تحل الروبوتات والآلات الذكية شبه المستقلة محل البشر في أماكن العمل حول العالم؛ فهي تتعلم بسرعة، وتعمل بجد، وبالتأكيد قليلة الشكوى. كما أن التقنيات الذكية تقدم قيمة أكبر مقابل مقدار أقل من المال.
ولكن، يصاحب هذه الامتيازات تحديات إدارية. فمثلاً ما الذي ينبغي فعله عندما تُقدم تلك الآلات الخوارزمية أداء دون المستوى المطلوب؟ ومَن الذي ينبغي له إعادة تدريب تلك الآلات المقصرة في الأداء؟ وعندما تتصرف الروبوتات المتطورة، مثل المستشارين الآليين من شركة "فيديليتي" (Fidelity)، وسيارات "أوبر" (Uber) ذاتية القيادة، وحاسوب "واتسون" (Watson) الخارق الذي يستخدم في تشخيص الأمراض، بطريقة تتسبب في توتر العملاء، كيف إذاً تحصل تلك الروبوتات على التعليقات اللازمة لتحسين الأداء؟ ومَن سيتحمل المسؤولية؟ تُعد الكارثة الأخيرة التي تسبب فيها روبوت الدردشة "تاي" (Tay) مثالاً مناسباً على ما يحدث عندما لا تأخذ "تدريب الآلات" باستخدام تقنيات تعلم الآلة على محمل الجد بما يكفي.
سوف تتطلب الآلات الرائعة، التي تعمل بجد، أن يُراجع أداؤها مثلما يحدث مع الموظفين الكسالى وأصحاب التأثير الضار. ويتفهم المسؤولون التنفيذيون أصحاب الكفاءة أن مستقبل الإنتاجية وولاء العملاء يعتمدان بدرجة متساوية على تحفيز آلاتهم وإدارتها تماماً مثلما يلهمون موظفيهم.
بعبارة أكثر صراحة، قد يفقد المسؤولون التنفيذيون الذين لن يتمكنوا من تحسين أداء روبوتات شركاتهم وظائفهم. لأن تمكين الآلات الذكية للارتقاء بها إلى مستوى إمكاناتهم، قد يصبح المهارة القيادية الجديدة الضرورية في القرن الحادي والعشرين.
وفي هذا السياق، يؤكد جيري كابلان، مؤلف كتاب "البشر لا ينبغي لهم التقدم إلى هذه الوظائف" (Humans Need Not Apply) إنه "أمر يمس جوهر تصميم النُظم الذكية، فالامتداد الطبيعي للتقدم التاريخي طويل الأمد هو "الأتمتة"، وليس تغيير طريقة تفكير العقل البشري والظروف المحيطة به".
كابلان، وهو رائد أعمال ومستثمر في سلسلة من المشاريع في وادي السيليكون منذ وقت طويل، يرفض بشكل قاطع الجهود الرامية إلى أنسنة الآلات الذكية أو "إضفاء الطابع الإداري" عليها، باعتباره "تجسيداً مبالغاً فيه، كما أنه غير مبرر".
وأضاف كابلان: "أنت لن تتمكن من توبيخ تلك الآلات وإشعارها بالذنب".
وعلى الرغم من ذلك يُقر كابلان أيضاً أن نُظم تعلم الآلة التي تتعامل مع العملاء تضيف مؤثرات عاطفية على نحو متزايد، وليس فقط تحسينات في الخوارزميات، إلى سلوكياتها. على سبيل المثال، كما هو الحال مع السائقين البشر، قد يرغب الركاب غير الصبورين في أن تقود سيارات "أوبر" ذاتية القيادة بسرعة أكبر وبشكل أكثر عدوانية من المعتاد. وربما يرغبون أن "تنتقم" السيارات إذا قطعت سيارات أخرى طريقها.
وقد تحصل السيارات ذاتية القيادة التي لا تستجيب لهذا الطلب، كما هو الحال مع السائقين البشر الذي لا يحبذون فعل ذلك، على تصنيفات سيئة إذا لم تستجب بشكل مجد إلى طلبات الركاب. السؤال هنا على وجه التحديد، ما مدى حرية التصرف التي تمتلكها السيارات ذاتية القيادة عند القيادة بعدوانية لمساعدة راكبها على اللحاق بطائرته، على سبيل المثال؟ ربما تكون القيادة "العدوانية" التي تتبعها السيارات ذاتية القيادة المستجيبة لطلب راكبها ذات أهمية لنجاح خدمة العملاء بقدر أهمية قيادة البشر بعدوانية في بعض الأحيان. فطالما أن رغبات العملاء قانونية وأخلاقية وآمنة، يمكن أن تلبيها الآلات الذكية على نحو مناسب كما يفعل البشر الأذكياء.
يتساءل توم ميتشل، أستاذ كرسي إدوارد فريدكن (E. Fredkin) ورئيس قسم تعلم الآلة في جامعة "كارنيغي ميلون" (Carnegie Mellon)، "لماذا نتعامل مع الآلات على نحو مختلف؟". يرى ميتشل، الذي عيّنت "أوبر" العديد من الأعضاء الأساسيين في قسمه، أنّ "الإشراف" قد يكون مهماً لنُظم تعلم الآلة بقدر أهميته للبشر. ويؤمن أنه سوف يتعين على المؤسسات تصميم الروبوتات المستخدمة في العمل، مع إجراء مراجعات أداء بصفة مستمرة وإدخال تحسينات عليها.
قال ميتشل "بالطبع ليس من الواضح حتى الآن كيف سوف يتم تطبيق هذا، ولكنه شيء نعلم جيداً أنه ينبغي القيام به لضمان القبول والتبني واسع النطاق لتلك التقنيات. كما ينبغي أن تكون لدينا واجهات تعامل بينية تقوم بمهمة الإشراف والتحسين بطريقة أكثر سهولة وأمان".
ستخضع الروبوتات ونُظم تعلم الآلة بصورة متزايدة إلى مؤشرات الأداء الرئيسة نفسها التي يتم من خلالها محاسبة البشر وقياس مدى فاعليتهم. فإذا لم يكن روبوت الدردشة المؤتمت يرفع نسبة رضا العملاء في مركز الاتصالات، حينها يلزم إعادة برمجته/إعادة تدريبه. ولكن هل ينبغي لمدير مركز الاتصالات توجيه انتباهه إلى أفضل ممثلي خدمة العملاء في المركز لحل هذه المشكلة أم إلى التقنيات؟ لا تؤثر التوصيات بالاستثمار في المستشارين الآليين إطلاقاً على تحليل المشاعر في قطاعات سوق "المتقاعدين حديثاً" سريعة النمو. إذاً، كيف يمكن الموازنة على أفضل نحو بين "زيادة الحماس في العمل" وبين معدلات العائد المعدلة حسب المخاطر؟ وهل يجب أن يعمل المستشارون الآليون على نحو أوثق مع نظرائهم البشريين؟
التساؤلات نفسها ذات الصلة بالقيادة والإدارة والتحفيز التي تراود المؤسسات ذات الموظفين الأذكياء، تراود المؤسسات السيبرانية الموصولة شبكياً على النطاق العالمي، وتلك التساؤلات هي: هل ستؤدي مراجعات الأداء متعددة الزوايا إلى التوصل إلى رؤى وأوجه كفاءة جديدة؟ وكيف ينبغي برمجة الآلات الذكية أو تدريبها، لتقدم رؤى جديدة أو أنشطة تحسِّن الوظائف؟ وهل هناك شبكات جديدة مثل إنترنت الأشياء؟ أو مجموعات من البيانات الجديدة التي ينبغي الوصول إليها لضمان تحسين الأداء بشكل متواصل؟
تماماً مثلما يرتبط رضا الموظفين بشكل كبير برضا العملاء، يجب على المؤسسات التي تدير روبوتات ذكية وفرقاً رفيعة الأداء متخصصة في تعلم الآلة، أن ترصد العلاقات الترابطية بين فعالية الخوارزميات والقيمة التي يحصل عليها العميل.
فالتحدي من الآن فصاعداً يتمثل في اتخاذ قرار بشأن المقدار الذي تُحدَّد وتُبيَّن به تلك العلاقات الترابطية من قِبل القادة البشر، مقابل النُظم التي تدعم "مستوى الذكاء الاصطناعي" (AIQ) العالي.
يقول كابلان "نحن ببساطة لا نملك نظريات حاسوبية جيدة حول الأعراف والسلوكيات الاجتماعية"، وهو ما يجعل من الصعب على البشر الأذكياء والآلات الذكية أن يتعايشوا ويتعاونوا معاً على نحو مثمر. ولكن، لا ينبغي أن يكون هناك شك في أنّ مَن يديرون الشركات سيستخدمون البيانات والتحليلات التنبؤية التي توفرها الآلات كي يجعلوا تلك الآلات نفسها التي أنتجت البيانات أفضل وأذكى.
وأخيراً، أكثر المسائل المتعلقة بمستقبل المؤسسات إثارة هي ما إذا كانت المؤسسات سوف تحقق في المستقبل نتائج أفضل وقيمة أكبر من خلال مراجعات أداء أفضل موظفيها أم أفضل آلاتها.