"هل ترين عبارة 'صندوق اقتراحات' مطبوعة على جبهتي؟" هكذا عبّرت لي دانا* عن سخطها خلال جلسة تدريب مهني. فقد تطفل زميلها إيثان مجدداً بآراء، لم تطلبها منه، حول مبادرتها الجديدة لتطوير العمل التجاري. وعندما قدمت اقتراحها، تدخل إيثان قائلاً: "هل فكرتِ في حملة تسويقية عبر البريد الإلكتروني؟" و"هذا بالتأكيد أمر يجب أن تتعاوني فيه مع إدارة المبيعات!" وبمرور الوقت، تصاعدت مشاعر السخط بداخل دانا بسبب حماسته الحسنة النية. لقد ترددت في مصارحة إيثان بأفكارها، خشية مداخلاته غير المرغوب فيها، التي غالباً ما تعرقلها بدلاً من أن تدعمها.
إن سبق لك أن تعرضت لموقف مشابه لمأزق دانا، فأنت تعلم أن النصائح غير المرغوب فيها، بغض النظر عن مدى حسن نيتها، تبدو تطفلاً من صاحبها وتنال من ثقتك بنفسك. ربما يقاطعك زميل في أثناء اجتماع، ليقترح تفسيرات بديلة لبياناتك، ما قد يحرجك أمام كبار المدراء. أو قد تجلس مع مديرك لتصارحه بصعوبات أو تحديات في عملك، على أمل أن تكسب تعاطفه، ولكن مديرك يحول اللقاء إلى جلسة استشارية مرتجلة، ويقدم لك استراتيجيات يوصيك بتطبيقها، وهي لا تنبع إلا من خبرته الخاصة.
عندما ينتقد شخص ما خططك دون أن يفهمها بالكامل، أو يطرح عليك رأيه حول مواضيع أنت خبير فيها، أو يجيب عن سؤال بسيط وواضح منك باقتراحات لم تطلبها، فقد يبدو لك ذلك بمثابة ضربة مؤلمة لمهاراتك وكفاءتك. والأرجح أن زميلك أو مديرك لا يتعمد انتقادك. إنه يسعى لتزويدك برؤية من منظور جديد ومختلف.
التوازن ضروري في أغلب جوانب علاقات مكان العمل. فلا بأس في تقبّل أفكار وملاحظات جديدة، ولكن ثق كذلك في خبرتك ورؤيتك الثاقبة. وعندما تصبح الآراء غير المرغوب فيها مزمنة، أو تفرض ضغطاً عليك، أو في غير محلها، فمن المقبول تماماً أن تضع أمامها حدوداً بنهج محترم. وأقدم لك فيما يلي طريقة التعامل بعقل متفتح دون الشعور بضغط لا داعٍ له.
صغ أفكارك بوصفها قرارات، وليست مواضيع مناقشة
لا تقل: "أفكر في تجربة كذا"، وقل: "قررت فعل كذا بسبب الفوائد كذا وكذا". كما تنم عبارات مثل: "بعد الكثير من البحث، التزمت بكذا" أو "نحن نمضي قدماً في كذا" عن أنك تعرفهم على معلومات جديدة، ولست تلتمس تعليقاتهم أو آراءهم حول إذا ما كان عليك أن تمضي فيما تخطط له أو لا.
فكر بتمعن في موقف دانا. فقد كان بمقدورها أن تقول: "أركز على تأمين عقود رعاية وإعلانات من شركات لبدء هذه المبادرة الجديدة"، لا أن تقول: "أبحث عن أفضل طريقة لإطلاق هذه المبادرة الجديدة". عندئذ، الأرجح أن يسأل إيثان عن كيفية المساعدة في خطة دانا، ولن يتطوع بطرح مزيد من الاقتراحات.
أكد لهم أنهم يدعمونك بالفعل
عندما توضح لهم أن فكرتك محل دعمهم، فإنك تستفيد ببراعة من قوة التأثير النفسي للبرهان الاجتماعي. فعندما تقول إنك رأيت بالفعل نتائج إيجابية أو حصلت على دعم المسؤولين الكبار أو الموردين أو الشركاء، تنبّه زملاءك ومديرك إلى أن فكرتك ذات أهمية ووجاهة ومن المرجح أن تحظى بالقبول، سواء داخل الشركة أو خارجها.
وسلط الضوء على أي نتائج أو نجاحات، مهما كانت مبكّرة. فمثلاً، عندما تقول: "لقد بدأنا للتو تنفيذ المشروع س، ونشهد بالفعل النتيجة ص"، فإنك تخبرهم بحذق بأنك على الطريق الصحيح ولا تفكر في خيارات أخرى. ولإثبات مصداقيتك، فكر في الإشارة إلى أنك تحظى بدعم أصحاب المصلحة الرئيسيين. وعلى سبيل المثال، يمكنك القول: "لقد ناقشت هذا الاقتراح مع مديري، وهو موافق تماماً على المضي قدماً".
لا تمنعك المجاملة الصادقة من وضع حدود واضحة
لتأكيد سيطرتك على مجريات الحوار بأدب، ثمّن رأي الطرف الآخر مع التلميح إلى أنك لا تبحث عن أفكار أخرى في الوقت الحالي. وهذه الاستراتيجية مفيدة في الاجتماعات المحدودة المدة، للتركيز على بنود جدول الأعمال وحدها.
جرّب استخدام عبارات مثل:
- أتفهم اقتراحك، ولكنني بحاجة إلى التركيز على تنفيذ الخطة الحالية حرصاً على الالتزام بالمواعيد النهائية لتسليم العمل.
- أشكرك على هذه المداخلة. بعد دراسة متأنية، التزمنا بالكامل بـ [كذا] لهذا المشروع تحديداً. وسوف تكون أفكارك محل نظرنا مستقبلاً.
- الأفكار التي تفضلتم بطرحها مثيرة للاهتمام للغاية. ولكي تتطابق أقوالنا مع أفعالنا، سنواصل استراتيجيتنا الحالية حتى نجمع المزيد من البيانات. ومع ذلك، فأنا منفتح على إعادة النظر في اقتراحاتكم خلال مرحلة التخطيط التالية.
اجمع بين أي من هذه العبارات وإيماءة جسدية، مثل أن ترفع يدك بلطف وسرعة، لتنبهه بأدب على أن يصمت. وليكن كلامك ملائماً لشخصية مَن تتحدث إليه وطبيعة منصبه. فمن المدراء أو القادة من يجد إهانة في كلام أو تصرف مثل هذا.
اطلب ما تحتاج إليه بصراحة ووضوح
كن واضحاً عند الحديث عن الأفكار والآراء التي ترغب في تلقيها. قل، على سبيل المثال: "أثمّن رؤيتكم الثاقبة. لكنني أسعى حالياً لتلقي آراء تركز على كفاءة إدارة الميزانية، وليس استكشاف ميزات جديدة". أو قل: "يسعدني أن أعرفكم إلى ما كنت أعمل عليه. وأفضل في هذه المرحلة أن أطلعكم على التقدم الذي أحرزناه، بدلاً من عصفٍ ذهني طلباً لأفكار جديدة".
كما يمكنك إدارة دفة حماسة زميلك بطريقة بنّاءة تعود بالنفع على الجميع، بتوجيهه إلى المجالات التي تحتاج فيها إلى مساعدة فعلية. قل له، مثلاً: "قد يكون لهذا الرأي فائدته عند الحديث عن الامتثال. لو تركز به على ذلك المجال، بدلاً من طرح المزيد من الأفكار حول الاستراتيجية؟" في ذلك ما يجعلهم يشعرون بالتقدير وما يضمن رضاك عن الطريقة التي يساعدونك بها.
لا ريب في أن النصائح غير المرغوب فيها مصدر إزعاج، ولكن التعامل معها يتيح لك فرصة اعتياد ألا تأخذ شؤون العمل على محمل شخصي. أما إذا بالغ الآخرون في محاولات فرض أفكارهم وآرائهم، فأنت الآن تعرف كيف تتصدى لهم بطريقة واضحة وواثقة ومهذبة.