ملخص: قد يكون العمل مع زميل متعالٍ أمراً مزعجاً، وربما يؤثّر على فرص التقدم المهني، لكن ليس عليك أن تسكت عنه وتعاني بصمت. تستعرض مؤلفة هذا المقال عدة خطوات تساعدك على وضع حد لتصرفات زميلك السلبية أو على الأقل تقليل أثرها فيك وفي مسارك المهني.
كيف تتصرف مع زميل يتدخل دائماً في عملك ويملي عليك ما تفعله؟ أو زميل يُبدي معرفته بالإجابات كلها ملمحاً إلى أنك لا تملك القدرة على الإجابة؟ أو الزميل الذي يتحدث إليك دائماً بنبرة متعالية؟ التعامل مع زميل يتصرف بتعالٍ أمر مزعج ومحبط ومثير للغضب بالفعل. علاوة على أن التفاعل مع شخص يهيمن على الحوار أو يفرض وجهة نظره على الآخرين يبدو مزعجاً، تؤثر هذه التفاعلات سلباً أيضاً في سمعتك ومسارك المهني.
وقد يصبح الأمر أكثر إزعاجاً عندما يكون زميلك محقاً بالفعل فيما يقوله. وحتى لو كانت حجته التي يتمسك بها ويفرضها بتعالٍ مقنعة، قد يبدو قبولك لها وكأنك تستسلم لسلوكه، أو تمنحه الإذن للتصرف بتعالٍ مرة أخرى في المستقبل.
فكيف يمكنك التعامل مع سلوكه بطريقة تحميك من العواقب السلبية وتحافظ على إحساسك بالنزاهة إذاً؟ سأشرح في هذه المقالة أسباب السلوك المتعالي لأي زميل، وأعرض بعض الأسئلة التي يمكن للموظف طرحها على نفسه، ثم أقدم بعض الأساليب التي يمكنه تجربتها للتعامل مع هذا السلوك.
ما سبب السلوك المتعالي؟
لنبدأ أولاً بفهم الدوافع الشائعة وراء السلوك المتعالي. هل هو آلية دفاعية لحماية الذات، أم أنه ناتج عن نقص في الوعي، أو عن مشكلة في التواصل؟ يساعدك فهم الدوافع على تحديد استجابتك لهذا السلوك.
السلوك الذي يُبديه زميلك تجاهك ليس مرتبطاً بك بالفعل، وذلك ليس مفاجئاً، بل هو ناتج عن شكوكه الشخصية أو مخاوفه المهنية. حاول العديد من الأشخاص الذين عملت معهم والذين يفترضون أنهم يعرفون كل شيء إخفاء عدم كفاءتهم أو مخاوفهم، سواء كان ذلك بوعي منهم أم لا، لا سيما إذا كان أحدهم جديداً في المؤسسة أو يتولى منصباً للمرة الأولى، مثل منصب المدير.
عملت في إحدى جلسات التدريب المهني مع عميل شغل منصب مدير إدارة الخدمات اللوجستية في إحدى شركات التصنيع، وحاول جاهداً إثبات نفسه أمام زملائه الجدد، ولنسمه بلالاً. طلبت مني رئيسة إدارة الموارد البشرية التدخّل بسبب التوتر الذي انتاب أعضاء فريق القيادة خلال الأشهر الأولى منذ انضمام بلال إلى الشركة، موضحة أنه كان يُقصي زملاءه عنه بسبب عادته المستمرة في بدء حديثه بعبارة "نجحت في وظيفتي السابقة بتحقيق كذا وكذا"، ما جعلهم يعتقدون أنه يتعالى عليهم.
وعندما جلستُ مع بلال وزملائه، كرر هذه العبارة مرتين في أول 15 دقيقة من الحوار. وعندما وضّحت له أثر هذا السلوك بهدوء (وهي خطوة واجه زملاؤه صعوبة في اتخاذها لإحساسهم أنه يتصرف بتعالٍ)، أخبرني أنه لم يكن لديه علم بأثر سلوكه ذلك؛ واعترف لي لاحقاً بأنه كان يحاول إثبات قيمته قائلاً: "اعتقدتُ أن الشركة وظّفتني بناءً على خبرتي وإنجازاتي في المنصب السابق". واجه بلال صعوبة في التخلص من هذه العادة ولا يزال يكرر تلك العبارة أحياناً، لكن زملاءه أصبحوا أكثر تسامحاً معه عندما علموا أنه لم يكن يتفاخر بنفسه.
التفاخر بالإنجازات أسلوب شائع لكنه مضلل، ويستخدمه غير الواثقين بأنفسهم والراغبين في تأكيد قيمتهم في منصب ما أو فريق جديد، مثل بلال.
قد يعود ذلك السلوك أيضاً إلى الثقافة السائدة في الشركة، إذ تكافئ العديد من ثقافات الشركات الموظفين الذين يُظهرون معرفتهم بكل شيء. هل يحصل الموظفون الذين يعبّرون عن أفكارهم بثقة على التقدير في مكان عملك؟ هل يُعتبر الموظفون غير الواثقين بأنفسهم فاشلين؟ تُبنى عملية صناعة القرار في العديد من المؤسسات على التنافس بدلاً من الجهد التعاوني، وعلى افتراض المرء أن خبرته أكبر من خبرة الآخرين، وهو تقنية ذكية للبقاء في هذه البيئة التنافسية.
ليس من الضروري أن يكون هدف كل زميل متعالٍ إثبات فكرة ما، لكن ثمة احتمال كبير بأن يكون الغرور الذي يُبديه تعويضاً عن شعوره بالنقص أو الخوف. وقد يتيح لك التفكير في الأنماط الأساسية لعدم الثقة بالنفس الحصول على بعض الدلائل حول كيفية التعامل معها. على سبيل المثال، بمجرد أن فهمت رئيسة إدارة الموارد البشرية أن بلالاً كان يحاول إظهار قيمته في منصبه الجديد، حرصت على تأكيد الإسهامات التي قدمها بالفعل، ما خلّصه من الحاجة إلى التفاخر بإنجازاته السابقة. هل يحاول زميلك في العمل تأكيد قيمته بالطريقة نفسها؟
الأسئلة التي يجب أن تطرحها على نفسك
ثمة أسئلة إضافية يجب أن تطرحها على نفسك قبل اتخاذ قرار بكيفية الاستجابة للسلوك المتعالي.
هل ثمة ما يُبرر ثقة الموظف بنفسه؟
قد يمتلك زميلك الذي يتصرف بتعالٍ أسباباً مقنعة لثقته الشديدة بنفسه فيما يقوله، حتى لو كان سلوكه غير مرغوب فيه. تمعن في تخصصه أو خبرته، ما أفضل مهاراته؟ هل يتناسب مستوى ثقته بنفسه مع مستوى مواهبه؟ هل يمتلك معرفة حقيقية فيما يدّعي معرفته؟ هل ثمة احتمال أن يكون أسلوب تقديمه المعلومات فظاً وغير مهذب في حين أن نقاطه الأساسية تحمل قيمة بالفعل؟ تذكر أن بعض الأشخاص يشعرون بالانزعاج عندما يكون الآخرون متأكدين من أفكارهم. وأعترفُ شخصياً أنه كلما ازدادت قوة الشخص في الدفاع عن وجهة نظره، ازدادت مقاومتي لقبول حججه أو موافقتي عليها. فكّر في كيفية استجابتك للثقة التي يُبديها الآخرون. هل نشأت مع والدين يُوليان اهتماماً كبيراً للتواضع؟ تحقق من رد فعلك تجاه زميلك. هل هناك عوامل أخرى تجعل التعامل معه صعباً، بخلاف تعاليه أو إلى جانبه؟
هل لدي تحيّز تجاهه؟
نحمل جميعنا صوراً نمطية حول المؤهلين لشغل مناصب السلطة، وعندما لا يتناسب شخص ما مع تصوراتنا عن القيادة نميل إلى البحث عن أسباب مقنعة تبرر الثقة التي يُبديها. هل الشخص الذي تعتبره متعالياً ينتمي إلى فئة مُهمّشة في المجتمع؟ هل ينتمي إلى ثقافة أو فئة سكانية تحملُ تحيزات سلبية ضدها دون وعي منك؟ إذا كنت تعتقد أن زميلك يتصرف بتعالٍ، فهل ستواصل اعتباره شخصاً متعالياً لو أنه كان من فئة سكانية مهيمنة؟ يمكنك استخدام تقنية تُعرف باسم "اعكس واختبر"، عرّفتني بها المسؤولة التنفيذية لإدارة الموارد البشرية على المستوى العالمي، كريستن بريسنر؛ حيث اعترفت في حديثها على منصة تيد إكس (TEDx) عام 2014 بأحكامها المسبقة تجاه القائدات النساء؛ ولتقاوم تحيزاتها تلك، خاصة عندما تحكم على امرأة في السلطة، تحاول التفكير في رجل يتولى المنصب نفسه وتراقب حكمها عليه.
هل وضعتُ الاختلافات الثقافية في الاعتبار؟
كن واعياً بالفروق الثقافية في أساليب التواصل. تختلف الثقافات فيما يتعلق بتفضيلاتها لأساليب التواصل المباشر أو غير المباشر؛ على سبيل المثال، تُقدر بعض الثقافات الوضوح والصراحة، في حين تُفضل ثقافات أخرى التواصل غير المباشر والمعقد؛ وقد يُفسّر التعليق المباشر في إحدى الثقافات بإيجابية، في حين قد يُعتبر فظّاً أو متعالياً في ثقافة أخرى. ومن الضروري بالتالي فهم هذه الفروقات لتجنب سوء الفهم والتفسيرات الخاطئة.
الأساليب المقترحة
لسوء الحظ، لا إجابة صحيحة واحدة أو طريقة مثبتة لإقناع زميلك المتعالي بتغيير نبرة كلامه أو التوقف عن التصرف بغرور؛ فالاستراتيجية الناجحة تتوقف على السياق: هويتك وهوية الشخص الآخر، وطبيعة علاقتكما والمعايير والثقافة السائدتان في مكان عملكما، وهلمّ جراً.
وعلى الرغم من ذلك، سيصبح الموقف أكثر قابلية للإدارة إذا توصّلت إلى فكرتين أو ثلاث واختبرت فعاليتها؛ فالأفعال الصغيرة تترك أثراً كبيراً. لذا، جرب سلوكاً مختلفاً للتعامل مع زميلك خلال فترة زمنية محددة، وراقب مدى فعاليته، ثم جرب سلوكاً آخر وعدله مع مرور الوقت. وإليك بعض الأساليب التي يمكنك تجربتها.
امنح نفسك فرصة التفكير في استجابتك
عندما يقول زميلك عبارة مستفزة، فمن الطبيعي أن تعطي نفسك الوقت اللازم لتفكر في رد فعلك تجاه سلوكه. تعامل مع الوضع بصدر رحب وقل لنفسك عبارة مثل: "يبدو هذا السلوك مألوفاً!" أو "جيد! ها نحن ذا مجدداً". وتذكر ألا تأخذ الأمر على محمل شخصي، لأن سلوك زميلك ينتج عن عوامل مرتبطة به وليس بك، ولا يعكس بالضرورة نظرته عنك. وذكّر نفسك بألا تسمح لسلوك مستفز واحد أن يؤثر في تقديرك لذاتك.
ركز جهدك على ما يستحق
ليس من الضروري أن ترد على كل تعليق مستفز، بل قيّم أهمية الموقف بعناية وحدد وقت التعامل مع السلوك وأهمية التعامل معه، وحدد إن كان هذا النمط متكرراً أو أنه حدث مرة واحدة فقط. وميّز بين البيانات أو الإجراءات التي تُزعجك والسلوك الذي يعوقك عن إنجاز عملك. ليس من الضروري أن تتعامل مع كل جملة مزعجة، كما أن مراقبة نبرة صوت الآخرين مرهقة. هل سلوكه مُزعج لدرجة تستدعي المواجهة؟ هل يعوق الآخرين عن طرح أفكارهم؟ قد يكون تجاهل غرور زميلك الخيار الأمثل أحياناً، لذلك حدد السلوك الذي يستحق أن تتصدى له والذي يمكنك تجاهله.
في الوقت نفسه، قد يؤدي تجاهل السلوك المتعالي دون معالجته إلى استمراره وتفاقمه، صحيح أن تركيز جهدك على ما يستحق مهم، لكن إذا كان سلوك زميلك يؤثر في عملك أو رفاهتك فمن المهم أن تتعامل معه بصورة بنّاءة.
افصل المشاعر الشخصية عن الرسالة
إذا اخترت عدم التعامل مع السلوك المتعالي في تلك اللحظة، فاستخلص المعلومات أو الملاحظات التي تتعلق بالمهمة أو الموقف وتجاهل النبرة المتعالية. وتجنب تقليد سلوكه، حتى لو بدا ذلك الحل مغرياً لك؛ فالانتقام بتقليد السلوك المتعالي أو غير المحترم ليس حلاً بنّاءً ولا مهنياً، بل يؤدي إلى إدامة الحلقة السلبية ويعطل خلق بيئة عمل إيجابية.
أجر محادثة متعمقة
يمكنك أيضاً اختيار مسارٍ مباشر وتحديد وقت للتحدث إلى زميلك حول أثر سلوكه فيك، كأن تقول: أشعر أحياناً أنك غير راضٍ عن أدائي، أو أنك تريد مني أداءه على نحو أفضل. قد أكون مخطئاً في تفكيري، لكن عندما تحاول تعليمي كيفية أداء عمل أعرفه بالفعل أشعر بأنك لا تثق بي. أعرف أن هذه ليست نيّتك لكني أهتم بعلاقتنا المهنية وأردت أن أخبرك بأثر سلوكك فيّ". كن مستعداً لتقديم أمثلة محددة على اللحظات التي أبدى فيها زميلك تعاليه؛ فالتخطيط المسبق لما تود قوله وكيفية التعامل مع أي مقاومة قد تواجهك يزيد فرص إيصال الرسالة بفعالية.
أنا لا أقول إن هذه المواجهات الصريحة لن تكون محرجة، بل هي محرجة حقاً لكن من المحبّذ أن تفتح حواراً حول كيفية إصلاح المشكلة. قد يُنكر زميلك ادعاءاتك ("لا أعتقد أن أسلوب تحدثي معك خاطئ")، أو يحاول الدفاع عن نفسه ("ما الذي جعلك تفكّر على هذا النحو؟")، أو حتى يمارس التلاعب بعقلك ("أنت شخص حساس جداً")، لكنك ستكون عبّرت عن رأيك على الأقل وأبلغته بأنك لن تتقبّل منه هذا السلوك في المستقبل.
توثيق حالات السلوك المزعج
من المهم أن تحتفظ بسجلّ مكتوب لحالات السلوك المتعالي، خاصة إذا كنت ترغب في تقديم شكوى إلى الإدارة بشأن سلوك زميلك الضار. وفي المرات القادمة، سجّل الوقت والمكان وما قيل أو فُعل في كل إساءة وممن بدرت ومن كان حاضراً آنذاك وما قلته وفعلته رداً على ذلك. سيُبدي القادة استعدادهم لاتخاذ إجراءات في حال لاحظوا نمطاً سلوكياً وعرفوا أنك (أو الآخرين) اتخذت خطوات لمحاولة معالجته بالفعل.
قد يكون العمل مع زميل متعالٍ أمراً مزعجاً، وربما يؤثّر على فرص التقدم المهني، لكن ليس عليك أن تسكت عنه وتعاني بصمت. لذا، اتخذ خطوات لوضع حد لتصرفات زميلك السلبية أو على الأقل تقليل أثرها فيك وفي مسارك المهني.