3 طرق يساعدك بها الذكاء الاصطناعي التوليدي على اتخاذ قرارات استراتيجية أفضل

6 دقيقة
الذكاء الاصطناعي التوليدي
سي جيه بورتون/غيتي إميدجيز

برز الذكاء الاصطناعي بصفته أداة تحويلية تغيّر مشهد الأعمال جذرياً في مختلف القطاعات. وفي حين أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يمثّل أحدث تكنولوجيا غير مسبوقة في عالم الابتكار التكنولوجي هذا، فهو مميز لأنه يتعارض جذرياً مع نماذج صناعة القرار الاستراتيجي التقليدية. وهو على عكس التكنولوجيات التي سبقته يتمتع بقدرات ثورية في معالجة اللغة وتوليد المحتوى، ما يمكّن المؤسسات من صياغة المعلومات المعقدة والرؤى الدقيقة وتسريع عملية صناعة القرار بدقة وعمق ملحوظين.

مع ذلك، هناك مفهوم خاطئ خطير متأصل في هذه الرؤية، فالذكاء الاصطناعي التوليدي ليس مستشاراً استراتيجياً قادراً على التنبؤ كما يزعم الكثيرون، فهو مثل أي نوع آخر من الذكاء اصطناعي؛ أي أنه مرآة تعكس أنماط الماضي وتوجهاته وقراراته. من المهم جداً أن يفهم المدراء والقادة القيود المتأصلة في طريقة توليد هذه التكنولوجيا للنتائج حتى يتمكنوا من استخدامها بفعالية في عملية صناعة القرار الاستراتيجية.

قيود الذكاء الاصطناعي التوليدي

يتمتع الذكاء الاصطناعي بقدرة استثنائية على التعرف على الأنماط الراسخة وتبسيط العمليات بناءً على البيانات التاريخية. هنا ترك الذكاء الاصطناعي بصمته على القرارات في مجال الأعمال؛ إذ إنه قادر على دعم عملية صنع القرارات المتعلقة بالقروض من خلال التنبؤ بمخاطر التخلف عن السداد بدرجة عالية من الدقة، والوقاية من تعطل الآلات من خلال بدء صيانة المعدات قبل حدوث الأعطال، وتحسين القرارات المتعلقة بسلسلة التوريد من خلال التكيّف بسرعة مع الظروف المتغيرة، وتلخيص محتوى المستندات بسهولة. يتمتع الذكاء الاصطناعي التوليدي بالمزيد من القدرات إضافة إلى هذه القائمة المتنامية؛ فعلى سبيل المثال، تبيّن الدراسات الحديثة أن الذكاء الاصطناعي قادر بالفعل على إنشاء خطط الأعمال وتقييمها بمستوى يعادل مستوى أداء البشر.

ونظراً إلى التقدم الذي أحرزه العلماء في مجال الذكاء الاصطناعي، فقد جادل مدافعون بارزون عن هذه التكنولوجيا، ومنهم الراحل دانيال كانيمان، بأنه يجب أن تحل الخوارزميات محل البشر كلما أمكن ذلك. لكن هناك خلل في هذه المحاكمة المنطقية، فمهما بلغت قدرة الذكاء الاصطناعي فهو لن يستطيع أن يكتشف حقائق جديدة على نحو موثوق أو يولد حلولاً جديدة بالفعل بسبب اعتماده على البيانات الموجودة مسبقاً والاحتمالات التي يتعلمها.

ينطبق ذلك على الذكاء الاصطناعي التوليدي أيضاً؛ إذ إن النتائج التي يولدها تعتمد على الارتباطات التي يتعلمها من البيانات السابقة. واستجابة الذكاء الاصطناعي التوليدي لأي أمر نصي هي في جوهرها تنبؤ قائم على الأنماط العشوائية التي لاحظها في البيانات المستخدمة لتدريبه. وبالنظر إلى الكمية الكبيرة من البيانات التي يمكن أن تتدرب عليها هذه التكنولوجيا، فإن آلية العمل هذه فعالة جداً، ولكنها ولّدت مشكلات موثّقة جيداً مثل الهلوسة وعدم استقرار الأوامر النصية ومشكلات انقطاع المعرفة.

إذا طلبت من الذكاء الاصطناعي التوليدي تحديد الاتجاه الاستراتيجي لشركة ما، فسيكرر افتراضياً ما لاحظه في البيانات المستخدمة لتدريبه وسيسرد السمات الراسخة التي تعلّمها. يمكننا ملاحظة هذا التأثير تجريبياً؛ إذا دربنا أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي على نحو متكرر على النتائج التي تولدها، فستتدهور دقة تنبؤاتها بعد بضعة تكرارات، والسبب هو أن كل نظام منها سيكرر التنبؤات الأكثر شيوعاً من الناحية الإحصائية في البيانات التي تدرب عليها إلى أن تصبح نتائجه غير منطقية تماماً. الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أنه إذا أضفنا النصوص التي من الواضح أنها غير ذات صلة بالأمر النصي الأصلي إلى هذا الأمر، فستتراجع دقة التنبؤات بمقدار كبير لأن هذه الأنظمة غير قادرة على تمييز المعلومات ذات الصلة بالفعل الواردة في الأمر النصي.

على الرغم من أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تبدو قادرة على التواصل بكل سلاسة ووضوح، فهي غير قادرة على فهم السياق ولا تستطيع التفكير، وتستند رؤاها فقط إلى العلاقات بين البيانات المتاحة لها. وكما ناقشنا في ورقة بحثية حديثة، يتمتع البشر بميزة رئيسية؛ فنحن قادرون على تطوير رؤى أو نظريات جديدة واختبارها في العالم الحقيقي، وهذا مهم جداً في عملية صناعة القرارات الاستراتيجية. وغالباً لا يتوافق أفضل الاستراتيجيات مع الفكر السائد، وقد نجحت شركات مثل أمازون وساوث ويست إيرلاينز وسبوتيفاي وتيسلا وإير بي إن بي من خلال تحدي الأنماط الراسخة في أسواقها لا تعزيزها؛ في حين نرى أن الذكاء الاصطناعي يردد ما نجح في الماضي استناداً إلى البيانات المستخدمة لتدريبه، لكنه لا يستطيع استشراف المستقبل على الإطلاق. خذ هذا السيناريو مثالاً، فلنفرض أن الذكاء الاصطناعي كان موجوداً في بداية القرن العشرين، حين طوّر الأخوان رايت أول طائرة بمحرك يمكن للإنسان التحكم بها؛ إذا طرح أحد ما سؤالاً عليه عن مدى معقولية أن يتمكن البشر من الطيران على متن مركبات أثقل من الهواء، فسيعكس رد نظام الذكاء الاصطناعي ما كان يُجمع العلماء عليه آنذاك، وهو أن هذا النوع من الطيران مستحيل. في حين أن المنطق الاستشرافي ومنطق حل المشكلات لدى الأخوين رايت جعلا ما لا يمكن التنبؤ به حقيقة واقعة.

على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي محدود، يستطيع البشر تسخيره بطرق فعالة. من خلال الاستفادة من القدرة الحسابية العالية للذكاء الاصطناعي في تعزيز قدرة الإنسان على الحكم وصنع القرار، بدلاً من أن يأخذ مكانه، تستطيع المؤسسات الاستفادة من مواطن قوة هذه التكنولوجيا مع الاستمرار في الاعتماد على كل من الحدس والإبداع والمنطق السببي البشري بهدف الابتكار في المجالات المجهولة وريادتها. حددنا 3 طرق تتيح للقادة الاستفادة من الذكاء الاصطناعي التوليدي بفعالية في دعم عملية صناعة القرار الاستشرافية التي توجه المؤسسات نحو النمو والابتكار.

1. اختبار الأفكار

الميزة الرئيسية للذكاء الاصطناعي التوليدي هي قدرته على إنتاج محتوى مفصل استجابة لتعليمات بسيطة، وهي الأوامر النصية. يمكن تصميم هذه الأوامر بطريقة تدفع الذكاء الاصطناعي لتبنّي شخصيات مختلفة، مثل شخصيات من شرائح العملاء، ما يتيح استخدام هذه التكنولوجيا على أنها أداة لاختبار الأفكار. يمكن مطالبة الذكاء الاصطناعي بالإجابة عن الاستفسارات من زوايا أو وجهات نظر مختلفة، دون أن يعاني القيود مثل النطاق المحدد أو المال. ما كان يتطلب في السابق عملاً طويلاً ومكلفاً بالطرق التقليدية، مثل مجموعات التركيز مع العملاء والمشروعات الاستشارية، يمكن الآن إجراؤه من خلال الأوامر النصية المدروسة. في الواقع، يصبح نظام الذكاء الاصطناعي عضواً جديداً في الفريق يستطيع تقديم المشورة بشأن الاستجابات المحتملة للأسئلة المقدمة، ومن خلال تغيير الأوامر النصية والشخصيات على نحو هادف، من الممكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتوليد مجموعة واسعة من الاستجابات أو النتائج المحتملة بطريقة كانت تستغرق وقتاً طويلة وتتطلب تكلفة كبيرة من قبل.

مع ذلك، بسبب القيود المتأصلة في كيفية توليد الذكاء الاصطناعي للمحتوى، ينبغي للقادة أن يستخدموا رؤاه على أنها أساس للتشكيك في الممارسات الراسخة بدلاً من ترسيخ هذه الممارسات أكثر دون تفكير. يمكن أن يؤدي الذكاء الاصطناعي دور أداة استراتيجية لاختبار الأفكار وتحدّيها وتوسيعها، ولكن يجب ألا يصبح أداة لتضخيم الأفكار وتأكيد ما هو معروف بالفعل.

2. استكشاف السيناريوهات

عندما يواجه نظام الذكاء الاصطناعي التوليدي مجموعة محددة من الخيارات الاستراتيجية، فإنه قادر على الإسهام في تحديد النتائج المحتملة لكل منها. إن توجيه النظام لتبنّي سيناريو معين يسمح بالتحقيق المنظم في سيناريوهات "ماذا لو؟". يمكن أن تكون السيناريوهات تنبؤية نموذجية تعتمد على المعارف الحالية لتقدير المواقف المستقبلية المرجحة. بالنظر إلى أن المعارف المضمنة في بيانات تدريب الذكاء الاصطناعي التوليدي شاملة بطبيعتها، فإنها يمكن أن تشمل أيضاً سيناريوهات استكشافية تعتمد على التوجهات الحالية لتقدير احتمال استمرار هذه التوجهات في المستقبل، وسيناريوهات معيارية تحدد رؤية معيّنة للمستقبل وسبل تحقيقها.

بدلاً من النظر إلى الذكاء الاصطناعي باعتباره سلطة حاسمة، يجب أن يتعامل صنّاع القرار مع مخرجاته باعتبارها رؤى مرحلية تتيح لهم تحديد الأنماط الناشئة التي تتعارض مع الأفكار التقليدية، ويجب عليهم أيضاً أن يكشفوا الأفكار الناقصة أو المعبّر عنها بطريقة خاطئة.

بما أن أداء أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي أفضل في المهام الأضيق نطاقاً والمحددة بدقة، فمن المحبّذ عند استكشاف الأسئلة المعقدة الجوهرية في عملية وضع الاستراتيجيات، تقسيم السيناريوهات المعنية إلى مكونات أصغر وتوليد إجابات لكل جانب قبل دمجها في حل واحد.

3. توليد الأفكار

أصبح إنشاء المحتوى الجديد، من النصوص والصور ومقاطع الفيديو والصوت، السمة المميزة لثورة الذكاء الاصطناعي التوليدي. يتمتع الذكاء الاصطناعي بميزتين في هذا المجال، فهو قادر على توليد المحتوى بسرعة وبتكلفة منخفضة، كما أنه قادر على الجمع بين الصيغ المختلفة، مثل استخدام الأوامر النصية لتوليد الصور أو مقاطع الفيديو. تجعل هذه القدرة الفريدة الذكاء الاصطناعي التوليدي أداة ممتازة لفحص الأفكار الجديدة ودعم عملية تطوير المنتج. تتمتع أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي في الأساس بالقدرة على أن تؤدي دور مسودة تخطيط تتجاوز الصيغ المختلفة كافة، مثل النصوص والصور والفيديو والصوت.

إحدى الأفكار التي يجب أخذها في الاعتبار هي أن الذكاء الاصطناعي قادر على توليد المحتوى بمعدل مرتفع، لكن قدرة البشر على فحص هذا المحتوى محدودة. لذلك، توليد كمية أكبر ليس جيداً دائماً. وبدلاً من توليد مجموعة متكررة من المخرجات العشوائية، من المحبّذ أن نستخدم هذه التكنولوجيا بطريقة هادفة ونختار جوانب محددة من المجالات التي نريد استكشافها. يشبه ذلك عملية تحديد المركّبات النشطة المحتملة عند محاولة اكتشاف الأدوية الجديدة، التي تكمن الفكرة فيها في البدء بمجموعة واسعة من الخيارات ثم تضييقها بسرعة من خلال استبعاد الجزيئات المرشحة.

نظرة للمستقبل: الذكاء الاصطناعي مُكمّل استراتيجي

لكي يصبح الذكاء الاصطناعي التوليدي جزءاً مهماً في عمليتي صناعة القرار ووضع الاستراتيجيات الاستشرافيتين، يجب أن ينظر كبار المدراء إلى هذه التكنولوجيا على أنها أداة تؤدي دوراً تكميلياً للإدراك البشري. هذه الأداة ملائمة جداً لتوفير رؤى قائمة على الأنماط وتوليد محتوى جديد، لكن بغض النظر عن القدرات التي سيتمتع بها الذكاء الاصطناعي في المستقبل، ستظل مواطن القوة البشرية، خاصة فيما يتعلق بالتفكير السببي وصناعة القرار الاستشرافية، ضرورية للتعامل مع عدم اليقين ولرسم معالم المستقبل. الآلية الأساسية لعمل أي نظام ذكاء اصطناعي هي التنبؤ، وهو ما يمكّنه من التفوق في تحديد التوجهات الماضية أو الحالية. مع ذلك، تقع مسؤولية تصور توجهات جديدة تماماً وتحديد أهداف استراتيجية تتجاوز حدود البيانات المعروفة على عاتق البشر في النهاية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي