عندما يكون مستوى عدم اليقين مرتفعاً، يصبح من الضروري فهم موقفك الحالي وتحديد أخطائك بينما لا يزال هناك وقت لتصحيحها. ولكن كي تكون قادراً على التكيف مع الظروف المتغيرة وتضمن استمرار شعور فريقك بالدعم والتحفيز، يجب عليك استيعاب الإجراءات التي تتخذها جيداً، ومعرفة نقاط الضعف فيها. لاكتساب هذا الفهم، يجب أن تسعى بنشاط للحصول على تقييمات واضحة وعملية تمكّنك من اتخاذ قرارات مستنيرة أفضل وتغيير نهجك إذا لزم الأمر.

يسمح طلب التقييم من أعضاء الفريق بإنشاء ثقافة الثقة والشفافية، ولذلك أهمية في ظروف عدم اليقين. فمع المخاوف من حدوث ركود اقتصادي، تواجه الفرق ضغوطاً أكبر لتحقيق نتائج بموارد أقل. عندما يشعر الموظفون بأن مدخلاتهم تحظى بالتقدير، فإنهم يميلون أكثر إلى الاستمرار بولائهم ومشاركتهم والحفاظ على إنتاجيتهم، كما يصبحون أكثر انفتاحاً لطرح مخاوفهم ومقترحاتهم البنّاءة.

لكن عدم اليقين قد يمثل حاجزاً كبيراً يمنع الموظفين من الإدلاء بتقييمات صادقة، لا سيما في المواقف التي يشعر فيها الموظفون بالقلق أو الخوف من فقدان وظائفهم، فيبدون تحفظاً أكبر في التعبير عن آرائهم، خاصة للإدارة. أضف إلى ذلك حقيقة أنه عندما يرتقي الأفراد في المؤسسة، يصبحون أكثر عرضة لتلقي قدر أقل من تقييمات الأداء التصحيحية من زملائهم، وذلك على الرغم من أن دراسة أجرتها زينغر فولكمان أثبتت أن ثلاثة أشخاص يعتقدون أن تقييمات الأداء التصحيحية أكثر فعالية في تحسّين أدائهم مقابل شخص واحد يعتقد أن التقييمات الإيجابية أفضل.

بعبارة أخرى، يصبح الحصول على تقييم دقيق لأدائك كقائد صعباً للغاية في الأوقات التي تشتد حاجتك فيها إلى هذا التقييم. إذاً كيف يمكنك الحصول على تقييمات الموظفين عندما يكونون أقل ميلاً إلى تقديمها؟ كيف يمكنك طلب نصائح مفيدة وقابلة للتنفيذ من موظفيك؟ على الرغم من أن أياً منكما يجب ألا ينخرط في محادثة صعبة، لكن المسؤولية تقع عليك بصفتك القائد للتغلب على ترددك وتشجيع الآخرين على فعل الشيء نفسه.

في الواقع، تعتبر معرفة كيف ومتى تطلب التقييمات مهارة مكتسبة يمكن تطويرها، تماماً مثل إدارة ردود أفعالك الدفاعية (الطبيعية) عند تلقي النقد المفيد. بالاعتماد على كتبنا وأبحاثنا، تعاونا معاً لتحديد الخطوات المحددة التي يجب على القادة اتخاذها لطلب التقييمات. تتمثل الخطوة الأولى في طلب النقد صراحة، لا سيما إذا كنت مديراً. قد يكون ذلك محرجاً في أحسن الأحوال وصعباً من الناحية العاطفية، لذلك نعرض هنا 6 نصائح مفيدة حول كيفية التماس تقييمات صادقة من موظفيك بنجاح.

1. كن منفتحاً لتجربة المشاعر “السلبية” بشكل متكرر

غالباً ما يكون تلقي التقييمات التي تحتاج إليها للتحسن تجربة غير سارة. اسأل نفسك: كم مرة في الأسبوع يزودك فيها موظفوك بتقييمات تجعلك تشعر بالقلق أو الانزعاج أو حتى اتخاذ موقف دفاعي؟ كم مرة يخبرونك فيها بتقييمات إيجابية تجعلك تشعر بالرضا؟ إذا كانت كل التقييمات التي تتلقاها إيجابية ولا تسمع أي نقد، فكن حذراً! ربما لا تتلقى تقييماً دقيقاً لأدائك، ويجب عليك بذل المزيد من الجهد لتشجيعهم على انتقادك.

ضع في اعتبارك عند طلب التقييمات الصادقة أن التقييمات الإيجابية ليست بذي أهمية، وأن عدم تلقي تقييمات مؤشر سيئ، بينما ستكون التقييمات النقدية إيجابية. وفقاً لما قاله أحد مدراء ليز (مؤلفة مشاركة في المقال) السابقين لها، “سيخبرك الشخص الذي يهتم لأمرك حقاً بأخطائك وعيوبك. بينما سيبقى الآخرون صامتون لأنهم لا يرغبون في أن يضعوا أنفسهم في موقف غير مريح”. على الرغم من أن سماع النقد قد يكون لاذعاً في البداية، لكنه ضروري للتحسن بمرور الوقت، وستتقبله بصدر رحب أكثر في النهاية.

2. اطرح سؤالاً يبدد المخاوف

قد يكون من المحرج سؤال الموظفين مباشرة عما يفكرون فيه حول الوضع الراهن، وقد يشعرون في أوقات عدم اليقين بأن التعبير عما يفكرون فيه ينطوي على المخاطرة. لذلك نوصي بابتكار سؤال يبدد المخاوف ويعزز الأمان النفسي. هناك 3 عناصر للسؤال الذي يبدد المخاوف:

  • تجنب الأسئلة التي يمكن الإجابة عنها بـ “نعم” أو “لا” أو “كل شيء على ما يرام”، وهي الأجوبة التي ستتلقاها غالباً إذا سألت على سبيل المثال “هل هناك أي تقييمات لأدائي؟”. تقترح ليز ومولي (مولي مؤلفة مشاركة في هذه المقالة) طرح سؤال مثل “ما الشيء المحدد الذي يمكنني فعله لدعمكم؟”، وهكذا، ومن خلال السؤال حول “شيء محدد”، يصبح من المرجح أن تتلقى استجابة محددة وقابلة للتنفيذ.
  • يجب أن يبدو سؤالك طبيعياً -سؤالاً تطرحه بشكل طبيعي في الأحوال العادية. توصي كيم باستخدام سؤال “ما الشيء الذي يمكنني القيام به أو التوقف عنه ومن شأنه أن يسهّل العمل معي؟”. ولكن إذا كنت تجد صعوبة في طرح مثل هذا السؤال، فابحث عن سؤال يتوافق مع شخصيتك وأسلوبك في التواصل.
  • يجب أن يكون سؤالك ملائماً للشخص الذي تتحدث إليه. لقد أخبر جيسون روسوف، الذي أسس بالاشتراك مع كيم شركة راديكال كاندور (Radical Candor)، كيم أنه يكره سؤالها الذي يبدد المخاوف، لذلك كان عليها أن تسأله سؤالاً أكثر تحديداً.

ضع في اعتبارك أن تجعل السؤال الذي يبدد المخاوف جزءاً متكرراً من جدول أعمال اجتماعاتك، فإذا كان أعضاء فريقك يعلمون أنك ستطرح هذا السؤال مسبّقاً، فسيكون لديهم المزيد من الوقت لإعداد إجابات مفيدة.

3. تقبّل عدم الراحة التي يشعر بها الطرف الآخر

بغض النظر عن مدى جودة سؤالك الذي يبدد المخاوف، فمن المحتمل أن يشعر الشخص الآخر بعدم الارتياح تجاهه، ومن المحتمل أن تشعر بعدم الارتياح بدورك نظراً لذلك. قد تشعر بالرغبة في تجنب شعور الآخرين بعدم الارتياح وتخطي النقاشات الصعبة في هذه المرحلة، ولكنك بذلك لن تتلقى مطلقاً الآراء التي تحتاج إليها للنجاح.

الحل الوحيد لتجنب عدم الارتياح هو من خلال محاولة طرح سؤالك ومن ثم الصمت، عدّ إلى 6، ببطء في رأسك. لا يمكن إلا لقلة من الناس تحمل 6 ثوانٍ كاملة من الصمت، لذلك من المرجح أن يقول أحدهم شيئاً ما في النهاية.

4. استمع كي تفهم، لا لترد

دافعك مهم عند الاستماع إلى التقييمات. يجب عليك أن تسعى لفهم ما يخبرك به الشخص الآخر بدلاً من الإصغاء والإعداد لردٍّ عليه. إنه الفرق بين أن ترد بقولك “لقد سمعت ما قلته، شكراً لك”، الذي يُعتبر رداً مثالياً، وبين ردك “سمعت ما قلته، ولكن…”، الذي يعتبر رداً رديئاً.

تساعدنا التقييمات في رؤية سلوكياتنا من وجهة نظر مختلفة، ولكن إذا ركزنا على الدفاع عن أنفسنا وتبرير أفعالنا، فإننا نخسر فرصة التعلم والتحسن. تلميح مفيد حول الاستماع بغرض الفهم: ابحث عن النقد. غالباً ما يخفي الناس النقد. فأحياناً يقدمون النقد السلبي بين تعليقين إيجابيين لتلطيفه (يُدعى ذلك طريقة الساندويتش)، لذلك لا تدع التعليقات الإيجابية تصرف انتباهك عن النقد المضمّن فيها. وفي أحيانٍ أخرى قد تبدو التعليقات إيجابية أو محايدة بشكل عام، ولكن قد يكون هناك نقد سلبي مهم مخفي بداخلها، انتبه لذلك أيضاً.

5. أظهر أنك تستمع على نحو فعّال

أفضل طريقة لضمان استمرار تلقي التقييمات هي اتخاذ إجراءات بناءً عليها ومشاركتها مع الآخرين.

عندما تتلقى تعليقات نقدية، من المفيد أن تُظهر أنك تأخذها على محمل الجد وتحدد على الفور رد فعلك على الاقتراحات أو المخاوف التي تم الإبلاغ عنها. على سبيل المثال، يمكنك قول “إليك ما سأفعله للمضي قدماً”. وتذكر: لا حاجة إلى أن تعد بإجراء تغييرات كبيرة (إذ قد لا تتمكن من الوفاء بهذه الوعود). يمكنك قول شيء مثل “ستكون خطوتي التالية هي التحدث إلى القادة الآخرين لمعرفة ما يمكننا فعله”.

خذ على سبيل الرئيس التنفيذي لشركة نتفليكس، ريد هاستينغز، الذي يتلقى تقييمات شاملة مكتوبة من موظفيه سنوياً. بعد تلقي تقييمات عام 2019، كتب هاستينغز مذكرة إلى جميع موظفيه يحدد فيها الإجراءات التي يخطط لاتخاذها بناء على التعليقات التي تلقاها. فيما يلي مقتطف من كتابه “قواعد اللاقواعد” (No Rules Rules):

أعتقد أن أفضل التقييمات التي ساعدت على تطوري كانت أكثرها إيلاماً للأسف. بعد قراءة تعليقاتكم الشاملة، أشكركم على شجاعتكم وصدقكم في تزويدي بتقييماتكم لأدائي. من التقييمات التي تلقيتها: “عادة ما تتجاوز بعض المواضيع أو تتسرع بإنهاء النقاش فيها عندما تشعر بنفاد صبرك، وقد ترفض مناقشة بعض المواضيع على جدول أعمال الاجتماع باعتبارها لم تعد تستحق المناقشة”، وفي تعليق مماثل “احرص على عدم ترك وجهة نظرك الخاصة تطغى على المناقشات، ويمكنك تغيير النقاش بسبب عدم حصول توافق في الآراء”. أقرّ بأن ذلك صحيح، ومن المؤسف والمحبط أني لا أزال أفعل ذلك. سأعمل جاهداً لتغيير ذلك.

بعد اتخاذ إجراء، احرص على مشاركة التغييرات التي أجريتها واسأل عما إذا كنت قد بالغت بها أم أنها أقل من اللازم. نصيحة مفيدة: إذا كنت تعاني من المشكلة لبعض الوقت، فقد يكون من المفيد المبالغة في التغيير بدلاً من مجرد إجراء تعديل بسيط. فإذا تلقيت تقييماً يفيد بأن وتيرتك سريعة، فحاول الإبطاء إلى أن يخبرك أحد ما بأن وتيرتك بطيئة جداً.

وإذا لم تكن قادراً على القيام بشيء ما بشكل مختلف، فاذكر سبب ذلك. عندما أخبر أحد الموظفين كيم بأنها تقاطعه وتقاطع الموظفين الآخرين في الاجتماعات، ارتدت رباطاً مطاطياً حول معصمها كتذكير لها بعدم مقاطعة الموظفين، وأخبرت الجميع بالتعليق الذي تلقته وطلبت منهم مساعدتها في تغيير هذه العادة السيئة الراسخة التي لا تستطيع في الواقع تغييرها وحدها بين عشية وضحاها. لقد طلبت من الآخرين شد الرباط المطاطي على معصمها عندما يلاحظون أنها تقاطعهم. (كانت تعلم أن أعضاء فريقها سيفعلون ذلك بالفعل بطريقة مضحكة تساعدها على التغلب على المشكلة -يمكنك استخدام مقاربة مختلفة لهذا الأسلوب). لقد ساعدها الشريط المطاطي على تقليل مقاطعتها للآخرين، لكن الأهم من ذلك أنها أظهرت للآخرين أن تقييماتهم موضع اهتمام منها، وأنها أوضحت أنها على الرغم من عدم قدرتها على تغيير عادتها بين عشية وضحاها، كانت تعمل على ذلك.

أحد الأخطاء الكبيرة التي نرى أن القادة يرتكبونها هي عدم الاستجابة للتقييمات عندما يدركون بعد التفكير ملياً فيها أنهم لا يستطيعون التصرف بناءً عليها. لكن عندما لا يتلقى الموظفون مطلقاً أي رد فعل بعد إبداء تقييماتهم، سيفترضون أن اقتراحاتهم قد تم تجاهلها. من الأفضل بكثير أن تعود إلى فريقك لتشرح الموقف وتقول شيئاً مثل “لسوء الحظ، نظراً لأولويات فريق المسؤولين التنفيذيين فيما يتعلق بالخطط لهذا الربع من السنة، لن نتمكن من تنفيذ كذا، لكنني سأضع ذلك في الاعتبار للنظر به في المستقبل” بدلاً من عدم قول شيء على الإطلاق.

6. اجعل إعطاء الملاحظات عادة للفريق، وليس مجرد أداة للتنفيس عن الإحباط

يمكن أن يكون للتنفيس المتكرر، أو طرح نفس المشكلات دون محاولة فهمها أو معالجتها، تأثير سلبي عليك وعلى معنويات فريقك، لأنك تغرس الإحباط في عقلك من خلال التحدث عن المشكلة مراراً وتكراراً دون التركيز فعلياً على اكتشاف الحلول أو الدروس التي يمكن تعلمها.

والأسوأ من ذلك هو عندما لا يشعر شخص ما بالراحة في إبداء تقييمه مباشرة لشخص آخر ويختار بدلاً من ذلك التنفيس عن إحباطه لطرف ثالث محايد. على الرغم من أن ذلك قد يوفر راحة مؤقتة للشخص المحبط، لكنه لا يحل أي مشكلة على المدى الطويل لأن الشخص المسؤول لا يدرك سلوكياته المحبطة. عندما يأتي شخص ما ويتحدث إليك عن شخص آخر غير موجود معكما، قد تبدو أنك تتعاطف معه، لكنك في الواقع لا تسهم سوى بتفاقم المشكلة. بدلاً من ذلك، شجعه على التحدث حول المشكلة إلى ذلك الشخص مباشرة. اعرض عليه أن تكون وسيطاً للتحدث مع ذلك الشخص، ولكن ذكّره أنه لا يزال عليه التحدث إليه في نفس الوقت. هناك استثناءات بديهية، فإذا كان من يتحدث إليك يتعرض للتنمر أو المضايقة، فإن تشجيعه على التواصل مباشرة قد لا يكون هو الأسلوب الأفضل.

اجعل التقييمات عادة للفريق بحيث يشعرون بالأمان عند إعطائها مباشرة بدلاً من لجوئهم إلى أشخاص خارج الفريق للتنفيس عن إحباطهم. نقطة البداية المناسبة هي طلب التقييمات. عندما يبدي الجميع تقييماته، فمن المرجح أن تتقبلها بصدر رحب وتوليها اهتماماً أكبر.

قد يبدو من المريح تجنب التقييمات الصعبة عندما تكون المواقف غير واضحة. لكن تعزيز الاستقرار في فريقك ونجاح مؤسستك يعتمد على قدرتك على تعلم ما يجب تغييره. إن تجاهل المشكلة لن يجعلها تختفي أبداً، وثقافة التعاطف المدمر أو الانسجام الزائف ليست طريق النجاح. بدلاً من ذلك، شجّع موظفيك على تقديم تقييمات نقدية بنّاءة.