عندما تشرع في شيء جديد، فإن الفارق بين نجاحه وفشله ما هو إلا مسألة وقت في أغلب الأحيان، أي مقدار الوقت الذي ستخصصه له قبل أن تقرر المضي فيه إلى النهاية أو التخلي عنه نهائياً؛ فالمشاريع التي تبدأ بآمال كبيرة تصطدم حتماً بأزمات مخيبة للآمال، وهو ما يؤكده قانون كانتر الذي ينص على ما يلي: “كل شيء يبدو في سبيله إلى الفشل المحقَّق في منتصف المشوار”.

تظهر عقبات غير متوقعة عند تأزُّم الأمور في منتصف المشوار لأن المسار لا يزال مجهولاً. عندئذٍ يصيبك الإعياء، ويبدأ أعضاء الفريق في التململ والمغادرة، ويهاجمك النقاد المصابون بالضجر، في حين كنت تعتقد أن أعمالك بدأت تلقى رواجاً. من المؤكد أن التحديات الصعبة تستغرق وقتاً أطول وتكلف جهداً أكثر من توقعاتنا المتفائلة.

ومن هنا كان الإصرار والمثابرة أمرين مهمين لأي شخص يقود مشروعاً جديداً أو يخوض محاولة للتغيير أو يُجري عملية تحول. لكن تأزُّم الأمور في منتصف المشوار يضعك أمام خيار مهم: هل تتمسك بمشروعك وتصحّح المسار في منتصف المشوار، أم تتخلى عنه تماماً؟ هل تساند المسؤولين المنتخَبين وتعينهم على الاستمرار في مناصبهم على الرغم من عدم انتهاء مهماتهم بعد، أم تتخلى عنهم من أجل تأييد آخرين يطلقون وعوداً غير مؤكدة؟

عليك بالمثابرة والتأقلم مع المستجدات، وعندها قد تثمر جهودك عن تحقيق النجاح. أما إذا قررت الانسحاب عند تأزُّم الأمور في منتصف المشوار، فسوف تبوء جهودك بالفشل المحقَّق. المشكلة في تحديد الاتجاه الذي يجب اتخاذه.

انظر إلى الحالة التالية التي وقعت منذ عهد ليس ببعيد. كانت إيرتايم (Airtime) منصة لمحادثات الفيديو وقد تأسست في صيف عام 2012 على يد أسطورتيّ شركة نابستر (Napster)، شون باركر وشون فانينغ، اللذين جاء إعلانهما عن طرحها في الأسواق مصحوباً بالكثير من الضجيج وقدرات تمويلية أكثر من وافرة. لم تكد تمضي 4 أشهر حتى أعلن خبراء الإعلام أن إيرتايم في وضع حرج؛ لأنها لم تجتذب سوى عدد قليل من المستخدمين. قيل حينذاك إن فانينغ قد أزمع الرحيل، وبات النقاد يتحدثون عن الفشل المحتوم الذي ينتظر المنصة، في حين ادعى مستشار فيسبوك الشهير، باركر، أنه “من المبكر جداً” التخطيط لوأد مشروع إيرتايم. وجادل بأن الأمر يستغرق من 6 إلى 12 شهراً للنهوض بالمنصة وتشغيلها، لكنني أعتقد أن 12 شهراً تعتبر تقريباً العمر الافتراضي للمنتجات في العصر الرقمي.

بيد أن عاماً واحداً قد يبدو مدة قصيرة في نظر أشخاص آخرين. وما عليك سوى أن تسأل الرئيسة التنفيذية لشركة هيوليت-باكارد، ميغ ويتمان، التي أعلنت صراحة أنها لن تتمكن من إنجاز الكثير في عام واحد وأنها تحتاج إلى المزيد من الوقت. أسمع الكثير من الحكايات عن ويلات تأزُّم الأمور في منتصف المشوار من مختلف أنواع القادة في مختلف المراحل والقطاعات؛ حينما يحاول المبتكرون تنفيذ فكرة جديدة على أرض الواقع، وحينما يواجه مطورو العقارات توقف أعمال البناء، وحينما تحاول الشركات اقتحام الأسواق الأجنبية، وحينما يقود الرؤساء التنفيذيون تحولات معقدة.

عند الحديث عن أي شيء في الحياة عموماً، سواء كان شركة ناشئة، مثل إيرتايم، أو عملية تحول أو مسؤول مُنتخَب أو مشروعك الشخصي الأثير، هناك 12 سؤالاً رئيسياً يمكن أن تساعدك على تحديد إذا ما كان يجب أن ترفع يدك عنه أم تأخذ بيده عند تأزُّم الأمور في منتصف المشوار:

  1. هل لا تزال الأسباب الأولية الداعية لبذل هذا الجهد قائمة، دون ظهور أي تغييرات خارجية ذات صلة في مراحل لاحقة؟
  2. هل لا تزال الاحتياجات التي يمثل لها هذا الجهد حلاً غير مُلباة، أو أن الحلول المنافسة لا تزال غير مثبتة أو غير ملائمة؟
  3. هل سيزداد الوضع سوءاً إذا توقفت هذه الجهود؟
  4. هل الاستمرار أكثر فعالية من حيث التكلفة مقارنة بدفع تكاليف البدء من جديد؟
  5. هل تجذب الرؤية مزيداً من المؤيدين؟
  6. هل لا يزال القادة متحمسين للجهود المبذولة وملتزمين بمواصلتها ويوجهون تركيزهم إليها؟
  7. هل الموارد متاحة لمواصلة الاستثمار وإجراء التعديلات اللازمة؟
  8. هل تتراجع الشكوك والمقاومة؟
  9. هل يشعر فريق العمل بالحافز للاستمرار؟
  10. هل يجري الالتزام بالمواعيد النهائية والمراحل الرئيسية للمشروع؟
  11. هل هناك مؤشرات على إحراز تقدم ملموس، مثل حل بعض المشاكل والبدء بأنشطة جديدة واتخاذ الاتجاهات منحى إيجابياً؟
  12. هل هناك إنجاز ملموس، كعرض توضيحي أو نموذج أوّلي أو إثبات ناجح للمفهوم النظري للمشروع وفكرته الأساسية؟

إذا كانت الإجابات في الغالب نعم، فلا تستسلم. اكتشف عملية إعادة التوجيه المطلوبة، وضع الخطط المناسبة للتغلب على العقبات القائمة وأعِد إدماج أعضاء الفريق في عملية صناعة القرار وتناقش مع النقاد واطلب المزيد من الوقت والموارد. كل شيء يستحق بذل الجهد يتطلب المثابرة والإصرار.

إذا كانت الإجابات أقرب إلى لا، كما بدا في حالة منصة إيرتايم، فاحرص على تقليص خسائرك والمضي قُدماً؛ فالإصرار لا يعني العناد ورفض تغيير الرأي إذا اتضح خطؤه.

ومثلما قال كيني روجرز في أغنيته الشهيرة عن لعب البوكر: “عليك أن تعرف متى تحتفظ بأوراقك، ومتى ترميها على الطاولة”. هذه نصيحة سديدة لأي قائد يواجه صعوبات في التغيير. من الخطأ أن نستسلم قبل الأوان، لأن الأمور تتأزّم دائماً في منتصف المشوار. ولكن تأكد من مراعاة المبادئ التوجيهية الاثني عشر للاختيار بين المثابرة أو الانسحاب.