كيف تُصبح قائداً ملهماً حتى لو لم تمتلك شخصية كاريزمية؟

4 دقائق
الإلهام

يتمنى كل قائد أن يمتلك القدرة على إلهام الأشخاص لإحداث تغيير، إذ في بعض الأحيان يحدد القائد التغيير الذي يجب أن يجريه، ويبتكر استراتيجية رائعة لتحقيق ما يصبو إليه، ولكنه يواجه صعوبة بعد ذلك في دفع الأشخاص للتحرك في الاتجاه الجديد.

تكمن المشكلة في اعتقاد معظم القادة أن إلهام الآخرين يتطلب التمتع بشخصية كاريزمية استثنائية مثل ستيف جوبز أو مارتن لوثر كينغ الابن أو جون كينيدي. ولكن بالنسبة للقادة الذين لا يحاولون ابتكار أول هاتف آيفون أو القضاء على التمييز العنصري أو إرسال شخص ما إلى القمر، لا تبدو هذه النماذج الملهمة ملائمة لطبيعة عملهم. فماذا لو كنت تحاول فقط تغيير طريقة تعامل الموظفين مع القروض أو إدارة سلسلة التوريد أو التفاعل مع العملاء؟

ثمة طريقة أبسط لإلهام الآخرين من أجل إحداث تغيير. خلال السنوات الأخيرة، أزال علماء الاجتماع بقيادة تود ثراش الغموض عن ظاهرة الإلهام. فالإلهام في جوهره هو ما يحدث عندما يشعر الشخص أن لديه الحافز لتقديم فكرة جديدة بعد إدراكه الإمكانات الجديدة التي تنطوي عليها. بالتأكيد من الطرائق المستخدمة لإثارة هذا الشعور هي عرض رؤى جريئة من خلال الخطب العظيمة والمؤثرة، ولكننا عثرنا قبل بضع سنوات على طريقة أخرى.

في سلسلة من التجارب الميدانية، طلبت أنا وزملائي في شركة ديسيجين بالس (Decision Pulse) من مجموعات من المدراء في 4 شركات مختلفة إرسال التغييرات التي قرروا إجراءها دون الكشف عن هويتهم استجابة لمبادرة تغيير كبيرة. ثم طلبنا من المدراء في كل مجموعة الاطلاع على قائمة القرارات التي اتخذها زملاؤهم، والتصويت للقرار ذي التأثير الأكبر على شركاتهم. بعد إجراء تجاربنا، برز نمط واضح بين القرارات الفائزة. انظر إذا ما كان بإمكانك تحديد القرار الفائز ضمن مجموعة القرارات الواردة أدناه التي اتخذها مدراء في شركة تأمين صحي.

القرار الأول: "تعاملت مع مشكلة تتعلق بعلاقات أحد الموظفين مع العملاء من خلال التدريب الإرشادي المباشر وإدارة الأداء بدلاً من أن أدع مدير خدمة العملاء يتجاهل المشكلة".

القرار الثاني: "أزلت بعض مستويات الحماية من بوابة العملاء الجديدة لأنها ستبطئ وصول العملاء".

القرار الثالث: "فضّلت تسويق الشركة بوصفها الشركة الرائدة في مجال الرعاية الصحية ليس فقط للأعضاء الحاليين، بل للجميع".

تجسد القرارات الثلاثة الإدارة السليمة والتفكير المنطقي. لكن القرار الثاني حصل على أكبر عدد من أصوات المدراء الآخرين بأغلبية ساحقة. في الواقع، لم يصوّت أي من مقيّمي الأقران الـ 19 في هذه التجربة لصالح القرار الأول أو القرار الثالث. فما سبب تميُّز القرار الثاني؟

تَضمّن القرار الثاني ما أسميه "القطعة المفقودة من اللغز". لفهم العالم من حولنا، تتعامل أدمغتنا مع كل موقف على أنه لغز ويجب تجميع قطع هذا اللغز معاً. عندما نجمع قطع لغز حول "كيف يعمل المايكرويف؟" أو "ما الذي يفعله خبراء التكنولوجيا؟"، فإن أدمغتنا تخزن هذا اللغز في الذاكرة الطويلة المدى. لكن قطع الألغاز هذه عرضة للخطر. فعندما يحدث شيء غير متوقع (على سبيل المثال، إذا برَّد المايكرويف الطعام بدلاً من تسخينه، أو إذا حذف خبير تكنولوجيا عن قصد بعض طبقات حماية البيانات فقط لتحسين تجربة العملاء)، حينها يستشعر دماغنا أن شيئاً ما ليس صحيحاً. وفجأة تصبح هناك قطعة مُهمة مفقودة من لغز المايكرويف أو لغز خبير التكنولوجيا.

