرية أدمغتنا إلى تصنيفها خطأً على أنها “مهمة”، ما يؤدي إلى الاستجابات اللاوعية الموصوفة أعلاه. أدعو هذا التأثير “تأثير القمع”، وهو أحد الانحيازات اللاإرادية الرئيسية في عملية صنع القرار. إذاً كيف يجب أن تتعامل مع المعلومات الخاصة القانونية؟

أولاً، قبل اتخاذ أي إجراء بناءً على المعلومات الواردة، تفحّص البيانات التي تدعمها لتجنب الوقوع في مأزق اللاوعي المتمثل في إعطاء أهمية أو وزن أكبر من اللازم للمعلومات. قيّم المعلومات بوعي أو ناقش مع زملائك إذا ما كانت مهمة ودقيقة، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف تتناسب مع سياق المعلومات الأخرى المتاحة. على سبيل المثال، إذا علمت أن هناك تغييرات كبيرة وشيكة في الشركة، فبدلاً من القفز بسرعة إلى الاستنتاجات بناءً على هذه المعلومات، ضع في اعتبارك أثر التحيز لـ “تأثير القمع” في عقلك. بعد ذلك، وثّق المعلومات الأخرى التي تعرفها أو تحدّث عنها علانية، وضعها في اعتبارك بوعي واستخدمها علناً لتحديث معتقداتك.

المقصود أنه لا حاجة إلى رفض هذه المعلومات السرية الجديدة، ولكن من الضروري التدقيق فيها وتحليلها والنظر إليها من وجهات نظر مختلفة ومناقشتها مع الآخرين. إذا كان لديك ميل نحو العدوانية أو كانت المعلومات السرية تثير غضبك (على سبيل المثال، إذا كانت هناك إشاعات حول جولة ثانية وشيكة من التخفيضات)، فقد تتردد في مناقشتها، الأمر الذي قد يؤدي إلى المبالغة بأهميتها. لقد رأيت من خلال عملي مع القادة أن لهذا التأثير تداعيات مهمة عندما يفكر الأشخاص بتغيير الوظيفة، إذ غالباً ما تدفعهم المعلومات السرية إلى اتخاذ قرارات متسرعة كان من الممكن أن تكون أكثر فعالية لو أنهم قيّموا أهميتها بوعي.

إذا تركت عقلك يعمل دون توجيه أو وعي فسيغير مساره، وسيؤدي ذلك إلى سلسلة من القرارات التي قد تصرف انتباهك عن إنجاز مهامك أو تقود أفكارك في اتجاه غير مثمر. في الواقع، هذا ما يحدث عادةً عندما تستشري الإشاعات في المؤسسة، والنصيحة الثانية في هذه الحالة هي تعلم التمييز بين المعلومات الخاصة القيّمة والإشاعات غير المفيدة. فالمؤسسات تعج بالإشاعات، ويمكن أن تكون مشتتة للتركيز ومحبطة للمعنويات، وإذا لم تتعامل معها بحكمة، يمكن أن تؤدي إلى حالة من التقاعس أو الشلل. لقد كشفت دراسة حديثة أن دماغنا في الواقع يتمتع بالقدرة على عدم الانجراف وراء الإشاعات إذا ما تعمدنا ضبط استجاباتنا لها. ببساطة، في المرة القادمة التي تسمع فيها إشاعة مسيئة، لا تنشغل بها، بل درّب عقلك على تجنبها على الفور.

ثالثاً، عزّز الشفافية وكن نموذجاً يُحتذى به. يجب على القادة أن يتحلوا بالشفافية لترسيخ ثقافة التواصل المفتوح وبناء الثقة بين أعضاء الفريق. للشفافية تأثير إيجابي في مجتمعات الأعمال، ليس فقط في ثقافة العمل فحسب، بل في عقولنا أيضاً، لأنها تقلل من احتمال المبالغة في تقدير أهمية المعلومات الخاصة.

يمكن للمعلومات السرية، التي يُفترض أن تفيدنا، أن تضرنا في الواقع، ولكن عندما نصبح أكثر وعياً باستجابات أدمغتنا المبالغ بها تجاهها، يمكننا تجنب الوقوع فريسة لأدمغتنا المفرطة الاستجابة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .