يركز الكثير من المؤسسات على عنصر الاستعداد في إطار محاولاته التصدي للأمراض المتفشية وإدارة الأزمات عموماً، ومع الظهور المفاجئ لفيروس كورونا القاتل في ثوبه الجديد، يعد الاستعداد المؤسسي مفتاح السر، وقد شكلت العديد من الشركات في السنوات الأخيرة، على سبيل المثال، فرقاً لإدارة المخاطر بغرض وضع خطط طوارئ مفصلة للاستجابة للأوبئة. وعلى الرغم من أهمية إجراء كهذا، فإنه لا يكفي، ففي البيئات المعقدة والمشوبة بالغموض للأزمات المستدامة والمتجددة، لن تكون المؤسسات الأكثر قوة هي تلك التي تمتلك بكل بساطة خططاً جاهزة، بل تلك التي تمتلك قدرات تمكّنها من الاستشعار والاستجابة على نحو دائم. وكما قال تشارلز داروين: "إن البقاء للأكثر قدرة على التكيف".
اقرأ أيضاً: تجارب شركات في إدارة الأزمات
انظر المؤسستين التاليتين، على سبيل المثال. أيهما أفضل حالاً في ظل أزمة مستدامة مثل الأوبئة؟
المؤسسة 1 | المؤسسة 2 |
---|---|
قائمة على التسلسل الهرمي | قائمة على التسلسل الشبكي |
قيادة مركزية | قيادة موزعة |
محكمة الترابط (وجود قدر أكبر من الاعتماد المتبادل بين مكوناتها) | فضفاضة الترابط (وجود قدرٍ أقل من الاعتماد المتبادل بين مكوناتها) |
تركز قوة العمل | توزع قوة العمل |
تعتمد مبدأ الموظفين الأخصائيين | تعتمد مبدأ الموظفين ذوي الخبرة العامة بالتدريب المتبادل بين مختلف التخصصات |
تسترشد بالسياسات والتدابير | تسترشد بقواعد بسيطة لكنها مرنة |
من الواضح أن المؤسسة "2" في وضع أفضل يتيح لها الاستجابة للمخاطر المتجددة وغير المتوقعة. ووفقاً لنظرية التعقيد، فإننا نعلم أن اتباع مبادئ أساسية معينة للاستجابة للأزمات أكثر فاعلية من وجود خطة تفصيلية جاهزة، فقد ثبت، على سبيل المثال، أن اتباع قاعدة واحدة بالسير ببطء نحو المخرج عند نشوب الحرائق كفيل بإنقاذ أرواح أكثر مما تسفر عنه خطط الهروب المعقدة.
لا أقصد بكلامي هذا أن الشركات غير مطالبة بوضع خطط شاملة للتخفيف من حدة المخاطر، إذ يجب عليها طرح أسئلة حول سلاسل التوريد والتنظيم الداخلي، مثل: "ما هي استجابتنا إذا تراجع أحد المكونات؟ ما هي استجابتنا إذا تراجع مكونان؟ هل لدينا أنظمة كمبيوتر لا ضرورة لها؟"، لكن وبالقدر نفسه من الأهمية، يتعين على الشركات أن تطرح الأسئلة التالية: "ما هي آلية الاستشعار والتنسيق في الوقت الفعلي التي سنستخدمها للاستجابة للأحداث التي لا يمكننا توقعها بالكامل؟".
يجب ألا يقتصر اعتماد الشركات على فريق متخصص لإدارة المخاطر بحيث تلجأ إليه وحده خلال الأزمات المستدامة، وإلا ماذا لو حدث للفريق أي ظرف طارئ؟ لذا يجدر بالشركات تطوير القدرة على إجراء تقييم سريع للمتغيرات المتلاحقة في البيئة وتطوير استجابات تستند إلى مبادئ بسيطة. هذا يعني أن الشركات تحتاج إلى شبكة عالمية من الأشخاص المنتمين إلى كافة أفرع المؤسسة، الذين يمكنهم التنسيق والتأقلم مع تطور الأحداث، والتفاعل الفوري والملائم مع الاضطرابات، مثل انقطاع الاتصالات داخل المؤسسة وخارجها وفقدان الموارد المادية والبشرية. (إذا انقطع الاتصال فجأة بأحد المكاتب الرئيسة في الخارج واختفى من شبكة الشركة، فمن المطالب بالتدخل؟). يجب أن تتحلى هذه الشبكة بخفة الحركة في أثناء عملية استشعار المخاطر والتنسيق والاستجابة، ثم الاستشعار مرة أخرى. يجب عليها اتباع طرق إبداعية وتعاونية، ولكن منضبطة، لحل المشكلات الطارئة، حتى في أثناء تحرك أعضاء شبكة إدارة الأزمات أو غيابهم لأي سبب من الأسباب.
هذا هو ما تفعله قوات المشاة البحرية بالضبط، ويحقق نتائج مبهرة. وأحد أسباب براعة مشاة البحرية هو ممارستها لأساليب مواجهة المشكلات. ويجب على الشركات أن تفعل الشيء نفسه. فقد تنشئ الشركة مجموعة موزعة عالمياً ذات عضوية متغيرة تكرّس نصف يوم كل شهرين، مثلاً، للمشاركة في محاكاة الأزمات. ماذا ستفعل المجموعة في حالة غياب 30% من قوة العمل، على سبيل المثال، في مصنع الشركة بآسيا؟ ماذا لو أغلقت الولايات المتحدة حدودها؟ كيف سيستجيب الفريق لسيناريو "غير متصور"؟ لا يتمثل الهدف في وضع قواعد محددة للاستجابة لمخاطر محددة، بل ممارسة طرق جديدة لحل المشكلات في بيئة غير متوقعة وسريعة التغير.
وفيما يخص المؤسستين المشار إليهما في جدول المقارنة، فإن الموقف في الأزمات سيكون لصالح الشركة التي تستطيع الاستفادة من قدراتها والتعاون مع الآخرين العاملين في القطاع نفسه، حتى المنافسين. يجب على الشركات التفكير في تطبيق نموذج مفتوح المصدر للاستجابة للأزمات. وكما يدعون الشركاء والمنافسين إلى تطوير منتجات مبتكرة، يجب عليهم النظر فيما إذا كانت الاستجابة للأزمات، التي تم تطويرها بالتعاون مع الغير أفضل من استجابتها الخاصة. وإذا فقدت الشركة قدرات معينة في الأزمة وفقدت الشركات المنافسة قدرات أخرى، فهل هناك فرص لتبادل المنفعة والتعاون المشترك؟
أخيراً، يعتقد العديد من القادة أن إدارة الأزمات ليست مهمتهم، لذا يلجؤون إلى تعيين خبراء في التخفيف من حدة المخاطر والأمن. لكن إنشاء مؤسسات تمتلك القوة في مواجهة الغموض يتطلب عقلية جديدة - ويجب تحفيز هذه الخطوة بدايةً من الإدارة العليا. فمن خلال تطوير ثقافة وآليات تدعم القدرة الممتازة على التكيف، ستستطيع الشركات تحصين نفسها ضد مجموعة من المخاطر، وليس الأوبئة فقط، حيث ستغدو أكثر مرونة وتنافسية في قطاع الأعمال المعقد والمشوب بالغموض.