تخلّص من عاداتك السيئة من خلال معرفة عوامل تحفيزها

4 دقائق
تغيير العادة

جمال* كان أحد عملائنا، وكان يشغل منصب الرئيس التنفيذي لإحدى الشركات السريعة النمو في مجال التكنولوجيا المتقدمة، وكان معروفاً بسرعة تفلّت أعصابه، لدرجة أنه ضرب مرة هاتفه بالأرض، ومرةً أخرى أطاح بكرسيه، وكان يرفع صوته في كثير من الأحيان موبخاً موظفيه! فماذا كان عليه أن يفعل كي يغير هذه العادة السيئة؟

في يوم من الأيام عقدنا اجتماعاً خارج مقر الشركة لمدة يومين مع فريق جمال القيادي، وناقشنا فيه استراتيجية الشركة وبحثنا سبل علاج العديد من المشكلات التي بدا أنها تقف حجر عثرة في طريق تنفيذ هذه الاستراتيجية. وكان الرئيس التنفيذي للعمليات الذي يُدعى (نائل) يقف في صدارة قاعة الاجتماعات يدير المناقشات، وفجأة ثارت ثائرة جمال! واحمرّ وجهه بحمرة الغضب! وأخذ يشيح بيديه في الهواء معلناً استنكاره انعدام إحساس نائل بالمسؤولية!

قال لي جمال لاحقاً في العشاء: “كنت على خير ما يرام، وإذا بي أجد نفسي أصرخ بأعلى صوتي”. أطرق متفكّراً، ثم راح يهز رأسه مستنكراً سلوكه: “لا أدري ماذا اعتراني!”.

قلت له: “هذا مثير للاهتمام، فقد رأيتُ غضبك يتراكم على مدار 10 دقائق قبل أن ينفجر في وجه نائل”.

أبدى جمال اندهاشه، وسألني مستغرباً: “ماذا رأيت؟”.

في كتابي الذي عنوانه “4 ثوانٍ” (Four Seconds)، تحدثتُ عن عدد من العادات المدمِّرة، مثل إلقاء اللوم على الآخرين أو النقد الذاتي أو الجدال، أو أشياء مثل تحديد الأهداف التي تبدو مثمرة ولكنها تأتي بنتائج عكسية في أغلب الأحيان، واقترحت عدداً من البدائل.

وتتلخص المسألة فيما يلي: لا يستغرق تغيير العادة وقتاً طويلاً، لكنه أمرٌ صعبٌ، صعبٌ جداً!

فمن الصعوبة بمكان أن تغيّر اتجاهك عندما تكون في قلب الحدث، حيث تتسارع نبضات قلبك ويتدفق الأدرينالين في عروقك وتتسلَّط عليك الأضواء! وليس من السهل أن تتخلَّص من رد فعلك اللاإرادي الذي يتبع سلوكاً مستفزاً ومتكرراً!

فكيف نتخلَّص منه إذاً؟

بعد معاناتي من عاداتي المدمِّرة، اكتشفت عملية من 3 خطوات تحقق نتائج رائعة، وهي:

  1. لحظة الوعي
  2. القدرة على مقاومة المثيرات
  3. السلوك البديل

وأريد التركيز على الخطوة الأولى لأننا لن نستطيع تغيير شيء لا ندرك أننا نفعله؛ فلحظة الوعي تسمح بجلسة مع النفس (هذا هو الجزء الثاني من خطة الثواني الأربع). فإذا استطعنا التوقف، ولو للحظات قليلة، والتقاط أنفاسنا، فيمكننا حينئذٍ التخلُّص من رد الفعل الأهوج الذي يأتي في أعقاب تدفق الأدرينالين في عروقنا. وتأتي هذه النوعية من ردود الفعل من جزء في أدمغتنا هو تحديداً لوزة المخيخ التي ساعدت أسلافنا ذات يوم على تجنُّب النمور المفترسة وغيرها من الضواري؛ إذ تحفّزنا على اتخاذ رد فعل بالقتال أو الفرار أو السكون، وما نزال نستخدمها بإفراط في بيئاتنا الآمنة نسبياً.

والمشكلة الأكبر هي أن رد الفعل اللاإرادي يتحول فور تفعيله إلى قطار متفلت تصعب السيطرة عليه؛ لذا يكمن السر في أن تتخلَّص من رد الفعل قبل أن تشتعل شرارته. ويجب أن تسبق لحظة الوعي رد فعلك، وليس في أثنائه ولا بعده. وهذا يعني أنك يجب أن تكون مستعداً مسبّقاً؛ لذا عليك أن تعلم ما العوامل التي تثيرك ومَنْ الأشخاص الذين يثيرون ردود فعلك التي تندم عليها لاحقاً.

وعقب تحديدها واصل السير في الاتجاه المعاكس؛ أي فكّر ملياً في الإشارات التحذيرية التي تسبق وقوع هذه الأحداث. فحدد أولى العلامات التي تدل على أنك توشك على الوقوع فريسة لأحد هذه المواقف، أو أن أحدهم يوشك على إزعاجك. حقيقةً هذا هو الموضع الذي تحقّق فيه لحظةُ وعيك أكبر قدر ممكن من الفاعلية.

لقد سألني جمال مستغرباً: “ماذا رأيت؟”.

كنت أعلم أنه سيسألني هذا السؤال؛ لذا حرصتُ في أثناء الاجتماع على توثيق حركاته وسكناته كلها دقيقة بدقيقة. فكانت الملاحظات في دفتري:

الدقيقة الأولى: سار نائل متجهاً إلى صدارة قاعة الاجتماعات (كنت أعلم أن جمالاً لديه مشكلة من انعدام إحساس نائل بالمسؤولية، لذا عقب أن وقف نائل لإدارة المناقشات عرفتُ أن جمالاً معرّض لخطر انفلات أعصابه).
الدقيقة الثالثة: بدأ جمال ينقر على الأرض بقدمه.
الدقيقة الرابعة: بدأ جمال ينقر بقلمه على دفتر ملاحظاته.
الدقيقة السادسة: تسارعت أنفاس جمال، ازداد طول أنفاسه التي اتشحت بالغضب وصار لها صوت مسموع. بدا كما لو أنه يئن!
الدقيقة الثامنة: تململ جمال في كرسيه، لم يعد يستطيع الجلوس، بدا شديد الانزعاج ممّا يحدث.
الدقيقة التاسعة: توقف جمال عن التنفس، كان يكتم أنفاسه حرفياً.
الدقيقة العاشرة: انفجر غضباً!

عليك أن تعرف ما الأشياء التي تفعلها وتؤدي إلى نتائج لا تروق لك، وأن تفكّر في ردود فعلك كما لو كانت قطاراً يتوقف عند عدة محطات قبل وصوله إلى وجهته النهائية (مثل: الصراخ، النقد الذاتي، الحكم على الآخرين…إلخ). تغفو عادةً عند المحطات كلها وتستيقظ فجأة عند الوصول إلى محطتك فتندفع من القطار ناسياً حقيبتك!

لذا احرص على تحديد 5 أو 6 محطات قبل الوصول إلى المحطة النهائية، على غرار ما حدث مع جمال حين بدأ ينقر على الأرض بقدمه وتسارعت أنفاسه وتململ في كرسيه. وحدد المحطات التي يتوقف فيها قطارك، وتأمّل ملامحها وما تخلقه لديك من مشاعر ولاحظْها حين تقترب؛ فهذا حتماً سيؤدي إلى زيادة وعيك.

وأحسنُ ما يمكنك فعله للتخلُّص من عاداتك المدَّمرة هو النزول من القطار في أقرب محطة ممكنة. ويتطلب إتقان هذا الأمر بعض التدريب والممارسة، ومن المتوقَّع أن تفوتك المحطات المبكرة في المرات القليلة الأولى، لكن لا تيأس؛ لأنك تقوّي عضلة وعيك في كل مرة تلاحظ فيها ما يحدث، حتى لو لاحظته بعد فوات الأوان.

في اليوم التالي جلست بجوار جمال في قاعة الاجتماعات بناءً على طلبه. قدَّم نائل مرة أخرى، لكن هذه المرة كنا مستعدين.

عندما نهض نائل، ملتُ نحو جمال وهمست: “إنه ينهض، خُذ نفَساً عميقاً”.

أجابني جمال: “فهمت”.

بعد 5 دقائق من بداية إلقاء نائل عرضه التقديمي، ملتُ نحو جمال مرة أخرى محذراً: “جمال، أنت تنقر على الأرض بقدمك”.

فاجأ جمال الجميع في هذه الأثناء بتوضيح بعض النقاط من دون أن يرفع صوته مرة واحدة، وأكثرُ ما أثار دهشتنا جميعاً أن نائلاً تحمَّل المسؤولية بدرجة لم يرها أحدنا من قبل عندما كان رد فعل جمال أكثر هدوءاً.

وهنا بيت القصيد: سلوكياتنا الهدَّامة مدمِّرة! فإذا غيّرناها يمكننا تغيير النتائج السلبية التي تفرزها. ويكمن سر النجاح في أن نحجّمها في مرحلة مبكرة.

* غُيرت الأسماء لحماية الخصوصية

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .