يغطّي سباق الزلاجات التي تجرّها الكلاب، آيديتارود (Iditarod)، مسافة 1,100 ميل من جليد القطب الشمالي ويدوم أكثر من أسبوع، ولطالما تمثّلت الاستراتيجية المألوفة لسائقي الزلاجات في دفع كلابهم إلى الجري مدة 12 ساعة متواصلة، ومن ثم الراحة مدة 12 ساعة أخرى؛ أي إما أن تجري الكلاب طوال النهار وتستريح في الليل، وإما أن تستريح طوال النهار وتجري طوال الليل.
لكن هذه الاستراتيجية تغيرت بفضل سوزان بوتشر التي تعمل مساعدة لطبيب بيطري وتمتلك وعياً كاملاً بالحدود البيولوجية لكلابها؛ فقد دربتهم على الجري مدة 4-6 ساعات، ثم أخذ قسط من الراحة مدة مساوية، ومتابعة السباق بالتواتر نفسه ليلاً ونهاراً، وفازت هي وكلابها بالسباق 4 مرات.
بمعنى آخر، دربت سوزان بوتشر كلابها بالطريقة نفسها التي يتدرب بها أمهر الرياضيين في معظم الرياضات؛ أي تمرين مكثف مدة 4 ساعات، ومن ثم راحة، وذلك هو الروتين المثالي للجسم لتحقيق الأداء الأقصى.
وجد عالم النفس في جامعة فلوريدا الذي يُجري دراسة على أصحاب الأداء المتميز، آندرز إريكسون، أن المنافسين العالميين، من رافعي الأثقال إلى عازفي البيانو، يخصصون مدة أقصاها 4 ساعات كل يوم للتدرب، فالراحة جزء من نظام تدريبهم لأنها تتيح لهم استعادة طاقاتهم البدنية والعقلية؛ بمعنى أنهم يدفعون أنفسهم إلى الحد الأقصى من الأداء دون تجاوزه.
ويمكن تطبيق دورة العمل والراحة نفسها على عقولنا أيضاً للحفاظ على أقصى درجة من التركيز في العمل، فالتركيز العميق في مكان العمل يتيح لنا تحقيق أقصى استفادة من مهاراتنا. على سبيل المثال، وجد الباحثون في جامعة شيكاغو أنه في اللحظات التي يبدأ بها الإنسان تقديم أداء جيد في المهام الموكلة إليه يكون قد وصل إلى مرحلة التركيز العميق، سواء كان طبيباً يجري جراحة في دماغ المريض أو لاعب كرة سلة يسدد رمية ثلاثية.
يتطلب تحقيق الأداء الأفضل تركيزاً كاملاً، وتستهلك مواصلة الانتباه المركّز طاقة كبيرة، فستُنفد أدمغتنا مصدر طاقتها المتمثل في الغلوكوز، وبالتالي ستستنزف أدمغتنا إن لم تحصل على الراحة الكافية، ومن علامات ذلك التشتت وحدّة الطبع والإعياء، ما يدفعنا لتصفح منصة فيسبوك في الوقت المخصص للعمل.
نادراً ما يستجيب المسؤولون التنفيذيون لذلك الوضع استجابة معقولة بأن يمنحوا أنفسهم وقتاً للراحة.
بل يضغطون على أنفسهم أكثر لمواصلة العمل. لكن لا يوجد احتياطي طاقة سحري في أجسامنا، بل من المرجح أن يتراجع أداؤنا ببطء مع مواصلتنا العمل خلال اليوم.
وثّقت مختبرات البحوث هذا التراجع في الكفاءة المعرفية، وهو يتجلى في تزايد قائمة أخطاء مسؤول تنفيذي مثلاً وزيادة نسيانه وانفصاله الذهني المؤقت عن العمل. بحسب أحد المسؤولين التنفيذيين: "عندما ألاحظ أني سرحت خلال الاجتماع، أتساءل عن الفرص التي فاتتني خلال لحظة الشرود تلك".
ونظراً للتوقعات الكبيرة المنتظرة من المسؤولين التنفيذيين، لجأ بعضهم إلى تناول أدوية لتحسين أدائهم، وبحسب قول محامٍ يتناول علاجاً يومياً لعلاج اضطراب نقص الانتباه (الذي لم يكن يعانيه) لطبيبه: "إذا لم أتناول هذا الدواء، فلن أقدر على قراءة العقود".
لكن هناك طرق أخرى، قانونية وصحية، تساعد المسؤولين التنفيذيين على زيادة انتباههم لتلبية الطلبات المتراكمة في يوم حافل بالعمل، كالتأمل مثلاً، إذ يُعدّ وسيلة لتدريب الانتباه من منظور العلم المعرفي. من الطرق الأخرى الشائعة لتنمية قوة المسارات العصبية للانتباه هي "اليقظة الذهنية"، وهي من طرق التأمل.
إذ يعتمد علم الأعصاب الذي تقوم عليه ممارسات اليقظة الذهنية على مفهوم "المطاوعة الدماغية" (neuroplasticity)؛ بمعنى أن الدماغ يتغيّر عند تكرار تجربة ما عدة مرات نتيجة زيادة قوة بعض المسارات العصبية وضعف بعضها الآخر.
الانتباه عضلة عقلية يمكن تقويتها بالممارسة الصحيحة.
الخطوة الأساسية لتعزيز التركيز في صالة الألعاب الرياضية النفسية هي التركيز على هدف محدد، مثل أنفاسك؛ فعندما يحيد تركيزك عنها (وذلك ما سيحدث بالفعل)، ستلاحظ أن عقلك شرد بالفعل، وذلك يتطلب اليقظة الذهنية والقدرة على مراقبة أفكارك دون أن تأسرك.
ثم أعِد انتباهك إلى أنفاسك مرة أخرى. وهذا التمرين هو المعادل النفسي لتمرين رفع الأثقال؛ إذ أفاد باحثون في جامعة إيموري (Emory University) أن هذا التمرين البسيط يقوي بالفعل التواصل في المسارات العصبية المسؤولة عن التركيز.
وهناك خيار آخر أيضاً أدعوه بالحل اللاتيني. عندما زرت مدينة برشلونة، لاحظت أن غالبية المتاجر والشركات تغلق أبوابها وقت الغداء حتى يتمكن الموظفون من العودة إلى منازلهم وتناول وجبة صحية وأخذ قسط من الراحة، فالراحة القصيرة في منتصف النهار تعيد تنظيم الدماغ وتهيئته لبقية اليوم.