أخيراً أضحت لديك فرصة العمل عن بُعد. ولعل هذه الفرصة بسبب بنية وظيفتك أو مؤسستك الجديدة، ولعلها جزء من مبادرة العمل المؤسسي الجديدة أو مبادرة الحياة المؤسسية الجديدة، أو لعلها نتيجة أشهُر من ممارسة الضغط على المسؤولين الكبار في الشركة. وأياً يكن السبب، فقد ظفرت بالجائزة التي يحلم بها الكثير من الآباء والأمهات العاملين، أو معظمهم؛ حيث لا حاجة إلى التنقُّل ولا وجود للمُلهيات في مكان العمل ولا أحد ينظر إليك باستنكار عندما تتسلل من المكتب للذهاب إلى موعد مع طبيب أطفال. وحدك أنت فحسب ومكتب منزلي مريح وفرصة لقضاء المزيد من الوقت مع أطفال، ولكن ما أبرز مشاكل العمل من المنزل؟
مشاكل العمل من المنزل بالنسبة للوالدين
والآن يأتي الجزء الصعب.
إذ إنه بالنسبة إلى العديد من الآباء والأمهات العاملين وإلى المؤسسات التي يعملون لديها، يُعد العمل عن بُعد بمثابة خطوة ينشدها الأشخاص لزيادة التوازن بين العمل والحياة العائلية، وبين الإنتاجية والاستمرارية. وقد أصبح العمل عن بُعد جزءاً من بنية الحياة المهنية الحديثة، وذلك لسبب وجيه، هو أن المزايا التي يحققها العمل عن بُعد، على مستوى الشركة وعلى المستوى الشخصي، كثيرة وواضحة.
بيد أن هذه المزايا يصاحبها عدد مماثل من التحديات، خاصة على المستوى الشخصي. إذ كيف يمكنك البقاء تحت مراقبة مديرك وأمام ناظريه عندما لا تكون موجوداً فعلياً في مكان العمل؟ وفي ثقافة العمل الدائم الذي يمتد طوال اليوم على مدار الأسبوع، كيف يمكنك تجنب تصوّر الآخرين بشأنك – لاسيما بين الزملاء الأقدم أو ذوي العقلية التقليدية - بأنك تسلك الطريق السهل أو أنك اخترت "المسار الوالِدي"؟ وكيف يمكنك إقامة علاقات بناءة في مكان العمل مع الأشخاص الذين تراهم على نحو غير منتظم؟ وكيف تتجنب المُلهيات وفترات الانقطاع التي يمكن أن تؤثر على أدائك؟
زيادة كفاءة العمل من المنزل
ويعلم الآباء والأمهات العاملون الحاذقون أن الأمر لا يتطلب مكتباً منزلياً فحسب لكي ينجح العمل عن بعد على مستوى مؤسساتهم وحياتهم المهنية وأسرهم؛ بل إنه يتطلب بذل جهود واعية واستخدام بعض التكتيكات المحددة والفاعلة، التي يمكنك البدء في استخدامها اليوم.
صياغة العمل عن بُعد من وجهة نظر الشركة
يقدم الآباء والأمهات الناجحون في العمل عن بعد دائماً، بغض النظر عن السبب الفعلي، الترتيب في إطار تجاري مفيد للشركة. إذ إن مِن شأن حُجج مِن قَبيل أنّ "توقُّفي عن التنقل يوفر سبع ساعات إضافية في الأسبوع بوسعي أن أقضيها في التواصل مع العملاء"، أو أنّ "وجودي في مدينة شيكاغو يتيح للشركة تغطية أسواق الغرب الأوسط بكفاءة ودون تكبّد أي تكلفة إضافية" أن تكون أكثر إقناعاً، ولا جدال بشأنها من جهة الحجج التي على شاكلة "أردت أن أقضي مزيداً من الوقت في المنزل". فالأمر هو أن تقدم نفسك على نحو يتوافق مع الإيرادات، وتطرح حجتك بصفتك أصلاً من أصول الشركة، وستحظى بالدعم حتى من الزملاء الأكثر تشككاً حيال العمل عن بُعد.
اقرأ أيضاً: 3 نصائح لتجنب الاحتراق الوظيفي خلال العمل من المنزل
الحفاظ على روتين ثابت
يمكن أن يبدو العمل عن بعد، بعد سنوات من الحياة المكتبية، مرناً على نحو بالغ؛ إذ إنك تجلس على مكتبك عند الساعة 9:30 صباحاً وأنت ترتدي ملابس النوم! وتُطعم طفلك في أثناء إجراء مكالمة جماعية! بيد أن هذا الافتقار نفسه إلى وجود الحدود التقليدية لأماكن العمل بوسعه تقويض دافعيتك وإنتاجيتك (هل أنت حقاً تبدأ عملك متأخراً في أفضل أحوالك، مرتدياً سروالاً رياضياً؟). استخدم بيئة عملك عن بعد لإيجاد مرونة ذات مغزى لك؛ كأن تنتظر طفلك عند عودته بالحافلة المدرسية، على سبيل المثال، أو الذهاب لمشاهدة مباريات كرة القدم، مع الحفاظ على جدول ثابت وعادات راتبة أيضاً. وابدأ العمل في الوقت نفسه كل يوم. ولترتدِ ملابس تجعلك تشعر بالصرامة والثقة. وحدد فترات للراحة بالمدة والوتيرة نفسها كما تفعل في المكتب. ومن شأن وجود روتين متين و"حواجز حماية" مناسبة تعزيز الشعور بالمهنية والسيطرة على زمام الأمور.
إبداء التزامك
ما لا يمكن لزملائك رؤيته، لا يمكنهم تقديره. لذا، احرص عند العمل عن بُعد على تقديم إشارات صغيرة وواضحة تدل على أن التزامك وأخلاقيات العمل لديك لا يتزعزعان. ومن التلميحات الأساسية في هذا الشأن أن يكون أول ما تفعله في الصباح هو إرسال رسائل البريد الإلكتروني بصفتها وسيلة لإعلان أنك مستيقظ بالفعل وتباشر عملك. وأخبر زملاءك أنك اطّلعت على رسائل بريدهم الإلكتروني وقرأت المستندات التي أرسلوها بعناية، كأن تقول: "شكراً يا عُمر على ذلك. ستكون البيانات الواردة في الصفحة رقم 6 مفيدة في عملية المراجعة الفصلية". وقم بإجراء مكالمات في الصباح الباكر أو في أوقات متأخرة ليلاً بوصفها معروفاً تقدمه لزملاء العمل في المناطق الزمنية الأخرى. ستتيح لك هذه التكتيكات الصغيرة أن تبدو حريصاً وملتزماً ومجتهداً، وهي سمات جيدة على أي مستوى.
التحكم في الأمور التي يمكن التحكم بها
انتبه إلى البيئة المادية لعملك، وقم بتهيئتها لمساعدتك على أن تكون مهنياً - وأن تبدو كذلك في نظر الآخرين - ومركّزاً وملتزماً. وابحث عن طريقة لضمان الخصوصية عند إجراء مكالمات هاتفية حساسة، حتى لو كان ذلك يعني وضع قفل على باب مكتبك حتى لا يقتحم طفلك الغرفة. وأنشئ خلفية احترافية لمكالمات الفيديو حتى لا يتمكن أي شخص من رؤية معدات هوكي الجليد الخاصة بأطفالك في الخلفية عند مناقشة تقرير التسويق الفصلي. إذ إن من شأن الاعتناء بهذه الترتيبات العملية الصغيرة أن يعزز بيئة عملك وصورتك المهنية.
مراجعة المسائل التقنية
يمكن أن يزيد الاستخدام الذكي للتقنية من كفاءتك وتواصلك مع زملائك. فإذا كانت الطابعة المنزلية ليست بالسرعة نفسها التي تتمتع بها الطابعة الموجودة في مقر العمل، أو إذا كنت تستخدم رسائل البريد الإلكتروني والمكالمات الصوتية بينما يستخدم الجميع في المكتب تطبيق سلاك (Slack)، فإنك تهدر فرصة حقيقية. إعقِد شراكة مع فريق تقنية المعلومات بمؤسستك، أو مع أحد الموظفين من جيل الألفية البارعين في التقنية في إدارتك؛ لمساعدتك في العثور على أفضل الأدوات التقنية والبدء في استخدامها. وإن كنت لا تعرف أفضل التطبيقات للبقاء على تواصل وفي انخراط مع الشركة أو الصناعة أو الوظيفة، فاسأل مَن يعلم لمعرفة ذلك.
خصص 10% من وقتك لبناء العلاقات
تحدث العلاقات، في بيئة مكتبية منتظمة، بشكل طبيعي؛ من خلال المحادثات التي تحدث عند شرب الماء من مبرد المياه وفي الردهات وفي استراحة تناول الغداء. ولكن عندما تعمل عن بعد، سيكون عليك خلق "فرص التواصل" هذه بنفسك. اتصل بزميلك لتطمئن عليه في عطلة نهاية الأسبوع. وأرسل رسالة بريد إلكتروني إلى تلميذتك في العمل لتسألها كيف سارت معها الأمور في عرضها التقديمي الذي كانت ترتقبه. إذ سيؤتي التأكد من أن لديك فترات تواصل غير رسمية ومنتظمة مع كل فرد في الفريق - وفي جميع أنحاء المؤسسة – ثماره على المدى البعيد.
كن شخصاً لا يمكن التنبؤ به على نحو إيجابي
احضُر إلى المكتب كل بضعة أسابيع حتى إذا كان نظام عملك عن بُعد يتيح لك البقاء في المنزل طوال أيام الأسبوع. واحضُر للمراجعة السنوية للتسويق حتى عند وجود اتصال هاتفي. وكن حاضراً للمساعدة في الأسبوع الذي يبدأ فيه الموظفون الجدد عملهم حتى تتمكن من المساعدة في توجيههم والترحيب بانضمامهم. ولا داعي لأن تكون حاضراً طوال الوقت لكي تكون حاضراً بشكل ملحوظ وعندما يكون حضورك مهماً.
اقرأ أيضاً: 5 نصائح لتقليل الوقت الذي تقضيه أمام شاشة الكمبيوتر أثناء فترة العمل من المنزل
أقنِع مديرك في العمل
يُنظر إلى العمل عن بُعد، في معظم المؤسسات، باعتبار أن الموظف هو المستفيد منه. وستكون فكرة سديدة دائماً أن تُطلع مديرك في العمل على الفوائد التي تحققها له وللمؤسسة في المقابل. لذا، زوِّد مديرك برسائل تذكير منتظمة وإيجابية بشأن الأسباب الكامنة وراء نجاح عملك عن بعد ووراء تقديرك له، كأن تقول له: "أتاح لي العمل من المنزل قضاء المزيد من الوقت في العمل المتعلق بالعملاء، فقد ارتفع معدل المبيعات التي حققتها بنسبة 10% هذا العام. وحقيقة أن الشركة تُبدي هذه المرونة تجعلني أود الاستمرار عضواً في هذا الفريق على المدى البعيد".
اشرح طبيعة العمل عن بُعد لأطفالك
من الطبيعي أن يجد الأطفال صعوبة في فهم عالم العمل وطبيعة مكوناته ومتطلباته ومضامينه. لكن حتى الأطفال الصغار للغاية يمكنهم سماع أمهاتهم يقُلن لهم: "ماما تعمل بجد طوال الأسبوع في المكتب لأنها تحب ذلك، ولأنه يتيح لي كسب المال لتوفير احتياجات عائلتنا. وفي أيام الجمعة، أواصل العمل، لكن من المنزل حتى أتمكن من اصطحابك إلى المدرسة ويكون بوسعنا أن نمرح معاً". أنت تغرس، عندما تفعل ذلك، قيم العمل الجاد والمسؤولية في أطفالك، وفي الوقت نفسه تُبدي التزامك تجاههم وحبك لهم.
الصورة الشاملة
يُعد العمل عن بعد مهارة مهنية مميزة. وهي مهارة يجري تطويرها مع مرور الوقت، من خلال الخبرة والتفكّر الشخصي والرغبة في التحسن المستمر والكثير من المثابرة، شأنها في ذلك شأن أي مهارة مهنية أخرى؛ مثل التحدث أمام الجمهور أو التفاوض أو التحليل المالي. وفيما يخص أياً من الوالدين العاملين ممن يرغبون في تحفيز الأداء التنظيمي والنجاح في الوظيفة وتربية أطفال رائعين، فهي مهارة تستحق التطوير من أجل التخلص من مشاكل العمل من المنزل.
اقرأ أيضاً: