بصرف النظر عن مقدار شجاعتك واجتهادك وذكائك، لا بد أن تداهمك لحظة تكون السيطرة فيها للضغط والتوتر، ما يدفعك لردة فعل سلبية معينة. فثمة دوافع أو مواقف تتسبب بردود فعل لا تكون أفضل ما ينتج عنك في الظروف الاعتيادية.
فحين تشعر باستفزاز معين تجد أن الجانب العاطفي من ذهنك يسيطر عليك، ويرتفع إفراز الأدرينالين والكورتيزول في جسدك، وهي تلك الناقلات العصبية والهرمونات التي تطورت لدى الإنسان ليحمي نفسه من مخاطر الطبيعة وهجمات الحيوانات المفترسة (الثبات في المكان، المواجهة، أو الهرب). كما أن قدرتك على التفكير المنطقي تتوقف قليلاً، فترى أنك فقدت القدرة على حل المشكلات واتخاذ القرارات والتفكير بعقلانية.
وعندما يحدث ذلك ستجد أنك شطحت عاطفياً ويُصبح من الصعب جداً رؤية الأمور دون مبالغة أو تهويل. ما يدفعك إلى اتخاذ وضعية دفاعية، وستبقى على تلك الحالة حتى تجد ذلك التهديد أو الاستفزاز قد تلاشى. إلا أن ردود الفعل هذه تؤدي إلى حالة مزمنة من القلق والاكتئاب والتوتر والإرهاق وغيرها من المشاكل الصحية كأمراض القلب وانخفاض مستوى مناعة الجسد.
وازداد الاهتمام مؤخراً بالقضايا المتعلقة بضغط العمل، حيث تشير آخر الدراسات إلى أن تكلفة آثار التوتر من ضغط العمل في الولايات المتحدة الأميركية مثلاً تتعدى 300 مليار دولار سنوياً. ونظراً إلى أن الضغط في مكان العمل يسبب حوالي 120 ألف حالة وفاة في العام، فإن امتلاك القدرة على التعامل مع هذه المعضلة هي مسألة حياة أو موت فعلاً، وسيكون ذلك عاملاً أساسياً يؤثر في صحتنا وسعادتنا وإنتاجيتنا.
كما بات ضغط العمل بلوى أصابت الكثيرين حتى يمكن القول إنه لا مفر منها، ولكننا جميعاً نمتلك ردود فعل مختلفة حيال ما نمر به من ظروف، وعليه، فإن طريقة تعاطينا مع ضغط العمل لها دور بالغ الأهمية في تحديد مقدار مرونتنا ومقدرتنا على التكيف. ولكي تكون أكثر مقدرة على إدارة الضغط في العمل عليك تحديد شكل تصرفك حين تكون تحت الضغط:
- كيف يؤثر فيك الضغط جسدياً (هل تشعر بانقباض في صدرك؟ هل تبدأ بالتعرق؟ هل تشعر بتلبك في المعدة؟ هل يصيبك الصداع؟ وما إلى ذلك).
- كيف يؤثر فيك الضغط نفسياً أو عاطفياً (هل تشعر أنك فقدت السيطرة على نفسك مثلاً؟).
- كيف تخفف من الضغط الواقع عليك (هل تلجأ إلى الضحك أو الصلاة أو ممارسة الرياضة أو القراءة...؟).
إلى جانب ذلك، يُعتبر تحديد ما يستفزك عنصراً أساسياً في تحسين ذكائك العاطفي ومرونتك في الحياة. والمقصود بالذكاء العاطفي هو القدرة على فهم مزاجك ومشاعرك والقدرة على استجلاء مزاج الآخرين ومشاعرهم واستخدم هذا الوعي في توجيه سلوكك. كما أن الذكاء العاطفي يحدد كيفية تعاطيك مع الآخرين وإدارة علاقاتك معهم، بالإضافة إلى الحفاظ على الحافز للعمل والقدرة على اتخاذ القرارات وضبط العواطف وإدارتها، والتأثير في الآخرين، وغير ذلك الكثير. وكلما اشتدت قوة مشاعرك، ازدادت قدرتها على التأثير في سلوكك.
وبما أنني أم لطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة وأعاني من تحديات جمّة على المستوى السلوكي والعاطفي، فأتعرض للكثير من الاستفزازات، ولكني أدركت ضرورة تعلم المبادرة في ضبط الضغط الذي أتعرض إليه، وهذا الأمر يبدأ من امتلاك الوعي بما لدي من مشاعر.
فإذا كنت تولي اهتماماً كافياً بتحديد الظروف التي تكون فيها تحت الضغط أو تسيطر عليك مشاعر معينة أو تشعر فيها بالإحباط، فستكون قادراً على تحديد نمط ما، حيث يكون ثمة أمر أو شخص يستدعي الشعور بالضغط.
انظر مثلاً إلى يوم عملك المعتاد، الذي يعج عادة بالاجتماعات والمواعيد النهائية لتسليم المهام وغيرها من عوامل الضغط. وتخيل أن يقوم أحد زملائك بإحراجك أمام المدير وبقية الزملاء، ويخبرهم بأنك لم تلتزم بتسليم مهمة ما في موعدها. ربما تشعر حينها بتصلب في كتفيك وتعرق في يديك وتلبك في معدتك. حيث إنك تعرضت لاستفزاز مباشر عبر تعرضك لشعور الخجل. وفي حال لم تكن فطناً، ربما تجنح بلا وعي للتفكير والتصرف بشكل يضر بعلاقاتك مع الآخرين ويؤثر سلباً في بقية أنشطتك في ذلك اليوم.
ومن أهم المصادر الشائعة للضغط في الحياة اليومية:
- العمل
- الأطفال
- الأمور المالية
- العلاقات الشخصية
- المرض
- زيادة الالتزامات
- الوحدة
- الشؤون العائلية
- غياب التوازن بين العمل والحياة الشخصية
- الغموض
لكن الأمر الإيجابي أنه وبمجرد امتلاكك الوعي بالأمور التي تثير الضغط لديك، ستكون قادراً على تحديد كيفية تعاطيك معها. وفيما يلي بعض الأسئلة التي تساعدك على تحديد الأمور التي تستفزك:
- أشعر بالغضب حين ____.
- أفقد السيطرة على مشاعري حين ____.
- أشعر بالإهانة حين ____.
- أعتقد أنه من الوقاحة أن ____.
- وأنا في العمل أتمنى لو أن الآخرين ____.
- أشعر بغضب شديد حين ____.
- أشعر بتوتر حين أذهب إلى العمل وأجد ____.
هنالك مفهوم في علم النفس الاجتماعي وهو "خطأ العزو الأساسي" ويقصد به الميل إلى الحكم على الآخرين عبر سلوك معين صدر منهم وتحديد شخصياتهم بناء على ذلك السلوك، بينما نحكم على أنفسنا في المقابل بناء على نوايانا. أي نقوم بافتراضات حيال دوافع الآخرين ونعتبرهم مسؤولين عن تصرفاتهم، وحين لا يروق لنا تصرف ما نعتبره خللاً في شخصياتهم. لكن الأمر الذي نخفق في تذكره هو أننا حين نطلق هذه الأحكام على الآخرين فإننا نزيد من مستويات الضغط التي نتعرض لها.
ولذا، في المرة المقبلة التي تتعرض بها لموقف يزيد من مستوى الضغط لديك عليك أن تحدد وتفهم ما يسيطر عليك من مشاعر. واحرص دوماً على افتراض النية الحسنة وابحث عن أكثر التفسيرات إيجابية لأي سلوك. فكر مثلاً بذلك الموقف الذي يذكر فيه زميلك أنك تأخرت في مهمة ما. ماذا لو فسرت سلوكه بشكل مختلف؟ ماذا لو افترضت مثلاً أن المدير طلب منه أن يعلمه بخصوص تلك المهمة، وأنه لم يكن يقصد أن يسبب لك أي إحراج؟ صحيح أنه كان بوسعه التعامل مع الأمر بشكل مختلف، ولكننا بشر، وجميعنا نرتكب أخطاء.
فحين توجه تركيزك على التفسير الإيجابي لسلوك معين أو موقف ما، ستبدأ بالنظر إلى الأمور من زاوية مختلفة. وهذه الطريقة لا تساعدك على التخفيف من الضغط الواقع عليك فحسب، ولكنك ستجد أيضاً ارتفاعاً كبيراً في إيجابيتك وتفاؤلك على الصعيد الشخصي، وستكون حينها أكثر سعادة وإنتاجية ومرونة.
ولكي ننتقل بهذه النصائح إلى التطبيق العملي، يمكن أن تبدأ عبر تحديد موقف معين يشكل تحدياً لذكائك العاطفي ومن ثم اطرح هذه الأسئلة على نفسك:
- ما تأثير هذا الموقف فيّ جسدياً وعاطفياً ونفسياً؟
- ما الذي يستدعي هذه المشاعر أو العواطف؟
- ما الذي يسعني فعله من أجل إدارة الموقف وضبط ردة فعلي العاطفية على نحو فعال؟
تستلزم المرونة مجموعة من المهارات التي يمكن تعلمها وصقلها. وبما أن هنالك قدراً كبيراً من الضغوطات والتوتر في حياتنا، فإن المبادرة لإدارة موجبات الضغط والتوتر سيعيد إلينا السيطرة على ذواتنا، وستشعر أنك أقل ميلاً للوقوع في الضغط وأن ردود فعلك ضمن الحد المعقول. وحين تمارس هذه المهارات لن تحدّ من الضغوطات التي تشعر فيها فحسب، ولكنك ستنجح أيضاً في تعزيز ذكائك العاطفي ومرونتك وشجاعتك على مواجهة كافة الظروف التي تتعرض لها.