كيف‭ ‬تتعاون‭ ‬مع‭ ‬زملائك‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تصاب‭ ‬بالإنهاك

23 دقيقة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

“كثير من الناس على اختلافهم يمكنهم الوصول إليك عبر قنوات شتى مما يضعك تحت ضغوط هائلة”.

“رسائل إلكترونية متواصلة، وسفرات عمل خارجية، واتصالات في جميع الأوقات – لقد أصبت بالإنهاك. وفي نهاية المطاف قد تستنزف جهود التعاون المطلوبة منّي طاقتي تماماً”.

“لطالما شعرت بأنّني بحاجة إلى فعل المزيد والمضي إلى أبعد مدى لكي أنقذ الموقف. لقد أصبحت طوق النجاة بالنسبة للناس ثمّ كدت أصاب بالانهيار”.

تلك هي الشكاوى التي تصدر عن أشخاص مصابين بالإنهاك جرّاء زيادة أعباء العمل التعاوني مع زملائهم.

فبعد أن تزايدت الصبغة العالمية للمؤسسات وأصبحت هياكلها الإدارية تعتمد على المصفوفات وأصبحت تقدّم منتجات وخدمات أكثر تعقيداً من ذي قبل وتتيح لزبائنها التواصل معها على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع (24/7)، فقد باتت هذه المؤسسات تطلّب من موظفيها التعاون مع زملائهم ومع الجهات الخارجية أكثر من أي وقت مضى. وبحسب الأبحاث التي قامت بها مؤسسة “كونكتيد كومنز” (Connected Commons) فإنّ معظم المدراء الآن يمضون 85% أو أكثر من وقت العمل في التعامل مع البريد الإلكتروني وحضور الاجتماعات والحديث على الهاتف، فيما زاد الطلب على هذه الأنشطة بحدود 50% خلال العقد الماضي. ولا شكّ بأنّ الشركات تستفيد بطبيعة الحال: فالابتكار بشكل أسرع وخدمة الزبائن بأسلوب أكثر سلاسة هما نتاجان ثانويان للتعاون الأكبر بين زملاء العمل. لكن ما هي تكلفة كل ذلك؟ قضاء وقت أقل بكثير في التركيز على العمل الفردي والتأمّل المتأنّي في نتاج العمل واتخاذ القرارات السليمة. وكانت مقالة قد نشرت في 2016 في مجلة هارفارد بزنس ريفيو العربية وشارك في تأليفها واحد منّا قد أطلقت على هذه الظاهرة الهدّامة اسم “التعاون الزائد عن حدّه” واقترحت طرقاً لمساعدة المؤسسات في مكافحتها.
خلال السنوات القليلة الماضية أجرينا المزيد من الأبحاث الكمّية والكيفية لكي نصل لفهم أفضل للمشكلة ونكشف النقاب عن الحلول التي يمكن للأفراد تطبيقها بمفردهم. ومن خلال العمل مع 20 مؤسسة عالمية تنشط في ميادين متنوّعة (مثل البرمجيات، والمنتجات الاستهلاكية، والخدمات المهنية، والتصنيع، وعلوم الحياة)، بدأنا بوضع نماذج للتعاون بين الموظفين ودراسة تأثير هذه التفاعلات على المشاركة والأداء والتناقص الطوعي للموظفين. ثمّ استعملنا التحليل الشبكي لتحديد الأشخاص المتعاونين الأكفاء – أي الذين يعملون بإنتاجية عالية مع مجموعة متنوّعة من الأشخاص الآخرين لكنّهم يهدرون وقتاً أقل من وقتهم ووقت زملائهم – وقد أجرينا مقابلات مع 200 منهم (100 رجل و100 امرأة) ناقشنا خلالها حياتهم في مكان العمل. وقد تعرّفنا على الكثير من التفاصيل التي تبيّن كيفية الوصول إلى حالة زيادة أعباء العمل عن الحدّ الطبيعي، وما الذي يجب على القادة القيام به لتجنّب ذلك بحيث يصبح بمقدور هؤلاء مواصلة النجاح.

لم يكن مفاجئاً لنا أن نكتشف بأنّ ثقافة العمل التي تتطلّب الجاهزية الدائمة وتزايد اقتحام التكنولوجيا لحياتنا ووجود مدراء كثيري الطلبات وزبائن مزعجين وزملاء عمل عديمي الكفاءة كانت جميعها جزءاً كبيراً من المشكلة، كما تتطلب معظم هذه التحدّيات حلولاً مؤسسية. لكنّنا اكتشفنا في العديد من الحالات بأنّ الضغوط الخارجية على وقت الأفراد يقابلها عدو آخر ألا وهو عقليات هؤلاء الأفراد وعاداتهم. ولكن لحسن الحظ، بوسع الناس التغلّب على هذه العوائق بأنفسهم وفوراً من خلال ممارسة قدر من الإدارة الاستراتيجية للذات.

كشفنا النقاب عن أفضل الممارسات ضمن ثلاث فئات عريضة هي: “المعتقدات” (فهم السبب الذي يدفعنا إلى قبول مسؤوليات زائدة عن اللزوم)؛ و”الدور وجدول المواعيد وشبكة العلاقات” (التخلّص من التعاون غير الضروري لتوفير الوقت للعمل المتوافق مع طموحاتنا المهنية وقيمنا الشخصية)؛ و”السلوك” (ضمان تمتّع العمل التعاوني الضروري أو المطلوب بأكبر قدر ممكن من الإنتاجية). من المؤكّد أن توصياتنا لن تكون كلها مناسبة للجميع: فاحتياجات الناس تختلف باختلاف شخصياتهم وموقعهم في التسلسل الوظيفي وظروفهم في العمل. لكنّنا اكتشفنا أنّه عندما اتّخذ الناس الذين درسنا حالاتهم إجراءات بخصوص أربعة أو خمسة من هذه التوصيات فقط قد تمكّنوا من استرجاع 18% إلى 24% من الوقت الذي كانوا يخصّصونه للتعاون مع زملائهم.

نمطان من الأعباء الزائدة عن الحد

عادة ما تحصل حالة العمل التعاوني الذي يتجاوز حدّه هذه إمّا على شكل إنهاك حاد أو إنهاك بطيء. وبالنسبة للإنهاك الحاد فيمكن أن ينجم عن ترقية، أو طلب من مدير أو زميل في العمل بتولّي مشروع معيّن أو المساعدة في إنجازه أو الرغبة الشخصية في المساهمة في إنجاز نشاط معيّن “خارج نطاق العمل” لأنك تشعر بأنك ملزم بالقيام بذلك أو لا تريد أن تفوّت فرصة معيّنة.

ولنأخذ مثلاً حالة مايك، وهو مدير تنفيذي في شركة تأمين كان مسؤولاً عن إدارة مجموعة من المشاريع، حيث كان فريقه منكبّاً على العمل ليل نهار على إنجاز أحد هذه المشاريع بهدف الحيلولة دون انهيار أحد أقسام الشركة الذي يواجه صعوبات. وعندما طلب منه مديره المساعدة في إنشاء وحدة جديدة ستسمح للشركة بالظهور ككيان واحد في السوق، شعر بأنّه لم يكن قادراً على رفض الطلب. فقد كانت هذه بمثابة فرصة عظيمة للتطوّر وقد كان يتمتّع بالمهارات المثالية التي تناسب هذه المهمّة، كما أنّها كانت فرصة للتعامل المباشر مع كبار المدراء. ومع ذلك، لم يكن قادراً على التخلّي عن فريقه الحالي وسط انشغالاته ولذلك قرّر القيام بالعملين في وقت واحد.

عليك أن تدرك ما هي أعباء العمل الواقعة على كاهلك ونابعة من رغبتك الشخصية في المحافظة على سمعتك في المحافظة على سمعتك بوصفك شخصاً متعاوناً أو واسع الاطلاع أو نافذاً

أمّا الإنهاك البطيء فهو أكثر فداحة ويحصل من خلال زيادة تدريجية في حجم طلبات التعاون وتنوّعها ووتيرتها مع مرور الوقت، بما أنّ فعالية الشخص تقود إلى نسجه لشبكة علاقات أكبر وإلى تزايد نطاق مسؤولياته. وعادة ما يعاني من يعتادون تقديم خدمات للناس من هذا النوع من الأعباء. ومع اكتسابنا للمزيد من الخبرة غالباً ما نميل إلى قبول عدد أكبر من المهام، وتصبح شخصياتنا مرتبطة بالإنجاز أو بمساعدة الغير أو بامتلاك المعرفة. كما أنّنا نميل إلى عدم التساؤل عما نقوم به بعد إضافة مهام أو أعمال جديدة إلى قائمة أعمالنا في ساعة متأخرة من الليل ونحن نقوم بإرسال رسالة بريد إلكترونية. وبطبيعة الحال فإنّ زملاءنا يرحّبون بهذه الخصال؛ فمع اكتسابنا لسمعة أنّنا من أصحاب الكفاءات اللذين يلبّون كل ما يطلب منهم، فإنّ الناس في شبكة علاقاتنا يجلبون لنا المزيد من الأعمال والطلبات. ومن الأمثلة على ذلك إيلين، التي قضت أكثر من 18 عاماً في العمل مع شركة تكنولوجية مدرجة على لائحة فورتشن 100 (Fortune 100). فقد كانت مدفوعة بقوّة بقدرتها على مساعدة الزملاء وحل المشاكل وتجاوز البيروقراطية لإنجاز الأعمال المطلوبة وكانت فخورة بذلك. ولكنّها شعرت في نهاية المطاف بضغوط هائلة نتيجة لقائمة طويلة من المشاريع والالتزامات التي كانت تقع “خارج نطاق ما يمكن إنجازه”.

على الرغم من اختلاف حالتي مايك وإيلين، إلا أنّ أبحاثنا تشير إلى أنّ الحلول لمشاكلهما ومشاكل غيرهما المرتبطة بأعباء العمل الزائد متشابهة. فهما غير قادرين على مواصلة العمل بالطريقة التي سارا عليها من قبل مع المحافظة على فعاليتهما وهما بحاجة إلى السيطرة بشكل أفضل على زمام حياتهما العملية.

لماذا نتقبّل حملاً زائداً يفوق طاقتنا على الاحتمال؟

تتمثّل الخطوة الأولى في مواجهة أعباء العمل التعاوني التي تتجاوز حدّها في أن تدرك كم من ذلك العمل نابع من رغبتك الشخصية في المحافظة على سمعتك بوصفك زميلاً متعاوناً أو واسع الاطلاع أو نافذاً وما تقوم به لتجنّب القلق الناجم عن التخلّي عن السيطرة أو رفض المشاركة في العمل الجماعي. على سبيل المثال، قد تشعر السيدة التي تنخرط في دورة الحياة الكاملة لمشروع صغير بالفخر بسبب مساعدتها لزملائها في فريق العمل وضمان الوصول إلى نتيجة رفيعة المستوى، حتى بعد أن تصبح خبرتها غير مطلوبة. لكن ليس هذا هو نوع التعاون الذي يُحدِث الفرق على المدى البعيد؛ لا بل إنّ قدراً زائداً عن اللزوم منه سيمنعها من إنجاز أعمال أهم.

إنّ معرفة السبب الذي يدفعك إلى قبول عمل تعاوني – يتجاوز ما يطلبه منك مديرك وشركتك – هي الخطوة الأولى على طريق محاربة عبء العمل الزائد. وعندما نقدّم المشورة للتنفيذيين، فإننا نطلب منهم التأمّل في المحفّزات المحدّدة المرتبطة بشخصياتهم والتي غالباً ما تقودهم إلى تحمّل الأعباء الزائدة في العمل. فعلى سبيل المثال: هل ينتابك شعور عارم بتحقيق الإنجاز عندما تزيل المهام الأقل صعوبة من قائمة المهام التي ينبغي عليك إنجازها؟ هل يدفعك طموحك إلى أن تكون شخصاً نافذاً أو إلى الحصول على إقرار من الآخرين بخبراتك إلى حضور اجتماعات أو نقاشات لا تحتاج مشاركتك فعلياً؟ هل تفخر بأنّك دائماً جاهز للإجابة عن الأسئلة والتحدّث باسم مجموعتك في المهام الجماعية؟ هل توافق على قبول مهام تعاونية لأنّك تخشى من اتهامك بالتقصير في الأداء أو أنك لا تجيد العمل الجماعي ضمن الفريق؟ هل تشعر بعدم الارتياح تجاه فكرة الابتعاد عن بعض القضايا أو المشاريع لأنك تخشى أن يفوتك شيء ما، أو لأنك غير واثق بأنّ العمل سيُنجز بالشكل الصحيح من دونك؟ معظم التنفيذيين الذين قابلناهم كانت إجاباتهم على واحد من هذه الأسئلة، إن لم يكن العديد منها، هي نعم.

المتعاونون الأكفاء يتذكّرون دائماً بأنّ قول نعم لشيء ما يعني دوماً قول لا لشيء آخر – أو على الأقل عدم المشاركة الكاملة فيه. وهم يذكّرون أنفسهم بأنّ المكاسب الصغيرة (كصندوق بريد إلكتروني فارغ من الرسائل الواردة، أو تقرير خال من الأخطاء اللغوية، أو إنجاز الصفقة مع الزبون خلال مكالمة هاتفية واحدة) ليست على الدوام هي الإنجازات الهامّة. وهم يفكّرون مليّاً في المجالات التي يمتلكون الخبرة فيها ويقرّرون متى تكون لديهم قيمة يضيفونها، ومتى لا تكون لديهم هذه القيمة. وهم يتوقّفون عن النظر إلى أنفسهم بوصفهم أشخاصاً لا غنى عنهم، ويحوّلون مصدر قيمتهم الذاتية بحيث لا تنبع هذه القيمة فقط من إبراز قدراتهم، وإنما أيضاً من الابتعاد وإفساح المجال للآخرين لتطوير قدراتهم والظهور على مسرح الأحداث.

وكما أخبرنا أحد التنفيذيين، “لقد أدركت بأنّه إذا كان الناس يحتاجونني حقاً، فإنهم سيعثرون عليّ. ربما بتّ الآن أتخلّى عن حضور 30% من اجتماعاتي، ويبدو أنّ العمل يسير على ما يُرام”.

عندما وجد مايك نفسه على شفا الانكسار في مشروعيه المزدوجين، أدرك ذلك الحجم من قيمته الذاتية المستمد من قبوله الدائم للأهداف المقترحة عليه ومن قدرته على تحقيقها. يقول مايك: “أحتاج الأمر إلى هذا التراجع وإلى زوجة صبورة حتى أرى هذه الصورة.”. وقد قرّر بأنّه بحاجة إلى وضع أولويات واضحة، سواء في حياته المهنية أو الشخصية “ثمّ أصبح قولي لكلمة لا ليس معناه بالضرورة عدم رغبتي بتقديم يد العون للآخرين وإنما أصبح يعني المحافظة على تركيزي على الأشياء المهمّة”.

كما أدركت إيلين أيضاً بأنّ صورتها كشخص يحب مساعدة الآخرين قد تضررت، فقد كانت دائمة البحث عن فرص لتقديم الإسهامات ولم تكن ترفض طلباً لأحد قط. تقول إيلين معترفة: “يتمثّل الجزء الأصعب في إدراك هذه النزعة في تلك اللحظة، وبذل جهد كبير لعدم التدخّل والمشاركة. لكنّني أخبرت فريقي عن مدى أهمية هذا الأمر وطلبت من بضعة أشخاص بأن يقولوا لي الحقيقة وأن ينبّهوني عندما يرون ذلك يحدث”.

التخلّص من الأشياء غير الضرورية

بعد ذلك أنت بحاجة إلى إعادة تنظيم دورك وجدول مواعيدك وعلاقاتك في العمل بهدف تجنّب المحفّزات التي حدّدتها والتقليل من التعاون غير الضروري أو التخلّص منه بالكامل. فعوضاً عن التفكير بأنّ الأمور ستتحسّن من تلقاء نفسها وعيش الحياة بطريقة ردّ الفعل والوقوع في شراك الأنماط المفروضة من الآخرين وفقاً لأهدافهم، فإنّ المتعاونين الأكفاء يتّخذون موقفاً هجومياً عندما يتعلّق الأمر بالعمل التعاوني الذي يتجاوز حدّه. فهم يحدّدون أهدافهم السامية التي يتطلّعون إلى تحقيقها، وهي عبارة عن نقاط القوّة التي يريدون توظيفها في عملهم والقيم التي يريدون تجسيدها، في سياق أولويات المؤسسة – ومن ثمّ النهوض بحياتهم العملية بطريقة تقيهم من الطلبات غير المتوافقة مع هذه الأهداف.

المتعاونون الأكفاء يفكرون ملياً في المجالات التي يمتلكون الخبرة فيها ويقررون متى تكون لديهم قيمة يضيفونها ومتى لا تكون لديهم هذه القيمة.

ابدأ بمراجعة جدول أعمالك ومراسلاتك عبر البريد الإلكتروني بصورة منتظمة باستعمال أداة من قبيل (MyAnalytics) من مايكروسوفت أو منصّة (Human Network Intelligence) من سيسكو. أنظر إلى الوراء أربعة أو خمسة أشهر لتحديد الأنشطة الجماعية أو الاجتماعات أو المراسلات المتكرّرة والتي لا تُعتبر أساسية لنجاحك ويمكنك رفضها أو تقديمها إلى الآخرين كفرص للتطوير. ادرس القرارات التي تجد نفسك منجرّاً إليها بصورة غير ضرورية وكيف يمكن تغيير العمليات أو فرق العمل بحيث لا تكون مضطراً إلى الانخراط في الأمر. انتبه إلى الحالات التي يطلب منك فيها تقديم معلومات أو خبرات في مجالات لم تعد أساسية بالنسبة لدورك أو طموحاتك، وابحث في إمكانية مشاركة معلوماتك على نطاق أوسع عبر الشبكة الداخلية للشركة، أو ما إذا كان هناك شخص خدوم آخر قد يحقق منفعة أكبر من ذلك العمل التعاوني.

في الوقت ذاته، اعمل على تغيير توقعات زملائك بخصوص مستوى تفاعلك وإمكانية تقديم المطلوب في الوقت المناسب. وضّح لهم، على سبيل المثال، بأنّ عدم الرد على رسالة إلكترونية جماعية أو اختيار الخروج من اجتماع لا يعنيان أنّك لا تشعر باهتمام أو تقدير. تحدّث عن أولوياتك الأساسية بحيث يعلم الجميع ما الذي تحتاجه (وتريد) إمضاء معظم وقتك في العمل عليه. اسأل زملاءك عن اهتماماتهم وطموحاتهم بحيث يكون بوسعك تحديد الفرص التي تسمح بتوزيع العمل أو تفويضه إلى الآخرين. واحدة من نقاط التحوّل الأساسية بالنسبة لجميع التنفيذيين الذين قدّمنا لهم المشورة كانت عندما بدأوا يرون في طلبات العمل التعاوني الواردة إليهم فرصاً لتفعيل الأشخاص الموجودين ضمن شبكات علاقاتهم وإشراكهم عوضاً عن إضافتها كبنود إلى قوائهم المهام التي يتعيّن عليهم إنجازها.

وأخيراً، خصّص بعض الوقت للأعمال التأملية وابحث عن التعاون مع الأشخاص القادرين على مساعدتك في تحقيق أهدافك السامية التي وضعتها لنفسك. ركّز مايك على بناء القدرات في وحدة العمل التي كان يديرها. وعوضاً عن التدخل والمشاركة في مشاريع غير ذات صلة بهدف الظهور على المسرح السياسي، بدأ بتمييز نفسه من خلال الخبرة المكتسبة وإسهامات فريقه. أمّا استراتيجية إيلين فقد تمثّلت في رسم حدود شديدة الوضوح: “أنا أداوم من الثامنة صباحاً إلى السادسة مساءً، والناس يعلمون أننّي أقدم 100% من طاقتي في العمل خلال هذه الفترة، ولكن بعد ذلك، لا أدع نفسي أنساق إلى رسائل إلكترونية، أو اتصالات، أو أعمال ليلية غير ضرورية لمجرّد تقديم يد العون فقط”.

ثمّة قائد آخر وصف عملية التحوّل تلك على النحو التالي: “لعب الدور الدفاعي هو أمر فاشل، فأنت دائماً في موقع الشخص الذي يبدي ردود الأفعال وتعيش حالة من الخوف. والطريقة الوحيدة للخروج من هذه الحالة هي أن توضح من أنت وما الذي تريد إنجازه، وأن تبدأ برسم المسار وتكوين شبكة علاقات يساعدانك في الوصول إلى مبتغاك”.

الحفاظ على الإنتاجية

بعد أن تكون قد أجريت حصراً لأعمالك التعاونية يكون الوقت قد حان لتعزيز قيمة التعاون الذي اخترت أن تشارك فيه. تشير أبحاثنا إلى أنّ الاجتماعات التي تدار بطريقة سيئة هي أكبر مضيعة للوقت في المؤسسات. وحتى لو كنت لا تملك زمام التحكّم بالاجتماعات التي تحضرها بوسعك أن تجعلها أكثر إنتاجية كأن تطلب مثلاً ممّن يترأس الاجتماع توزيع جدول أعمال الاجتماع أو بعض الوثائق المسبقة لقراءتها قبل الاجتماع ورسالة إلكترونية قصيرة تتضمّن ما تم الاتفاق عليه والالتزامات والخطوات التالية مستقبلاً. بإمكانك الحد من انخراطك في الاجتماعات من خلال الشرح بأنّك مضطر للمغادرة في وقت معيّن (سواء لسبب حقيقي أو مصطنع) بحيث لا تظل عالقاً في الاجتماع عندما يتجاوز الآخرون الوقت المخصّص، كما أن بوسعك طلب حضور تلك الفترات من الاجتماعات التي تستدعي وجودك فقط أو القبول بحضور نصف الوقت الذي يطلبه زميل أو موظف آخر. ومن الأهمية بمكان وضع معايير واضحة في مرحلة مبكّرة من أي علاقة أو مع أي مجموعة عمل. وإذا ما انتظرت لفترة أطول، فإنّ معالجة المشاكل ستصبح أصعب.

بوسعك أيضاً ترسيخ معايير جديدة للرسائل الإلكترونية أو التشجيع عليها من خلال التطرّق إلى موضوع الشكل (على سبيل المثال التقيّد بحد أقصى لطول الرسالة واختيار مخطط عام يعتمد على عرض النص في صورة نقاط وليس فقرات نصية كاملة)، واستعمال ميزات مثل “نسخة إلى” (cc)، و”الرد على الجميع” (reply all) وتحديد الأوقات المناسبة للرد على مختلف أنواع الطلبات. ادرس إمكانية استعمال أدوات التعاون الافتراضي مثل (Google Docs)، والتي توفّر وسيلة أفضل للعمل الاستكشافي (تعريف مشكلة أو ممارسة العصف الذهني بحثاً عن حل) أو العمل التكاملي (عندما يحتاج أناس من أصحاب الخبرات أو الآراء المختلفة أو من المكلّفين بمهام مختلفة إلى التوصل إلى حل مشترك). يتمثّل الأمر الأساسي في ضمان استعمالك للأدوات الصحيحة في الوقت الصحيح دون جعل المطالب المتعلقة بالتعاون في العمل في وضع أسوأ. كما يجب أن تتعلّم متى تصبح محادثة معيّنة معقدة جداً أو مثيرة للخلاف بحيث يصعب معالجتها عبر البريد الإلكتروني أو الدردشة وأن الأفضل الانتقال إلى محادثة هاتفية أكثر فعالية أو إلى عقد اجتماع وجهاً لوجه.

في حالة التعامل الشخصي المباشر وجهاً لوجه، خذ بعين الاعتبار ما إذا كنت تستهلك وقت الشخص الذي أمامك بكفاءة. اطرح على نفسك السؤال التالي:” هل لديّ تصوّر واضح بخصوص ما أريد إنجازه من الاجتماع أو المحادثة؟” ادع الآخرين إلى التحلّي بذات القدر من الانضباط من خلال طرح السؤال التالي في وقت مبكّر: “لكي استثمر وقتك على أكمل وجه، هلا أخبرتني بسرعة ما الذي تأمل بأن نكون قادرين على إنجازه معاً؟”. وعندما يتعلّق الأمر ببناء شبكة علاقاتك في العمل، ركّز على جودة العلاقات وليس على عدد المعارف. فقد وجدنا بصورة متكرّرة بأنّ المتعاونين الأكفاء يستقطبون الناس إلى العمل التعاوني من خلال منحهم المكانة المناسبة، وتخيّل النجاح المشترك، والتشارك في الملكية، وخلق إحساس بوحدة الهدف وإحاطة النتيجة المرجوّة بهالة من الطاقة الإيجابية. فمن خلال خلق حالة من “الجذب” – عوضاً عن مجرّد فرض جدول أعمالهم الخاص – فإن المتعاونين الأكفاء يحصلون على مشاركة أكبر وأكثر توافقاً مع أهدافهم ويبنون الثقة مع الحضور بحيث لا يشعرون بالحاجة إلى طلب آراء أو موافقات زائدة عن اللزوم.

قرّرت إيلين، على سبيل المثال، إشراك الأطراف المعنية في العمل التعاوني في وقت مبكّر بهدف توفير الوقت في مرحلة لاحقة من العملية. تقول إيلين: “كنت حريصة على وضع كل الأمور في نصابها الصحيح قبل اللجوء إلى الآخرين، لكنني تعلّمت بأنّني إذا طوّرت خطّتي جزئياً ومن ثم حاولت إشراك فريقي أو مديري أو حتى زبائني، فإنهم يشعرون بالرغبة في المشاركة الفاعلة في الموضوع ومساعدتي في اكتشاف الأخطاء، وبذلك فإنني أتجنّب الكثير من الجهد المطلوب لإصلاح الأمور لاحقاً أو إقناع الناس.” وثمّة قائد آخر نعرفه يعقد اجتماعات وجهاً لوجه مع المرؤوسين المباشرين لمناقشة الأولويات والقيم والطموحات الشخصية وتعزيز قدرتهم على العمل معاً بكفاءة كفريق مستقبلاً. يقول هذا القائد: “هناك الكثير من الطرق التي يمكن أن تجعل الناس يسيئون فهم التصرّفات، وبالتالي يتسبّبون بالكثير من المشكلات لاحقاً”. فإذا ما أمضيت بعض الوقت في إعطائهم تصوّراً حول دوافعي وأسبابي، فإنّ ذلك يوفّر الكثير من الوقت المخصّص للتعاون غير الضروري”.

إنّ الانفجار الحاصل مؤخراً في حجم المطالب الداعية إلى التعاون وتنوّع هذه المطالب هو واقع سيظل قائماً ولن يزول. وللأسف، فإن الطبيعة غير المرئية لهذه المطالب تعني بأنّ قلّة فقط من المؤسسات تدير أنشطة التعاون في العمل بفعالية. لذلك فإن الأمر يقع على عاتقك أنت بأن تقاوم الأعباء الزائدة وأن تستعيد وقتك الذي كنت ستخصّصه للعمل التعاوني مع زملائهم.

“كثير من الناس على اختلافهم يمكنهم الوصول إليك عبر قنوات شتى مما يضعك تحت ضغوط هائلة”.

“رسائل إلكترونية متواصلة، وسفرات عمل خارجية، واتصالات في جميع الأوقات – لقد أصبت بالإنهاك. وفي نهاية المطاف قد تستنزف جهود التعاون المطلوبة منّي طاقتي تماماً”.

“لطالما شعرت بأنّني بحاجة إلى فعل المزيد والمضي إلى أبعد مدى لكي أنقذ الموقف. لقد أصبحت طوق النجاة بالنسبة للناس ثمّ كدت أصاب بالانهيار”.

تلك هي الشكاوى التي تصدر عن أشخاص مصابين بالإنهاك جرّاء زيادة أعباء العمل التعاوني مع زملائهم.

فبعد أن تزايدت الصبغة العالمية للمؤسسات وأصبحت هياكلها الإدارية تعتمد على المصفوفات وأصبحت تقدّم منتجات وخدمات أكثر تعقيداً من ذي قبل وتتيح لزبائنها التواصل معها على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع (24/7)، فقد باتت هذه المؤسسات تطلّب من موظفيها التعاون مع زملائهم ومع الجهات الخارجية أكثر من أي وقت مضى. وبحسب الأبحاث التي قامت بها مؤسسة “كونكتيد كومنز” (Connected Commons) فإنّ معظم المدراء الآن يمضون 85% أو أكثر من وقت العمل في التعامل مع البريد الإلكتروني وحضور الاجتماعات والحديث على الهاتف، فيما زاد الطلب على هذه الأنشطة بحدود 50% خلال العقد الماضي. ولا شكّ بأنّ الشركات تستفيد بطبيعة الحال: فالابتكار بشكل أسرع وخدمة الزبائن بأسلوب أكثر سلاسة هما نتاجان ثانويان للتعاون الأكبر بين زملاء العمل. لكن ما هي تكلفة كل ذلك؟ قضاء وقت أقل بكثير في التركيز على العمل الفردي والتأمّل المتأنّي في نتاج العمل واتخاذ القرارات السليمة. وكانت مقالة قد نشرت في 2016 في مجلة هارفارد بزنس ريفيو العربية وشارك في تأليفها واحد منّا قد أطلقت على هذه الظاهرة الهدّامة اسم “التعاون الزائد عن حدّه” واقترحت طرقاً لمساعدة المؤسسات في مكافحتها.

خلال السنوات القليلة الماضية أجرينا المزيد من الأبحاث الكمّية والكيفية لكي نصل لفهم أفضل للمشكلة ونكشف النقاب عن الحلول التي يمكن للأفراد تطبيقها بمفردهم. ومن خلال العمل مع 20 مؤسسة عالمية تنشط في ميادين متنوّعة (مثل البرمجيات، والمنتجات الاستهلاكية، والخدمات المهنية، والتصنيع، وعلوم الحياة)، بدأنا بوضع نماذج للتعاون بين الموظفين ودراسة تأثير هذه التفاعلات على المشاركة والأداء والتناقص الطوعي للموظفين. ثمّ استعملنا التحليل الشبكي لتحديد الأشخاص المتعاونين الأكفاء – أي الذين يعملون بإنتاجية عالية مع مجموعة متنوّعة من الأشخاص الآخرين لكنّهم يهدرون وقتاً أقل من وقتهم ووقت زملائهم – وقد أجرينا مقابلات مع 200 منهم (100 رجل و100 امرأة) ناقشنا خلالها حياتهم في مكان العمل. وقد تعرّفنا على الكثير من التفاصيل التي تبيّن كيفية الوصول إلى حالة زيادة أعباء العمل عن الحدّ الطبيعي، وما الذي يجب على القادة القيام به لتجنّب ذلك بحيث يصبح بمقدور هؤلاء مواصلة النجاح.

لم يكن مفاجئاً لنا أن نكتشف بأنّ ثقافة العمل التي تتطلّب الجاهزية الدائمة وتزايد اقتحام التكنولوجيا لحياتنا ووجود مدراء كثيري الطلبات وزبائن مزعجين وزملاء عمل عديمي الكفاءة كانت جميعها جزءاً كبيراً من المشكلة، كما تتطلب معظم هذه التحدّيات حلولاً مؤسسية. لكنّنا اكتشفنا في العديد من الحالات بأنّ الضغوط الخارجية على وقت الأفراد يقابلها عدو آخر ألا وهو عقليات هؤلاء الأفراد وعاداتهم. ولكن لحسن الحظ، بوسع الناس التغلّب على هذه العوائق بأنفسهم وفوراً من خلال ممارسة قدر من الإدارة الاستراتيجية للذات.

كشفنا النقاب عن أفضل الممارسات ضمن ثلاث فئات عريضة هي: “المعتقدات” (فهم السبب الذي يدفعنا إلى قبول مسؤوليات زائدة عن اللزوم)؛ و”الدور وجدول المواعيد وشبكة العلاقات” (التخلّص من التعاون غير الضروري لتوفير الوقت للعمل المتوافق مع طموحاتنا المهنية وقيمنا الشخصية)؛ و”السلوك” (ضمان تمتّع العمل التعاوني الضروري أو المطلوب بأكبر قدر ممكن من الإنتاجية). من المؤكّد أن توصياتنا لن تكون كلها مناسبة للجميع: فاحتياجات الناس تختلف باختلاف شخصياتهم وموقعهم في التسلسل الوظيفي وظروفهم في العمل. لكنّنا اكتشفنا أنّه عندما اتّخذ الناس الذين درسنا حالاتهم إجراءات بخصوص أربعة أو خمسة من هذه التوصيات فقط قد تمكّنوا من استرجاع 18% إلى 24% من الوقت الذي كانوا يخصّصونه للتعاون مع زملائهم.

نمطان من الأعباء الزائدة عن الحد

عادة ما تحصل حالة العمل التعاوني الذي يتجاوز حدّه هذه إمّا على شكل إنهاك حاد أو إنهاك بطيء. وبالنسبة للإنهاك الحاد فيمكن أن ينجم عن ترقية، أو طلب من مدير أو زميل في العمل بتولّي مشروع معيّن أو المساعدة في إنجازه أو الرغبة الشخصية في المساهمة في إنجاز نشاط معيّن “خارج نطاق العمل” لأنك تشعر بأنك ملزم بالقيام بذلك أو لا تريد أن تفوّت فرصة معيّنة. ولنأخذ مثلاً حالة مايك، وهو مدير تنفيذي في شركة تأمين كان مسؤولاً عن إدارة مجموعة من المشاريع، حيث كان فريقه منكبّاً على العمل ليل نهار على إنجاز أحد هذه المشاريع بهدف الحيلولة دون انهيار أحد أقسام الشركة الذي يواجه صعوبات. وعندما طلب منه مديره المساعدة في إنشاء وحدة جديدة ستسمح للشركة بالظهور ككيان واحد في السوق، شعر بأنّه لم يكن قادراً على رفض الطلب. فقد كانت هذه بمثابة فرصة عظيمة للتطوّر وقد كان يتمتّع بالمهارات المثالية التي تناسب هذه المهمّة، كما أنّها كانت فرصة للتعامل المباشر مع كبار المدراء. ومع ذلك، لم يكن قادراً على التخلّي عن فريقه الحالي وسط انشغالاته ولذلك قرّر القيام بالعملين في وقت واحد.

أمّا الإنهاك البطيء فهو أكثر فداحة ويحصل من خلال زيادة تدريجية في حجم طلبات التعاون وتنوّعها ووتيرتها مع مرور الوقت، بما أنّ فعالية الشخص تقود إلى نسجه لشبكة علاقات أكبر وإلى تزايد نطاق مسؤولياته. وعادة ما يعاني من يعتادون تقديم خدمات للناس من هذا النوع من الأعباء. ومع اكتسابنا للمزيد من الخبرة غالباً ما نميل إلى قبول عدد أكبر من المهام، وتصبح شخصياتنا مرتبطة بالإنجاز أو بمساعدة الغير أو بامتلاك المعرفة. كما أنّنا نميل إلى عدم التساؤل عما نقوم به بعد إضافة مهام أو أعمال جديدة إلى قائمة أعمالنا في ساعة متأخرة من الليل ونحن نقوم بإرسال رسالة بريد إلكترونية. وبطبيعة الحال فإنّ زملاءنا يرحّبون بهذه الخصال؛ فمع اكتسابنا لسمعة أنّنا من أصحاب الكفاءات اللذين يلبّون كل ما يطلب منهم، فإنّ الناس في شبكة علاقاتنا يجلبون لنا المزيد من الأعمال والطلبات. ومن الأمثلة على ذلك إيلين، التي قضت أكثر من 18 عاماً في العمل مع شركة تكنولوجية مدرجة على لائحة فورتشن 100 (Fortune 100). فقد كانت مدفوعة بقوّة بقدرتها على مساعدة الزملاء وحل المشاكل وتجاوز البيروقراطية لإنجاز الأعمال المطلوبة وكانت فخورة بذلك. ولكنّها شعرت في نهاية المطاف بضغوط هائلة نتيجة لقائمة طويلة من المشاريع والالتزامات التي كانت تقع “خارج نطاق ما يمكن إنجازه”.

على الرغم من اختلاف حالتي مايك وإيلين، إلا أنّ أبحاثنا تشير إلى أنّ الحلول لمشاكلهما ومشاكل غيرهما المرتبطة بأعباء العمل الزائد متشابهة. فهما غير قادرين على مواصلة العمل بالطريقة التي سارا عليها من قبل مع المحافظة على فعاليتهما وهما بحاجة إلى السيطرة بشكل أفضل على زمام حياتهما العملية.

لماذا نتقبّل حملاً زائداً يفوق طاقتنا على الاحتمال؟

تتمثّل الخطوة الأولى في مواجهة أعباء العمل التعاوني التي تتجاوز حدّها في أن تدرك كم من ذلك العمل نابع من رغبتك الشخصية في المحافظة على سمعتك بوصفك زميلاً متعاوناً أو واسع الاطلاع أو نافذاً وما تقوم به لتجنّب القلق الناجم عن التخلّي عن السيطرة أو رفض المشاركة في العمل الجماعي. على سبيل المثال، قد تشعر السيدة التي تنخرط في دورة الحياة الكاملة لمشروع صغير بالفخر بسبب مساعدتها لزملائها في فريق العمل وضمان الوصول إلى نتيجة رفيعة المستوى، حتى بعد أن تصبح خبرتها غير مطلوبة. لكن ليس هذا هو نوع التعاون الذي يُحدِث الفرق على المدى البعيد؛ لا بل إنّ قدراً زائداً عن اللزوم منه سيمنعها من إنجاز أعمال أهم.

إنّ معرفة السبب الذي يدفعك إلى قبول عمل تعاوني – يتجاوز ما يطلبه منك مديرك وشركتك – هي الخطوة الأولى على طريق محاربة عبء العمل الزائد. وعندما نقدّم المشورة للتنفيذيين، فإننا نطلب منهم التأمّل في المحفّزات المحدّدة المرتبطة بشخصياتهم والتي غالباً ما تقودهم إلى تحمّل الأعباء الزائدة في العمل. فعلى سبيل المثال: هل ينتابك شعور عارم بتحقيق الإنجاز عندما تزيل المهام الأقل صعوبة من قائمة المهام التي ينبغي عليك إنجازها؟ هل يدفعك طموحك إلى أن تكون شخصاً نافذاً أو إلى الحصول على إقرار من الآخرين بخبراتك إلى حضور اجتماعات أو نقاشات لا تحتاج مشاركتك فعلياً؟ هل تفخر بأنّك دائماً جاهز للإجابة عن الأسئلة والتحدّث باسم مجموعتك في المهام الجماعية؟ هل توافق على قبول مهام تعاونية لأنّك تخشى من اتهامك بالتقصير في الأداء أو أنك لا تجيد العمل الجماعي ضمن الفريق؟ هل تشعر بعدم الارتياح تجاه فكرة الابتعاد عن بعض القضايا أو المشاريع لأنك تخشى أن يفوتك شيء ما، أو لأنك غير واثق بأنّ العمل سيُنجز بالشكل الصحيح من دونك؟ معظم التنفيذيين الذين قابلناهم كانت إجاباتهم على واحد من هذه الأسئلة، إن لم يكن العديد منها، هي نعم.

المتعاونون الأكفاء يتذكّرون دائماً بأنّ قول نعم لشيء ما يعني دوماً قول لا لشيء آخر – أو على الأقل عدم المشاركة الكاملة فيه. وهم يذكّرون أنفسهم بأنّ المكاسب الصغيرة (كصندوق بريد إلكتروني فارغ من الرسائل الواردة، أو تقرير خال من الأخطاء اللغوية، أو إنجاز الصفقة مع الزبون خلال مكالمة هاتفية واحدة) ليست على الدوام هي الإنجازات الهامّة. وهم يفكّرون مليّاً في المجالات التي يمتلكون الخبرة فيها ويقرّرون متى تكون لديهم قيمة يضيفونها، ومتى لا تكون لديهم هذه القيمة. وهم يتوقّفون عن النظر إلى أنفسهم بوصفهم أشخاصاً لا غنى عنهم، ويحوّلون مصدر قيمتهم الذاتية بحيث لا تنبع هذه القيمة فقط من إبراز قدراتهم، وإنما أيضاً من الابتعاد وإفساح المجال للآخرين لتطوير قدراتهم والظهور على مسرح الأحداث.

وكما أخبرنا أحد التنفيذيين، “لقد أدركت بأنّه إذا كان الناس يحتاجونني حقاً، فإنهم سيعثرون عليّ. ربما بتّ الآن أتخلّى عن حضور 30% من اجتماعاتي، ويبدو أنّ العمل يسير على ما يُرام”.

عندما وجد مايك نفسه على شفا الانكسار في مشروعيه المزدوجين، أدرك ذلك الحجم من قيمته الذاتية المستمد من قبوله الدائم للأهداف المقترحة عليه ومن قدرته على تحقيقها. يقول مايك: “أحتاج الأمر إلى هذا التراجع وإلى زوجة صبورة حتى أرى هذه الصورة.”. وقد قرّر بأنّه بحاجة إلى وضع أولويات واضحة، سواء في حياته المهنية أو الشخصية “ثمّ أصبح قولي لكلمة لا ليس معناه بالضرورة عدم رغبتي بتقديم يد العون للآخرين وإنما أصبح يعني المحافظة على تركيزي على الأشياء المهمّة”.
كما أدركت إيلين أيضاً بأنّ صورتها كشخص يحب مساعدة الآخرين قد تضررت، فقد كانت دائمة البحث عن فرص لتقديم الإسهامات ولم تكن ترفض طلباً لأحد قط. تقول إيلين معترفة: “يتمثّل الجزء الأصعب في إدراك هذه النزعة في تلك اللحظة، وبذل جهد كبير لعدم التدخّل والمشاركة. لكنّني أخبرت فريقي عن مدى أهمية هذا الأمر وطلبت من بضعة أشخاص بأن يقولوا لي الحقيقة وأن ينبّهوني عندما يرون ذلك يحدث”.

التخلّص من الأشياء غير الضرورية

بعد ذلك أنت بحاجة إلى إعادة تنظيم دورك وجدول مواعيدك وعلاقاتك في العمل بهدف تجنّب المحفّزات التي حدّدتها والتقليل من التعاون غير الضروري أو التخلّص منه بالكامل. فعوضاً عن التفكير بأنّ الأمور ستتحسّن من تلقاء نفسها وعيش الحياة بطريقة ردّ الفعل والوقوع في شراك الأنماط المفروضة من الآخرين وفقاً لأهدافهم، فإنّ المتعاونين الأكفاء يتّخذون موقفاً هجومياً عندما يتعلّق الأمر بالعمل التعاوني الذي يتجاوز حدّه. فهم يحدّدون أهدافهم السامية التي يتطلّعون إلى تحقيقها، وهي عبارة عن نقاط القوّة التي يريدون توظيفها في عملهم والقيم التي يريدون تجسيدها، في سياق أولويات المؤسسة – ومن ثمّ النهوض بحياتهم العملية بطريقة تقيهم من الطلبات غير المتوافقة مع هذه الأهداف.

ابدأ بمراجعة جدول أعمالك ومراسلاتك عبر البريد الإلكتروني بصورة منتظمة باستعمال أداة من قبيل (MyAnalytics) من مايكروسوفت أو منصّة (Human Network Intelligence) من سيسكو. أنظر إلى الوراء أربعة أو خمسة أشهر لتحديد الأنشطة الجماعية أو الاجتماعات أو المراسلات المتكرّرة والتي لا تُعتبر أساسية لنجاحك ويمكنك رفضها أو تقديمها إلى الآخرين كفرص للتطوير. ادرس القرارات التي تجد نفسك منجرّاً إليها بصورة غير ضرورية وكيف يمكن تغيير العمليات أو فرق العمل بحيث لا تكون مضطراً إلى الانخراط في الأمر. انتبه إلى الحالات التي يطلب منك فيها تقديم معلومات أو خبرات في مجالات لم تعد أساسية بالنسبة لدورك أو طموحاتك، وابحث في إمكانية مشاركة معلوماتك على نطاق أوسع عبر الشبكة الداخلية للشركة، أو ما إذا كان هناك شخص خدوم آخر قد يحقق منفعة أكبر من ذلك العمل التعاوني.

في الوقت ذاته، اعمل على تغيير توقعات زملائك بخصوص مستوى تفاعلك وإمكانية تقديم المطلوب في الوقت المناسب. وضّح لهم، على سبيل المثال، بأنّ عدم الرد على رسالة إلكترونية جماعية أو اختيار الخروج من اجتماع لا يعنيان أنّك لا تشعر باهتمام أو تقدير. تحدّث عن أولوياتك الأساسية بحيث يعلم الجميع ما الذي تحتاجه (وتريد) إمضاء معظم وقتك في العمل عليه. اسأل زملاءك عن اهتماماتهم وطموحاتهم بحيث يكون بوسعك تحديد الفرص التي تسمح بتوزيع العمل أو تفويضه إلى الآخرين. واحدة من نقاط التحوّل الأساسية بالنسبة لجميع التنفيذيين الذين قدّمنا لهم المشورة كانت عندما بدأوا يرون في طلبات العمل التعاوني الواردة إليهم فرصاً لتفعيل الأشخاص الموجودين ضمن شبكات علاقاتهم وإشراكهم عوضاً عن إضافتها كبنود إلى قوائهم المهام التي يتعيّن عليهم إنجازها.

وأخيراً، خصّص بعض الوقت للأعمال التأملية وابحث عن التعاون مع الأشخاص القادرين على مساعدتك في تحقيق أهدافك السامية التي وضعتها لنفسك. ركّز مايك على بناء القدرات في وحدة العمل التي كان يديرها. وعوضاً عن التدخل والمشاركة في مشاريع غير ذات صلة بهدف الظهور على المسرح السياسي، بدأ بتمييز نفسه من خلال الخبرة المكتسبة وإسهامات فريقه. أمّا استراتيجية إيلين فقد تمثّلت في رسم حدود شديدة الوضوح: “أنا أداوم من الثامنة صباحاً إلى السادسة مساءً، والناس يعلمون أننّي أقدم 100% من طاقتي في العمل خلال هذه الفترة، ولكن بعد ذلك، لا أدع نفسي أنساق إلى رسائل إلكترونية، أو اتصالات، أو أعمال ليلية غير ضرورية لمجرّد تقديم يد العون فقط”.

ثمّة قائد آخر وصف عملية التحوّل تلك على النحو التالي: “لعب الدور الدفاعي هو أمر فاشل، فأنت دائماً في موقع الشخص الذي يبدي ردود الأفعال وتعيش حالة من الخوف. والطريقة الوحيدة للخروج من هذه الحالة هي أن توضح من أنت وما الذي تريد إنجازه، وأن تبدأ برسم المسار وتكوين شبكة علاقات يساعدانك في الوصول إلى مبتغاك.”
الحفاظ على الإنتاجية.

بعد أن تكون قد أجريت حصراً لأعمالك التعاونية يكون الوقت قد حان لتعزيز قيمة التعاون الذي اخترت أن تشارك فيه. تشير أبحاثنا إلى أنّ الاجتماعات التي تدار بطريقة سيئة هي أكبر مضيعة للوقت في المؤسسات. وحتى لو كنت لا تملك زمام التحكّم بالاجتماعات التي تحضرها بوسعك أن تجعلها أكثر إنتاجية كأن تطلب مثلاً ممّن يترأس الاجتماع توزيع جدول أعمال الاجتماع أو بعض الوثائق المسبقة لقراءتها قبل الاجتماع ورسالة إلكترونية قصيرة تتضمّن ما تم الاتفاق عليه والالتزامات والخطوات التالية مستقبلاً. بإمكانك الحد من انخراطك في الاجتماعات من خلال الشرح بأنّك مضطر للمغادرة في وقت معيّن (سواء لسبب حقيقي أو مصطنع) بحيث لا تظل عالقاً في الاجتماع عندما يتجاوز الآخرون الوقت المخصّص، كما أن بوسعك طلب حضور تلك الفترات من الاجتماعات التي تستدعي وجودك فقط أو القبول بحضور نصف الوقت الذي يطلبه زميل أو موظف آخر. ومن الأهمية بمكان وضع معايير واضحة في مرحلة مبكّرة من أي علاقة أو مع أي مجموعة عمل. وإذا ما انتظرت لفترة أطول، فإنّ معالجة المشاكل ستصبح أصعب.

بوسعك أيضاً ترسيخ معايير جديدة للرسائل الإلكترونية أو التشجيع عليها من خلال التطرّق إلى موضوع الشكل (على سبيل المثال التقيّد بحد أقصى لطول الرسالة واختيار مخطط عام يعتمد على عرض النص في صورة نقاط وليس فقرات نصية كاملة)، واستعمال ميزات مثل “نسخة إلى” (cc)، و”الرد على الجميع” (reply all) وتحديد الأوقات المناسبة للرد على مختلف أنواع الطلبات. ادرس إمكانية استعمال أدوات التعاون الافتراضي مثل (Google Docs)، والتي توفّر وسيلة أفضل للعمل الاستكشافي (تعريف مشكلة أو ممارسة العصف الذهني بحثاً عن حل) أو العمل التكاملي (عندما يحتاج أناس من أصحاب الخبرات أو الآراء المختلفة أو من المكلّفين بمهام مختلفة إلى التوصل إلى حل مشترك). يتمثّل الأمر الأساسي في ضمان استعمالك للأدوات الصحيحة في الوقت الصحيح دون جعل المطالب المتعلقة بالتعاون في العمل في وضع أسوأ. كما يجب أن تتعلّم متى تصبح محادثة معيّنة معقدة جداً أو مثيرة للخلاف بحيث يصعب معالجتها عبر البريد الإلكتروني أو الدردشة وأن الأفضل الانتقال إلى محادثة هاتفية أكثر فعالية أو إلى عقد اجتماع وجهاً لوجه.

في حالة التعامل الشخصي المباشر وجهاً لوجه، خذ بعين الاعتبار ما إذا كنت تستهلك وقت الشخص الذي أمامك بكفاءة. اطرح على نفسك السؤال التالي:” هل لديّ تصوّر واضح بخصوص ما أريد إنجازه من الاجتماع أو المحادثة؟” ادع الآخرين إلى التحلّي بذات القدر من الانضباط من خلال طرح السؤال التالي في وقت مبكّر: “لكي استثمر وقتك على أكمل وجه، هلا أخبرتني بسرعة ما الذي تأمل بأن نكون قادرين على إنجازه معاً؟”. وعندما يتعلّق الأمر ببناء شبكة علاقاتك في العمل، ركّز على جودة العلاقات وليس على عدد المعارف. فقد وجدنا بصورة متكرّرة بأنّ المتعاونين الأكفاء يستقطبون الناس إلى العمل التعاوني من خلال منحهم المكانة المناسبة، وتخيّل النجاح المشترك، والتشارك في الملكية، وخلق إحساس بوحدة الهدف وإحاطة النتيجة المرجوّة بهالة من الطاقة الإيجابية. فمن خلال خلق حالة من “الجذب” – عوضاً عن مجرّد فرض جدول أعمالهم الخاص – فإن المتعاونين الأكفاء يحصلون على مشاركة أكبر وأكثر توافقاً مع أهدافهم ويبنون الثقة مع الحضور بحيث لا يشعرون بالحاجة إلى طلب آراء أو موافقات زائدة عن اللزوم.

قرّرت إيلين، على سبيل المثال، إشراك الأطراف المعنية في العمل التعاوني في وقت مبكّر بهدف توفير الوقت في مرحلة لاحقة من العملية. تقول إيلين: “كنت حريصة على وضع كل الأمور في نصابها الصحيح قبل اللجوء إلى الآخرين، لكنني تعلّمت بأنّني إذا طوّرت خطّتي جزئياً ومن ثم حاولت إشراك فريقي أو مديري أو حتى زبائني، فإنهم يشعرون بالرغبة في المشاركة الفاعلة في الموضوع ومساعدتي في اكتشاف الأخطاء، وبذلك فإنني أتجنّب الكثير من الجهد المطلوب لإصلاح الأمور لاحقاً أو إقناع الناس.” وثمّة قائد آخر نعرفه يعقد اجتماعات وجهاً لوجه مع المرؤوسين المباشرين لمناقشة الأولويات والقيم والطموحات الشخصية وتعزيز قدرتهم على العمل معاً بكفاءة كفريق مستقبلاً. يقول هذا القائد: “هناك الكثير من الطرق التي يمكن أن تجعل الناس يسيئون فهم التصرّفات، وبالتالي يتسبّبون بالكثير من المشكلات لاحقاً”. فإذا ما أمضيت بعض الوقت في إعطائهم تصوّراً حول دوافعي وأسبابي، فإنّ ذلك يوفّر الكثير من الوقت المخصّص للتعاون غير الضروري”.

إنّ الانفجار الحاصل مؤخراً في حجم المطالب الداعية إلى التعاون وتنوّع هذه المطالب هو واقع سيظل قائماً ولن يزول. وللأسف، فإن الطبيعة غير المرئية لهذه المطالب تعني بأنّ قلّة فقط من المؤسسات تدير أنشطة التعاون في العمل بفعالية. لذلك فإن الأمر يقع على عاتقك أنت بأن تقاوم الأعباء الزائدة وأن تستعيد وقتك الذي كنت ستخصّصه للعمل التعاوني مع زملائهم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .