منذ بضع سنوات، أعلنت شركة فريتو لاي (Frito-Lay) عن جائزة قدرها مليون دولار للفائز بمسابقة ابتكار نكهة جديدة لرقائق البطاطس. وفي الفترة ذاتها تقريباً، عرضت شركة كنور (Knorr)، المتخصصة في صنع الحساء، جائزة قدرها 2,500 يورو لمن يبتكر "وجبة سريعة ساخنة شهية وثورية". وفي تلك الأثناء، التمست شركة ستاربكس من عملائها أفكاراً جديدة وتحسينات للمنتجات الحالية وطلبات لإحياء المنتجات التي أسقطتها شركة ستاربكس من حساباتها دون أن تُعلن عن جائزة في المقابل.
ولو افترضنا أن غاية تلك الشركات كانت حث المستهلك على التوصل إلى أكثر الأفكار إبداعاً على الإطلاق - سواء كانت تتعلق بمذاق شرائح بطاطس ثوري أو نقانق بصوص وسابي مقلية جيداً أو مشروب يحتوي على الكافيين ويتفوق على مشروب الفرابيتشينو - فأي شركة كانت تنتهج النهج السليم فيما يختص بقيمة الجائزة التي رصدتها؟ إن الإجابة عن هذا السؤال مهمة إذا ما نظرنا إلى الاعتماد المتزايد لشركات المنتجات الاستهلاكية على أفكار المنتجات المستخلصة عن طريق التعهيد الجماعي أي الاستعانة بأفكار المستهلكين أو الجمهور.
سيراهن كثير من علماء النفس على جعبة ستاربكس الخاوية. فقد أثبتت مجموعة من الدراسات أن تقديم المكافآت النقدية يقوض الاهتمام الفطري للناس بالمشروع، ويقلص اتجاهات الاهتمام بما يضعف عملية الإبداع. ولكن، بالنسبة للتنفيذيين في مجال الأعمال، لا تعتبر الإجابة واضحة بالقدر ذاته.
في محاولة لتسوية هذه المسألة، أعددنا تجربة.
جند أحدنا (أوغوز) 302 شخصاً بالغاً (منهم 142 امرأة) من سوق أمازون ميكانيكال تيرك، وهي عبارة عن منصة للتعهيد الجماعي لمهام الذكاء البشري، وطلب إليهم استكمال إحدى مهام تيسير العمل غير وثيقة الصلة (مسح حول الأفكار والمعتقدات) مقابل مبلغ صغير من المال.
وما أن أجاب المشاركون عن الأسئلة الواردة في مهمة تيسير العمل، حتى استلموا مذكرة مفادها أن المهمة قد انتهت وأنهم سيحصلون على مبلغ من المال. في نهاية المذكرة، تم دعوتهم أيضاً إلى المشاركة في مهمة لاستنباط الأفكار غايتها التوصل إلى فكرة نكهة جديدة لشرائح البطاطس، وهي المهمة التي تمت صياغتها على غرار مسابقة "ابتكروا لنا مذاقاً" لشركة فريتو لاي.
وخُصّص للمشاركين واحدة من ثلاث نسخ للدعوة بشكل عشوائي، تشتمل كل واحدة منها على مجموعة مختلفة من المكافآت. وكانت المعلومات كلها متطابقة، فيما عدا أنه في حالات الحصول على مكافآت صغيرة وكبيرة، أُعطي المشاركون معلومات إضافية تُحدد المبلغ الذي يمكن أن يفوزوا به. ولم تُقدم هذه المعلومة للذين لن يحصلوا على مكافأة.
وقيل للمشاركين من فئة المكافأة الصغيرة إنه يمكن أن يفوزوا إما بـ 25 دولاراً (جائزة أولى) وإما 10 دولارات (جائزة ثانية) وإما 5 دولارات (جائزة ثالثة). وقيل للمشاركين من فئة المكافأة الكبيرة إنه يمكنهم الفوز إما بـ 250 دولاراً (جائزة أولى) وإما 100 دولار (جائزة ثانية) وإما 50 دولاراً (جائزة ثالثة).
وبعد أن حصلوا على هذه المعلومة، سُئل المشاركون عما إذا كانوا يريدون المشاركة. قرر 145 مشاركاً في المجمل (وكان من بينهم 79 امرأة) المشاركة، وطرح 141 منهم (ومنهم 77 امرأة) فكرة واحدة على الأقل. وقيل للمشاركين إن أفضل ثلاث أفكار سيقع الاختبار عليها باعتبارها الأفكار الفائزة، وإن للمشاركين مطلق الحرية فيما يتعلق بطرح أكبر عدد من الأفكار. ولتحديد أفضل الأفكار، استعنا بخمسة حكام مستقلين من المستهلكين، وطلبنا منهم تقييم الأفكار من حيث ابتكارها (الحداثة الملموسة لنكهة شرائح البطاطس) ونفعها (جودة نكهة شرائح البطاطس). وبعد ذلك، رصدنا درجة للابتكار والنفع لكل فكرة بواسطة حساب متوسط ردود الحكام.
وما أن فرغنا من تحليل الردود، اكتشفنا ما يلي:
- أدى عرض مكافأة كبيرة إلى تشجيع عدد أكبر من المستهلكين على المشاركة في المسابقة. ومقارنة بالامتناع عن تقديم مكافأة أو تقديم مكافأة صغيرة، فقد زادت التوقعات بالحصول على مكافأة كبيرة من المشاركة بنسبتي 69% و42% على الترتيب.
- وبالمقارنة بالإحجام عن تقديم مكافأة، أفضى تقديم مكافأة كبيرة إلى طرح أفكار صنّفها الحكام، في المتوسط، على أنها أكثر أصالة وابتكاراً بنسبة 13%. ولكن، المثير للدهشة أن الإحجام عن تقديم مكافأة استقطب أفكاراً منحها الحكام نسبة 16% أعلى، في المتوسط، لأصالتها وابتكارها مقارنة بالأفكار المطروحة لقاء الحصول على مكافأة صغيرة.
- وأفضى تقديم مكافأة كبيرة إلى أفكار جاءت درجاتها أعلى، في المتوسط، بنسبة 12% من حيث نفعها مقارنة بالأفكار التي طرحها مشاركون لم تُقدم لهم أي مكافأة، وأعلى بنسبة 13% من الأفكار المستخلصة من الذين عُرضَت عليهم مكافأة صغيرة. فضلاً عن ذلك، لم يكن للامتناع عن تقديم مكافأة أثر على نفع الأفكار المقدمة بالمقارنة بتقديم مكافأة صغيرة.
- وعلى النقيض من الامتناع عن تقديم مكافآت وتقديم مكافآت كبيرة، بدا أن تقديم مكافآت صغيرة أسفر عن أسوأ النتائج على الإطلاق: فقد أثنت المشاركين عن التقدم بأفكار، وقوضت مستوى أصالة وابتكار الأفكار المقدمة.
من بين التفسيرات المحتملة لهذه النتيجة الأخيرة هي أن تقديم مكافأة نقدية ربما يُنفّر المستهلكين الذين كانوا متحمسين بشكل بديهي للمشاركة في المسابقة بتحفزيهم على التفكير في المهمة بشكل عارض، أي تشجيعهم أساساً على الظن بأنهم بصدد التقدم إلى وظيفة متدنية الأجر بدلاً من المشاركة في لعبة ممتعة.
وتوحي نتائج التجربة بأنك لو كنت تبحث عن مجموعة أكبر من الأفكار لتختار منها ما تشاء، فعليك أن تعرض جائزة كبيرة. من ناحية أخرى، إذا لم يكن لديك مانع من استخلاص مجموعة أصغر من الأفكار الأصيلة المبتكرة أو لم تكن لديك الموارد الكافية لفحص عدد كبير من الأفكار، فسوف يجدي الامتناع عن تقديم أي جائزة أيضاً. ولا يبدو أن المكافآت الصغيرة تخدم أي غرض. معلومة مؤكدة: إذا أردت تقديم مكافأة، فينبغي عليك تحديد حجمها المثالي، وذلك بإجراء تجربة كتجربتنا قبل إطلاق المسابقة الكاملة.