مؤسس “كوالتريكس” يتحدث عن إعادة بناء شركة ناجحة بالفعل

12 دقيقة
كوالتريكس
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

من أصعب الطرق في العمل والحياة أن تهدم ما بنيته لبناء شيء أفضل، وأن تعرف متى يجب أن تفعل ذلك، خاصة إذا كان كل شيء يسير على ما يرام. في “كوالتريكس” (Qualtrics)، الشركة التي أسستها أنا وأبي وأخي وصديقي في عام 2002، أعدنا بناء أعمالنا عدة مرات. في البداية فعلنا ذلك بحكم الضرورة، لكننا سرعان ما علمنا أنه من الأسهل بكثير إجراء التغيير من موقع قوة بدلاً من أن تجريه لأن السوق أو منافسيك يلوون ذراعك. لا تنجح أي مجازفة كبيرة أو عملية إعادة تمحور في أقل من 3 أو 4 سنوات، لذلك تعلمنا إجراء التغيير عندما تكون الأمور على ما يرام. ومع ذلك، في بعض الأحيان لا يكون لديك خيار سوى إعادة البناء في خضم الأزمة.

بدأت “كوالتريكس” كشركة استقصاءات ذات منتج واحد ويستعين بها الأكاديميون بشكل أساسي لإجراء البحوث. وقد كان هذا نموذج عمل غير تقليدي لشركة ناشئة تخدم سوقاً صغيرة تضم عملاء مرهقين لم يكن لديهم الكثير من المال. ولن يرغب أي مستثمر مغامر (جريء) في المراهنة على تلك السوق. ولكن بحلول أوائل عام 2010، تطورنا لنصبح شركة متعددة المنتجات تساعد المؤسسات على إدارة تجربة العملاء ورؤى الموظفين وبحوث السوق. وفي عام 2017، أطلقنا فئة منتجات إدارة التجارب (XM) وأنشأنا أول منصة يمكن للمؤسسات من خلالها الإشراف على التجارب الأساسية الأربعة للأعمال: تجارب العميل والموظف والمنتج والعلامة التجارية. أدى ذلك إلى استحواذ شركة “إس أيه بي” (SAP) على شركتنا مقابل 8 مليارات دولار في يناير/كانون الثاني عام 2019، ثم طرحها للاكتتاب العام الأولي في البورصة بعد ذلك بعامين بسعر افتتاح يبلغ 3 أضعاف هذا المبلغ.

كل عملية إعادة تمحور أجريناها خلال مسيرتنا تطلبت منا إعادة بناء حزمتنا التكنولوجية وتغيير الشفرة البرمجية السابقة وتعديل استراتيجيتنا في إدارة المواهب وإعادة توجيه الشركة، وكل منها ينطوي على تكاليف ومخاطر كبيرة. لكننا أدركنا أنه إذا أردنا تشكيل السوق التي كنا فيها بشكل أساسي، فسيتعين علينا إعادة بناء أنفسنا وإنشاء منصة أكثر قوة. ودافعنا يأتي دائماً من سعينا إلى بلوغ أقصى إمكاناتنا كشركة بدلاً من الاستمرار في القيام بما يسير على ما يرام بالفعل. كنا ننظر دائماً إلى سوقنا ومنتجاتنا وموظفينا ونتساءل “كيف يمكننا الاستمرار في التحسين وخدمة عملائنا على نحو أفضل؟”.

ففي النهاية، ليس التغيير هو ما يدمر الأعمال التجارية، بل القناعة بالوضع الراهن.

كل عملية إعادة تمحور أجريناها خلال مسيرتنا تطلبت منا إعادة بناء حزمتنا التكنولوجية وتغيير الشفرة البرمجية وتعديل استراتيجيتنا في إدارة المواهب وإعادة توجيه الشركة.

طريقة جديدة لجمع البيانات

أسست عائلتنا شركة “كوالتريكس” في مدينة بروفو بولاية يوتا بالولايات المتحدة. وفي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان والدي، سكوت، أستاذاً في التسويق في “جامعة بريغام يونغ” (Brigham Young University). وخلال العمل على مشروع استشاري لشركة “بيل ساوث” (BellSouth)، توصل إلى فكرة استخدام الإنترنت لتسريع إجراء بحوث السوق، وبالتالي الاستغناء عن وساطة الشركات المتخصصة في إجراء بحوث السوق بتكلفة باهظة. بعد مدة قصيرة، تم تشخيصه بسرطان الحلق (وهو الآن في مرحلة التعافي من حسن حظنا). وخلال فترة علاجه، بدأنا في بناء شركة برمجيات. كنت طالباً في السنة الأولى في كلية ماريوت للأعمال بجامعة بريغام يونغ لكنني رأيت إمكانات مشروعنا وانقطعت عن الدراسة لأكون مع والدي وأعمل عليه.

لطالما اعتقدنا أن مستقبل “كوالتريكس” يكمن في مساعدة المؤسسات الكبيرة، ولكن في البداية كان من الصعب إقناع هؤلاء العملاء بتبني طريقة جديدة للقيام بالأشياء. كنا سابقين لعصرنا فيما يتعلق بقياس شعور العملاء عبر الإنترنت. أتذكر رفضاً تلقيناه من مسؤول تنفيذي في شركة طيران في عام 2005، قائلاً: “إذا كان عملاؤنا منزعجين، فسيتصلون بنا بكل بساطة”. كانت هذه ببساطة هي الطريقة التي يفكر بها العالم في تجربة العملاء. والشركات المهتمة بالاستماع إلى العملاء كان يسرها دفع مبالغ ضخمة للمستشارين وشركات البحوث التقليدية، على الرغم من أن الحصول على نتائج كان يستغرق شهوراً. فقد كانت تؤمن بمقولة “لا تُصلح ما لم ينكسر”.

قادتنا هذه العقلية إلى التركيز في البداية على سوق أصغر: الأكاديميون، مثل والدي، الذين يمكنهم استخدام منتجنا لإجراء البحوث عبر الإنترنت. واعتقدنا أنه إذا كان متحمساً لبرمجياتنا، فسيتحمس لها الآخرون أيضاً. على الرغم من أننا اتصلنا أولاً بالرؤساء التنفيذيين للتكنولوجيا والرؤساء التنفيذيين للمعلومات في الجامعات، وأحبوا المنتج، فإنهم لم يكونوا مستعدين للاشتراك نيابة عن كلياتهم. لذا، كان علينا ابتكار نموذج عمل جديد. ولذلك ذهبنا مباشرة إلى أساتذة التسويق في كليات إدارة الأعمال، الذين لم يكن لديهم أي ميزانية تقريباً. كنا نحاول إقناع 1 أو 2 من الأساتذة، الذين بدورهم سيقنعون قسم التسويق بأكمله بالاشتراك.

كانت هذه بالتأكيد طريقة صعبة للقيام بذلك، لكن في النهاية امتد التأثير من قسم التسويق إلى بقية كلية إدارة الأعمال ثم سينضم قسما العلوم الاجتماعية وعلم النفس. وسنعود إلى الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا نفسه أو الرئيس التنفيذي للمعلومات نفسه بعد عامين أو ثلاثة أعوام، وهذه المرة الجامعة بأكملها ستشترك.

كانت إحدى مزايا هذه الاستراتيجية أنها أجبرتنا على جعل برمجياتنا قوية ومرنة في الوقت ذاته. لم يكن الأكاديميون يدفعون لنا ما يكفي لنتمكن من توفير الدعم عبر الهاتف، لذلك إذا لم تنجح التكنولوجيا مع الجميع خارج الإطار التقليدي، فلن تنجح معنا كشركة. وهذا يعني أنه كان علينا بناء تكنولوجيتنا بطريقة تلبي المتطلبات الفريدة لكل أستاذ جامعي. كان شعارنا في تلك الأيام الأولى “تكنولوجيا متطورة بما يكفي لتناسب الحاصلين على درجة الدكتوراة، ولكنها سهلة بما يكفي بالنسبة إلى المتدربين”. فقد حدد هذا الشعار تجربة مستخدمينا من البداية.

هناك ميزة أخرى تتمثل في أننا اكتسبنا عملاء مستقبليين من الشركات؛ فقد استفاد الطلاب من برمجياتنا في التدريبات الداخلية الذي حصلوا عليه ثم في وظائفهم التي أصبحوا يشغلونها بدوام كامل بعد التخرج. على سبيل المثال، أحد طلاب ماجستير إدارة الأعمال الذي ذهب إلى العمل في شركة “هينيكن” (Heineken) خلال الصيف استخدم برمجيات “كوالتريكس” لإجراء دراسة ميدانية. وقد أرادت الشركة الاستمرار في استخدام برمجيات “كوالتريكس” بعد عودته إلى الكلية، لذا اشترت منا نسخة مرخصة بقيمة 60 ألف دولار. وهناك طالب آخر من جامعة واشنطن عمل على مشروع في شركة “إكسبيديا” (Expedia)، ما دفع شركة السفر إلى التسجيل أيضاً.

ثم حلت الأزمة المالية التي حدثت بين عامي 2008 و2009. كان مقرنا في ولاية يوتا، بعيداً عن “وول ستريت”، لكننا كنا لا نزال نشعر بالضعف. فقد كان لدينا 40 موظفاً، وليس لدينا مشاريع محتملة أو رأسمال خارجي، وقاعدة مستخدمين أكاديميين. كنا بحاجة إلى التغيير بشكل استباقي قبل أن تجبرنا الأزمة على التغيير. واستشعرنا انفتاحاً في سوق الشركات. فرض الركود ضغوطاً شديدة من حيث التكلفة على كل مؤسسة كنا نتحدث معها، وكان ذلك خبراً جيداً بالنسبة إلينا لأننا كنا أسرع وأقل تكلفة من شركات الاستشارات وبحوث السوق التقليدية في وقت كان يتعين فيه على الشركات أن تتخذ خطوات صحيحة وقرارات سريعة. ومن المفارقات أنه خلال فترة الانكماش الاقتصادي، بدأ عدد عملائنا من الشركات في الارتفاع. كان ذلك عندما شهدنا بدء ثورة البيانات، وحينها أصبحت البيانات عملة، وأصبح لاتخاذ قرارات صائبة أهمية كبيرة.

ولكن حتى عندما بدأت عائداتنا من الشركات في تخطي عائداتنا الأكاديمية، كانت معظم صفقاتنا لا تزال تُغلَق على مستوى الناس العاديين. ومع تغيُّر قاعدة عملائنا على نحو متزايد، كان علينا اتخاذ بعض القرارات. فقد كنا ننمو ونربح، لكننا كنا شركة تديرها عائلة ومقرها في الطابق الأرضي، وكان معظم مستخدمينا حاصلين على درجة الدكتوراة وليس لديهم رأسمال. كان من السهل للغاية الاستمرار في إدارة أعمال عصرية مع التركيز على السوق الأكاديمية فقط، لكن هذا لم يكن ليتيح لنا تحقيق كامل إمكاناتنا. كنا نعلم أنه كان علينا هدم ما بنيناه لابتكار شيء أفضل.

قفزة إلى قطاع الشركات

في “كوالتريكس” كنا نحاول دائماً النظر إلى القرارات المهمة وكأنها أبواب تفتح في اتجاه واحد أو في اتجاهين، وهو شيء تعلمناه من شركات التكنولوجيا الكبيرة الأخرى، بحيث يمكن الرجوع عن بعض القرارات، ولكن هناك قرارات أخرى لا رجعة فيها. مثال بسيط لرواد الأعمال: توزيع حقوق الملكية هو باب يفتح في اتجاه واحد، لأن بمجرد توزيعها لا يمكنك استعادتها. أما تقديم نماذج تسعير مختلفة فهو باب يفتح في اتجاهين؛ فعلى الرغم من أنه قرار مهم، يمكنك دائماً مراجعته وتغييره مع مرور الوقت. غالباً ما تعاني الشركات الناشئة مما يُعرف بـ “إجهاد الإنذار”؛ إذ يتم التعامل مع كل قرار تجاري على أنه ضروري ولا رجعة فيه. وأحياناً تجري الشركات عبر كل باب بأسرع ما يمكن لأنها تعتقد أن النمو هو كل ما يهم. إذاً، كيف يجب أن تتعامل مع القرارات؟ درب مؤسستك على الجري بأسرع ما يمكن عبر الأبواب ذات الاتجاهين، ولكن ينبغي للجميع التوقف والتفكير ملياً قبل المرور من باب ذي اتجاه واحد.

بحلول عام 2012، علمنا أننا نواجه قراراً مهماً يتطلب المرور من باب ذي اتجاه واحد. كان لدينا أكثر من 4,700 عميل دائم، بما في ذلك 600 جامعة ونصف عدد الشركات المدرجة في قائمة “فورتشن 500”. كان قطاع الشركات مذهلاً، لكننا كنا نعلم أنه يمكننا فعل المزيد. تلقينا عرض استحواذ بقيمة 500 مليون دولار نقداً من مشترٍ  من القطاع الخاص، وكانت هذه هي المرة الأولى خلال 10 سنوات التي يريد فيها شخص ما شراء شركتنا. وقد أثبت ذلك أن ما كنا نفعله أدى إلى زعزعة السوق، كما أنه كان سيقدم ما يكفي من المال لأبي وأخي وصديقي للتقاعد بطريقة مُرضية. كان قراراً صعباً، لكننا رفضناه بعد أن سألنا أنفسنا الكثير من الأسئلة، بما في ذلك: أي نوع من الشركات نريد أن نكون؟ وما الذي سيكون مناسباً بالنسبة إلينا حتى لا نندم على رفض هذا العرض؟ ستصبح الإجابات عن هذه الأسئلة هي خارطة طريقنا المستقبلية.

حينها علمنا أن الوقت قد حان للسير عبر باب ذي اتجاه واحد. سيكون من المنطقي ألا نبيع طالما أن حجم الشركة سيزداد، وهذا سيعني تغيير ما كنا نفعله حتى وإن كان يعمل بشكل جيد. أحببنا السوق الأكاديمية (وهي أيضاً أحبتنا)، لكننا كنا نعلم أن تحقيق النمو على المدى الطويل سيتطلب منا توسيع نطاق تركيزنا وإعادة مواءمة استراتيجيتنا لتناسب العملاء من الشركات، ولم نكن مهيئين لهذا الأمر بعد. كنت أعمل بشكل مباشر مع عملائنا من الشركات، وكان بإمكاني أن أرى بوضوح القيمة التي كنا نخلقها. فقد كانوا على استعداد للمشاركة في الاستثمار معنا لتصميم الحلول المناسبة. وقد أشار ذلك إلى توسع هائل في سوقنا المحتملة، واعتقدنا أن الوقت مناسب للمضي قدماً في هذا الأمر. لكنه سيكون قراراً نراهن به على أعمالنا نظراً إلى الاستثمارات الرأسمالية التي سنحتاج إلى القيام بها في المنتج واستراتيجية الذهاب إلى السوق. وسيتعين على المؤسسين المرور بعملية تعلُّم شخصي مؤلمة وطويلة الأجل بينما نعمل على تطوير مجموعات المهارات التي نفتقر إليها. وكان علينا أيضاً كسر الكثير من القواعد، مثل عدم وجود عاملين عن بُعد، التي أوصلتنا إلى الوضع الذي كنا فيه.

نقلنا الموارد من أعمالنا الأكاديمية المزدهرة وتعهدنا بالانتقال من شركة ذات منتج واحد إلى شركة متعددة المنتجات تطور التكنولوجيا لمساعدة الشركات على قياس تجربة العملاء. وأسسنا أيضاً أعمالاً قائمة على رؤى الموظفين لمتخصصي الموارد البشرية. وعند اتخاذ هذا القرار كان علينا، مجدداً، إعادة بناء حزمتنا التكنولوجية وتغيير الشفرة البرمجية وإعادة مواءمة جزء من قوة عملنا المكونة من 300 شخص مع هذا الاتجاه الجديد.

الشراكة مع أصحاب رؤوس الأموال المغامرة

كنا واثقين من هذا القرار، ومن قرارات أخرى في السنوات التالية، لأننا كنا دائماً قريبين من عملائنا. أنا مؤسس مشارك وأول مندوب مبيعات أيضاً؛ إذ يحضر جميع كبار قادتنا، بغض النظر عن وظيفتهم، اجتماعات المبيعات مع العملاء المحتملين والعملاء الحاليين. لا شك أن بعض المؤسسين يعتقدون أن بإمكانهم معرفة ما سيحدث دون أي تواصل هادف مع العملاء، لكنني أعتقد أنهم قليلون. كما أنني أجمع رؤى من موظفي الخطوط الأمامية، وأجلس مع العملاء المحتملين والعملاء الحاليين وأستمع إلى احتياجاتهم وأحاول معرفة منظورهم لما هو جيد حتى نتمكن من تطوير شيء لم يتخيلوه بعد.

السبب الآخر الذي جعلنا قادرين على المخاطرة بأن نصبح شركة متعددة المنتجات تركز على الشركات هو التزامنا بكسب تأييد فريقنا الداخلي. بالطبع نفسح دائماً المجال للاعتراضات والاختلافات الصحية في الرأي عندما نواجه قراراً من النوعية التي لا يمكن الرجعة فيها. وعندما يدير الأخوة الأعمال معاً، تصبح الاعتراضات من المسلمات. ولكن بمجرد اتخاذ القرار، نطلب من الجميع “تكريس كامل طاقتهم له”. وغالباً ما يعني ذلك التخلي عن الطرق القديمة في القيام بالأشياء والمشاريع الكبيرة التي استهلكت ساعات من وقت الموظفين على مر السنين. كنت أقول دائماً إنه إذا كنا لا نشعر بالراحة تجاه ما نفعله، فهو صائب على الأرجح.

وفي العام نفسه الذي رفضنا فيه عرض الـ 500 مليون دولار، اقترضنا من وادي السيليكون للمرة الأولى من أجل دورتنا التمويلية الأولى. وكان ذلك نقطة انطلاق كبيرة بالنسبة إلينا. وحتى ذلك الحين، نهضنا بالشركة دون أموال خارجية. كنا مربحين ونفخر بأننا غرباء طموحون لم يلتزموا بمعايير قطاع التكنولوجيا. لكننا الآن بحاجة إلى شركاء “شاهدوا هذا الفيلم من قبل” ويمكنهم مساعدتنا في تجاوز عتبة المليار دولار.

بصراحة، كنا بحاجة إلى النهوض بالشركة وتنميتها. أخي، الذي تركنا في السنوات الأولى للانضمام إلى “جوجل”، عاد في عام 2009 وكان لدينا الكثير من المواهب الأخرى رفيعة المستوى. لكننا لم نكن قد شكّلنا بعد فريقاً تنفيذياً لديه خبرة في البيع للشركات الكبيرة أو إدارة شركة مع اقترابها من أن تصبح شركة من نوع “يونيكورن”. لذلك بحثنا ووجدنا أشخاصاً أكثر ذكاءً وخبرة منا. وفي النهاية، دخلنا في شراكة مع شركتين رائدتين من شركات رأس المال المغامر (الجريء): “أكسل” (Accel) و”سيكويا” (Sequoia). علمنا أنهما ستكونان ملتزمتين: فقد أرسلت لي “أكسل”، وهي من أوائل المستثمرين في “فيسبوك”، 17 رسالة بريد إلكتروني دون أن أطلب إرسالها حتى قبل أن أتعامل معها، وكان هناك شريك في “سيكويا” عَمِل عن كثب مع أخي في “جوجل”، وكان لديه معرفة وثيقة بنا وبأعمالنا.

كان لدي بالتأكيد مخاوف بشأن هذا الجزء من التحول في استراتيجيتنا. أتذكر أنني استيقظت وكنت أشعر بقلق شديد في الليلة التي سبقت لقائي الأول مع مايك موريتز من “سيكويا”. اعتقدت أنه سيرغمني على نقل مقر الشركة، وعائلتي، من ولاية يوتا إلى كاليفورنيا، كشرط للاستثمار. لكنه لم يطلب ذلك. وسأل عما إذا كنا نريد أن نقدم أشياء رائعة، لأنه يعتقد أنه يمكننا ذلك. وقال إنه يعتقد أنه يمكننا القيام بذلك من ولاية يوتا. فلا يلزم أن يعمل الأذكياء من مكان محدد. عرف موريتز ما عرفناه من أن يوتا تتمتع بالعديد من المزايا نفسها التي تتمتع بها منطقة خليج سان فرانسيسكو، وأكثر. على سبيل المثال، نعيش حيث يأتي الناس لقضاء الإجازات، وهذا يوفر جودة حياة رائعة أصبحت أفضل المواهب تقدرها. كان هذا في عام 2012، ومنذ ذلك الحين ازدهرت منطقة “سيليكون سلوبس” (Silicon Slopes) (ما يُطلق الآن على مجموعة الشركات عالية النمو في بروفو بولاية يوتا وما حولها) لتصبح واحدة من أفضل مراكز التكنولوجيا في الولايات المتحدة.

ومع توافر العملاء والموظفين ودعم المستثمرين، انطلقنا في العمل بهمة. وانتقلنا من شركة بحوث سوقية ذات منتج واحد تخدم الأوساط الأكاديمية بشكل أساسي إلى شركة متعددة المنتجات تقدم للشركات منتجات تتعلق بتجربة العملاء ورؤى الموظفين وبحوث السوق. وبذلك تجاوزنا العتبة، ولم يكن هناك أي تراجع.

أثق في قدرتنا على الاستمرار في التكيف مع الأسواق الدينامية واحتياجات العملاء. فبعد حوالي 20 عاماً من إجراء عمليات إعادة تمحور، عرفنا كيف نعيد بناء أنفسنا.

إطلاق فئة منتجات إدارة التجارب

واجهنا القرار الرئيسي التالي الذي لا يمكن الرجوع عنه في أوائل عام 2017. كانت أعمالنا في أفضل حالتها. جمعت جميع كبار قادتنا في غرفة اجتماعات أطلقنا عليها “نوراد” (على اسم مركز قيادة الإنذار المبكر التابع للجيش الأميركي) في مقرنا الرئيس، وطلبت منهم التحدث الآن أو الصمت إلى الأبد. كان الأمر المطروح على طاولة المفاوضات هو الانتقال من المنتجات المتعددة إلى منصة واحدة يمكن من خلالها للعملاء من الشركات إدارة تجربة العملاء والموظفين والمنتج والعلامة التجارية في مكان واحد. كنا بصدد قطع طريق العودة على منتجاتنا السابقة وإطلاق فئة منتجات إدارة التجارب. وكانت هذه خطوة أخرى تنطوي على مراهنة على الشركة بينما كانت أعمالنا في أعلى مستوياتها على الإطلاق. وسيتطلب هذا تنفيذ النوع نفسه من عملية إعادة البناء التي نفذناها قبل 5 سنوات. ومرة أخرى كانت المخاطر كبيرة.

لكننا اتفقنا جميعاً على أن هذا هو التصرف الصحيح. فهو سيعود بالنفع على العملاء، وسيدعمه الموظفون. وكان مستثمرونا واثقين من أننا سنتدبر الأمر. في الواقع، بعد شهرين فقط من إطلاقنا منصة إدارة التجارب، راهنوا علينا مرة أخرى باستثمار بقيمة 180 مليون دولار من الفئة “ج”.

بعد أقل من عامين، كان من الواضح أننا كنا على حق؛ فقد كانت المؤسسات تتعاقد مع “كوالتريكس” أسرع من أي وقت مضى. وبعد أن أثبتنا قوة إدارة التجارب، كنا نستعد لعروض الطرح الأولي للاكتتاب العام في الخريف عندما بدأنا محادثات مع “إس أيه بي” حول العمل معاً. فقد أسسنا شركة مستقرة عالية النمو وظلت تدفقاتها النقدية إيجابية منذ تأسيسها. ولطالما قيل لنا إن علينا الاختيار بين إيجابية التدفق النقدي والنمو المرتفع، لكننا كنا دائماً نحسن نموذج عملنا فيما يتعلق بكليهما، وكان ذلك يؤتي ثماره. بدا أن أعمالنا أصبحت مختلفة للغاية عما كانت عليه في مراحلنا الأولى. كان هذا عندما وصلنا إلى القرار النهائي الذي لا رجعة فيه. فقبل 3 أيام من الموعد المقرر لقرع جرس “وول ستريت”، قدمت “إس أيه بي” عرضاً مقنعاً لم نستطع رفضه. كان هدفنا منذ إطلاق فئة إدارة التجارب هو تقديمها للعالم بأقصى سرعة وفعالية ممكنة، فكل مؤسسة تحتاج إليها. وعندما عرضت “إس أيه بي” 8 مليارات دولار علينا، وهي أكبر عملية استحواذ على شركة برمجيات خاصة في التاريخ، قبلنا العرض لأن فرصة تقديم فئة منتجات إدارة التجارب لعملاء “إس أيه بي” البالغ عددهم 437 ألف عميل ستسمح لنا بتحقيق هذا الهدف. رهان “إس أيه بي” علينا وجميع عمليات إعادة البناء التي قمنا بها أتت ثمارها عندما طرحت الشركة “كوالتريكس” للاكتتاب العام في يناير/كانون الثاني عام 2021. (تحتفظ “إس أيه بي” بالحصة المسيطرة في “كوالتريكس”، بما في ذلك جميع أسهم الفئة “ب” التي تمنحها حقوق تصويت إضافية).

في اليوم الذي استحوذت فيه “إس أيه بي” علينا في عام 2019، حضرت مكالمة مع أحد المستثمرين مع رئيسها التنفيذي آنذاك، بيل ماكديرموت. كان أحد الأسئلة الأولى هو “كيف لم أسمع عن ‘كوالتريكس’ من قبل؟”. ابتسمت دون إبداء ذلك. لطالما خالفنا التصورات التقليدية، وركزنا بصمت على بناء شركة مربحة تستمر لأجل طويل ويقدر عملاؤنا قيمتها. وكنا نجري تحولات باستمرار لتقديم قيمة أكبر لعدد متزايد من المؤسسات مع كل عملية إعادة تمحور أجريناها. حتى بعد الطرح الناجح للاكتتاب العام الأولي في البورصة، ورحلتنا التي استمرت لما يقرب من عقدين، ما زلنا نشعر كما لو أننا بدأنا للتو.

أثق في قدرتنا على الاستمرار في التكيف مع الأسواق الدينامية واحتياجات العملاء. فبعد حوالي 20 عاماً من إجراء عمليات إعادة تمحور، عرفنا كيف نعيد بناء أنفسنا. لكن بينما أكتب هذا المقال، تواجه “كوالتريكس” (وجميع المؤسسات الأخرى في شتى أنحاء العالم) عالماً جديداً بالكامل، وهو ليس عالماً من اختيارنا. فقد زعزع “كوفيد-19” الطرق التقليدية لممارسة الأعمال التجارية، ما تسبب في حدوث اضطرابات في قوة العمل وفي جميع الجوانب الأخرى. صممنا منتجات وخدمات جديدة تساعد أصحاب العمل والحكومات والمعلمين في جميع أنحاء العالم على المراقبة والتصرف بما يخدم أفضل مصالح موظفيهم ودوائرهم والعاملين في مجال الرعاية الصحية والطلاب.

علينا أن نتحرك بخفة، ونحن نسخر القوة والأدوات التي بنيناها خلال سنوات من الممارسة لضمان أن يتمكن الجميع من التكيف والتأقلم بسرعة. الخبر الجيد هو أن إعادة بناء أنفسنا هو ما نبرع فيه. ففي كل مرة نهدم فيها شيئاً ما، تعود أعمالنا أقوى وأفضل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .