زيادة الإيرادات والأرباح غاية أساسية للسواد الأعظم من الشركات، وتقع على عاتق أقسام الشركة كلها مسؤولية المساهمة في السعي لتحقيق هذه الغاية. وعلى الرغم من ذلك، تبنّت شركات التقنية الناشئة، خلال السنوات الأخيرة، دوراً جديداً، ألا وهو مدير النمو - أو هكر النمو، أو مدير مشروع النمو، أو مدير إدارة النمو - وينصب تركيزه على النمو حصراً. وبالنظر إلى تطوير المنتج وتسويقه، باعتبارهما وظيفتين متكاملتين لا صومعتين منعزلتين، تُعيد شركات التقنية الرائدة مثل "فيسبوك" (Facebook) و"بنترست" (Pinterest) النظر في موقفها من دفع عجلة النمو وتحقيق نتائج ثورية.
وعلى الرغم من ذلك، ما زال منصب مدير النمو غير مفهوم بالقدر الوافي، خصوصاً خارج نطاق وادي السيليكون. لقد أجرينا مقابلات شخصية لأكثر من اثني عشر مديراً للنمو في شركات ناشئة سريعة النمو، كجزء من جهود أبحاث ريادة الأعمال لكلية "هارفارد للأعمال" (HBS)، واستكشفنا الإجراءات التي ينفذونها لتصميم وظيفة مدير النمو داخل مؤسساتهم.
عادة ما تستقر وظيفة مدير النمو في ملتقى الطريق بين التسويق وتطوير المنتج، وينصب تركيزها على كسب الزبائن والمستخدمين وتحفيزهم والاحتفاظ بهم والارتقاء بالمبيعات الموجهة إليهم، وعادة ما يتبع مدير النمو إما إلى الرئيس التنفيذي أو نائب رئيس قسم إدارة المنتجات أو نائب رئيس قسم التسويق، ويعمل مدراء النمو مع فرق متعددة التخصصات، مثل القسم الهندسي، وقسم التصميم، وقسم التحليلات المحوسبة، وقسم إدارة المنتج، وقسم العمليات، وقسم التسويق، بغية تصميم مبادرات النمو وتنفيذها.
وبالنسبة للمسؤوليات، فلوظيفة مدير النمو ثلاث مهام أساسية: أولها تحديد خطة نمو الشركة، وثانيها تنسيق برامج النمو وتنفيذها، وثالثها الارتقاء إلى أقصى حد ممكن بعملية المبيعات.
ولكن، قبل أن يتحقق أي مما سبق، على مدير النمو أولاً أن يتأكد من أن البنية التحتية الصحيحة للبيانات قائمة بالفعل.
إن البيانات هي وقود وظيفة النمو، وفِرق النمو تستثمر حصة كبيرة من مواردها من أجل إنشاء بنية تحتية تيسر تحليل سلوك المستخدمين والتجريب العلمي والدعاية الموجهة. وعلى الرغم من أن كثيراً من فِرق النمو لديها متطلبات خاصة تفرض عليها تأسيس البنية التحتية للبيانات الخاصة بها، يستقر رأي كثير من تلك الفرق على التعامل مع منتجات البرمجيات كخدمة (SaaS) المتاحة تجارياً. وتتضمن هذه البرمجيات كل شيء بداية من أدوات التحليل المحوسبة مثل "أدوبي أناليتكس" (Adobe Analytics) و"جوجل أناليتكس" (Google Analytics) حتى أدوات اختبار أ/ب مثل "ماكسيمايزر" (Maximyzer) و"أوبتيمايزلي" (Optimizely).
ويتحمل مدراء النمو عادة مسؤولية انتقاء هذه المنتجات ودمجها في إطار عمل التحليلات المحوسبة للشركة، والعمل إما منفردين وإما بالتعاون مع فريق التحليلات المحوسبة لأجل تقديم واجهات المتابعة وأدوات الاختبار كخدمات عبر المؤسسة كلها.
وفور أن تُتاح البيانات، يتعين على مدير النمو مساعدة الشركة في تحديد هدف نموها، بالإجابة عادة عن سؤالين محوريين: أولاً، في أي مستويات عملية المبيعات ينبغي التركيز على مبادرات النمو؟ على سبيل المثال، أينبغي تخصيص الموارد لكسب المستخدمين أم لمكافحة إحجام الزبائن؟ ثانياً، يجب على مدير النمو مد يد العون للشركة فيما يتعلق بتحديد التقدم المُحرز مقابل الأهداف واستيعابه. وتتحقق هذه المهمة بانتقاء مؤشرات الأداء الرئيسة، ووضع تقارير استناداً لهذه المقاييس لتُستخدم في شتى أقسام المؤسسة.
ويقدم مدراء النمو أيضاً رؤى ثاقبة بالمزج ما بين البيانات والفهم المتعمق لاحتياجات المستخدمين وعاداتهم وتصوراتهم المستخلصة من المقابلات الشخصية المستهدفة ودراسات سهولة الاستخدام وملاحظات الزبائن. ويستغل مدراء النمو البيانات التي بين أيديهم للإجابة عن بعض الأسئلة المؤرقة المتعلقة بـ "علة" الأشياء التي ربما تطرحها الشركة. على سبيل المثال: لماذا ينقطع المستخدمون عن تجربة الاشتراك؟ لماذا لا يرجع المستخدمون إلى التطبيق بعد تثبيته أول مرة؟ لماذا لا يستجيب المستخدمون للعروض الخاصة؟ تُرسل هذه الرؤى بعدئذ إلى فريق الإنتاج للمساعدة في تحديد أولويات المنتَج، الأمر الذي يؤثر على خارطة طريق المنتج، كما سنبين أدناه.
فضلاً عن ذلك، يضطلع مدير النمو بمسؤولية تحديد أولويات مبادرات النمو وتعديلات المنتج. وتنشأ أفكار المبادرات الهادفة إلى خلق نمو في أقسام المؤسسة كلها تقريباً. ومدير إدارة النمو هو صائد طلبات المنتجات الواردة من خارج فريق النمو ومؤيدها. فضلاً عن ذلك، يجب على مدير النمو تنفيذ إطار عمل لتحديد أولويات تحسين المنتج المتعلقة بالنمو، وتنظيم إيقاع اختباره.
يقترح شون إيليس، أحد مؤسسي موقع (Growthhackers.com)، ونائب رئيس قسم التسويق الأسبق في شركة "لوغ مي إن" (LogMeIn)، إطار عمل بسيط لتحديد أولويات أفكار المشروع استناداً لتصنيف على ثلاثة أبعاد محورية:
1- أثر التغيير لو كان ناجحاً.
2- الثقة في أن الاختبار سيتمخض عن نتيجة موفقة.
3- تكلفة تنفيذ الاختبار.
يمكن أن تُساعد هذه العوامل الثلاثة مجتمعة على التفاوض بشأن الأولويات عبر مجموعة الأفكار المتاحة.
وفي ظل هدف النمو المحدد بوضوح، وخارطة طريق معلومة الأولويات للأفكار المراد اختبارها، يصرف مدير النمو انتباهه إلى تصميم الاختبارات ووضعها موضع التنفيذ. ولو كان الاختبار المزمع إجراؤه في نطاق المنتج، فإن مدير النمو يقود عملية تطوير للمنتج لإحداث التغيير المنشود، وغالباً ما تبدأ هذه العملية بمستند متطلبات المنتج أو عرض تقديمي شرائحي موجز يوضح التغييرات التي يحتاج إليها المنتج، وبعد ذلك، يتعاون مدير النمو مع فريق من عدة أقسام، بما فيها أقسام الهندسة والتحليلات المحوسبة والتصميم والتسويق وتسويق المنتج لتنفيذ الاختبار.
ما هي مقومات مدير النمو البارع إذاً؟
لو كانت البيانات وقود النمو، فالتحليلات المحوسبة هي محركه. وعلى مدير النمو إتقان المنطق الإحصائي، واستيعاب كيفية تصميم التجارب الفعالة، وتطوير حدس كمي لتفسير بيانات تجربة المستخدم. إن مدراء النمو الناجحين بارعون في تحليل البيانات وأفضل أدوات استعادتها واستغلالها وتصويرها، بما في ذلك أدوات مثل (MySQL) و(Excel) و(R) و(Tableau).
يحتاج مدراء النمو أيضاً إلى إتقان طيف كامل من قنوات استقطاب الزبائن لتكون تحت تصرفهم. ويحدد جيمس كرير، مؤسس شركة "أوجا لابز" (Ooga Labs)، ثلاثة أنواع عامة لقنوات استقطاب الزبائن:
- الوسائل المملوكة: البريد الإلكتروني و"فيسبوك" (Facebook)، و"كريجزليست" (Craigslist)، و"تويتر" (Twitter)، و"بنترست" (Pinterest) والتطبيقات.
- الوسائل المدفوعة: الإعلانات (على الهواتف المتنقلة أو الويب أو مقاطع الفيديو أو التلفزيون أو الإذاعة، أو التسويق بواسطة محركات البحث أو المؤسسات الفرعية)، وحملات الرعاية.
- الوسائل المكتسبة: تحسين محركات البحث والعلاقات العامة والتسويق الشفهي.
ولكل قناة مزاياها الخاصة ومقايضاتها وخصوصياتها. وما يحسم الأمر هو المعرفة الوثيقة والمحددة بالقنوات الأكثر فعالية في الوصول إلى الجمهور المستهدف للمنتج.
ويحتاج مدير النمو أيضاً إلى التحلي بالإبداع والتفكير الاستراتيجي، وبالطبع فهو بحاجة إلى أن يتحلى بالقيادة. وتتجلى أهمية الصفة الأخيرة على وجه التحديد طالما كان على مدير النمو التوفيق بين الأقسام المختلفة المتعاملة مع الزبائن لتحقيق هدف مشترك للنمو دون أن تكون له سلطة مباشرة. كما أن عليه تشكيل فريق للنمو تتماشى ثقافته مع طبيعة العمل التجريبية التي تنطوي على تحديات.
وتؤكد الخبرة في العديد من شركات التقنية النامية على أن مدراء النمو يحققون النتائج المرجوة عبر مراحل رحلة المستخدم كلها وعلى مستويات عملية المبيعات جميعاً.
وبالمقارنة بين سلوك المستخدمين الحاليين في مقابل المستخدمين الذين أحجموا عن الشراء، حدّد فريق "فيسبوك" المعني بالنمو أن الدافع الأساسي للقدرة على الاحتفاظ بالمستخدمين الجدد كان العثور على 10 أصدقاء على الأقل في غضون الأسبوعين الأوليين من بعد الاشتراك والتواصل معهم. وبعد أن وضعتْ شركة "فيسبوك" هذه الرؤية الثاقبة في الحسبان، طورت مزايا للسماح للمستخدمين برؤية أصدقائهم الذين يستخدمون الخدمة بالفعل والتواصل معهم.
واستطاع فريق النمو في شركة "بنترست" زيادة تفعيل المستخدمين الجدد بنسبة تجاوزت 20% بواسطة تدفق محسن للمستخدمين الجدد. وبتعديل تجربة الالتحاق - من التفسير النصي المطول للخدمة، متبوعاً بموجز عام بالمحتوى الأبرز على الإطلاق إلى تفسير تصويري وموجز مخصص للمحتوى وفقاً لاستطلاع اهتمامات المستخدم - استطاع الفريق تفسير القيمة المقدمة وتدريب المستخدمين على نحو أفضل، الأمر الذي أفضى في النهاية إلى معدل تحويل أفضل.
توقع عزيزي القارئ أن تُمسي وظيفة مدير النمو شائعة في السنوات المقبلة. وكما في العديد من الابتكارات المؤسسية، ما يبدأ في الشركات الناشئة ينتقل إلى المؤسسات الأكبر حجماً التي تسعى إلى العمل بطريقة ريادية.