ما يحدث بعد ذلك هو الجزء المثير للاهتمام؛ يُخطرنا جزء من دماغنا يسمى القشرة الحزامية الأمامية (ACC) بالخطأ، وليس من المستغرب أن يُشعرنا هذا الخطأ بعدم الراحة. طورت أدمغتنا آلية دفاع غريزية لحمايتنا من هذا الشعور المقيت بأن جزءاً من عالمنا لم يعد مفهوماً. وبدلاً من محاولة استبدال القطعة المفقودة في لغز "خبير التكنولوجيا"، تعوِّض أدمغتنا ذلك من خلال تجميع قطع ألغاز جديدة لا علاقة لها بهذا اللغز.

أظهر الباحثان ترافيس برولكس وستيفن هاين مراراً أن حتى أي خلل صغير في لغز غير مهم نسبياً مثل "كيف يعمل المايكرويف"، يمكن أن ينشّط قدرة دماغنا على اكتشاف أنماط جديدة ورؤية إمكانات جديدة في مجالات أخرى. على سبيل المثال، عندما يبرِّد المايكرويف الطعام بدلاً من تسخينه، يمكن أن يلهمك أفكاراً عن زواجك أو وظيفتك أو حتى آرائك السياسية.

اكتشف برولكس وهاين أن قطعة اللغز المفقودة لا تجعلنا أكثر حماساً لرؤية الإمكانات الجديدة فحسب، بل تجعلنا أيضاً أكثر مهارة في رؤية الروابط والإمكانات الجديدة. (ربما لهذا السبب يكون الفنان أكثر إبداعاً خلال الفترات العصيبة للغاية في حياته؟).

رأينا هذه الظاهرة في دراساتنا الميدانية. إذ قال العديد من المدراء، قبل الجولة الأولى من التصويت على قرارات أقرانهم، شيئاً من قبيل "لا أرى حقاً أي شيء يمكنني تغييره، فأنا أعمل في قسم الشؤون المالية" أو "أعمل في الميدان، وهذا تغيير مؤسسي بصورة أكبر، لذا__". بعبارة أخرى، "سأستمر في فِعل ما كنت أفعله".

لكن بعد رؤية خبير تكنولوجيا يقلل من مستوى حماية البيانات أو اكتشاف أن مدير مصنع خفَّض مستوى أولوية تحسينات إنتاجية المصنع فقط لزيادة كفاءة سلسلة التوريد، أدرك المدراء الآخرون في المجموعة فجأة الإمكانات الجديدة للتغيير في مجالات عملهم.

خلال الجولتين التاليتين من التجارب، بدأ جميع المدراء الآخرين تقريباً في كل مجموعة اتخاذ قرارات منطقية وإبداعية بشأن التغيير. فقد رأوا إمكانات جديدة وبدؤوا العمل بناءً عليها. إنهم ببساطة أُلْهِمُوا لإجراء تغيير.

لم ينبع هذا الإلهام من الأهداف الطويلة الأجل لقادتهم أو رؤاهم المستقبلية السامية أو خطبهم المؤثرة أو عبقريتهم الفطرية أو شغفهم؛ فكل ما تطلبه الأمر هو معرفة القرار غير المتوقع الذي اتخذه شخص آخر بتقليل العمل على شيء قديم من أجل العمل على شيء جديد. وهذا أمر يستطيع كل مدير فعله في أي موقف.

كان قرار مدير مدرسة ثانوية بإلغاء مباريات كرة القدم مدة عام هو الذي ألهم مدينة في ولاية تكساس لإنقاذ مدرستها بطريقة مبتكَرة. وكان قرار إزالة شطائر الإفطار من قائمة الطعام بمقاهي ستاربكس مؤقتاً هو الطريقة التي ألهم بها هوارد شولتز الموظفين لإعادة التركيز على القهوة. وكان قرار إيقاف إنتاج المساعد الرقمي الشخصي المتطور "نيوتن" (Newton) في عام 1996 هو الطريقة التي ألهم بها ستيف جوبز مهندسي آبل لبدء التفكير بطريقة مختلفة في واحدة من أكثر عمليات تطوير المنتجات ابتكاراً في التاريخ.

كل هذا يعني أنه لا يلزم أن يكون قادة التغيير بارعين أو يتمتعون بشخصية كاريزمية لإلهام مرؤوسيهم من أجل إحداث تغيير، فكل ما يتطلبه الأمر هو اتخاذ قرار.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي